تنمية المشاعر الايجابية ونقاط القوة لدى الأطفال
يقول أحد المربيين الأفاضل - "عرض عليَّ ابني ورقة إجابته في امتحان اللغة العربية، وكان قد حصل على علامة تقل قليلاً عن العلامة الكاملة، وكتب له المدرّس إلى جانب علامته عبارة ثناء . فرحتُ أُقلّبُ صفحات الإجابة بين يدي، حتى وقعت عيناي على خطأ في إحدى الإجابات، أشّر عليها المعلم بإشارة الخطأ وخصم لقاء ذلك علامة واحدة . فقلت للفتى : يا بني، لقد كان السؤال سهلاً ومن عجب أنك أخطأت في إجابته . فردّ عليّ ابني متأثراً : يا أبي، لقد حصلتُ على أعلى علامة بين زملائي في الصف، لكنك لم تنتبه إلى كل إجاباتي الصحيحة، وكل ما لفتك هو هذا الخطأ الصغير! إنه محقٌّ فعلاً .فنحن أكثر انتباهاً عادة إلى الجوانب السلبية من سمات وسلوكات ونتائج أعمال أبنائنا عند توجيهنا لهم، بينما نغفل ايجابياتهم ونقاط القوة لديهم . نبذل جهداً كبيراً أثناء تنشئتنا لهم في انتقاد نقائصهم، والإشارة إلى جوانب تقصيرهم، في حين يفوتنا العمل على تنمية نواحي تفوّقهم وإبداعهم وتميزهم . بل تتجه تربيتنا في كثير من الأحيان إلى معالجة السلبيات ومواطن الضعف في شخصياتهم، دون أن ننتبه إلى صفاتهم الايجابية، أو نبحث عن ملكاتهم ومواهبهم وقدراتهم واستعداداتهم التي يمكن أن تُنمّي وتُطوّر .
وربما لهذا السبب الذي تقدم، نجد أن مفهوم التنشئة والتربية قد ارتبط في أذهان كثير من عامّة الناس بالعقوبة، حتى لو لم يصرحوا بذلك علناً، فإن الاستدلال على هذا الفهم للتربية سهل، فقد يأتي أحد الفتيان بسلوك غير مقبول اجتماعياً، فيُعلّق أحد الرجال من حوله بالقول (انه بحاجة إلى تربية) وهو يؤشر بكفّ يده المفتوحة، بما يفهم منه أن التربية المقصودة هنا هي الضرب، أو قد يقال في مجلس إن فلاناً ضرب ابنه مثلاً، فيبادر أحدهم إلى القول : (دعه يُربّيه) فكأن التربية كلها قد اختُزلت في معنيين : أحدهما إصلاح السلبيات، والثاني إنزال العقوبة .
وتذكرني مسألة الانتباه الى الجانب السلبي دون الايجابي في مجال التربية بالفيلسوف الفرنسي «سارتر»، الذي كان يرى ضمن فلسفته أننا نحن من يقرر - إلى حد كبير - ما نريد رؤيته وإدراكه مما حولنا، لأننا بطبيعتنا ننتبه وندرك ما يكون له معنى بالنسبة إلينا، ولا ننتبه إلى ما لا نضفي عليه المعنى . ولو أخذنا بمقولة سارتر هذه، فربما توصلنا إلى أن الجوانب السلبية تعنينا في غالب الأحيان أكثر من الجوانب الايجابية، لذا فنحن أكثر انتباهاً إليها، وتركيزاً عليها، حتى في مجال التربية .
ومن العلماء الأفاضل الذين بحثوا موضوع دأب الناس على الانتباه للجوانب السلبية وإغفال الايجابية الدكتور «مارتن سليجمان»، رائد علم النفس الايجابي، وعلم النفس الايجابي هذا اتجاه يقوم على الاهتمام بالمشاعر الايجابية، وبنقاط القوة لدى الإنسان، وبمؤسسات المجتمع الايجابية . وضمن هذا التوجّه، وفي تناول الدكتور «سليجمان» لموضوع تربية الأطفال، فإنه يؤكد على أن المشاعر الايجابية عنصر حاسم في نمو الأطفال وانطلاقهم واكتشافهم لما حولهم وتعلّمهم، ومثلما أن من طبيعة المشاعر السلبية أنها متفاقمة، بحيث يقود القلق مثلاً إلى الخوف، والإفراط في التشاؤم، والإحساس بالكآبة، فإن المشاعر الايجابية متصاعدة كذلك، حيث أن الشعور الايجابي يغيّر طريقة التفكير، ويزيد من المبادرة والانفتاح وإبداع، وهذا ما يؤدي بدوره إلى مشاعر ايجابية جديدة ... وهكذا .
ويدعو «سليجمان» إلى تبني العديد من الوسائل في سبيل بناء المشاعر الايجابية لدى الأطفال، ومن ذلك النوم إلى جانبهم وهم رضّع، والغناء لهم، مما يبعث فيهم -وفقاً لرأيه- الشعور بالدفء والحب والأمان . ومن ذلك أيضاً مشاركة الأطفال ألعابهم، والتحدث إليهم قبل النوم، ومما يقترحه موضوعاً للحديث في ذلك الوقت، سؤال الأطفال عن الأشياء التي فعلوها وأحبّوها في ذلك اليوم . وهو يقترح كذلك عقد اتفاقات مع الأطفال، كالاتفاق معهم على شراء شيء يرغبون فيه بعد فترة من الزمن إن هم توقفوا عن ممارسة بعض عاداتهم غير المحمودة، ويمكن كذلك مشاركة الأطفال في وضع قرارات للعام الجديد، لا تركّز على التخلص من العادات السيئة والامتناع عن بعض الأفعال غير المستحبّة وحسب، بل تركّز على جوانب تهتم بتنمية نقاط القوة، كتعلّم أشياء ومهارات وهوايات نافعة جديدة مثلاً .
كما يدعو «سليجمان» في سبيل بناء المشاعر الايجابية لدى الأطفال إلى الثناء على إنجازاتهم، على أن يكون الثناء متناسباً مع الانجاز، بمعنى عدم المبالغة في المديح، وعدم تقديم الثناء بدون داعٍ له، وعدم اعتبار كل إنجاز مذهلاً، وإلا فقد المديح أثره . وفي حديثه عن العقوبات يؤكد على حقيقتين مهمتين، الأولى هي ضرورة أن يعرف الطفل تماماً على ماذا تتم معاقبته، والثانية ألاّ يوجّه الانتقاد إلى الطفل ذاته أو إلى شخصيته، بل إلى الفعل الخاطئ الذي قام به .
أما فيما يتعلق بتنمية نقاط القوة عند الأطفال، فيدعو سليجمان إلى إتاحة المجال لهم لإظهار نقاط قوتهم هذه ولو من خلال اللعب، مع محاولة التعرف على هذه النقاط وإطلاق اسم عليها ومكافأتها . وربما يجدر أن نذكر هنا أن «سليجمان» قد قام بمساعدة عدد من زملائه أساتذة الجامعات والباحثين بمحاولة التوصل إلى ما يمكن اعتباره نقاط قوة، فراحوا يبحثون في جميع الكتب السماوية والأديان الأخرى والفلسفات الأخلاقية المختلفة في شتى الثقافات، ليحددوا أهم الفضائل التي تتفق عليها جميع هذه الأديان والملل والمذاهب، فتوصلوا إلى نحو مائتي فضيلة، وبعد فهرستها وتبويبها وتحليلها، استنتجوا أن هناك ستة فضائل رئيسة متفق عليها بين جميع الأديان والعقائد والفلسفات وهي : الحكمة والمعرفة، الشجاعة، الحب والإنسانية، العدل، الاعتدال، الروحانية والسمو. وهو ينطلق من هذه الفضائل الست في نظرته إلى نقاط القوة عند كل إنسان، حيث تندرج تحت كل فضيلة منها العديد من نقاط القوة، التي يجدر الانتباه إليها دائماً، وتعزيزها، وتنميتها .
المصدر: إبراهيم كشتhttp://www.alrai.com/pages.php?news_id=334527
نشرت فى 11 مايو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,761,846