أصبح تسهيل التجارة عاملا هاما للتجارة الدولية والتنمية الاقتصادية للدول. ويعزى ذلك إلى أثره على القدرة التنافسية والاندماج في الأسواق، وإلى أهميته المتنامية في اجتذاب الاستثمارات الجنبية المباشرة. وقد اكتسب خلال العقد المنصرم أهمية أكبر في خطط السياسة الدولية، حيث أصبح جزءا من مفاوضات التجارة متعددة الأطراف الجارية أيضا من برامج المساعدة الفنية الدولية واسعة النطاق للاقتصادات النامية، وتلك التي تمر بمرحلة انتقالية.
تقـوم الجمـارك بـدور مهـم فـي تحقيـق أهـداف السياسـة الاقتصادية للدولـة، فبجانـب كونهـا أحـد أدوات السياسـة المالية للدولـة، ملـا تمثلـه كأحـد مصـادر إيـرادات الدولـة فيمكـن الاعتماد عليهـا كأداة مـن أدوات السياسـة التجاريـة للدولـة لما تمثلـه التعريفـات الجمركيـة كأحـد عناصـر تكاليـف الاستيراد والتصديـر ومـن، ثـم قدرتهـا علـى التأثيـر علـى حجـم صـادرات وواردات الدولـة فـي حالـة تغيـر التعريفـات المقررة، وبالتالـي يمكـن النظـر للإدارات الجمركيـة علـى أنهـا تقوم بدوريـن أساسييـن، أولهمـا جبايـة وتحصيـل الإيرادات الجمركيـة لصالـح خزينـة الدولـة، والثانـي خـاص بحمايـة حـدود الدولـة مـن تهريـب المنتجات سـواء المسموح بتداولهـا أو غيـر المسموح بتداولهـا.
حققت الدول، خلال العقود القليلة المنصرمة، تقدما ملحوظا في خفض الرسوم الجمركية، وتفكيك نظم المحاصصة. وقد ازدادت التجارة وأصبحت أكثر عالمية، بينما أصبح في مقدور الاقتصادات النامية، وتلك التي تمر بمرحلة انتقال، الوصول إلى سلاسل الإمداد. كما أن الفصل بين دورات الإنتاج على نطاق العالم، مع آخر ما توصل إليه من الأساليب اللوجستية، ونشوء الأعمال الإلكترونية، جعل الشركات تعتمد أكثر فأكثر على حركة السلع بكفاءة، وسرعة، وموثوقية. وقد أظهرت هذه التطورات الحاجة إلى إدارة أكثر كفاءة للتعاملات التجارية. بيد أن عدم الشفافية بشأن النظم واللوائح، وعمليات التخليص الطويلة والزائدة عن الحد، وكثرة المستندات المطلوبة بأشكالها العديدة، وعناصر بياناتها المختلفة تؤدي مجتمعة إلى زيادة كلفة المعاملات التجارية وأمدها. وينظر اليوم إلى هذه الحواجز على أنها أكثر إعاقة للتجارة مما تفعل الرسوم الجمركية ونظم الحصص. فهي تجعل الحدود بين الدول "سميكة". ولذا، أضحى من المهم أكثر من أي وقت مضى تحقيق تسهيل التجارة عن طريق الفاعلية والكفاءة الإدارية، وخفض التكاليف، وتقصير وقت وصول السلع إلى الأسواق، وزيادة القدرة على التنبؤ بما سيحدث في التجارة العالمية.
يتسع مفهوم تسهيل التجارة ليشمل كافة الأمور والجوانب المتعلقة بالاستيراد والتصدير وإعادة التصدير وفي أهمها الجوانب الشكلية الرسمية وغير الرسمية والمستندات والوثائق والتراخيص وعمليات العبور بالترانزيت وحركة السلع عبر الحدود والموانئ الجوية والبحرية. بالإضافة إلى العمليات والإجراءات الجمركية على السلع بما في ذلك كافة أشكال الممارسات التي تفرض من قبل سلطات الحدود والمنافذ.
يختلف فهم واستخدام المصطلح "تسهيل التجارة" في المراجع النظرية مع الممارسة العملية. يتم استخدام مصطلح "تسهيل التجارة" كثيرا من قبل المؤسسات التي تسعى لتحسين الواجهة التنظيمية بين الجهات الحكومية والتجار في إطار الحدود الوطنية. وقامت منظمة التجارة العالمية، بتعريف تسهيل التجارة بأنه: "تبسيط وتنسيق إجراءات التجارة الدولية" حيث تكون إجراءات التجارة هي "الأنشطة والممارسات والإجراءات المعنية التي تشترك في جمع وتقديم وتوصيل ومعالجة البيانات اللازمة لحركة البضائع في التجارة الدولية".
إن الهدف الأول لتسهيل التجارة هو المساعدة على جعل التجارة عبر الحدود أكثر سرعة وأقل كلفة، مع ضمان أمنها وسلامتها. وفيما يتعلق بالمجالات التي ينبغي التركيز عليها، فهناك المسائل الرسمية، والإجراءات، وما يتصل بها من تبادل المعلومات والمستندات بين مختلف الشركاء في سلسلة الإمداد.
أما بالنسبة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، ومركز الأمم المتحدة لتسهيل التجارة والأعمال الإلكترونية، فإن تسهيل التجارة يعني "تبسيط، وتوحيد الإجراءات، وتدفقات المعلومات ذات الصلة اللازمة لنقل السلع من البائع إلى المشترى وسداد قيمتها". ومثل هذا التعريف لا يعني أن التحريك المادي للسلع هو الأمر المهم في سلسلة الإمداد فحسب، وإنما يعني أيضا تدفق المعلومات ذات الصلة بالعملية. كما يتضمن أيضا كل الوكالات الحكومية التي يتعلق عملها بعبور السلع، والكيانات التجارية المختلفة التي تقوم بالأعمال وتحريك السلع. ويتفق هذا مع المناقشات الجارية حاليا في منظمة التجارة العالمية بشأن تسهيل التجارة.
وهناك مكاسب كبيرة محتملة من تسهيل التجارة لكل من الحكومات ومجتمعات الأعمال. فالكيانات الحكومية ستكسب من حيث ازدياد حصيلة الضريبة التجارية، والاستخدام الأمثل للموارد، والامتثال المتنامي للقوانين والنظم التجارية. فتوفير الخدمات العامة على نحو أكثر فاعلية وشفافية سيمكن من المحافظة على مستويات عالية من الأمن والرقابة الحكومية، ويقلل، في الوقت نفسه، من فرص الفساد. كما سيكسب التجار من حيث ازدياد القدرة على التنبؤ بما قد يحدث وبفضل سرعة العمليات، وانخفاض تكاليف المعاملات التجارية، ستصبح الصادرات أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق.
أما بالنسبة للدولة ككل، فإن خفض حالات التأخير غير الضروري، وتقليل التكاليف من شأنهما اجتذاب الاستثمارات، ودعم النمو وإيجاد فرص العمل. فتدابير تسهيل التجارة، ستفيد الدول النامية بصفة خاصة، حيث كثيرا ما يستغرق تصدير السلع ثلاثة أضعاف المدة التي يستغرقها في الدول المتقدمة. أما الصادرات من الدول النامية، فتتطلب ما يقارب ضعفي المستندات وستة أضعاف التوقيعات مقارنة بالدول المتقدمة وفقا لتقرير البنك الدولي: إنجاز الأعمال، عام 2012م.
يعتمد الكثير من تطبيق هذه المعايير لتيسير التجارة على توفر البنية التحتية الملائمة، وهذا ما تحاول أن تمكنه إلى حد بعيد بنود ومواد هذه الاتفاقية من خلال قياس مستوى توائم هذه المعايير الضرورية مع ما هو متوفر لدى كل دولة وبالتالي جدولة الالتزامات. فإذا كان هناك نقص في توافر البنية التحتية ستعمل الدول على تقييم احتياجاتها والوقوف على ضرورة العمل مع المجتمع الدولي لإيجاد الوسائل الملائمة لتطوير البنية التحتية بما يخدم العوامل التنموية المحلية بما فيها حركة التجارة.
إن تنفيذ برامج إصلاح لتسهيل التجارة فيه كلفة، وهناك حاجة إلى تنفيذ تدابير الإصلاح على أساس الأولوية لتعظيم الفوائد منها. ولكن هناك فرص كبيرة لتحقيق المكاسب توثقها دراسات وتقارير عديدة، وبخاصة تلك الصادرة من البنك الدولي، ومنظمة والتعاون في الميدان الاقتصادي. وعلى صعيد الاقتصاد الكلي، ينظر إلى الآثار الإيجابية على بيئة المعاملات التجارية وأحجام التجارة. فكلما استلزم تجهيز السلع للاستيراد أو التصدير يوما إضافيا، انخفض حجم التجارة بنحو 4.5% وفقا منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي عام 2011م.
وبالنسبة لمنطقة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، فإن الإصلاحات في الدول التي يقل أداؤها عن المتوسط الإقليمي قد يزيد التجارة البينية في منطقة بمبلغ 245 بليون دولار أمريكي. وينتهي بحث صدر مؤخرا عن البنك الدولي. عن فاعلية العون إلى ما قيمته دولار واحد من العون لتسهيل التجارة يترجم إلى 70 دولارا أمريكيا من الصادرات لمتلقي العون. وعلى صعيد الاقتصاد الجزئي (الشركات) تقوم هذه الدراسات بتقييم مدى سهولة المعاملات التجارية وأداء صادرات الشركة الذي يقاس على أساس كثافة الصادرات وتنوعها. وقد انتهت الدراسات إلى أن المصدرين في الدول الأفريقية التي تملك وكالات جمركية أكثر كفاءة يصدرون منتجات أكثر إلى الخارج.
<!--الشفافية: داخل الحكومة تعزز الانفتاح ومساءلة الحكومات والإدارات عن الأفعال. وهي تستلزم الإفصاح عن المعلومات على نحو يمكن الجمهور من الاطلاع عليها بيسر واستخدامها. وقد تتضمن هذه المعلومات القوانين، واللوائح، والقرارات الإدارية ذات الصبغة العامة، والميزانيات، والقرارات المتعلقة بالمشتريات، والاجتماعات. كما ينبغي نشر المعلومات القانونية وبثها، إن أمكن، قبل تطبيقها للسماح للأطراف المعنية بالإحاطة بها وإجراء التغييرات الضرورية وفقا لها. علاوة على ذلك، يجب دعوة أصحاب المصلحة المعنيين والجمهور للمشاركة في العملية التشريعية بآرائهم ووجهات نظرهم في القوانين المقترحة قبل نفاذها.
<!--التبسيط: هو العمل على إزالة كل العناصر غير الضرورية والازدواجية في رسميات، وعمليات، وإجراءات التجارة. وينبغي أن يتم ذلك بناء على الوضع القائم الساري حاليا.
<!--التناغم: هو جعل الإجراءات، والعمليات، والمستندات الوطنية متسقة مع الأعراف والمعايير والممارسات الدولية. ويمكن أن يتأتى ذلك من تبني وتنفيذ نفس معايير الدول الشريكة، إما كجزء من عملية اندماج إقليمية، أو نتيجة لقرارات يتخذها القائمون على الأعمال.
<!--توحيد المعايير: هو عمليات استحداث أنساق للممارسات، والإجراءات، والمستندات والمعلومات التي اتفقت عليها مختلف الأطراف. وتستخدم المعايير من ثم لجعل الممارسات، والأساليب متسقة ومتناغمة في نهاية المطاف.