تعود ملكيـة الشركات المتعددة الجنسيات إلى دول عدّة: هولندية أو ألمانية، فرنسية وسويسريّة وايطالية أو كندية، سويدية أو يابانية لكن ملكية أكثرها تعود إلى شركات أميركية المنشأ، وتجلت سيطرة هذه الشركات على أسواق أميركا عقب الحرب العالميـة الثانية، بعد أن اضطُرَّت الصناعة فيها للاعتماد على نفط هذه الشركات التي حققت بالتالي أرباحاً خياليـة وبذلك ظهر تأثير تلك الشركات على الدول النامية من الناحيتين التاليتين:

<!--الآثار الاقتصادية لنشاط الشركات:

لا يكفي التأكيد على أن الشركات المتعددة الجنسيّـة تمارس نشاطاً استثمارياً خارجياً فحسب، لأن ذلك تعريفاً خاطئاً نوعاً ما، لأنها، بالإضافة إلى هذا الدور المذكور، تقوم بدور اقتصادي واجتماعي له آثار متعددة، خاصة في البلدان العربية، كما يترتَّب عليها نتائج سياسية وثقافية.

فمن المعروف أن الشركات المتعددة الجنسية تسعى إلى زيادة أرباحها باستغلال الموارد الطبيعيـة والأيدي العاملة الرخيصة، ولا يعنيها مدى أهميّة المشاريع التي تنفذها بالنسبة للاقتصاد الوطني ولا بالنسبة لآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فقد تركز هذه الشركات على استنفاد مورد طبيعي غير متجدد (النفط...) حين تكون مصلحة الدولـة الوطنية عدم استنفاد هذا المورد. وقد تهتم بصناعات تحويلية، في حين تحتاج الدولة إلى صناعات ثقيلة أساسية. فهي لا تستجيب تماماً للمتطلِّبات الوطنيَّة، لأنها، بكل بساطة، شركات أجنبية.

من هنا تلجأ البلدان المضيفة لاستثمارات هذه الشركات إلى وضع قيود على هذا الاستثمار، بأن تربطه بموافقة هيئات حكومية متنوعة، بعد أن تكيّف مشاريعها الاستثمارية وفق معايير تحددها البلدان المضيفة. هذا بالإضافة إلى تسابق البلدان النامية إلى تقديم الحوافز لتشجيع عمل هذه الشركات، ومنها:

<!--إعفاءات ضريبية أو تخفيض في الرسوم الجمركية.

<!--سياسات تُحرِّر الشركات من القيود على أرباحها المحوَّلة إلى البلد الأم.

وهناك أسلوب جذّاب للحوافز، هو السَّماح للمنشآت التابعة لهذه الشركات باستيراد ما يلزمها من مواد ومستلزمات بدون خضوعها للضرائب والرسوم.

وثمة طرق أخرى تلجأ إليها الدول المضيفـة بأن تستخدم المنشأة التابعة حجماً معيناً من الموارد الإنتاجية المحلية في عملياتها الإنتاجية، أي، بعبارة أخرى، مساهمة هذا الفرع إيجاباً في الاقتصاد المحلي. كما تدفع هذه الشركات إلى توظيف نسبـة معينة من القوى العاملة من مواطني الدولة المضيفة.

كذلك تلجأ الدولة المضيفـة، وحفاظاً على توازن ميزان المدفوعات، إلى تحديد حجم الأرباح ورأس المال الذي يُسمح للشركة بتحويله إلى الخارج. كما تفرض أن تكون صادرات الشركات كمّيات صغيرة من إنتاج البلد المضيف.

لذلك نقول إن هناك آثاراً سلبية تتركها الشركات المتعددة على عمليات التنمية، وهي إهمال المشكلات التي تعاني منها المجتمعات النامية، كالموارد البشرية، إضافة إلى إهمال توزيع الثروة والدخل على كافة الشرائح الاجتماعية، باعتبار أن عملية التنمية في فلسفة الشركات المذكورة، هي عمليات اقتصادية بحت، إضافة إلى الأرباح الضخمة المحولـة إلى الدولة الأم، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية، وإلى ضياع الفرصة أمام الاقتصاد المحلي لاستغلال موارده استثماراً ذاتياً في الصناعات الوطنية.

وهكذا فإن الهدف الأساسي لبعض هذه الشركات، هو خلق مصادر جديدة للمواد الأولية لسد احتياجات سكان الدول الصناعية وصناعاتها واقتصادها، بوجه عام، وفتح أسواق لتصريف منتجاتها في الخارج.

وبما أن سياسة الشركات المتعددة تتفق مع حرية التبادل التجاري وانفتاح الاقتصاد الوطني على اقتصاد السوق، حيث تتحدد أسعـار المنتجات بما يتلاءم مع قانون العرض والطلب، لذا نقول إن الاقتصادات العربية، بشكل عام، سوف تتأثر بعاملين مترافقين في عمليـة تحرير تبادل المنتجات الزراعية والصناعية على المستوى العالمي:

<!--زيادة أسعار بعض المنتجات الزراعية، نتيجة لزيادة الطلب العالمي، إثر إلغاء القيود على الاستيراد وتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية. وهذا ما أكّدته اتفاقية منظّمة التجارة الدولية (الجات).

<!--انخفاض إنتاجيّة القطاع الزراعي: بسبب تحرير التجارة وفتح الأسواق وارتفاع تكاليف الإنتاج وفي هذه الحالـة فإن منتجات الأقطار العربية لن تكون منافسة لمنتجات الدول المتقدمة زراعيا.

هذا الأمر يؤدي، على المدى البعيد، إلى تدمير بنيـة الاقتصادات العربية، مما سيلقي بأعباء إضافية على عملية التنمية في البلدان العربية، ويوسع معدلات البطالة والفقر. كذلك تتشابه النتائج على صعيد المنتجات الصناعية، بسبب المنافسة في الأسواق وما يترتَّب على ذلـك من عجز كبير في ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري، خاصة إذا تعرّضت البلدان النامية وبلداننا العربية لسياسات الإغراق من جانب الدول الصناعية.

لهذه الأسباب، فإن البلدان العربية مُطالبة بتطوير صناعاتها، والعمل على التكامل والتنسيق في هذا المجال، والاعتناء بمرتكزات التنمية البشرية، من تعليم وتدريب وتأهيل، لمواكبة التكنولوجيا الحديثة والاهتمام بمراكز البحوث والتطوير.

ولعل ما يبعث الأمل، ما تم إقراره بإنشاء "منظمة التجارة الحرّة العربية" التي بدأت عملها مع مطلع هذا العام، على أن يكتمل بناؤها خلال السنوات العشر المقبلة. ويمثل هذا المشروع الحضاري انطلاقة جادة وحقيقية لبناء تجمع اقتصادي

فعّال لصيانة المصالح العربية، والاستفادة القصوى من الموارد والإمكانات البشرية والمادية، بالتعاون مع مواقع القوة ومختلف التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية على حدّ سواء.

<!--الآثار الاجتماعية لنشاط الشركات:

تؤكد الدراسات الاقتصادية أن الشركات المتعددة الجنسيات، لا ترتبط أعمالها بالصناعات الوطنية في البلدان النامية بل بالسياسات العامة التي تضعها هذه الشركات، مما يؤدي إلى ازدياد الفروقات الاجتماعية بين الفئة المرتبطة مصالحها بهذه المشاريع وبين أغلبية السكان الذين يتدهور مستوى معيشتهم، تحت التأثير المزدوج لجمود التنمية، وارتفاع الأسعار نتيجة الارتباط الوثيق بالأسواق العالمية.

وغالباً ما يؤدي هذا الاتجاه إلى فتح الباب واسعاً أمام الفساد وما إلى ذلك من ظواهر اجتماعية سلبية. فغالباً ما تعتمد هذه الشركات الرشوة بغية إفساد السياسة والحكام، وحملهم على قبول شروط أكثر غبنـاً لبلادهم، والتغاضي عن مخالفات قانونية أو دفع ثمن أغلى من الأسعار الدولية. كما نجحت هذه الشركات المذكورة في شراء ذمم كبار المسؤولين، وجنّدت لخدمتها وبمرتبات عالية أعداداً لا يستهان بها من الفنّيين والإداريين ورجال الأعمال والمهنيين.

وخلاصـة القول في هذا العنصر، إن للشركات المتعددة آثاراً اجتماعيـة على الدول النامية، ومنها العربية، يمكن تلخيص أهمها بثلاث نقاط هي:

<!--تحجيم الصناعة الوطنية المنتجة، وتشجيع قيام فئة اجتماعية تعيش على حساب المجتمع لها مواصفات غير إنتاجية.

<!--تكريس الفساد والرشوة وقيم أخلاقية وضيعة.

<!--زيادة الهوّة بين الشرائح الاجتماعية مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

إن توسيع قاعدة الارتباط بمصالح الشركات المتعددة في السنوات العشر الماضية، دفع العالم العربي إلى تبعيـة غذائية نتيجة تطور أنماط الاستهلاك وما تُعمِّمه من عادات وقيم في المأكل والمشرب والملبس، وما تقوم به من جهد على "المستوى الإعلامي"، بسبب مكاتبها المنتشرة في أكثر من مئة دولة في أنحاء العالم. وهي تلجأ إلى صرف المليارات من الدولارات على إعلاناتها بغية تسويق منتجاتها.

أما أضرار الاندماج بين الشركات التي تمارس أعمالها ضمن الصناعة نفسها، فتقلص المنافسة التي تنجم عن تخفيض عدد المؤسسات التي تنتج السلع نفسها، مما ينعكس سلباً على الزبائن من جرّاء القضاء على المنافسة التي كانت قائمة بين الشركتين المذكورتين. وهذا ينعكس على المصلحة الاقتصادية العامة، من هنا، كان تدخل الحكومات للقيام بوضع القوانين والتشريعات الجديدة، وإنشاء هيئات حكومية لمراقبة عمليات الاندماج بين المؤسسات، وذلك للحدّ من التواطؤ بين المؤسسات العاملة ضمن الصناعة الواحدة، والتخفيف من حدة الحالات المنافية للمصلحة العامة.

<!--لآثار التقنية والعلمية للشركات المتعددة الجنسيات على الدول النامية:

تتركز آثار الشركات المتعددة الجنسيات على الدول النامية في الجانب التقني والعلمي، ومن أبرز هذه الآثار:

<!--تحديث التكنولوجيا: تمثل الشركات المتعددة الجنسيات مصدراً مهماً لتحديث التكنولوجيا والمعدات في الدول النامية، حيث تقوم هذه الشركات بتبادل الخبرات وتحديث المعدات والتقنيات المستخدمة في الصناعات المحلية، مما يساهم في تحسين إنتاجية الدول النامية وتعزيز مكانتها في السوق العالمية.

<!--نقل التكنولوجيا: تساهم الشركات المتعددة الجنسيات في نقل التكنولوجيا الحديثة والخبرات اللازمة لتحسين الصناعات المحلية في الدول النامية، وبالتالي يتمكن العمال المحليون من اكتساب مهارات جديدة والاستفادة من التحديثات التكنولوجية المتقدمة.

<!--الابتكار والتطوير: تشجع الشركات المتعددة الجنسيات الابتكار والتطوير في الدول النامية، وتساعد على إنشاء بيئة أعمال مبتكرة وديناميكية، مما يساعد على تحسين الإنتاجية والجودة في الصناعات المحلية.

<!--توفير فرص العمل: تعمل الشركات المتعددة الجنسيات على توفير فرص العمل في الدول النامية، حيث يتم استخدام العمالة المحلية في الصناعات المحلية وتوفير فرص العمل المؤهلة والمنتجة للدخل.

<!--الشراكة والتعاون: تعزز الشركات المتعددة الجنسيات الشراكة والتعاون بين الدول النامية والدول الصناعية المتقدمة، مما يساعد على تعزيز التبادل التجاري وتحسين الاقتصاديات المحلية.

<!--تحسين البنية التحتية: تعمل الشركات المتعددة الجنسيات على تحسين البنية التحتية في الدول النامية، مثل بناء الطرق والمطارات والموانئ وتوفير الخدمات الأساسية الأخرى، وهذا يساعد على تحسين البيئة الاستثمارية وتحفيز الاستثمار في هذه الدول.

<!--تنمية المهارات: تساعد الشركات المتعددة الجنسيات في تنمية المهارات الفنية والإدارية للعاملين في الصناعات المحلية، وتقوم بتوفير التدريب والتطوير المستمر لهم، مما يساعد على تعزيز قدرات العمالة المحلية وتحسين إنتاجيتها.

<!--الاستثمار الأجنبي المباشر: تعزز الشركات المتعددة الجنسيات الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويساعد على تحسين مستوى الدخل والحد من الفقر.

<!--تحسين الجودة: تعمل الشركات المتعددة الجنسيات على تحسين جودة المنتجات والخدمات المقدمة في الدول النامية، وذلك يساعد على تحسين سمعة هذه الدول في الأسواق العالمية وزيادة التبادل التجاري.

<!--الأثار السياسية للشركات المتعددة الجنسيات على الدول النامية:

الشركات المتعددة الجنسيات لها أثر كبير على الأوضاع السياسية في الدول النامية، ويمكن تلخيص الأثر السياسي لهذه الشركات على الدول النامية في النقاط التالية:

<!--القوة الاقتصادية: تمتلك الشركات المتعددة الجنسيات قوة اقتصادية كبيرة، وهذا يعني أن لديها قدرة كبيرة على التأثير على القرارات السياسية في الدول النامية التي تعمل فيها. فمن خلال إنفاقها للمال في تلك الدول، تستطيع أن تتأثر على السياسة المحلية وتتأثر بشكل مباشر على القرارات الحكومية والقوانين والتشريعات التي تتخذها الحكومة.

<!--تشكيل سوق العمل: قد تساعد الشركات المتعددة الجنسيات في تشكيل سوق العمل في الدول النامية، وذلك من خلال توفير الوظائف والتدريب والتطوير المستمر للعاملين في الصناعات المحلية. وبذلك، تصبح هذه الشركات عنصراً مهماً في تشكيل الاقتصاد المحلي والمجتمع.

<!--التأثير على البيئة: تؤثر الشركات المتعددة الجنسيات على البيئة في الدول النامية التي تعمل فيها، وقد تكون هذه التأثيرات سلبية في بعض الأحيان. فقد تتسبب بانبعاثات غازات الدفيئة والتلوث البيئي، وهذا يؤدي إلى تدهور البيئة وتأثير سلبي على صحة السكان المحليين.

<!--الضغوط السياسية: تتعرض الشركات المتعددة الجنسيات في بعض الأحيان للضغوط السياسية من قبل الحكومات المحلية في الدول النامية التي تعمل فيها. فقد تسعى بعض الحكومات لزيادة الضرائب وتشديد القوانين واللوائح التي تنظم عمل هذه الشركات، وقد يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي على الأعمال التجارية لتلك الشركات. كما يمكن للشركات المتعددة الجنسيات أن تمارس الضغوط السياسية على الحكومات المحلية في محاولة لتحسين أوضاعها الاقتصادية والتجارية في تلك الدول.

<!--تحسين العلاقات الدولية: يمكن للشركات المتعددة الجنسيات أن تساعد في تحسين العلاقات الدولية بين الدول النامية والدول المتقدمة. فقد تعمل هذه الشركات على تحسين التبادل التجاري بين الدول وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول النامية، مما يساهم في تعزيز التعاون الدولي وتحسين العلاقات السياسية بين الدول.

بشكل عام، فإن الأثر السياسي للشركات المتعددة الجنسيات يعتمد على طبيعة العلاقة بين الشركات والحكومات المحلية في الدول النامية، فإذا كانت العلاقة إيجابية فقد يكون للشركات دور إيجابي في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول، بينما إذا كانت العلاقة سلبية فإن الأثر قد يكون سلبياً على الدول النامية وسكانها.

 

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,295,960

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters