تشير أدبيات اقتصاديات التنمية إلى أن نقل التكنولوجيا بين دولة أو مؤسسة وأخرى يتم من خلال عدة قنوات تتمثل بالآتي:

- التراخيص Licensing

- المشاريع المشتركة Joint Ventures

- الاستثمار الأجنبي المباشرInvestment Foreign Direct

- استيراد معدات إنتاج السلع الرأسمالية Capital Goods

لقد تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات في مجال نقل التكنولوجيا وبصورة ملفتة للنظر خلال سبعينيات القرن الماضي، ونجد أن نشاطاتها قد أصبحت تسيطر على مسار عمليات الاسواق العالمية، وتتحكم بمفاتيح الدول النامية بصورة خاصة، مما يقود بدوره إلى زيادة حدة التبعية الاقتصادية والتكنولوجية لهذه الاقتصادات، وبالتالي ربطها بعجلة الاقتصاد الرأسمالي.

وتتمتع الشركات المتعددة الجنسيات بتكنولوجيا متقدمة بالمقارنة مع الشركات الوطنية التي تعمل في أسواق الدول المضيفة، ويقاس المستوى التكنولوجي بنفقات أو تكاليف البحث والتطوير والتي تتمحور مهمتها بالدرجة الأساسية فيما يأتي:

<!--اكتشاف طرق إنتاج جديدة ومنتجات جديدة.

<!--رفع درجة تغاير المنتجات، فكلما ازدادت درجة التغاير أدى ذلك إلى انخفاض مرونة الطلب التبادلية وهو ما يزيد من قدرة المشروع على التحكم في السوق ويكسبه قوة احتكارية.

<!--تقديم نشاطات مساعدة مثل القيام بدراسة، أو الكشف عن أنشطة للمنافسين أو شراء نتائج البحث والتطوير في بعض المشاريع.

وتلعب الشركات المتعددة الجنسيات دورا مهما في توجيه السوق العالمية للتكنولوجيا وذلك من خلال توحيد وتكييف الظروف الفنية للإنتاج عن طريق تجارة التكنولوجيا، بيد أنه ينبغي أن ندرك أن هذه العملية لا تعنى بنشر التكنولوجيا بصورة متكافئة بين الدول، فهذه الشركات تختار أفضل الأماكن لإنتاج حلقات معينة من السلاسل التكنولوجية، بحث تتسم هذه السلاسل بالتكامل العمودي، وتعاقب السيطرة، بحيث تتناظر في الختام المستويات التكنولوجية بين الدول المختلفة فيما يرتبط بإنتاج حلقة معينة من السلسلة، أي أن عملية توحيد السوق الرأسمالية عن طريق تنميط الشروط الفنية للإنتاج قد لا تخضع للأشراف المباشر للشركات المتعددة الجنسية ولكنها تخضع لسيطرتها الكلية.

ويؤكد تقرير الاستثمار العالمي الصادرة عن منظمة الأنكاد لعام 1992 إلى أن الصفقات المبرمة بين الشركات المتعددة الجنسيات الأم وفروعها Subsidiaries في الدول المضيفة، على شكل رسوم ترخيص License Fees وإتاوات Royalties بهدف استخدام ماركات تجارية، أو عمليات إنتاجية أو براءات اختراع وحقوق نشر....الخ قد شكلت 80% من إجمالي الصفقات الدولية المتضمنة لعناصر تكنولوجية.

ويتم نقل التكنولوجيا عن طريق الاستثمار الأجنبي المباشر بأشكال عديدة من أهمها تحفيز التقليد وتنشيط الطلب على المنتجات التي تتضمن محتوا تكنولوجيا أكثر حداثة، وكذلك انتقال قوة العمل التي تستخدمها الجهة المستثمرة في بادئ الامر للعمل مع جهات أخرى محلية. ومن البديهي أن تحول الجهات المستثمرة دون فقدانها الميزة النسبية التي تمتلكها من جراء حيازة التكنولوجيا من خلال تقديم أجور لموظفيها تتجاوز ما يمكن أن يحصلوا عليه من المنافسين المحتملين في البلد المضيف.

ويتوقف مضمون عمليات نقل التكنولوجيا التي تتم عن طريق الاستثمار الأجنبي المباشر من شركة متعددة الجنسية إلى فروعها في الدول المضيفة على العديد من العوامل منها ما يلي:

 

<!--خصائص النشاط الإنتاجي أو الخدمي الذي يقع ضمنه الاستثمار.

<!--وتيرة التقدم التكنولوجي في النشاط المعني.

<!--الشروط القائمة في الاقتصاد المضيف، من حيث التشريعات والقوانين التي تحكم التنافس، وحماية الملكية الفكرية والبيئة والتوظيف وتوفير المهارات البشرية.

<!--استراتيجيات الشركة الام التي تحكم مسار التطوير التكنولوجي الذي تلتزم به.

ومن القضايا التي ينبغي تركيز الانتباه عليها فيما يرتبط بالاستثمار الاجنبي المباشر الذي يتم من خلال فروع للشركة الام في البلد المضيف، أن التكنولوجيات المتوفرة للفروع تصمم على أن تتفق في غالب الأحيان مع الإمكانات المتاحة محليا حيث تسعى الشركة الأم لتعظيم الفوائد، وتقليص الأخطار بهدف الوصول إلى التنافسية المثلى في إطار جملة الشروط المتاحة. وهناك في الواقع إمكانات لبقاء هذه التكنولوجيات على حالها عند إقلاع مشروع الاستثمار الأجنبي المباشر ما لم تنشأ شروط جديدة تحفز الشركة الأم لتحسينها والارتقاء بمردودها. غير أنه من ناحية اخرى، فإن الشركة الأم قد تحول دون نقل تكنولوجيات متقدمة إلى فروعها العاملة في دول مضيفة إذا خشيت أن تقوم المنافسة في تلك الدول بالاستفادة من المعارف التكنولوجية المنقولة لتحسين وضعها التنافسي. كما أنها قد تقلص الإنفاق على البحث والتطوير، والأنشطة التدريبية إذا شعرت أن هذا الإنفاق ربما أدى إضعاف موقفها التنافسي تجاه شركات اخرى وطنية أو أجنبية في نفس الأنشطة أو المجالات.

وغني عن البيان فإن الشركات المتعددة الجنسيات غالبا ما تكون الأكثر تفوقا من الناحية التقنية في المجال الذي تعمل به، وهي تقوم بنقل المعارف التكنولوجية التي تقوم بتطويرها إلى الشركات التي تقع في نطاق منظومتها الإنتاجية، من خلال ما يطلق عليه بالأنماط الضمنية، كما توفر جزءا من هذه المعارف إلى الشركات الأخرى التي تتعامل معها من خلال الترخيص والمشاريع الإنتاجية والتلزيم الضمني والاحلاف الاستراتيجية أو بيع السلع الرأسمالية.

ومن خلال دراسة أنماط نقل التكنولوجيا التي تتبناه الشركات المتعددة الجنسيات،يمكن تثبيت النقاط التالية:

<!--تقوم هذه الشركات بشكل عام بنقل تكنولوجيات أحدث وأكثر إنتاجية إلى فروعها، مما توفره لجهات أخرى في الدول النامية المضيفة والساعية للانتقال إلى اقتصاد السوق، وبشكل عام، فإن الدول الأكثر تطورا تحصل على تكنولوجيات أكثر تعقيدا وحداثة من الشركات متعددة الجنسية، مما تحصل عليه الدول الاقل تطورا.

<!-- بالرغم من أن الاستثمار الأجنبي يؤدي إلى نقل تكنولوجيات أكثر حداثة وإنتاجية بصورة عامة، فإنه يشكل نمطا أكثر كلفة من أنماط أخرى يمكن استخدامها في نقل التكنولوجيا، كالترخيص مثلا عندما يكون نقل التكنلوجيا من خلاله ممكنا. وفي العموم،فإن التكنلوجيات التي تقبل الشركات المتعددة الجنسية على نقلها بواسطة الترخيص غالبا ما تكون أقل حداثة وإنتاجية مما تقبل على نقله بواسطة الاستثمار الأجنبي المباشر.

<!-- تتفاوت العلاقات المألوفة أساسا للتحالفات الاستراتيجية، عبر مجال متسع يشمل من ناحية المشاريع المشتركة،ومن الناحية المقابلة الاتفاقات التعاقدية. ويمثل التحالف أداة فعالة لنقل التكنولوجيا، غير أن الأحلاف الاستراتيجية غالبا ما تقتصر على التعامل بين شركات من الدول المتقدمة، أو من الدول النامية الأكثر تقدما التي نجحت في بناء القواعد التكنولوجية التي تتيح لها استيعاب، واستثمار المعارف التقنية المتاحة بنتيجة التحالف، والحجة المتدوالة بهذا الخصوص هي: أن الدول النامية كثيرا ما تجد صعوبة في استيعاب واستثمار التكنولوجيات الأكثر تواضعا ( الأقل تعقيدا، والأقل إنتاجية ) التي تحصل عليها بوسائل اخرى كالترخيص مثلا.

وانطلاقا مما تقدم، فمن المنطقي أن تسعى الدول النامية إلى الاستثمار الأجنبي المباشر بالرغم من تكلفته العالية مقارنة بالأنماط الاخرى لنقل التكنولوجيا كالترخيص مثلا، كلما امكنها توفير القواعد التكنولوجية المطلوبة لإقلاع هذا الاستثمار والتوصل إلى آليات تضمن حسن الاستفادة مما يأتي به من مدخلات تكنولوجية جديدة، ذلك أن الاستثمار الأجنبي المباشر يوفر فرصا للتقدم التكنولوجي وللتدريب والتصدير لا توفره الأنماط الأخرى، كذلك فإن تفوق الشركات المتعددة الجنسيات على غيرها من حيث المهارات الإدارية، واساليب مراقبة الجودة والتسويق والتدريب. وجميع هذه القدرات مسائل تترجم في نهاية المطاف إلى إمكانات فعالة في التنافسية العالمية.

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 72 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,761,410

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters