رغم أن المجتمع المدني في مصر يمتد بجذوره إلى أكثر من قرنين من الزمان، ويتطور بشكل مستمر حتى وصل عدد الجمعيات الأهلية إلى ما يقارب 44 ألف منظمة، ورغم تنوع وتعدد أنشطته وإسهاماته الكبيرة، إلا أن واقع المجتمع المدني في مصر لا يعكس التطلعات والأهداف المبتغاة التي يمكن أن يقوم بها، وهذا يعود لأسباب داخلية تتعلق بتكوين وأولويات تلك الجمعيات، فمن ناحية فإن الكثير منها يفتقد إلى الشفافية والفكر المؤسسي وتميل إلى الشخصنة.
ومن ناحية أخرى فإن غالبية تلك الجمعيات تركز أنشطتها في مجالات قد لا تعود بشكل مباشر على المواطن، كما أن ثقافتها تقوم على المساعدة والعمل الخير وليس ثقافة التمكين ومساعدة الفقراء بما يساعدهم في الحصول على فرص عمل عبر المشروعات الصغيرة، وهناك أسباب خارجية تتعلق بمسألة التمويل والحصول على الموارد الكافية لأداء وظائفها والتوسع فيها، وترتبط بالبيئة التشريعية والقانونية التي تحكم عمل مؤسسات المجتمع المدني، كذلك حالة الريبة وعدم الثقة بين الدولة والمجتمع المدني نتيجة لانخراط بعض الجمعيات في أنشطة سياسية مرتبطة بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والحصول على تمويل من الخارج بما يهدد السيادة الوطنية ويعطى الفرصة للدول المانحة للتدخل في الشئون الداخلية لمصر، وقد تسبب ذلك في تشويه صورة المجتمع المدني، وأصبحت الصورة الذهنية هي أن من يعمل في هذه الجمعيات إما خائن أو يسعى للتربح من وراء العمل الخيرى، إضافة إلى ضعف ثقافة التطوع وعزوف الكثير من الشباب والمواطنين عن التطوع والانضمام لهذه الجمعيات لخدمة الوطن والمواطن.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة والحاجة إلى دعم عملية التنمية في كافة المجالات، فإن الدولة بمواردها المحدودة تحتاج إلى دعم المجتمع المدني وتفعيل دوره التنموي في إطار علاقة تكاملية بينهما ترتكز على الشراكة والثقة والتنسيق للحد من ظاهرة الفقر ومعالجة البطالة والتخلص من العشوائيات، وهذا يتطلب:
<!--تعظيم الدور التنموي لمؤسسات المجتمع المدني عبر التوسع في إقامة المشروعات الصغيرة للشباب العاطل وتوفير المشروعات البسيطة للفئات الأشد فقرا والمعدمة، وهذا يتطلب إعادة مراجعة أولويات تلك المؤسسات وإعادة تحويل وترتيب أنشطتها، وعدم الاعتماد فقط على تقديم المساعدات الخيرية السنوية والموسمية مثل الدعم العيني، كذلك أهمية توسيع أنشطتها في المحافظات والمناطق النائية في الصعيد وسيناء.
<!--ارتكاز مؤسسات المجتمع المدني على فكر المؤسساتية الذى يضمن المسئولية والمحاسبة وضبط الانحرافات، والشفافية وإعلان مصادر التمويل، وتوضيح أوجه الإنفاق والإنجازات التي تحققت خلال فترات زمنية محددة، بحيث تتم عملية المراجعة الذاتية لتلك الأنشطة، وتقديم كشف حساب دوري وليكن كل عام وإحداث التطوير بناء على هذا التقييم.
<!--تعديل البيئة القانونية التي تعمل فيها تلك المؤسسات، خاصة القانون رقم 84 لعام 2002، واستبداله بقانون جديد لعمل الجمعيات الأهلية في مصر لتسهيل أعمالها ويساعد في تطورها، ويتضمن مبدأ الإنشاء بالإخطار، كما هو الحال مع الأحزاب السياسية والإعلام، وأن تكون هناك رقابة لاحقة لأنشطة تلك المؤسسات والاحتكام إلى القضاء في حالة الانحرافات، ومن المهم أن يصدر القانون الجديد من البرلمان القادم بعد إجراءات المناقشات الكاملة حوله بين كل المعنيين به من الجمعيات والدولة.
<!--تفعيل مصادر التمويل الداخلية لأنشطة مؤسسات المجتمع المدني وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي الذى غالبا ما يؤدى إلى وجود الانحرافات وتشويه الصورة والتوتر مع الدولة، كما أن التمويل الأجنبي غالبا ما يكون وراءه أجندات وأهداف معينة قد تتعارض مع المصلحة الوطنية، ورغم أن هناك الكثير من الجمعيات الأهلية الوطنية التي تقوم بأنشطة تنموية حقيقية من التمويل الأجنبي، لكن في المقابل هناك بعض الجمعيات التي تتخذ من العمل الأهلي وسيلة للتربح مما ساهم في تشويه صورة المجتمع المدني، كما أن توافر الثقة والمصداقية في الجمعيات الأهلية سوف يحفز المواطنين على التبرع والانضمام لهذه الجمعيات.
<!--أن يمارس الإعلام دورا إيجابيا في تطور المجتمع المدني ومساعدته في أداء دوره التنموي عبر إلقاء الضوء على النماذج المضيئة من الجمعيات الأهلية والتركيز على أنشطتها في مجالات تمكين الفقراء ومساعدتهم، وألا يستخدم الإعلام في تشويه المجتمع المدني كما كان يحدث في السابق، إضافة إلى المساهمة في نشر الوعي بأهمية المجتمع المدني ودوره وتكريس ثقافة التطوع، وحث الأغنياء على التبرع لتمويل الأنشطة التنموية، كذلك الرقابة على أنشطة تلك الجمعيات لمنع الانحرافات فيها.
<!--لقد أسهم المجتمع المدني في دعم الديمقراطية ونشر ثقافة التسامح والاختلاف ودعم حقوق الإنسان، ومن المهم أن يكون هناك تفعيل لدوره التنموي في ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة والعشوائيات وفى إطار علاقة صحية تكاملية مع الدولة وقطاعات المجتمع الأخرى.