الآثار الاقتصادية للتمويل الدولي.
تؤثر الديون الخارجية على غالبية المتغيرات الاقتصادية الكلية ومنها:
1- الأثر على الصادرات:
حيث تعمل الصادرات كقاطرة للنمو الاقتصادي لأي بلد، من خلال زيادة إنتاجية العمل للتوسع في الإنتاج اللازم للتصدر، ويكمن الأثر السلبي للدين الخارجي على هذا القطاع بالأخص فيما يتعلق بخدمة الدين والتي تعتبر في الحقيقة اقتطاع من حصيلة وأصل القرض ليرتد ويدفع ثانية للدائنين، فمع ارتفاع هذا العبء يزداد الضغط على فائض موازين المدفوعات، فارتفاع نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم ارتفاع نسبة خدمة الدين ربما تدفع القطاعات الاقتصادية الداخلية لتحويل رؤوس الأموال للخارج بدلاً من ادخارها بسبب التخوف المستقبلي من خدمة هذا الدين وبالتالي حرمان الجزء الأهم من بين هذه القطاعات ألا وهو الاستثمار الذي سيتأثر سلبا بصورة مباشرة.
2- الأثر على الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار المحلي:
أن ارتفاع خدمة الدين الخارجي سيخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ويأتي هذا الأثر عندما تشعر الدولة بصعوبات في الوفاء بسداد المستحقات والفوائد المت ا ركمة في ظروف وحالات العسر المالي فتفرض الدولة على دخل وأرباح شركات الاستثمار المباشر بعض القيود في صورة ضرائب لسداد ما عليها من التزامات خارجية، كما أنه مع مرور الزمن ستمتص الشركات الأجنبية الموارد المالية المتوفرة في البلد المستثمر فيه؛ وقل الفوائض المتولدة، مما يفاقم من عجز لميزان المدفوعات الذي يعتبر من أحد أهم أسباب الاستدانة الخارجية لأنها ستسجل في الجانب المدين، ومن ثم سيفاقم من قدرتها على خدمة دينها الخارجي، وهو أمر لا يمكن تقبله والأمور لا تقف عند هذا الحد من المضايقات على بنية الاقتصاد بل تمتد إلى الضغط على الاستثمار الخاص المحلي مسببة انحرافات في توزيع الاستثمارات، وأيضا تؤدي لضعف القدرة على استيعاب استثمارات جديدة.
3- الأثر على توفير النقد الأجنبي وأسعار الصرف والتضخم:
تعرضت الدول النامية المدينة للكثير من التحديات الناجمة عن خدمة الدين لاسيما الاختلالات الهيكلية في مستويات المعيشة التي تختلف من قطر لآخر وأحيانا في داخل القطر الواحد، فمع حصولها على قروض جديدة في كل عام لم تنجح سياساتها من تحقيق الهدف الذي من اجله حصلت على هذه الأرصدة النقدية لأسباب تتصف بسوء استغلالها كهروب وتهريب رؤوس الأموال والفساد الإداري الذي التصق بالنظم الحاكمة وغيرها التي ألجمت النمو الاقتصادي في الدول العربية، بل يمكن القول أن معدلات النمو الحاصلة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي- التي التهم التضخم الزيادة فيها- كانت بنسب أقل من النمو الحاصل في هيكل الدين الخارجي لبعض الدول العربية، لذلك ليس من قبيل الصدفة أن يرجع الاقتصاديين أن التزامن بين مشكلة الديون ومطالب التنمية هو تزامن تبادلي مرتبط ببعضه البعض.
وسيترتب على الاستدانة من الخارج صعوبات تختلف وطبيعة الاقتصاديات المدينة، فعندما تلجأ الدول للاقتراض بهدف تمويل استثماراتها المنتجة التي تدر عوائد تكاليفها اكبر من تكاليف الاقتراض سيؤدي هذا الاقتراض إلى تحسين النمو الاقتصادي للطرف المدين، إلاّ انه عندما يستدين الاقتصاد من الخارج فسيكون أكثر عرضة لتقلبات سعر صرف العملات الأجنبية.
وبما أن أنه مفهوم التضخم هو زيادة في المعروض من النقد؛ فإن الاقتراض الخارجي من شأنه أن يفاقم من مشاكل الاقتصاد ويزيد الضغوط التضخمية باعتبار هذه الأرصدة مبالغ نقدية يتم ضخها وخلقها داخل الاقتصاد بمعدل يفوق نمو الناتج الإجمالي القومي أو المحلي، بمعنى أن القاعدة الإنتاجية للاقتصاد لم تولد هذه الأرصدة فتؤثر سلبا على الاقتصاد.
كما أن أي انخفاض في سعر العملة المحلية سيعمل على زيادة قيمة الدين الخارجي بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي باعتبار هذا الناتج مقيم نقديا بأسعار صرف محلية للدولة المدينة بمعنى أكثر وضوحاً أن تخفيض سعر الصرف الاسمي سيزيد تلقائيا من أعباء الدين كما أن ارتفاع معدلات التضخم وتقلباتها يعتبر من متغيرات عدم اليقين التي تولد حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم السياسات الاقتصادية الكلية المتبعة والتي ستؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، والتي تأخذ بالحسبان عند إقدام المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي في تقديم قروض جديدة خاصة قروض التصحيح الهيكلي، بمعنى أنها ستحد من حصول الدولة على قروض خارجية إضافية.
ففي حال ارتفاع الدين الخارجي للدولة ومواجهتا للأعباء المتراكمة في صورة خدمة الدين سيستنزف احتياطاتها من النقد الأجنبي وتضعف قدرتها على اليسر المالي ويضعف الهيكل الاقتصادي خاصة عندما تضغط هذه الأعباء على الواردات التي ربما تكون أساسية كالسلع الوسيطة أو الغذائية أو الآلات والمعدات والتي تعيق النمو الاقتصادي في أي دولة، والذي أساساً يتأثر بالتضخم وسعر الصرف حسب التغيرات الحاصلة فيهما سواء بالإيجاب أو السلب.
ويمكن اعتبار احتياطي النقد الأجنبي بأنه مؤشر على قدرة الاقتصاد على تسديد الديون الخارجية، لأنه مخزون الأمان الذي يساعد الدولة على مواجهة الأزمات الطارئة من جهة، ولأنه يحدد ثقة الدائن بالمدين من جهة أخرى.
4- الأثر على تعبئة المدخرات المحلية:
يكمن أثر الدين الخارجي على المدخ ا رت المحلية باعتبار أن الأعباء الناجمة من خدمة الدين المتمثلة في مدفوعات الدين تستقطع جزءاً من الدخل في صورة تسربات لا يستفيد منها هذا الدخل القومي بل تعتبر جزءاً من استهلاك الدخل وبالتالي يضغط هذا العبء على المدخ ا رت الإجمالية ويحرم أهم عنصر من عناصر الاقتصاد ألاّ وهو الاستثمار من الاستفادة منه. ومن الضروري الربط بين مسألة الادخار والحصول على الأموال لاستثمارها (الاقتراض) من جهة وسعر الفائدة على تلك الأموال من جهة أخرى، فالحصول على القرض الخارجي المصحوب بأسعار فائدة عالية سيضعف من الكفاية الحدية لرأس المال والذي بدوره يؤدي إلى انخفاض الطلب على أ رس المال وهذا يتعارض مع مقتضيات التنمية للدول عامة، في حين أن ارتفاع سعر الفائدة من الناحيتين النظرية والعملية ستؤدي لتنمية المدخرات المحلية، بمعنى أن الادخار سيتأثر باتجاه إيجابي تارة في حالة ارتفاع أسعار الفائدة لكنه في نفس الوقت سيرفع من قدرة الدول على الوفاء بالالتزامات المستحقة عليها للخارج وسيؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي، لكن درجة التأثير تعتمد بالدرجة الأولى على أيهما يتغير أكثر الكفاية الحدية أم سعر الفائدة وحينها يتم قياس أثره على الاقتصاد.
5- الأثر على ميزان المدفوعات:
يعرف ميزان المدفوعات بأنه السجل المحاسبي الذي يدون تيار السلع والخدمات أو حركة الأموال بين دولة ما والعالم الخارجي، فالمعاملات التي يترتب عليها مقبوضات تسجل كعمليات دائنة والتي تعتبر الصادرات الأصول المالية هي موردها الأساسي، أما العمليات التي يترتب مدفوعات تسجل كعمليات مدينة كالواردات.
والكثير من القيود في حساب أ رس المال هي عبارة عن قروض ومدفوعات نتيجة لقيود في الحساب الجاري. وعلى سبيل المثال أي عجز في الحساب الجاري يتطلب من الدولة الاقتراض لسداد ثمن الواردات وهذه هي السمة الغالبة للدول النامية والعربية كحالة عملية، وفي حالة الإفراط في الاقتراض من الخارج فقد تصبح خدمة الدين الخارجي غير قابلة للاستمرار مما يؤدي إلى انخفاض في النمو الاقتصادي مصحوباً بعجز واضح في ميزان مدفوعاتها، بل ليس من الغريب أن أكدت الدراسات الدولية أنه لتخفيف عجز الميزان الجاري للدول المقترضة يستلزمها أولاً تحسين سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة الديون في البلدان المدينة.