أسباب اللجوء للتمويل الدولي.
هناك عوامل داخلية عديدة ساهمت في تأزم الوضعية بالنسبة للمديونية بالإضافة إلى عوامل خارجية وهي:
1- الأسباب الداخلية للجوء للتمويل الدولي:
أ- تزايد الطلب الكلي و ضعف المدخرات الوطنية:
اتبعت الدول النامية أنماطا للاتفاق المبنية على الزيادة في الاستهلاك الكلي من السلع و الخدمات بمعدلات تفوق كثيرا إمكانيات الإنتاج المحلي و هذا يشجع الواردات على حساب الصادرات, و لهذا عجزت الادخارات المحققة محليا عن الوفاء بمتطلبات الاستثمار المستهدف, و نظرا لتبني الدول النامية لبرامج طموحة للنمو, وكان نتائج ذلك حدوث فجوة موارد مالية مما جعل هذه الدول تضطر إلى الاعتماد على القروض الخارجية لتغطية هذه الفجوة بالإضافة إلى عاملي انخفاض أسعار الفائدة وتراكم الفوائض المالية للدول المصدرة للنفط وبحث أصحاب هذه الفوائض عن فرص الاستثمار.
ب- سوء إدارة الدين الخارجي:
لم يتوفر لمعظم الدول المدينة تصور واضح لكيفية إدارة و تسيير عملية الاقتراض الخارجي و تقييم جدارة الدول المدينة في تسديد الدين عند استحقاقه ولهذا فان التسيير الجيد للدين هو جزء أساسي من التسيير الاقتصادي الكلي السليم, و لذلك فان مسيري الدين الخارجي يجب أن تتوافر لديهم معلومات وافية عن حجم الدين و أسعار الفائدة و فترات التسديد وآجال الاستحقاق و كفاءة استخدام الدين و الإنتاجية المترتبة على هذا الاستخدام و حجم الاحتياطات الخارجية و أسعار الصرف و تطورات أسعار الفائدة و مصادر الإقراض الأخرى البديلة. ويشير تقرير البنك الدولي عن التنمية في سنة 1985 إلى أن هناك دراسة أجريت عن عشرين دولة نامية فيما يتعلق بتسيير الدين الخارجي, وقد خلصت هذه الدراسة إلى وجود أربعة بلدان فقط من عشرين دولة هي التي تقوم بتسيير ديونها بشكل جيد و منتظم, وعليه فان التسيير السيء للديون الخارجية في معظم الدول المدينة أدى إلى زيادة تأزم وضع الديون الخارجية لهذه البلدان.
جـ- فشل السياسات الإنمائية:
اتبعت معظم الدول النامية سياسات التنمية المعتمدة على الإحلال محل الواردات و لكن هذه السياسة لم تنجح في تحقيق الهدف المنشود و هو تخفيض الواردات ,و لكن الأمر أدى إلى إنتاج موجه للسوق المحلية و ليس للتصدير وتدهور حالة ميزان المدفوعات عوض تحسينه, وانخفاض الصادرات نظرا لسياسة الإحلال التي تقضي على المفاهيم المرتبطة بالمزايا النسبية في حين اتبعت دول جنوب شرق آسيا سياسات التنمية المعتمدة على التوجه نحو الخارج , وفي ظل هذا الوضع الذي أدى إلى تزايد حجم و قيمة الواردات اكبر من حجم الصادرات, وكان الاتجاه الحتمي نحو الدين الخارجي لتمويل العجز المتزايد في ميزان المدفوعات.
د- عدم وجود بيئة جاذبة لراس المال وهروبه نحو الخارج:
أن البيئة الملائمة أو الجاذبة لراس المال تتمثل في توفر العوامل السياسية و التوجهات الاقتصادية و الاجتماعية, وكان من نتيجة عدم وجود هذه البيئة في البلدان النامية هي عزوف الاستثمارات الأجنبية عن إنشاء أو المشاركة في الإنشاء, و مع وجود عوامل أخرى سلبية مثل التسيب والفساد الإداري و البيروقراطية اتجهت رؤوس الأموال للخارج.
كما أن التجارب السالفة للحكومات المختلفة في هذه البلدان تؤثر في قرار أصحاب رؤوس الأموال, وأن السلوك مثل التأميم و المصادرة و الأخطار السياسية والانقلابات العسكرية وتغيير نظام الحكم تؤدي بالضرورة الى تفاقم ظاهرة هروب رؤوس الأموال للخارج تجنبا لهذه الأخطار.
2-العوامل الخارجية:
أ- التبادل الغير متكافئ وتدهور شروط التبادل التجاري للدول النامية:
تخصصت الدول النامية في قطاعات إنتاجية أو صناعية غير رائدة و اقل مردودية معتمدة على تكنولوجيا ضعيفة، كما تخصصت أيضا في تصدير مواد أولية بأسعار لا تتحكم فيها وإنما يتحكم في سعرها العرض و الطلب عليهما في السوق في حين أن الدول المتقدمة تخصصت في قطاعات استراتيجية صناعية و زراعية ذات تكنولوجيا متطورة بالإضافة إلى تدهور شروط التبادل التجاري للدول النامية نتيجة لزيادة أسعار الواردات بمعدل اكبر من معدل تزايد أسعار الصادرات إلى تفاقم العجز الخارجي و اللجوء إلى تمويل هذا العجز عن طريق الاقتراض . فحصيلة صادرات الدول النامية تتميز بالتذبذب و ترتبط بظروف الاقتصاد العالمي و تميل أسعارها إلى الانخفاض في المدى الطويل, أما الواردات فإنها تتميز بكونها سلعا مصنعة و مواد غذائية تميل أسعارها إلى الارتفاع.
ب- الأزمات النقدية الدولية:
إن تطور سوق الاورو- دولار الذي تبوأ مكانة هامة في زيادة التمويل الدولي و بشكل واسع في ظل الحرية الخالية من القيود التي تفرضها السلطات النقدية في الدول قد أدى إلى تنافس البنوك الدولية في إقراض الدول النامية التي كانت ترغب في الحصول على قروض خارجية, بالإضافة إلى عجز ميزان المدفوعات الأمريكي, مع تهاطل الفوائض المالية للدول النفطية , كل هذا أدى إلى إقبال الدول المدينة و خاصة دول أمريكا اللاتينية على الاقتراض من هذه السوق مما زاد في تعقيد الأزمة مع بداية الثمانينات.
جـ- طبيعة الديون المقترضة:
يشير تقرير البنك الدولي عن التنمية سنة 1985 إلى أن نصيب القروض المعقودة بأسعار فائدة معوضه بالنسبة لمجموع الديون الخارجية للدول النامية قد بلغ 42,7% من مجموع الديون سنة 1983 مقابل 16,2 سنة 1974.
كما أن معظم الدول النامية قد لجأت إلى المصادر الخاصة للحصول على القروض و قد أدى إلى ارتفاع نسبة الديون الخاصة إلى مجموع الديون الخارجية لجميع الدول النامية إلى حوالي 70% سنة 1980 مقابل 5.9% سنة 1970 نظرا لسهولة عملية الاقتراض و قد أدى إلى تعقد مشكلة الديون الخارجية في بداية الثمانينات.
د- ارتفاع أسعار النفط و أسعار الفائدة:
يؤدي ارتفاع الأسعار إلى التأثير على أوضاع المديونية الخارجية للدول النامية في عدة نواحي منها:
تزداد مديونية الدول النامية غير المصدرة للنفط بسبب ارتفاع تكلفة استيراد البترول وبالتالي ترتفع تكلفة الواردات وبالتالي يزداد العجز الخارجي وينتج عن ذلك لجوء هذه الدول إلى الاقتراض الخارجي وهو ما يزيد من حجم المديونية وتزداد معها اعباء المديونية
بارتفاع أسعار النفط فان الدول المصدرة للنفط حصلت على فوائض مالية كبيرة و وظفت هذه الأموال في أسواق المال الدولية , و تنافست البنوك الدولية في إعادة تدوير هذه الفوائض من خلال إقراضها , وعملت على تسهيل إقراضها مما أدى إلى اعتماد هذه الدول على الاقتراض و هو ما يزيد من تفاقم وضعية المديونية الخارجية للبلدان النامية.
بارتفاع أسعار النفط ايضا ترتفع تكلفة الإنتاج في معظم دول العالم و هو ما يؤدي إلى حدوث ارتفاع أسعار جميع المنتجات مما يزيد من ارتفاع تكلفة الواردات للدول النامية و بهذا تستطيع الدول المتقدمة المعتمدة على النفط أن تنقل عبء ارتفاع أسعار النفط إلى الدول النامية المصدرة و المستوردة للنفط على حد سواء أن أسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة في السبعينات شجع العديد من الدول النامية إلى اللجوء للاقتراض الخارجي بشكل موسع , ولكن بعد هذا الانخفاض اتجهت أسعار الفائدة في الأسواق الدولية إلى الارتفاع الكبير منذ نهاية السبعينات بسبب ارتفاع معدلات التضخم مما أدى إلى زيادة أعباء الدين الخارجي بشكل كبير على عاتق الدول النامية المدينة التي عجزت عن تسديد ديونها المستحقة في بداية الثمانينات.
وتعتبر الديون الخارجية بشتى أنواعها العامة والخاصة ظاهرة عامة متزامنة للتبادل التجاري الدولي منذ القدم، بحيث لا يوجد كيان اقتصادي أو كيان سياسي إلاّ وطرق هذا الباب لتمويل الفجوات الداخلية المتمثلة في عجز الموازين العامة أو تلك المتمثلة في موازين المدفوعات، بحيث أن هذا التوجه يبرره القصور في مؤشراتها الكلية، ترتب على الأوضاع والظروف الاقتصادية التي مرت بها الدول النامية بعد نيلها الاستقلال السياسي أن تبحث عن فرص لتنمية الاقتصاد المحلي وسرعان ما اصطدمت بعدم كفاية مواردها المحلية، وخاصة التي تلزم لتمويل وارداتها من السلع والخدمات الأساسية، فلجأت إلى الاقتراض الخارجي، ويمكن تقسيم عوامل اللجوء للمديونية إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية. كما هو موضح في الجدول التالي:
عوامل اللجوء للتمويل الدولي.
العوامل الداخلية |
العوامل الخارجية |
- فجوة الموارد المحلية. - انخفاض عائد الصادرات. - زيادة الإنفاق العسكري - سوء الإدارة وهروب رأس المال. - فشل نمط التصنيع. - توجيه القروض لسلع استهلاكية أو مشروعات غير منتجة - التضخم المحلي |
- انخفاض أسعار المواد الخام والسلع الأساسية في الأسواق العالمية - ارتفاع سعر البترول - ارتفاع سعر الدولار وارتفاع معدلات الفائدة بجميع أنواعها (الاسمية- الدولية – الحقيقة) - الإجراءات الحمائية. |