تغيرات المناخ والحاجة إلى الطاقة النووية
دكتور عبدالعاطى بدر سالمان
الرئيس السابق لهيئة المواد النووية
مقدمة
إنه لمن المتوقع حدوث تغيرات في المناخ وذلك بسبب نشاط الإنسان على الأرض والذي يصحبه تغيرات كيميائية في الغلاف الجوى، وذلك بسبب انبعاث الغــازات الضـــارة والتي يطلق عليها اسم: Greenhouse gases (GHG) وأولها غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروجين. وتلعب تلك الغازات دورا هاما في ظاهرة الاحتباس الحراري للأرض والذي يسبب ارتفاع درجة حرارتها وما يترتب على ذلك من تغيرات مناخية كثيرة وما تسببه من أخطار.
ولتوضيح كيف يتم التغير في المناخ، فمن المعروف أن الطاقة المنبعثة من الشمس إلى كوكب الأرض تتحكم في مناخه، فهي تقوم بتسخين سطح الأرض الذي يشع بدوره جزءا من تلك الطاقة إلى الفضاء مرة ثانية. وتلعب الغازات التي تعرف باسم: Greenhouse gases (GHG) وخاصة بخار الماء وثاني أكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى دورا هاما في احتباس جزءا من الطاقة الخارجة من الأرض بها. ويعتبر متوسط درجة حرارة الأرض عند 6. درجة فهر نهيت مناسبا. ومع ذلك فربما تظهر بعض المشاكل إذا زادت تركيز الغازات المنبعثة من الأرض إلى الغلاف الجوى. فمنذ أن بدأت الثورة الصناعية، فقد زاد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 3.%، وتضاعفت نسبة غاز الميثان وارتفع تركيز غاز أكسيد النيتروجين بحوالي 15%، وقد تسببت تلك الزيادة في تعزيز ظاهرة الاحتباس الحراري في غلاف الأرض. وهناك أيضا كبريتات الإيروسول، والتى تمثل ملوثا معروفا للهواء، حيث تسبب برودة للجو بعكسها الضوء ثانيا إلى الفضاء، ومع ذلك فإن الكبريتات حياتها قصيرة في الجو وتتغير من منطقة إلى أخرى.
أما عن أسباب زيادة تركيز الغازات المنبعثة فيعتقد العلماء أن احتراق الوقود الأحفورى وبعض الأنشطة الأخرى للإنسان تمثل السبب الرئيسي في زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون. إن تنفس النبات وتكسير المواد العضوية يولد ما يزيد عشرة مرات عن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج عن نشاط الإنسان، ولكن تلك الكمية الناتجة من تلك العمليات الطبيعية كان يتم توازنها خلال القرون التي سبقت الثورة الصناعية، حيث كان يتم امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بواسطة النباتات الموجودة على الأرض أو في المحيطات.
ما لذي تغير خلال مئات السنين القليلة الأخيرة؟، هو ظهور زيادة إضافية في نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون بسبب أنشطة الإنسان المختلفة. فمن تلك الأنشطة احتراق الوقود الأحفورى لتسيير العديد من وسائل المواصلات والتدفئة المنزلية والدوائر الحكومية ومقار الشركات، وتعتبر محطات إنتاج الطاقة مسئولة عن 98% من كمية ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة الأمريكية، 24% من غاز الميثان، 18% من غاز أكسيد النيتروجين. أضف إلى ذلك زيادة الرقعة الزراعية، اقتلاع الغابات، مكامن النفايات، الإنتاج الصناعي والعمليات المنجمية تضيف جزءا ملحوظا من الغازات المنبعثة. ففي عام 1997 بلغت كمية الغازات الضارة المنبعثة في أمريكا 2و. من كمية الغازات الإجمالية المنبعثة في العالم.
ومن الجدير بالذكر انه يصعب تقدير الغازات المنبعثة في المستقبل، حيث أن ذلك يعتمد على التطور الديموجرافى، الاقتصادى، التقنى، السياسى والصناعي. ولقد تم عمل بعض السيناريوهات بناءا على بعض الفروض الخاصة بهذه العوامل. فمثلا في عام 2.1. ، فإنه في غياب سياسات للتحكم في كمية الغازات المنبعثة، يتوقع أن تزداد تركيزات ثاني أكسيد الكربون ما بين 3. إلى 15.% عن مستويات تركيزه هذه الأيام.
أما عن التغيرات المناخية فإن متوسط الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض قد زاد بمقدار يتراوح 5 , إلى ., 1o ف منذ أواخر القرن التاسع عشر. وفى القرن العشرين تبين وجود عشرة سنوات دافئة من بين الخمسة عشر سنة الأخيرة من القرن، وأن عام 1998 هو الأدفء أو الأعلى حرارة من واقع السجلات. وكذلك فإن الغطاء الجليدي في نصف الكرة الشمالي والثلوج الطافية في المحيط الأركتيكى (Arctic Ocean)قد قلت كمياتها. وعلى مستوى الكرة الأرضية فإن مستوى سطح مياه البحار قد ارتفع ما بين 4-8 بوصة عن معدلاتها في القرن المنصرم. كذلك زادت ترسبات مياه الأمطار على مستوى العالم بنسبة 1%، وأن معدلات هطولها بطريقة شديدة قد زاد في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرجح القول بأن الزيادة الملحوظة في زيادة تركيز الغازات المنبعثة هي السبب الرئيسي في التغيرات السريعة بالمناخ. ويتوقع العلماء أن متوسط درجات الحرارة على مستوى العالم سوف يرتفع من 6, - 5, 2 o م خلال الخمسين عاما القادمة، ومن 4 ,1-8, 5 o م في القرن القادم مع بعض التغيرات الإقليمية المؤثرة. كذلك سوف تزداد معدلات البخر بسبب زيادة حرارة المناخ والذي سوف يتسبب في زيادة متوسط معدلات هطول الأمطار. كذلك فإن رطوبة التربة سوف تتراجع في الكثير من المناطق، وسوف يرتفع مستوى سطح البحر قدمين على معظم سواحل الولايات المتحدة الأمريكية.
مما تقدم يتضح أن زيادة الغازات المنبعثة إلى الغلاف الجوى والتي يطلق عليها (GHG) تمثل أهمية بالغة بالنسبة لتغير مناخ الأرض ولذلك تستحق أن تؤخذ في الاعتبار ويوضع لها الإستراتيجيات المستقبلية لتخفيض كمية تلك الغازات الضارة بالبيئة. وحتى يمكن تقليل التغيرات في المناخ ، فقد أبرمت عدد من الدول الصناعية معاهدة في مدينة كيوتو باليابان في عام 1997 لتقليل الغازات المنبعثة خلال عمليات إنتاج واستخدامات الطاقة. وتمثل هذه المعاهدة إضافة إلي إطار اتفاقية الأمم المتحدة المبرمة في عام 1992 والخاصة بالتغيرات المناخية . ويوصي بروتوكول كيوتو بأن تقلل الدول الصناعية كمية الغازات المنبعثة خلال عام 2..8 – 2.12 بنسبة 2ر5% عن مستويات عام 199. . كذلك عقد مؤتمر بمدينة مراكش بالمغرب العربي خلال الفترة من 29أكتوبر حتى 9 نوفمبر 2..1 وذلك للاتفاق ووضع القواعد المنظمة لتنفيذ بروتوكول كيوتو.
ومن المتوقع أن يزداد الطلب علي الطاقة بصورة كبيرة خلال القرن الحادي والعشرين ، وخاصة في البلاد النامية ،حيث الزيادة السريعة في النمو السكاني ومشروعات التنمية، وفي هذه الأيام يوجد حوالي 6ر1 بليون نسمة لا تصلها خدمات الطاقة الحديثة. لذلك فمن البديهي أن تزداد كمية الغازات المنبعثة من الوقود الأحفوري في قطاع إنتاج الطاقة واستخداماتها وبالتالي سوف تكون سببا في خلل واضح في مناخ الكرة الأرضية .
وتجدر الإشارة إلي أن مفاعلات القوي النووية لا تنبعث منها الغازات الضارة بكميات مؤثرة، ولذلك فهي تمثل جزءا هاما في التخطيط المستقبلي والاستراتيجي لتخفيض الغازات المنبعثة إلي الغلاف الجوي. وتمثل المحطات النووية إضافة هامة إلي الاحتياجات العالمية من الكهرباء، ففي عام 1999 أنتجت سدس الطاقة الكهربائية علي مستوي العالم، 3.% من جملة الكهرباء المنتجة في أوربا الغربية. وبالرغم من أهمية المحطات النووية ودورها في إنتاج الكهرباء إلا أن زيادتها في المستقبل ربما لا يعول عليها كثيرا . ويرجع ذلك إلي الاستثمارات الضخمة اللازمة لإنشاء المحطات النووية بالإضافة إلي غياب دعم الرأي العام والسياسي في كثير من الدول بالنسبة لإنشاء محطات نووية جديدة. كل تلك الأسباب تقلل من فرص إقامة المحطات النووية بدلا من محطات الوقود الأحفوري.
ومن الجدير بالذكر أن المهتمين بالصناعة النووية يبذلون جهدا كبيرا في العمل علي تقليل تكاليف إنشاء المحطات النووية ورفع معدلات الأمان بها، والعمل علي كسب الرأي العام والسياسي إلي جانب إنشاء محطات القوي النووية . وتمثل عملية ندرة انبعاث الغازات الضارة بالبيئة من تلك المحطات ميزة تنافسية في المستقبل.
الوضع الحالي للطاقة النووية
يبلغ عدد المحطات النووية 433 محطة تعمل في العالم في نهاية عام 1999 . وتبلغ الطاقة الكهربائية المنتجة الإجمالية 35. جيجاوات كهرباء (Gwe) والتي تمثل 16% من إنتاج العالم من الكهرباء في عام 1999، ويوجد 15. محطة من تلك المحطات النووية في أوروبا الغربية والتي تمثل حوالي 36% من عدد المحطات النووية في العالم . وتمد هذه المحطات دول أوربا الغربية بحوالي 3.% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية .
ويوجد في أمريكا الشمالية 118 محطة نووية تمدها بحوالي 2.% من احتياجاتها من الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية و12% في كندا . أما في أوربا الشرقية والدول المستقلة حديثا فيوجد بها 68 محطة نووية . لقد وصل عدد المحطات النووية 84 في مناطق الشرق الأوسط ، جنوب أسيا والشرق الأقصى ، حيث أن التخطيط مستمر في هذه الدول لزيادة عدد المحطات النووية وخاصة في الصين ، الهند ، اليابان ، وجمهورية كوريا. أما أمريكا اللاتينية وأفريقيا فتمثل الطاقة النووية أقل من 2% من إجمالي المنتج في العالم من الطاقة الكهربائية الناتجة من المحطات النووية (I A E A , 2...,a & b ). وفي أمريكا الشمالية ، لا يوجد هناك مفاعلات جديدة تحت الإنشاء أو يزمع إنشائها . ونفس الحال في أوربا الغربية حيث يوجد هناك زيادة في الكهرباء تفوق الاحتياجات المطلوبة. وفي البلدان التي تحتاج إلي طاقة جديدة ، فإن المستثمرين يفضلون عادة البدائل المنخفضة التكاليف عن الوحدات التي تتطلب تكلفة باهظة والتي تعرضها حاليا الصناعة النووية . هذا بالإضافة إلي أن بلجيكا ، ألمانيا ، النرويج والسويد يخططون للاستغناء تدريجيا عن المحطات النووية. أما في النمسا والدانمارك ، اليونان ، أيرلانده ، إيطاليا ، والنرويج فإن سياستها تقوم علي منع استخدام الطاقة النووية . ومع ذلك ، فإن محطات القوي النووية القائمة حاليا والتي تتميز بانخفاض تكاليف الوقود والتشغيل والتي تم استرداد جزءا كبيرا من تكاليفها منذ تشغيلها فإنها تصبح مصدرا منافسا لإنتاج الكهرباء . ففي أمريكا الشمالية وأوربا الغربية يظهر ذلك من تحسين إنتاجية تلك المحطات وتطويرها ، زيادة علي ذلك القيام بصرف بعض الاستثمارات في إطالة عمر محطات القوي النووية القائمة .
أما في أوربا الشرقية والبلدان المستقلة حديثا ، فإن معظم المحطات النووية الموجودة قد عملت ما يزيد علي مرة ونصف عن عمرها الافتراضي ،وفي عدد من تلك الدول تدور المناقشات حول الحاجة إلي استكمال المحطات النووية التي كانت قد بدأت في إنشائها وتستمر الرغبة في إنشاء محطات نووية جديدة فى عدد من الدول. فعلي سبيل المثال ‘ فإن روسيا الفيدرالية لديها ثلاثة محطات نووية تحت الإنشاء بالإضافة إلي خطط موضوعة لزيادة المحطات النووية. وسوف تتحكم الظروف الاقتصادية والمالية واعتبارات التمويل الآمن في الطريق الذي يمكن اتخاذه مستقبلا في هذا الشأن . ومن المناطق الهامة في العالم والتي يتوقع لها نموا مطردا في استخدام المحطات النووية هي بلدان الشرق الأقصى وجنوب أسيا . ومع ذلك فإن الأزمة المالية التي لحقت حديثا بآسيا قد تسببت في الإبطاء في البرامج الإقليمية الخاصة بزيادة الطاقة النووية بها.
احتياجات الطاقة المستقبلية ومصادرها
إن الحاجة للطاقة النظيفة ليست عاجلة إذا ما ظلت احتياجات الطاقة ثابتة علي مستوياتها في هذه الأيام . ولكن الحاجة سوف ترتفع بصفة مستديمة وذلك بسبب النمو الديموجرافي والاقتصادي في الدول النامية . وتمثل تلك الدول نسبة 75% من ستة بلايين نسمة والتي تمثل تعداد العالم في هذه الأيام ، ومع ذلك فهي تستهلك 36% من أجمالي الطاقة العالمية . ويجدر الإشارة إلي أنه يوجد 6ر1 بليون نسمة لا يصلهم أي نوع من أنواع الطاقة الحديثة (WEC 2... ) هذا وسوف تساعد على تعقيد المشكلة الزيادة المضطرة في عدد السكان ويوضح أخر تصور للزيادة في سكان العالم – كما ورد في تقديرات الأمم المتحدة – أنة سوف يضاف 4ر4 بليون نسمة في عام 21.. ، والذي يمثل زيادة قدرها 75% بالنسبة إلي التعداد الحالي للسكان ( Unv1998 ).
لقد أعطيت صورة شاملة لاحتياجات الطاقة في المستقبل خلال اجتماع ممثلي الحكومات ( IPCC) الخاص بالتغيرات المناخية وذلك في التقدير الذي نشر بهذا الخصوص ( SRES,IPCC,2... ) ويقدم هذا التقرير مجموعة تشتمل علي 4. سيناريو تم وضعها كتصورات لانبعاث الغازات ( GHG ) وقد عكست أل 4. سيناريو مدي واسع لافتراضات مختلفة للنمو السكاني والتنمية الاقتصادية ، الأولويات البيئية ، التقدم التكنولوجي ، والتعاون الدولي في الاستخدام العالمي للطاقة . ومع ذلك ، فلم يكن بين تلك السيناريوهات موضوعا مكثفا عن السياسات الخاصة بتغير المناخ .
وقد أظهرت التقرير الخاص بسيناريوهات الانبعاث ( SRES ) أن استخدامات الطاقة علي مستوي العالم سوف تنمو من 7ر1 إلي 7ر3 مرة بين عام 2... وعلي 2.5. مع متوسط معامل زيادة مقداره 5ر2 ( شكل 1) . أما عن النمو في احتياجات الكهرباء فيصل إلي 8 (fold) في السيناريوهات عالية النمو الاقتصادي ، وأكثر من الضعف في السيناريوهات الموجهه في النهاية المنخفضة في الوسط ( of the range ), ويبلغ متوسط الزيادة إلي معامل 7ر4.
وتشتمل السيناريوهات علي تحسن حقيقي في شدة الطاقة النهائية بين 1% و 5ر2% في السنة ، وسوف يساعد المعدل العالي لتحسين الطاقة علي تخفيض الطاقة الإجمالية المطلوبة إذا ما قورنت بمتوسط التحسن خلال القرن العشرين والذي بلغ متوسطة 1% في السنة . وعلي ذلك فإن السيناريوهات نفترض أن الاحتمالات المستقبلية لزيادة التحسن سوف تستمر بخطوات سريعة .
كذلك تشتمل هذه السيناريوهات زيادة حقيقية في استخدام الطاقة النووية ( شكل 2 ) ومن الجدير بالذكر أن 35 من أل 4. سيناريو الموجودة في نتائج التقرير الذي تم إعداده توضح أهمية الطاقة النووية وليس فقط التقنيات الخالية من الكربون ، وأن الافتراضات لسنة 2.5. تشمل قدرة كهربائية من 35. جيجا وات ( GW ) حتى أكثر من 5... ( GWE ) ويوضح هذا الافتراض الخاص بالمستوي المتنامي ليتطلب طاقة نووية علي مستوي العالم تتراوح بين 5. إلي 15. جيجاوات في السنة ابتداءا من عام 2.2. حتى 2.5. ، حتى لو لم يمن هناك سياسة لتخفيض الغازات المنبعثة ( GHG هذا بالاضافةإلي ميزات أخري للمحطات النووية في حالة الاستفادة كيميائيا من الوقود وتحلية المياه .
ويوضح تقرير السيناريوهات في خلاصته أن خلال المستقبل لم يتطرق إلي نضوب أي من مصادر الطاقة بما في ذلك الزيادة في استخدام الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري والتي تنتج حاليا 87% من الطاقة المستخدمة في العالم وكذلك 63% من الطاقة الكهربائية. ومن الجدير بالذكر القول بأنة يوجد كميات كثيرة من احتياجات العقود الأحفوري ، وخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الرواسب غير التقليدية ، هذا بالإضافة إلي الأخذ في الاعتبار باستمرارية التقدم التقني في عمليات الاستكشاف والإنتاج . وكذلك الحال بالنسبة للمصادر النووية
( جدول 1 )
أما المصادر المتجددة ، بما فيها الطاقة المائية ، الطاقة الناتجة من المواد العضوية Biomass ، الشمسية ، الرياح الحرارة الأرضية ، وطاقة المحيطات كلها طاقة غير مستنفذة ومتجددة . ومع ذلك فإن كميات الطاقة الناتجة عنها محددة و بالإضافة إلي زيادة تكلفة إنتاجها . أضف إلي ذلك أن بعضها يحتاج إلي مساحة كبيرة من الأرض وكذلك التضارب في مناسبة المواقع التي يمكن أن تستخدم في ذلك . وفي حالة الطاقة المائية
( Hydropower ) ، فإن معظم المواقع الجيدة قد استخدمت ، وأن ما يزيد علي ذلك من تطورات الطاقة الكهربائية الناتجة عن المحطات المائية فإن مردودة من الطاقة سوف يكون منخفضا .
هذا بالإضافة إلي أن توفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية يكون علي فترات غير منتظرة ، يجعل هذا المصدر غير قادر علي إمداد الطاقة عند الحاجة إليها . ولذلك فإن الاعتماد علي الطاقة . الشمسية وطاقة الرياح يتطلب إما توصيلها بالشبكة العامة أو القيام بتخزينها .وعلي ذلك فإن محدودية الطاقة المتجددة لا يساعد علي الاعتماد عليها كمصدر له ثقل كبير ( هذا بالرغم من تعاظمها ، فإن طبيعتها المتشتتة والصعاب المرتبطة بتركيزها وتحويل هذه التيارات إلي خدمات كهربائية وقت احتياج مواقع الاستهلاك لها. ومع ذلك فإنه في بعض الأماكن والمواقع المناسبة ، فإن الطاقة المتجددة يمكن أن تكون مصدرا إضافيا هامة لتقليل التغيرات المناخية وخاصة في المناطق العمرانية التي تحتاج إلي كميات منخفضة من الطاقة .
الاحتمالات المستقبلية للطاقة النووية
تتميز الطاقة الناتجة من المحطات النووية بعدم مصاحبة طرق إنتاجها بانبعاث غازات ضارة بالبيئة حيث أن حلقة التفاعل النووي الكامل تحتوى على أقل كمية من الغازات الضارة بالبيئة (GHG) مقارنة بالطرق المختلفة لإنتاج الطاقة بما فيها الطاقة المتجددة (شكل 3). ويجدر القول بأن الدول التي بها طاقة نووية كبيرة ومحطات مائية تتميز بوجود أقل كمية من غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث لكل وحدة قوى مقارنة بالدول التي تعتمد أساسا على الوقود الأحفورى. وتساهم محطات القوى النووية والمائية في تلاشى حوالي 8% من كمية الغازات المنبعثة من الوقود الأحفورى على مستوى العالم. وتوازى هذه النسبة حوالي 2 ر1 بليون طن من الكربون كل عام خلال عمل محطات الوقود الأحفورى. فإذا افترضنا استخدام محطة نووية واحدة بدلا من محطة تعمل بالفحم مع تساوى القوى الكهربائية المنتجة من كل منهما في حدود 1... ميجاوات كهرباء مع معامل تحميل 8.%، سوف يلاشى انبعاث الغازات الضارة بكمية تتراوح من 3ر1 – 2ر2 مليون طن من الكربون كل سنة ( وهذا يعتمد على نوعية الفحم والتقانة المستخدمة). ويمثل الحد الأعلى لتلك الكمية ما يحدث في الدول النامية التي توجد بها رواسب الفحم المستخدمة بأسعار رخيصة، أما الحد فيمثل الدول الصناعية المستوردة للفحم والتي تحدد قوانينها نوعية الهواء المطلوبة بكل صرامة. ففي المحطة النووية التي يبلغ عمرها الافتراضي 4. سنة فإن كمية الغازات التي يمكن تلاشى انبعاثها تتراوح ما بين 5. – 9. مليون طن كربون. فإذا حلت مكان المحطة النووية محطة تعمل بالغاز الطبيعي فإن كمية الغازات المنبعثة التي يمكن تلاشيها تتراوح مابين 6ر. – .ر1 مليون طن كربون في السنة لمحطة قدرتها 1... ميجاوات كهرباء أو 24 إلى 4. مليون طن فحم خلال 4. سنة.
ولحساب دور المحطات النووية في تقليل أضرار الكربون على مستوى العالم فإن الأرقام الواردة في الفقرة السابقة قد قورنت بالتصورات التي وضعتها الوكالـة الدولية للطاقة (IEA) في مستقبـل إنتاج الطاقـة (IEA, 98). فإن السيناريو الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة يوضح أن كمية الطاقة المطلوبة سوف تصل إلى 3... جيجا وات كهرباء مع حلول عام 2.2. بالإضافة إلى 6.. جيجا وات من الوحدات الحالية التي سوف ينتهي عمرها الافتراضي سوف تحتاج إلى تجديد وإحلال. وباستخدام الحسابات التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة والخاصة بكمية الطاقة الكهربائية الإجمالية وكمية الغازات المنبعثة والمصاحبة لإنتاج تلك الطاقة وجد أنها سوف تصل إلى حوالي 4. جيجا طن كربون في عام 2.2.، منها 2 ر2 جيجا طن كربون تنبعث من الدول الصناعية . وفى عام 2.1. سوف تصل كمية الغازات التي يتوقع انبعاثها إلى 2و3 جيجا طن كربون، منها 9ر1 جيجا طن كربون من الدول الصناعية في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية.
ومن الجدير بالذكر فإن تنفيذ بروتوكول كيوتو يتطلب تخفيض كمية الغازات المنبعثة في الدول الصناعية في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية بحوالي 2ر5 % والتي تمثل حوالي 2.. مليون طن كربون من مستوى عام 199.. وإذا شارك قطاع إنتاج الطاقة في هذا التخفيض فإن ذلك يعنى استئصال 5.. مليون طن من الغازات الضارة المنبعثة في عمليات هذا القطاع بحلول عام 2.1..
وإذا قامت الدول الصناعية بأوربا الغربية وأفريقيا الشمالية بإحلال الطاقة النووية محل 2.% من محطات الوقود الأصفوري (سواء محطات جديدة أو إحلال وتجديد) كافتراض الوكالة الدولية للطاقة في عام 2.1. ، وإحلال 5.% من محطات الوقود الأصفوري بمحطات الطاقة النووية خلال الفترة من 2.11 حتى 2.2. ، فسوف يساعد ذلك على تخفيض غازات الكربون المنبعثة بحوالي 9. مليون طن في سنة 2.1. ، 4.4 مليون طن في عام 2.2. (مطبوعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام نوفمبر 2...) .
وإذا وضعنا في هذا التقييم بقية دول العالم الأخرى حيث احتمالات التمويل الجزئي لإحلال المحطات النووية ، سوف يساعد ذلك على خفض إضافي الغازات المنبعثة بحوالي 97 مليون طن كربون في عام 2.1. ، 442 مليون طن كربون في عام 2.2. .
وعلى ذلك وطبقاً لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، فإن الطاقة النووية يمكن أن تلعب دوراً هاما في تخفيض الغازات المنبعثة في عام 2.1. بحوالي 19. مليون طن كربون والذي يكافئ 4.% من مشاركة قطاع الطاقة في تخفيض انبعاث الغازات.
وعند حلول الفترة 2..8-2.12 فسوف تؤدى استخدام الطاقة النووية بالمعدلات التي سبق ذكرها إلي احتمالات تقليل انبعاث الغازات الضارة بحوالي 935 مليون طن كربون . وإذا تم إحلال محطات الغاز بدلاً من الفحم فإن ذلك سوف يساعد على تخفيض الغازات المنبعثة بما يوازي 3.. مليون طن كربون فقط.
وعلى ذلك فإن زيادة استخدام الطاقة النووية سوف يكون له أثراً بالغاً على خفض نسبة الغازات المنبعثة والتي تضر البيئة بما تسببه من خلل في المناخ.
فعالية عوامل التكلفة والأمان وإدارة النفايات وعدم المغالاة
لقد أصبحت صناعة القوي الكهربية صناعة منافسة ، وقد أصبحت أكثر من ذلك حيث أن سوق الكهرباء أصبح محرراً . بالنسبة للصناعة النووية فيوجد على قيمة الأولويات خفض التكاليف مع الحفاظ على تحسين الأمان وتطوير تقنيات إدارة النفايات بما يكتسب دعم كافي من الرأي العام والعمل على زيادة تطويرها لاكتساب مزيد من الدعم السياسي وقبول الرأي العام.
ويمثل خفض التكاليف ، وتحسين التقنية والأداء في المحطات التي تعمل حالياً أول عامل في الصناعات النووية ، وكذلك التقدم في خبرة التشغيل ، الإدارة الاستراتيجية ، مصادر الوقود ودفن الوقود المستنفذ ، وتحسين الفعالية والأمان النووي . وخلال التسعينيات فقد أدى التحسين في تلك العوامل مجتمعة إلى زيادة القوى المتاحة بمقدار 28 جيجا وأت كهرباء (GWe) ، والتي تكافئ بناء 28 محطة جديدة بطاقة 1... ميجاوات كهرباء (Mwe). وأن المحتوى القائم حالياً بالنسبة للصناعة النووية هو خفض تكاليف إقامة المحطات النووية الجديدة . وتشتمل تلك الاحتمالات على إمكانية تغيير التصميمات إلى الأبسط والأكثر أماناً ، وبحيث يمكن استخدام في الموقع هياكل سابقة التجهيز ، مكونات ، ووحدات كاملة يمكن تغييرها لسرعة التركيب والتي تعتمد كثيراً على مواصفات أمان موثوق بها ، وذلك يسمح للوحدات الصغيرة أن تناسب كلاً من أسواق الكهرباء الحرة وشبكات الكهرباء الصغيرة في الدول النامية.
ومن الجدير بالذكر أن حادثة تشيرنوبيل عام 1986 كانت سبباً في لفت الأنظار لأهمية معاملات الأمان في الصناعة النووية . وبالرغم من أن شيرنوبيل كانت حالة استثنائية إلا أنها كانت سبباً في تعلم العديد من الدروس ، وخاصة فيما يتعلق بالدور الإنساني في تشغيل المحطة . ومنذ تلك الحادثة ، فإن الحس الصناعي قد نتج عنه العمل على التحسين بتؤدة في الأمان النووي والأداء أو التشغيل ، وبالرغم من أن هناك بعض الأعمال/العمل الذي لإنزال في حاجة إلى رفع كفاءتها في بعض نوعيات من المحطات النووية . وتحتاج تصميمات المفاعلات الجديدة إلى الاستمرارية في هذا الاتجاه من خلال تبسيط التصميمات مع مواصفات أمان قوية . ومن ناحية نظم الأمان النووي فإنها تركز على متطلبات الأمان النووي التي يراعي فيها أن يكون الاعتماد على النتائج النهائية للأمان النووي بصرف النظر عن الطرق المتبعة . وعلى وجه العموم فإن فعالية التكلفة والأمان عنصران هامان ومتلازمان ، فإن المستثمرين لن يقبلوا على محطة غير رابحة بالإضافة إلى أن المرخصين لن يوافقوا على محطة غير آمنة .
إن جميع حلقات إنتاج الطاقة يصاحبها في بعض الأحيان بعض النفايات الضارة أو السامة مثل مصنع الخلايا الضوئية (IAEA 97) . وبالنسبة للطاقة النووية فإن النفايات الناتجة منها عبارة عن مواد مشعة . وحيث أن تلك النفايات المشعة الناتجة تكون بكميات صغيرة ، فإنه من الممكن إدارتها باستراتيجية محكمة . وعلى العكس فإن كميات النفايات الهائلة التي تنتج من احتراق الوقود الأصفوري والتي تشتمل على الغازات المسببة للاحتباس الحراري والسامة ، وخاصة الحديثة (metals) الثقيلة تشتت الاستراتيجية الخاصة بإدارتها . ولذلك فإن عملية تخفيف تلك النفايات وتسربها ألي البيئة يمثل مكلف اقتصادياً .
ومن الجدير بالذكر أن معظم النفايات الناتجة عن المفاعلات النووية تكون اشعاعيتها منخفضة أو متوسطة المستويات . ومعظم تلك النفايات يسهل إدارتها ، وبسبب نشاطها الإشعاعي المنخفض تحتاج إلى حاويات بسيطة أو بدون قلاع رصاصية أثناء التعامل معها أو نقلها. ويمكن دفنها بالقرب من سطح الأرض وسوف تصل إلى الخلفية الإشعاعية في خلال 2.. سنة . أما النفايات المشعة ذات المستوى العالي من الإشعاع فإنها تنتج من الوقود المستنفذ وهي تمثل نسبة صغيرة من النفايات المشعة ، ولكنها تبقي مشعة لآلاف المسنين ، ولذلك يتطلب دفنها احتياطيات خاصة لضمان عدم تسربها وعزلها تماما عن البيئة المحيطة. وتبلغ كمية الوقود المستنفذ حوالي 3. طن سنويا تنتج من محطة نووية قدرتها ألف ميجاوات كهرباء (Mwe) . وتصل كمية الوقود المستنفذ والذي يمثل النفايات المشعة المتراكمة على مستوى العالم حولي 22.... طن حتى نهاية عام 1999 ، ويعاد معالجة 75... طن من تلك الكمية لإعادة استخدامها حيث يبقي 145... طن تحتاج ألي دفتها أو إعادة معالجتها بعد تبريدها في خزانات مائية (IAEA, 2...) .
وترى الأوساط العلمية والتقنية أن النفايات المشعة عالية المستوى أو الوقود المستنفذ يمكن دفنه في تكاوين جيولوجية مناسبة . ولكن في معظم البلاد فإن تطوير مثل هذا الإمكانيات واختيار الموقع يمثل قرارا سياسياً بالدرجة الأولي ، ولم يدخل المجال التجاري حتى الآن . ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية بولاية نيوميكسو محطة لمعالجة النفايات ذات المستويات الإشعاعية العالية والقيام بدفنها ، وقد بدأ تشغيلها في مارس 1999 . أما الدول الأخرى فإنها تتقدم في هذا الموضوع . فمثلاُ بلجيكا ، كندا ، فنلندة ، فرنسا ، اليابان ، السويد وسويسرا تقوم حالياً بإجراء دراسات متعمقة للتخلص من النفايات المشعة . وفي السويد قامت ستة محافظات بالإعراب عن رغبتها في إقامة مواقع قومية للنفايات المشعة عالية المستوي . ولكن في كل حالة لابد من مشاركة الأجهزة الشعبية من البداية في اتخاذ القرار حتى يمكن الوصول ألي قبول لهذا الحل .
وحيث أن أمن المواد النووية من العناصر الهامة فقد اهتمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعظم الأنشطة النووية ووضعت قوانين صارمة للحد من إنتاج الأسلحة النووية والتحكم في تصدير المواد النووية ، والمفاعلات الجديدة ووحدات الوقود النووية والتفتيش عليها ، وكذلك تقوم الوكالة بترشيد التقنيات النووية وتخفيض الكميات المطلوبة من الوقود المتري في المفاعلات النووية التجارية ، واستبعاد استخدام تلك المواد في غير أهدافها كوقود للمفاعلات . وعملياً ، فإن التصميمات الحديثة يمكنها أن تؤدى دوراً مفيداً في تسهيل نظام التفتيش الذي تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية.
ملخـــص
لقد أوضحت البيانات المتاحة عن مفاعلات القوي النووية أنها تعتبر من الصناعات الهامة والقائمة فهي تمثل مصدرا معروفا لإنتاج الكهرباء، ففي تلك الأيام تساهم تلك الصناعة في إنتاج سدس الإنتاج العالمي من الكهرباء ، كما تغطي خمس احتياجات الولايات المتحدة وثلث احتياجات أوربا الغربية من الكهرباء. وتوضح الدراسات الحديثة (السيناريوهات) ، وبصرف النظر عن غياب السياسات الخاصة بالحد من انبعاث الغازات الضارة (GHG) والمسببة للاحتباس الحراري للكرة الأرضية ، فإن الوفاء بمتطلبات الطاقة اللازمة للنمو الاقتصادي خلال القرن إلحادي والعشرين سوف تحتاج إلى المنظومة المتكاملة لإنتاج الطاقة بأنواعها المختلفة بما فيها الطاقة النووية . ولن يستبعد أي نوع من أنواع مصادر الطاقة القائمة حالياً من تلك المنظومة .
ومن الجدير بالذكر أن المصادر الرئيسية لإنتاج الطاقة تشمل المحطات التي تعمل بالوقود الأحفورى مثل الفحم والبترول والغاز، مفاعلات الطاقة النووية والمحطات التى تعمل بالطاقة المتجددة مثل المياه والشمس والرياح وحرارة باطن الأرض. وأن التقييم المستقبلي لنظام الطاقة العالمي يصعب تحديده بمصدر معين لايتمشي مع الاختيار الحر للحكومات ، والقطاع الخاص والأفراد.
والطاقة النووية تمتلك القدرة لتعوض الخلل الناتج من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة في الدول الصناعية لإعادة التوازن بالمستويات المطلوبة خلال الفترة 2..8-2.12 طبقا لبروتوكول كيوتو. وإذا أخذ في الاعتبار تحقيق تلك المستويات في البروتوكول المذكور فإن تضاعف كمية الطاقة النووية تعد من الاحتمالات القوية . وكذلك فإن استمرارية المستويات الموضحة في اتفاق كيوتو سوف يقوى من احتمالات نمو الطاقة النووية.
وأن الفرصة الجيدة للتنمية المستدامة لتحقيق متطلبات الجيل الحالي، وبدون غبن لأجيال المستقبل للوفاء باحتياجاتهم فإنه يجب أن تتضافر الجهود للسماح للاستفادة بجميع مصادر الطاقة المتاحة وأن تكون المفاضلة على أساس فعالية الأسعار ، حماية البيئة والأمان من المخاطر وأهمية الدخول في التكنولوجيا المتطورة.