شروط تحقق المسؤولية العقدية: لا تتحقق المسؤولية العقدية إلا إذا توافرت الشروط الآتية:
الشرط الأول: وجود عقد صحيح بين الدائن والمدين: فإذا انتفى العقد، أو كان باطلاً أو قابلاً للإبطال وتقرر إبطاله، فلا تقوم المسؤولية العقدية. وكذلك لا تتحقق المسؤولية العقدية إذا وقع خطأ بعد انتهاء العقد.
الشرط الثاني: أن تقوم المسؤولية العقدية بين الدائن والمدين طرفي العقد. أما إذا أثيرت المسؤولية من شخص أجنبي عن العقد، فلا تعد هذه المسؤولية ـ من حيث المبدأ ـ عقدية. ويعد الخلف العام والخلف الخاص للمتعاقد وكذلك المنتفع من العقد بمنزلة طرف في العقد. فإذا أثار أحد منهم مسؤولية المتعاقد الآخر؛ فتكون هذه المسؤولية عقدية.
الشرط الثالث: أن يكون الضرر الذي لحق بالدائن ناشئاً من عدم تنفيذ التزام ناتج من العقد.
أركان المسؤولية العقدية: تقوم المسؤولية العقدية على الأركان الآتية:
الركن الأول: الخطأ العقدي: وهو عدم تنفيذ التزام ناشئ من العقد، أو تنفيذه بشكل معيب، أو التأخر في تنفيذه. ويقوم الخطأ سواء أكان عدم التنفيذ عمداً أم ناجماً عن إهمال.
وإثبات الخطأ العقدي يتوقف على تحديد طبيعة التزام المدين. في الواقع، تقسم الالتزامات ـ عموماًـ من حيث هدفها إلى نوعين:
النوع الأول: التزام بتحقيق غاية أو التزام بالسلامة، كالتزام شركة النقل تجاه المسافرين.
النوع الثاني: التزام ببذل عناية أو التزام بوسيلة ، كالتزام المحامي بالدفاع عن مصالح موكله، وكذلك التزام الطبيب بمعالجة مريضه.
ويكون تنفيذ الالتزام بغاية بتحقيق تلك الغاية، فإذا لم تتحقق كان الملتزم واقعاً في خطأ عدم التنفيذ. أما في الالتزام ببذل عناية، فيعد الملتزم أنه قد نفذ التزامه متى بذل في سبيل ذلك العناية التي يبذلها الرجل المعتاد، سواء تحققت النتيجة المرجوة أم لم تتحقق، ما لم ينصّ القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك. ويترتب على ذلك أن إثبات عدم التنفيذ في الالتزام بتحقيق غاية يتم بمجرد إثبات عدم تحقق الغاية، ومثال ذلك إذا أصيب المسافر في أثناء السفر بضرر يعد الناقل مسؤولاً؛ وذلك لأن الغاية من التزامه لم تتحقق؛ وهي وصول المسافر بالسلامة. وأما في الالتزام ببذل عناية، فعلى الدائن أن يثبت أن المدين لم يبذل القدر الواجب من العناية، وبمعنى آخر أن يثبت الخطأ في جانب المدين.
وللمدين الحق في أن يدفع المسؤولية عن نفسه بإثبات أن عدم التنفيذ يرجع إلى سبب أجنبي، كالقوة القاهرة[ر].
الركن الثاني: الضرر: ويقع عبء إثبات الضرر ـ من حيث المبدأـ على عاتق الدائن. ولكن إذا كان التعويض اتفاقياً (وهي حالة الشرط الجزائي)، فبمجرد وقوع الخطأ، يعد الضرر مفترضاً. وعلى المدين في مثل هذه الحال أن يثبت أنه لم يلحق بالدائن ضرراً. وكذلك الحال إذا كان الضرر ناتجاً من التأخر في أداء مبلغ من النقود، حيث يكون الضرر هنا أيضاً مفترضاً، ولكنه لا يقبل إثبات العكس، ومن ثم يستحق الدائن التعويض ـ وهو فائدة النقود ـ دون أن يكلف إثبات الضرر. والضرر إما أن يكون مادياً؛ وهو ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة، أو أن يكون أدبياً؛ وهو ما يؤذي الشخص في نواح معنوية كالعاطفة والكرامة والشرف. ويشترط في الضرر أن يكون محققاً أي أكيداً ومباشراً ومتوقعاً وقت التعاقد. ولا يسأل المدين في المسؤولية العقدية عن الضرر غير المتوقع إلا إذا كان ناشئاً من غش أو من خطأ جسيم، وهذا ما ذهبت إليه مثلاً المادة 222/2 من القانون المدني السوري.
الركن الثالث: علاقة السببية بين الخطأ والضرر: ومعنى ذلك أنه يجب أن يكون الخطأ العقدي الذي ارتكبه المدين هو السبب في إلحاق الضرر بالدائن.
ويجب على الدائن إثبات هذه العلاقة. إلا أنه متى أثبت الدائن الخطأ والضرر؛ تعد علاقة السببية بينهما مفترضة قانوناً. ولكن هذا الافتراض يقبل إثبات العكس، ومن ثم يمكن للمدين أن يثبت أن الضررلم ينشأ من خطئه. وإنما نشأ من سبب أجنبي، ويترتب على ذلك دفع المسؤولية عنه.
ساحة النقاش