أيهما يصنع الآخر وينتجه؛ الحق أم القوة؟ سؤالٌ ليس جديداً، فقد تناولته أسئلة الفلسفة والتاريخ والمفكرين طويلاً، ويا لخيبة المثاليات.. كان التاريخ العربي بالذات يجيب دوماً أن القوة هي التي على الدوام تخلق الحق. الضعف والضعفاء لا يمكنهم أن ينتصروا لأي حق، فضلاً عن أن يخلقوه!.
حسناً.. هل يعني هذا أننا كي نبقى فإنه يلزمنا أن نفكر بالقوة دونما توقفٍ عند الحق! ويا لخيبة المثاليات أيضاً، فالتاريخ العربي أصرّ على الإجابة نفسها؛ القوي مهما ارتكب من الفظائع والجرائم والأكاذيب هو من يستطيع أن ينتج الحق، بينما المهزوم لا يخرجه من عار هزيمته أي شيء، حتى لو كان كل الحق معه. المهزوم مهزوم، ومرتهنٌ لإرادة أطول يداً منه.. هي نفسها اليد التي هزمته!.
كان هذا فيما مضى، لكن هل تغيرت لعبة الحق والقوة الآن؟ أعني في هذه الهستيرية التاريخية والمفاجئة في الشرق بهذا الوقت؛ هل صارت القوة هي نفسها الحق، والحقوق هل صارت هي القوة!.
العالم يرى أن الحق والحقوق يوماً بعد يوم تقضم عضلات القوة في ليبيا واليمن وسوريا. الحق والحقوق، في هذه السنة الغريبة وربما فيما يليها، تستحيل رغماً عن الجبروت إلى القوة. هذا ما قالته تونس الفاتحة ومصر النموذج، وهو نفسه ما تتقدّ لأجله النيران في ليبيا واليمن وسوريا.. الخ!.
تقول القوة بصراحة واضحة: إن زمن العسكر والأفكار الكبرى والأيديولوجيات التي تمثلها فرق اليمين واليسار قد ولّى، أو أنه في آخره ليتلاشى. حسابات التاريخ القديمة تهشمت على صخرة واحدة عجيبة، لم يتوقعها أحد؛ واسمها الشاشة.. شاشة الجوال، واللابتوب، والآيباد، والفضائيات.. إنه زمن اليوتيوب، والفيس بوك، والتويتر، أجل.. هذا زمن الشبكات والمواقع المفتوحة، والشاشات الصغيرة، زمن الشباب الذين سخرنا منهم ولم نفكر بهم كما يجب.. إنهم يقولون الآن وبحق وقوة مربكين؛ إنه لم يعد لعصابات النفوذ، يميناً كانوا أو يساراً، ولا للنخب دور يذكر في قيادة الحياة. التقنية والمال والمعلومة وحدها الآن من تدير كل شيء، ومن يقبض عليها فهو بالضرورة واحد من الذين يديرون مصير العالم، أفرادا أو مؤسسات أو حكومات. إن المثقفين بصورتهم القديمة ليس لهم من مكان يذكر في هذه اللحظة الحرجة من التحوّل. فلنفكر.. لنفكر بصدق لأن ما يجدي اليوم لا يبدو أنه سيجدي غداً!.
ساحة النقاش