تقف أجهزة ووسائل الاعلام العربية حالياً على المحك في علاقتها بجمهورها وعلاقتها بآداب وأخلاقيات المهنة ودورها في صناعة الثقافة العربية على حد سواء..
فليس هناك من شك في أن الإعلام العربي يمر بأزمة كبرى تتمثل في فقدانه لدوره المؤثر في صناعة وصياغة المعرفة الجيدة الرصينة التي هي السبيل الأول لرقي وتقدم المجتمعات، والتي تعد أول لبنة من أجل بناء جيل من أبناء الوطن العربي قادرعلى إحداث التغيير وقيادة الأوطان العربية إلى صفوف العالم المتقدم.

وبالطبع نقصد بالإعلام كافة ألوانه وأشكاله من إعلام مرئي ومسموع ومكتوب وإلكتروني، إلا أن الإعلام المرئي هو أكثر ما يجسد تلك الأزمة لكونه الوسيلة الأولى حالياً والأكثر تأثيراً في قضية إيصال الثقافة والمعلومة في ظل مجتمعات يعاني أكثر من نصفها من أمية القراءة والكتابة ناهيك عن الأمية الإلكترونية والتي تجعل الفجوة شاسعة بين تلك المجتمعات ومجتمع المعلومات.

سنعرض هنا لبعض من ملامح الأزمة التي تمر بها صناعة الإعلام العربي، حيث نجد في طليعة تلك الملامح، سيطرة الأجهزة السياسية للنظم العربية على المؤسسات الإعلامية في تلك الدول، مما يؤثر على مصداقية نقل وتداول الأخبار، التي في الغالب ما تكون متركزة على أخبار رؤساء الدول والحكومات وانتقالاتهم واجتماعاتهم دون أن تقدم لنا ما نحتاج إليه من ثقافة حقيقية، فلا تراعي تلك الوسائل الإعلامية التي تدار بعقلية النظام ما يود المتلقي في الحصول عليه من معلومات تساعده على تطوير ذاته.

فكم من مرة شاهدنا الاحتفال بتخريج إحدى دفعات الكليات في بث مباشر يستمر بالساعات لمجرد حضور رئيس الدولة له؟ لا أظن أن تلك الأخبار والبرامج هي ما تهم المشاهد أو تعود عليه بفائدة ما.

كذلك يعاني الإعلام العربي ضعفاً كبيراً ورداءة في الأداء وعدم مراعاة الضوابط المهنية وأبرز مثال على ذلك هو تحوله من كونه إعلاماً إلى إعلاناً، حيث نجد أغلب البرامج وقد تحولت إلى مجرد أوقات لملء الفراغ بين المساحات والفقرات الإعلانية الطويلة، ولا نكاد نشاهد برنامجاً واحداً إلا وتتخلله مجموعة من الإعلانات التي تقطع متعة المشاهدة وتواصل الأفكار المقدمة في البرنامج.

ناهيك عن الدور السيء للإعلانات والتي تكرس في غالبيتها لتبني الثقافة الاستهلاكية، والتطلع لاقتناء أشياء مادية ليست ضرورية ولا تتناسب مع حياة المواطن متوسط الدخل في المجتمعات العربية كأحدث أجهزة الموبايل والسيارات الفارهة والشاليهات والمجوهرات وغيرها من أمور مادية على حساب أولويات الحياة الأخرى.

كما أن القنوات الفضائية أفرزت اتجاهاًَ يعلي من شأن نجوم الرياضة والكرة والفن الرديء على حساب العلماء والأدباء والمفكرين وأصحاب الرأي حتى أصبحنا نعاني من أجيال سطحية التفكير والثقافة لا تسأل أحدها أبسط سؤال في فرع من فروع العلوم أو التاريخ إلا وتجده قد ضرب أخماساً في أسداس ووقف فاغراً فاه لا يفهم أساساً معنى السؤال حتى يستطيع الإجابة عليه.
وتمادت تلك القنوات حتى أصبحت هناك قنوات مخصصة فقط لتحليل مباريات كرة القدم، وكرة القدم فقط، ولا أفهم هل هناك حاجة ملحة لقناة تعمل 24 ساعة لتحليل مباريات الكرة؟!

ولن نذكر هنا دور الدراما السطحية والقنوات ذات الاتجاهات الدينية، وانزلاق الإعلام لهوة الحوارات الرديئة التي تتسبب في شحن المجتمعات بالتوتر والطائفية وتبني ثقافة العنف والصوت العالي وعدم الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى.

إننا نريد إعلاماً جديداً يعلي من شأن العلماء كما يعلي من شأن نجوم الفن والرياضة..
نريد إعلاماً مستقلاً عن الأجهزة والنظم السياسية ولا يتبنى وجهة نظر النظام القائم ويطمس الهويات الأخرى
نريد إعلاماً يهتم بالتراث الموسيقي والأدب الراقي والمسرح الجيد، وليس إعلام الراقصات والمطربات والممثلات اللاتي ليس لديهن من مواهب سوى جمالهن المزيف. .
نريد إعلاماً يتيح لكل الطوائف والاتجاهات عرض وجهات نظرها ، ولا تحتكره طائفة دون أخرى.
نريد إعلاماً يعرض بموضوعية الرأي والرأي الآخر ويترك للمتلقي مهمة تشغيل عقله وفلترة المعلومات المتاحة أمامه وإنتاج وجهة النظر الخاصة به، وليست تلك التي يريد إعلام المؤسسات فرضها عليه.

المصدر: خواطر شخصية

ساحة النقاش

nazrat

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفات لابأس به الى أهمية هذا الدور , على أية حال فان كان النقد موجه الى الاهتمام بالعبثيات على حد قولك فتلك سنة الله في أرضه ( وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ) صدق الله العظيم إلا أن توجه الالتفات بالاهتمام العلمي والعلماء فهذا شأن يجب أن يتزايد بالفعل في المرحلة المقبلة إن شاء الله , وأن نقف جميعا لنقيم ما كنا فيه أو عليه قبل 25 يناير بعيدا عن نقد الساسة والنظام وما جلبه علينا وحوالينا

WafaaFarag
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

459,739