في الوقت الذي تدعو فيه كافة أجهزة الدولة في مصر إلى ضرورة الالتفات المخلص إلى بناء الوطن في هذه المرحلة، والابتعاد عن كل ما يثير الفتنة والتوتر، ويشغلنا عن الحفاظ على المكاسب الديمقراطية والاجتماعية المتحققة من ثورة 25 يناير؛ تواجه البلاد بالفعل وجود ثورة مضادة، باتت واضحة في عدد من الظواهر التي تحركها أيدي خفية قد تكون من رجال الحزب الوطني السابقين والمضارين من الوضع الحالي، وقد يكونون من أفراد جهاز أمن الدولة الذين لن يعدموا الوسيلة من أجل إجهاض الثورة في شهورها الأولى لمصلحتهم ومصلحة من يخدمونهم، وقد تكون بتلاقي مصالح هؤلاء وأولئك مع قوى خارجية تسعى لتنفيذ مصالحها....
ومن تلك الظواهر التي تعبر عن الرغبة في الانقضاض على الثورة المصرية وإحداث الفرقة في صفوف الوطن ما يلي:
- المطالب والوقفات الاحتجاجية للجماعات الفئوية، وأصحاب المصالح الخاصة والتي تم تنظيمها في غالبية الشركات والمصالح الحكومية، وأغلب هؤلاء كان في بداية قيام الثورة يتخذ موقفاً مضاداً لهذه الحركة الشبابية الرائعة، والآن وقد حققت الثورة ما لم يكن أحد يتوقعه، أصبح هؤلاء – سواء بوعي أو من دون وعي- يودون ركوب موجة الاحتجاج والاعتصام، لتحقيق مآرب خاصة تتعلق بزيادة مرتباتهم أو تحسين أوضاعهم والامتيازات التي يحصلون عليها، دون النظر إلى أن أية ثورة تحتاج لوقت من أجل إعادة ترتيب الأوراق، وأن هناك من القضايا والفساد ما يستلزم البحث فيها ولها أولوية عن تلك المطالب.
- إشاعة حالة من الفوضى والفزع بين جموع المواطنين وذلك بنشر وإطلاق البلطجية وأرباب السجون حيث قاموا بارتكاب حوادث للسرقة والقتل وإرهاب المواطنين من أجل إيهامهم بأن الحالة الأمنية للبلاد لم تكن تحتمل قيام الثورة، وكانت تتطلب بقاء وضع النظام السابق على ما هو عليه. وهؤلاء البلطجية هم الذين تم توجيههم وتنظيمهم في مجموعات من قبل قادة الحزب الوطني الديمقراطي والذين استخدموهم بشكل متكرر أثناء انتخابات مجلسي الشعب والشورى بهدف التزوير والحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان لصالح الحزب الحاكم.
- الفتح المنظم للسجون في كافة أنحاء مصر، وإشاعة الفوضى والاضطرابات بين المساجين كسبيل آخر لإفزاع المواطنين.
- التسريب المتعمد لتقارير مزورة ومفبركة من وثائق أمن الدولة لتكون في أيدي المواطنين، ولا يخفى على أحد أن هذا التسريب تم لملفات معينة تستهدف أسماء كان لها أثر فعال سواء بالرأي أو بالمشاركة الفعلية في أحداث ثورة 25 يناير، وذلك من أجل تشويه صورة هؤلاء أمام جموع الشعب المصري لزعزعة ثقتهم في تلك النماذج الوطنية، ونستدل على ذلك أيضاً بأن الملفات لم تطال أي من المسئولين الكبار، وتمت في وقت يتوازى مع النزول على رغبة الشعب في إقالة حكومة د. أحمد شفيق والشروع في تشكيل حكومة جديدة برئاسة د. عصام شرف.
- الإثارة المتعمدة للفتنة الطائفية بين جناحي الأمة المصرية من مسلمين ومسيحيين، وبث روح التعصب الديني في وقت يبحث فيه الجميع عن مستقبل آمن للبلاد، ويزيد على ذلك إطلاق الشائعات والتي كانت إحداها تفيد بأنه سيتم بناء مسجد مكان الكنيسة التي تم إحراقها في أطفيح، بهدف تأجيج نار الفتنة وصب الزيت عليها.
كل تلك المظاهر وإن كان يخفى علينا المحرك والمنظم لها، إلا أن تدل على حقيقة واضحة وهي أن بقايا النظام السابق لم تستسلم بعد، وتريد فك أواصر التحالف الذي حدث بين الجيش والشعب، وجرف الثورة بعيداً عن أهدافها الحقيقية بشغل الناس بأحداث هنا وهناك لا تؤدي إلا إلى إفساح المجال للفوضويين ومقتنصي الفرص لتشويه صورة هذه الثورة التاريخية وتحويلها إلى حركة فوضوية تدميرية تقضي على أركان الدولة.
وأنا كلي ثقة بأن شباب مصر اليوم واعون لكل الجهات الخارجية والأطراف الداخلية المعادية لثورتهم البيضاء، وعليهم العمل على حمايتها من أي تلطيخ لها ولأهدافها، والتنبه الكامل لمحاولات هز ثقتهم بالجيش الذي قام ومازال يقوم بحماية تلك الثورة والشباب الذين صنعوها.
وكلمة أخيرة لهم: قوموا بالاتحاد أكثر مع قواتكم المسلحة وجيشكم العظيم لتخطي تلك المرحلة، ولا تسمحوا بالمساس بهيبة الدولة، وكونوا يد للبناء وتحقيق الاستقرار للوطن قبل فوات الأوان.
ساحة النقاش