أخيرا سقط القناع بدرجة سافرة عن أسرار عمليات التمويل الأجنبى للمنظمات المدنية، ووضع قرار الاتهام، الذى أصدرته النيابة العامة عن نتائج التحقيقات مع 43 متهما من المصريين والأجانب، النقاط فوق الحروف.. من بينهم 19 متهما أمريكيا يعملون فى منظمات المجتمع المدنى التى بدأت نشاطها فى مجالات العمل الأهلى المدنى. ثم ما لبثت أن انحرفت إلى العمل السياسى، وضاعفت حجم تمويلها للأحزاب والمنظمات السياسية قبل الانتخابات البرلمانية مباشرة فى شهرى أبريل ومايو بقصد التأثير فى توجهاتها السياسية. 
لا أحد يمارى فى حق منظمات المجتمع المدنى المصرية فى الحصول على مساعدات سواء بمنح مباشرة أو عن طريق تدريب أعضائها فى أنشطة مدنية أهلية مثل مراقبة الانتخابات وتشجيع الناخبين على الذهاب الى صناديق الاقتراع، ولكن هذه المساعدات ينبغى أن تتم بناء على ترخيص من الدولة وبموافقة الجهات المسئولة، بحيث لا تخرج عن أهدافها إلى مجالات أخرى.
 
ولا ينبغى هنا الاحتجاج بأن الدولة نفسها تتقاضى مساعدات أمريكية اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية.. لأن مثل هذه المساعدات تتم وفقا لاتفاقيات جرى التفاوض حول شروطها ووجوه إنفاقها، طبقا لمعاهدات دولية، كالتى ترتبت على اتفاقية كامب ديفيد، شأنها فى ذلك شأن اتفاقيات مشابهة عقدت مع الاتحاد الأوروبى أو غيره من الكيانات الدولية، وهى دائما ما تكون اتفاقيات يجرى تنفيذها علنا و«فوق الترابيزة»، على خلاف ما أثبتته التحقيقات فى تحويل منظمات المجتمع المدنى.
 
والمعروف أن كوادر الحزب الوطنى المنحل وبرامجه كانت تتلقى مساعدات تدريبية عن طريق هذه المؤسسات الأمريكية، ولكنها بعد الثورة تحولت إلى تأييد الأحزاب الجديدة وتلك ذات المرجعيات الدينية شملت 63 حزبا من بينها حزب «الحرية والعدالة» وحزب «الأصالة» السلفى، حيث كانت تجرى برامج للتدريب السياسى غير مرخص واجراء بحوث وورش عمل واستطلاعات للرأى، واعداد تقارير يتم ارسالها إلى المركز الرئيسى للمعهد الجمهورى الدولى!!
 
وتكشف وثيقة سرية سربتها «ويكيليكس» عن أن التمويل يأتى من مصادر مختلفة. إما باقتطاعها من ميزانية المساعدات الأمريكية أو عبر «منظمات واجهة» لإخفاء مصادر التمويل المخصصة لسياسيين غير مسجلين.. ذلك بعد أن أعربت الجهات المصرية عن استيائها من مخالفة واشنطن للقواعد المتفق عليها، واتهام السلطات الأمريكية بالتدخل فى الشئون الداخلية.
 
وتظهر تقارير «ويكيليكس» أن واحدة من أكبر المنظمات المصرية لحقوق الإنسان تلقت تمويلا من منظمة فى المغرب ممولة أمريكيا، لعقد مؤتمر فى القاهرة عن حرية الصحافة، واعترفت السفيرة الأمريكية السابقة مرجريت سكوبى فى احدى برقياتها أنها تجاوزت القدرة الاستيعابية للمنظمات المصرية، وذكرت «ويكيليكس» أن من بين المنظمات والجمعيات التى تلقت ملايين الدولارات عن طريق المعهد الوطنى للديمقراطية: مركز ابن خلدون والمركز العربى لاستقلال القضاء ومركز الأندلس للتسامح ومناهضة العنف ومنتدى القاهرة الليبرالى.
 
قد يبدو مثيرا للدهشة بعد كل هذه الحقائق التى كشفت عنها النيابة.. أن تكذب واشنطن معظم هذه الوقائع وتؤكد المتحدثة الأمريكية لوزارة الخارجية أنه حدث سوء فهم. وهى معونات ترتبط باتفاقيات كامب ديفيد وتمثل ثقلا استراتيجيا لكل من مصر وأمريكا!
 
نشبت هذه الأزمة فى غمرة ظروف اقتصادية وسياسية وتحولات داخلية خانقة. ولاشك أن الجانبين يشعران بخطورة عواقب هذه الأزمة وما قد تؤدى إليه من تدهور فى العلاقات.
 
ذلك أن تشابك المصالح بين الطرفين تجعل من الصعب فهم عُرى الروابط التاريخية بينهما. ولكن جانبا كبيرا من المسئولية يقع على الجانب المصرى الذى أدمن بمرور الوقت أسلوب المساعدات، حيث أصبحت جزءا مهما من البناء الاقتصادى، تستغله الدولة المانحة لأهداف سياسية.. وهاهى مشكلة الحصول على قرض من البنك الدولى تفرض نفسها وتصطدم بأزمة العلاقات مع واشنطن فى قضية التمويل الأجنبى.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : سلامة احمد سلامة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 232 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

761,574

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته