الحشود التى خرجت إلى ميادين مصر وشوارعها الكبرى فى يوم انطلاق الثورة (الأربعاء 25 يناير) بعثت إلى كل من يهمه الأمر بمجموعة من الرسائل التى ينبغى أن تقرأ جيدا. فى مقدمتها ما يلى:
 
● إن الشعب المصرى لايزال مستنفرا ومهجوسا بمصير ثورته. لم يمل، ولم يضج بمختلف صور المعاناة التى طرأت على حياته. وإنما بدا متشبثا بالثورة ومصرا على إتمام مسيرتها. ورافضا العودة إلى الوراء. وقد أعلن رأيه ذلك بجرأة مشهودة اخترقت كل ما عهدناه من حواجز الصمت والخوف، بل تجاوزت أكثر ما نعرفه من خطوط حمراء صنعت من ولى الأمر السابق سلطانا وصنما مقدسا وإلها فى بعض الأحيان.
 
● إن غضبة 25 يناير 2011 كانت ضد مبارك ونظامه، أما غضبة 25 يناير الثانية فكانت موجهة ضد المجلس العسكرى. وهى حقيقة مؤلمة يتعين الاعتراف بها. صحيح أن مبارك لم يُنس، ولكن حضوره كان على هامش المشهد وليس فى قلبه. إذ باستثناء اللافتات التى دعت إلى إعدامه، ولم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فإن بقية اللافتات التى غمرت ميدان التحرير على الأقل، والصوت الهادر فى مختلف الميادين ظل رافضا لحكم العسكر وداعيا إلى الخلاص منه.
 
● إن أخطاء المجلس العسكرى التى تتابعت خلال العام، وفشلت جهود احتوائها كما لم تقنع أحدا محاولات تبريرها راكمت فى أعماق المصريين درجات من المرارة والغضب. الأمر الذى يدعونا إلى القول بأن «رصيد» المجلس العسكرى الذى جرت المراهنة على وجوده قبل عدة أشهر قد نفد تقريبا، وكان مؤسفا أن المجلس بسوء إدارته لم يحافظ على ذلك الرصيد ولم يحاول أن يعوض تناقصه. وأزعم فى هذا الصدد أن مؤشرات تناقص الرصيد تسارعت بدرجة أكبر حين حاول ممثلو المجلس العسكرى أن ينسبوا الأخطاء التى وقعوا فيها بإحالتها إلى طرف ثالث فشلوا فى تقديم الدليل على وجوده.
 
●إن الشهداء كانوا موجودين بقوة فى الميادين، ومعهم ملف المصابين بطبيعة الحال. لا أتحدث عن أرواحهم التى حلقت فى الفضاء فحسب، لكننى أتحدث عن وجوههم التى استعادها الشبان ورسموها على أقنعة رأيناها فى ميدان التحرير.. ولم تذكرنا الأقنعة بالشهداء فحسب ولكنها ذكرتنا بكل مشاهد القسوة المفرطة غير المبررة التى تعرض لها المتظاهرون والمعتصمون ابتداء بإطلاق النار عليهم وانتهاء بسحل الفتيات وهتك أعراضهن، ومرورا بقضية كشف عذرية الناشطات.
 
● إن الإدارة السيئة للفترة الانتقالية حجبت عن الأعين إيجابيات كان يمكن أن تذكر فى المناسبة، من قبيل إجراء الانتخابات التشريعية التى تؤذن برحيل المجلس العسكرى، والالتزام بتسليم السلطة إلى المدنيين فى نهاية شهر يونيو المقبل. الأمر الذى أعطى انطباعا خلاصته أن سلبيات المرحلة الانتقالية غطت على إيجابياتها.. إن الفجوة (هل أقول الجفوة؟) التى نشأت بين المجلس العسكرى والمجتمع أصبحت أكبر وأعمق أن تردم. وهو ما يعنى أن هتاف الجيش والشعب إيد واحدة أصبح يعبر عن لحظات النشوة والفرح فى الغضبة الأولى ولم يعد له وجود فى مناخ الغضبة الثانية.
 
● إن سوء إدارة الفترة الانتقالية حين اقترن بمحاكمة المسئولين عن النظام السابق جنائيا فى حين أن جرائمهم الكبرى سياسية بامتياز، وحين لم يلمس المجتمع شواهد جادة على محاسبة المسئولين عن قتل المتظاهرين، فإنه فتح الباب واسعا لإساءة الظن بالعسكر. من ثم فإنه وفر قرائن عززت فكرة استمرار الحكم رغم سقوط الحاكم. حتى ذهب بعض الغاضبين فى شططهم إلى حد اتهام أعضاء المجلس العسكرى بالانحياز إلى مربع الثورة المضادة.
 
● إن أداء المجلس العسكرى فى الفترة الانتقالية طوى صفحة الحكم العسكرى الذى تخضع له مصر منذ عام 1952. وأكاد أزعم أنه قضى على كل أمل لأى شخصية لها خلفيتها العسكرية فى إمكانية حكم مصر فى الأجل المنظور على الأقل. وهو ما يشكل ضربة قاصمة لحملة أى مرشح محتمل للرئاسة من بين العسكريين السابقين.
 
سيظل اعتزازنا بالجيش قائما بطبيعة الحال، لكننا ما تمنينا أن تصبح أكبر هدية ننتظرها من المجلس العسكرى بعد عام من الثورة هى أن يغادرنا، وألا يتأخر يوما واحدا عن الثلاثين من يونيو المقبل. ولن نتردد حينئذ فى أن نقول لهم بكل احترام: سعيكم مشكور.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 230 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

755,649

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته