هذه واقعة مثيرة تحتاج إلى تحقيق: فى يوم انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب الجديد (الاثنين 23/1) أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوم قانون إعادة تنظيم الأزهر، ولكنه أعطى تاريخا سابقا هو 19/1، وظهر نص القانون على الموقع الإلكترونى للمطبعة الأميرية الرسمية التى تتولى نشر «الوقائع المصرية» ظهر يوم الثلاثاء 24/1، أى فى اليوم التالى للإصدار الحقيقى وليس المدون على الورق. هذه الخلفية التى تعد التفافا على القانون وتحايلا عليه تثير عددا من علامات الاستفهام والتعجب، منها ما يتعلق بأسباب التعجل فى إصدار القانون والحرص على تجنب عرضه على مجلس الشعب. منها أيضا ما يتعلق بمدى دستورية التصرف، لأن المجلس العسكرى أصدر القانون فى الوقت الذى انتقلت فيه سلطة التشريع إلى مجلس الشعب منذ انتخابه وإعلان النتائج الرسمية يوم السبت 21/1. وحتى إذا افترضنا جدلا أن القانون صدر يوم الخميس 19 يناير، فإنه يظل مستغربا ومثيرا للدهشة أن يصدر المجلس العسكرى تشريعا لا مبرر للاستعجال فيه يوم الخميس، مع علمه بأن سلطة التشريع سوف تنزع منه يوم السبت. يعزز الشك فى موعد الصدور أن الصحف اليومية لم تشر إلى صدور القانون حتى الآن، رغم أنها توسعت فى نشر محتوياته حين كان مشروعا. وإذا كان قد صدر حقا يوم 19 فلا يعقل أن تتجاهله طوال خمسة أيام. لكن من الواضح أنه حجب عن الصحف خصيصا يوم صدوره فى 23/1 حتى لا يلتفت أحد إلى المخالفة الدستورية والقانونية التى شابت عملية إخراجه إلى النور.
حين حاولت أن أتحرى هذه الملابسات الغريبة قال لى بعض من أعرض من الخبراء إن المسألة بسيطة، وبها سوابق كثيرة فى ظل النظام السابق. ذلك أن السلطة حين كانت تريد تمرير أى قانون دون أن يشعر به أحد، فإنها كانت تلجأ إلى نفس الأسلوب. تصدره بتاريخ سابق ثم تنشره ضمن «الوقائع الرسمية» فى ملحق تطبع منه نسخ بعدد أصابع اليد الواحدة. بحيث يكون القانون قد نشر ولم ينتشر. وعند التحقيق يظهر الملحق الذى يثبت أنه نشر فعلا فى الموعد القانونى، فى حين يتعذر إثبات أن النسخ التى طبعت لم تغادر مبنى المطبعة الأميرية!
الملاحظات على القانون تتجاوز إجراءات إصداره، ولكن هناك أكثر من ثغرة فيه تستحق المراجعة. أخطرها أنه قرر أن يكون تعيين شيخ الأزهر بالانتخاب من قبل هيئة كبار العلماء التى أنشأها القانون، إلا أنه نص على أن أعضاء تلك الهيئة يختارهم الإمام الأكبر. والملاحظة هنا أن شيخ الأزهر هو الذى يختار هيئة كبار العلماء لكى يتولوا من جانبهم انتخابه لمنصبه مدى الحياة!
الملاحظة الثانية أن هيئة كبار العلماء ستضم أربعين عضوا من المنتسبين إلى المذاهب الفقهية الأربعة. الأمر الذى يضعف من الوزن الروحى للأزهر، فيحوله مرجعا لأهل السنة وحدهم، بعدما كان منارة يتطلع إليها كل أتباع الملة باختلاف مذاهبهم. ومن المفارقات أن موسوعة الفقه الإسلامى التى يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ويحررها كبار علماء الأزهر تقدم الفقه الإسلامى من خلال إسهامات ثمانية مذاهب، كما أن طلاب الدراسات العليا بجامعة الأزهر يدرسون الفقه المقارن متجاوزين مذاهب أهل السنة الأربعة.
الملاحظة الثالثة أن اختصاص هيئة كبار العلماء الواردة فى القانون، إلى جانب توليها انتخاب شيخ الأزهر عند خلو منصبه وترشيح مفتى الجمهورية، فإنه تحدث أيضا عن «البت» فى المسائل الدينية والقوانين والقضايا ذات الطابع الخلافى، «والبت» فى النوازل والمسائل المستجدة التى سبقت دراستها. ومصطلح «البت» فى المفهوم القانونى يعنى القطع فى المسائل على نحو لا يقبل أيه إضافة مهما كانت. وبالتعبير الدارج فإنه آخر كلام الذى لا كلام بعده. الأمر الذى يجعل من رأى الهيئة نصوصا قطعية الدلالة، كأنها منزلة من العليم الحكيم.
الملاحظة الرابعة فى القانون نص على أن الأزهر يمثل «المرجع النهائى فى كل ما يتعلق بشئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة». وهو نص يتعارض مع كون هيئة علمائه مغلقة على أهل السنة دون غيرهم. الأدهى والأمر أن الأزهر وقد امتدت ولايته إلى كل ما يتعلق بشئون الإسلام، فإن هذه الولاية استثنت أئمة المساجد لأن مرجعيتهم كانت ومازالت من اختصاص الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية!
كان المستشار طارق البشرى قد كلف بالإشراف على تعديل قانون تنظيم الأزهر فى أوائل مايو من العام الماضى (2011)، وحين سألته فى الموضوع قال إنه لا علاقة له بالقانون الذى صدر، لأنه اعتذر على القيام بالمهمة فى أول مايو، بعدما حضر اجتماعا واحدا وطلب بعض البيانات التى لم تقدم إليه، فآثر أن ينأى بنفسه على الموضوع برمته، وتركه لغيره الذى فصله على النحو الذى ذكرت. الأمر الذى يفسر لنا لماذا تم «تهريبه» من وراء ظهر مجلس الشعب حتى لا يتعرض للمناقشة، فجاء مولودا ليس مشوها فحسب، ولكن مطعونا فى نسبه أيضا!
ساحة النقاش