إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه ..
العائشون في جلباب مبارك .. نجوم وفلول وعوالم!
بقلم ـ كمال القاضي
شاهد العالم كله بالصوت والصورة محاكمة تاريخية لرئيس الدولة البوليسية المخلوع محمد حسني السيد مبارك ورموز نظامه وفساده الذين ظلوا في الحكم ثلاثين عاما، ومثلما انتصرت إرادة الثوار الأحرار وحصل المشير طنطاوي والمجلس العسكري علي صك البراءة من تهمة التراخي أو التواطؤ بحسب التسميات التي اخترعها بعض المتشككون والمشككين في ولاء الجيش كان التخاذل علي الجانب الآخر من نصيب الطغمة المؤيدة للرئيس السابق والمناهضة للثورة، الفئة المنعوتة "بالفلول"، ذلك المصطلح الذي ظهر مع بداية الثورة المضادة والذي باتت الألسنة تلوكه وتتداوله كتعريف دال علي هؤلاء المغيبي .
حيث برز منهم في وقت مبكر نجوم وفنانون كانت لهم مواقف حادة ضد الملايين المتظاهرة بميدان التحرير مع الأيام الأولي للغضب الشعبي، وقد تراجع بعضهم عن الهجوم بعد ثبوت الرؤية ونجاح الثورة العظيمة، وباتوا يلهجون بالاعتذارات ويطلبون السماح والرضا من الثوار، فيما ظل آخرون علي عنادهم يعلنون تأييدهم الفج لزمن الفساد والعبودية ورمزه الذي يودع الآن بالمركز الطبي العالمي رهن التحقيق في انتظار مصيره المحتوم، إذ هو قاب قوسين أو أدني من حبل المشنقة ولم يتوقف تأييد الفلول عند حد التعاطف بل هناك من يُنصب نفسه حكماً ويقيم محاكمة موازية ويري التاريخ من وجهة نظره ويعتبر أنٍ ما يتخذ ضد مبارك من إجراءات استكمالاً لما تم من شطب اسمه من محطة مترو الأنفاق واستبداله بالشهداء ورفع اللافتات الموجودة علي واجهات المدارس والمكتبات نفياً لتاريخه وتعسف وقسوة من جانب القائمين علي هذا الفعل .
ولعل الأعلى صوتاً في هذا الشأن الكاتبة والسيناريست لميس جابر التي طالما دافعت عن الفترة الملكية وكتبت مسلسلاً دراميا برأت فيه الملك فاروق من كل مساوئه وألصقت بجمال عبد الناصر والضباط الأحرار العديد من التهم من عينة الاستبداد والوحشية والديكتاتورية... إلي آخر قاموس الاتهامات المعلبة.. ركزت لميس مؤرخة مرحلة ما قبل الثورة – كما تحب أن توصف- علي خصال فاروق الحميدة وصفاته الحسنة وتغاضت عن كوارثه السياسية، النساء والقمار وصفقة الأسلحة الفاسدة التي راح ضحيتها آلاف الجنود والضباط المصريين في حرب 48 التي انتهت باحتلال فلسطين منذ 64 عاما، ويالا العجب يتجدد خطاب الكاتبة والسيناريست لأجل حسني مبارك وهي تدافع عنه مثلما دافعت عن فاروق، ويبدو أنها نقلت العدوى بالإيحاء لزوجها الفنان يحيي الفخراني فأخذ يردد نفس الكلام ويسوق نفس الحجج مع أنه لم يكن من قبل ضد المرحلة الناصرية ولا هو كما عهدناه من المغرمين بالسياسة .
والحقيقة أن الدكتور يحيي وزوجته ليسا هما الوحيدان اللذان يتبنيان سياسة الدفاع عن الرئيس السابق ويطالبان بالرفق به وإنما يشاطرهما في هذا المضمار فنانون آخرون غير الذين سحبوا كلامهم ولعقوا تصريحاتهم المضادة للثورة فعلي سبيل المثال تواتر من لغو الكلام علي لسان الفنان يوسف شعبان ما يشكك في ثورة يوليو ونزاهة رجالها فهو يري أن من بينهم انتهازيون قفزوا علي المناصب واحتكروا المزايا لأنفسهم وصادروا حرية الشعب وقد سبق للفنان أن جسد شخصية العضو الانتهازي البارز بالاتحاد الاشتراكي في فيلم ميرامار وتعرض من خلال هذه الشخصية المحورية لنقد الثورة نقداً حاداً في أثناء فترة حكم عبد الناصر ولم يُصب هو أو غيره بأذى، فضلا عما صوره الفيلم الشهير "شيء من الخوف" من ممارسات ونهايات الحاكم وبطانته، وكيف كان الحرق والإبادة مصيرهم المحتوم ومع ذلك عُرض الفيلم بقرار شخصي من الرئيس جمال عبد الناصر وهذه حكاية متداولة ومعروفة وأظن شعبان يعيها جيدا ولا يستطيع إنكارها حتى وإن أنكر كل محاسن ثورة يوليو في إطار التحول الفكري الذي طرأ عليه مجدداً بعد انتمائه للعائلة الملكية بحكم المصاهرة وارتقائه لطبقة الأرستقراط وليس معني ذلك أن هذه النقلة الطبقية حجة عليه ولكنها فقط دليلا علي تحوله ووقوفه في خندق المجابهين للفكر الاشتراكي علي اعتبار أننا في عصر الليبرالية .
ولكن الحق يقال أن الفنان القدير برغم ما ذكرناه لم يتورط في الهجوم علي ثوار 25 يناير وهذا في حد ذاته نقطة إيجابية تحسب له وإن اختلفنا معه علي رأيه في الثورة الأم.
من النجوم الكبار الذين ظهروا بقوة ضمن المؤيدين لمحاكمة مبارك وإنصاف الشعب المصري الذي كان مغلوباً علي أمره الفنان عزت العلايلي فهو من تمرس علي العمل الوطني عبر المراحل الرئاسية الأربعة منذ تولي محمد نجيب وحتي تنحي حسني مبارك وعاش لحظات الانتصار والانكسار وكان واحدا من التنظيم الطليعي في الستينيات مما أكسبه خبرة واسعة في العمل السياسي والقدرة علي تكوين وجهة نظر دقيقة وسديدة، الأمر الذي أثبته موقفه المبدئي من الثورة وشبابها طوال الأيام الماضية، ومثله كان صلاح السعدني ابن المناخ السياسي والضالع في النضال والحوار والسجال الثقافي البناء، لاسيما أن للسعدني أعمالا كثيرة تشي بعمق الفكر والرؤية وثراء المعرفة فهو ذاته من سخر من التطلعات البرجوازية وممارسات أصحابها في الفيلم التليفزيوني "فوزية البرجوازية" الذي كتبه الساخر العظيم أحمد رجب قبل عدة سنوات، وهو أيضا من نادي بإعلاء القيمة المهنية واحترام المواهب الاستثنائية في مسلسل "أرابيسك" حين جسد دور حسن النعماني، غير أنه سجل تاريخ الحقب المتوالية علي مصر وتأثيراتها الاجتماعية من خلال مسلسل "ليالي الحلمية" بامتداداته الدرامية والسياسية وما يحويه من صراعات طبقية بين العمدة سليمان غانم وسليم باشا البدري وفق رؤية الكاتب الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة مما أكد أن طوية الفنان الثقافية ومخزونه من القراءة والاطلاع يظهر جليا في أعماله الفنية والابداعية وهي سمة غالبة علي الكثير من أدوار السعدني وغيره من نجوم كبار ظلوا طوال حياتهم الفنية مهمومين بالقضايا العامة .
إلا أنهم لحظة اندلاع الثورة تواروا تماما ولم يكن لهم أي إسهام يذكر فمثل غيابهم لغزا كبيرا بالنسبة لجمهورهم حتي أن البعض فسر صمتهم المريب في بداية الأحداث علي أنه ممالأة للنظام السابق خاصة وأن "كل من هب ودب" كان يدلي بدلوه في الشأن الداخلي والخارجي للبلاد!
فئة أخري من نجوم السينما والمسرح أمسكت بالعصا من المنتصف، حيث استنكروا قبل إعلان التنحي الإصرار علي إسقاط النظام واعتبروا المطالبين به مجموعة من المأجورين تعمل وفق أجندات خارجية، وبعد الانتصار وحسم النتائج لصالح الشعب تغيرت الأقوال وصار "الملسنون" علي الثورة وشبابها من أشد المؤيدين لها، ولكن لم تنطل حيل التلون علي كل ذي عقل وسرعان ما انكشفت الأكاذيب وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ليل المنافقين البهيم، وقد لفت النظر في كل هذي التفاصيل أن واحدا مثل طلعت زكريا يخرج علي الناس عبر شاشة التليفزيون مستنكرا ما سمعه وقرأه عن الأموال المنهوبة وهو من كان بالأمس القريب يتباهى بأنه من المقربين للنظام والوحيد الذي أتيح له الجلوس مع الرئيس السابق منفرداً لأكثر من سبعين دقيقة بعد نجاح فيلمه "طباخ الرئيس"، غير أن ما أثار سؤالا مهما هو غياب الفنان خالد زكي عن المشهد برمته، حيث كان التساؤل أين كان هذا الرجل من كل ما يحدث وهو صاحب الحق الأول قبل الطباخ في الحديث عن ملابسات فيلم جسد فيه شخصية مبارك سينمائياً لأول مرة؟
ولماذا لزم الصمت وقت عرض الفيلم وبعده؟!
وبالطبع لم تتوافر الإجابة حتى الآن ولكن حتماُ ستكشف الأيام عما دار في الكواليس بين الأجهزة الرقابية والأجهزة السيادية والأجهزة الفنية حول ظروف الإنتاج وعمليات الحذف وإعادة الصياغة لبعض المشاهد وشروط ظهور رئيس الجمهورية علي الشاشة متمتعاً بكامل لياقته الذهنية والبدنية لأن مثل هذه الشروط كانت تُفرض حتما لجواز ظهور ضابط الشرطة أو الشخصية المسئولة ولو في مشهد واحد فما بالنا برئيس الدولة حينئذ؟!
أعجبني موقف الفنان عمرو واكد في ذروة الاحتدام والمواجهة فقد عمل محللا سياسيا لدي قناة cnn الأمريكية طوال الأيام الأولي للثورة وتحمل مسئولية نقل الحدث ولم يخف انحيازه للشعب لحظة واحدة وألقي بالمخاوف والحسابات وراء ظهره في توقيت فارق ودقيق لاختبار القوة وتأكيد الانتماء الحقيقي لمصر بعيدا عن الشعارات وانتحال الصفات والألقاب وادعاء البطولات والزعامات فلم يقل يوما أنه الزعيم أو الأمير أو الوزير .. فقط مارس دوره كإنسان وفنان ومواطن مصري ينحاز لبلده ولا يعرف من أين تؤكل الكتف كغيره من الذين أكلوا الكتف والذراع والرأس وأتوا علي الجسد كله .. وبرضه بيحبوا مصر!!
** كاتب مصري
ساحة النقاش