القلب
هو برنامج فرعي نفسي مسئول عن الوعي؛ كالإدراك الحسي الواعي, من سمع وبصر ولمس وتذوق وشم, و[الإرادة] الواعية، فهو يتعامل مع الحواس بانتقائية أو اختيارية عالية، فمثلا يتمكن من تحديد مصدر الصوت أو الرؤية -التي يسمح باستقبال مؤثراتهما على {نقطة الوعي}[1]- من بين العديد من مصادر الصوت أو الرؤية، هذا على سبيل المثال، وينطبق هذا التحكم على جميع الحواس، إلى درجة إمكان غلق الحواس كليا تقريبا ليقبع القلب في قوقعة خاصة من الفكر العميق حول فكرة ما، يتداعى بفعله الكثير من الذكريات المخزونة في الذاكرات لخدمة عملية التفكير، ينقطع القلب عن إدراك الوسط البيئي المحيط به أثناء هذا التركيز الشديد إلا من خيط ضئيل يمَكِّنُه من العودة بنقطة الوعي من الفكر إلى الحواس، ويتم إجراء الفكر على نوع خاص من الذاكرات وهي [الأُمنية] وهي كالسبورة الواسعة.
ويمكن وصف [القلب] و[الفؤاد] و[النفس اللوامة] كالآتي:-
بأنها كالمؤسسة التي يمتلكها شركاء، أبرزهم3 شركاء، منهم اثنان كلاهما يحترم قرار الآخر، أحدهما لا خبرة له في التعامل مع الناس مطلقا؛ ولا يعرف ألاعيبهم؛ ويسهل خداعه بسرعة ممن يتاح لهم الفرصة للتعامل معه، هذا من جانب أما من جانب آخر فهو دقيق في عمله الممنطق وترتيبه؛ وسريع الحساب والتنظيم، ولا يجاريه في ذلك الشريك الآخر، وأما عن هذا الآخر فهو خبير في شئون البشر وتعاملاتهم ومكرهم وخداعهم؛ فلا ينطلي عليه كلامٌ مزخرف ولا حِيَلٌ ساحرة، وهو يعلم علم اليقين بطبيعة شريكه ذات الشقين، فلا يسمح له بالتعامل المباشر مع زبائن المؤسسة؛ ويتصدر دائما هو لمواجهتهم، ويوفر شريكه للأعمال الداخلية التي تحتاج إلى دقته وتنظيمه وسرعته ودأبه الذي لا يَفْتُر، أما الشريك الثالث فهو رقيب على الشريك الواعي؛ ينبهه لما يقع فيه من أخطاء؛ مستندا إلى معايير ثابتة، وكأنه هو المستشار القانوني الذي لا ينتظر مشورة، ولكنه لا يملك له ردعا، ولا يتوقف عن التنبيه، وللعلم فإن الشريك الواعي هو المسئول الشرعي عن الشركة.
وفي عمليات التنويم الإيحائي يتم تنحية الشريك الواعي [القلب] لاصطياد الشريك غير الواعي [الفؤاد] للتعامل معه ليسهل إزاحة {بؤرة} سيئة مدفونة في اللاوعي عن طريقه، أو غرس {بؤرة} حسنة في اللاوعي عن طريق هذا الشريك أيضا، بما يسمى التنويم المغناطيسي[2] أو العلاج الإيحائي بآيات من الكتب المقدسة أو تمتمات أخرى؛ الغرض منها جعل القلب يركز انتباهه بعيدا عن إرادة المنوِّم، فيسهل عليه السيطرة على الفرد وتغييب قلبه؛ لينفرد بالفؤاد ويفتح قناة إيحائية معه.
والقلب هو المسئول عن التعقل على الفطرة والمنطق والعلم والشرع. انظر تعريف [عَقَلَ].
صفات سيئة وُصِفت بها القلوب:-
متكبرة، جبارة، غليظة، مختومة، مقفولة، غافلة، مريضة، آثمة، مرعوبة، زائغة، عمياء، قاسية، مطبوع عليها، متقلبة، مشمئزة، واجفة(مضطربة)، مغلولة، كافرة، متنافرة، منافقة، مترددة، متشككة، في أكنة (في أغلفة مانعة لها من التفقه)، غُلْفٌ، مرتابة (متخبطة متحيرة)، مقطوعة، منكرة، عليها رَانٌ (متبلدة أمام تحذيرات النفس اللوامة المستمرة)، كاذبة، لاهية، متشتتة، لا تفقه، غير مؤلفة، مغمورة، غير مؤمنة، متعصبة لِحَمِيَّةِ الجاهلية.
صفات حسنة وُصفت بها القلوب:-
منيبة (راجعة إلى الله بالتوبة وطائعة له في تعليماته)، سليمة، مؤمنة، مهتدية، رؤوفة، رحيمة، مربوط عليها (غير مترددة ولاحائرة)، مطمئنة، متفقهة (تستدل على الطريق القويم دون تخبط)، ساكنة، خيِّرة، تقية (تراجع قراراتها دائما قياسا على تعليمات الله)، عاقلة (تقيس جميع أعمالها على الفطرة والمنطق والعلم وتعمل بنتيجة القياس)، صاغية (جيدة السمع والطاعة)، مؤلَّفة (مترابطة غير متنافرة ولا مختلفة اختلاف التناقض)، طاهرة ( خالصة من الشرك)، واجلة (خائفة من الله مما يدفعها دائما للطريق الذي حدده)، مخبتة (مطمئنة بالله واثقة بتعليماته)، خاشعة (خاضعة ذليلة لله بالطاعة المطلقة).
التصرف اللاواعي والبؤر:-
هو المسئول عن الإرادة اللاواعية، ويحتوي على مجموعات نوعية من البؤر، والبؤرة عبارة عن برنامج موروث أو برنامج مكتسب (إيحائي)؛ يؤدي مهمة خاصة جدا، وربما تكون المهمة في غير صالح الشخص.
1- بؤر موروثة مثل منظومات التنفس والدورة الدموية وضبط الحرارة والضغط والتوازن والهضم والتمثيل الغذائي وغيرها، وهي برامج حيوية لا غنى عنها إلا بالموت.
2- بؤر إيحائية مرضية ويمكن الوصول إليها عن طريق [الفؤاد] وتعديلها ببؤر أخرى علاجية.
3- بؤر إيحائية علاجية.
4- بؤر تدريبة التي أودعها القلب أثناء التدريب على مهارات معينة مثل قيادة السيارات أو الدراجات أو أي آلات أخرى أو مهارات رياضية أو فنية.
والبؤر جميعها تؤدي مهامها تفصيليا بعيدا عن الوعي؛ ويمكن للقلب أن يعمل كمراقب عام وحاكم عام وموجه عام لبعض البؤر كالبؤر التدريبية؛ وفي حالات خاصة يمكنه مراقبة البؤر الموروثة والتحكم نسبيا فيها.
[1] محل تركيز القلب على فكرة أو مؤثر.
[2] مجلة العلوم -ترجمة كويتية لمجلة ساينتفيك أميريكان- مجلد 19 مايو 2003 عدد 4/5 ص 72 الصحيح والخاطئ عن التنويم المغنطيسي، "وجد الباحثون أن المنوَّمين يستجيبون فعليا للإيحاءات مع أنهم يدركون أحيانا التغيرات المثيرة التي يتعرضون لها في فكرهم وسلوكهم وكأنها تحدث من ذاتها".
==================
الفؤاد
هو برنامج نفسي فرعي؛ لا يعمل في مستوى {نقطة الوعي}[1] ؛ مهمته أداء أعمال الحساب الدقيق السريع والمقارنات المنطقية والترتيب والتنقيح، دون تأخير أو رفض أو تزوير أو خطأ أو كذب مطلقا، ولا علاقة للفؤاد بالوعي، وبالتالي فهو يمكنه العمل أثناء النوم، وتدخل نتائج أعماله مستوى الوعي عندما يتلقفها [القلب]، ومن حسن حظ الإنسان أن جعل الفؤاد قادرا على الكلام بلغة الإيحاء في حالة خاصة؛ يصبح فيها القلب متقلصا ومتخليا عن وعيه ببعض الأوعية النفسية، فيأمر الموحي [الفؤاد] بإزالة {بؤرة} سيئة من اللاوعي ووضع الصحيح مكانها، وما يصل الفؤاد لا يمكن تفادي آثاره سواء كان خيرا أو شرا، فالفؤاد لا يملك التمييز بين الخير وبين الشر، ولا بين المصلحة وبين المتلفة، والقلب لا يملك الخلاص من قرار الفؤاد ولا يعيه، ويصبح مسيرا في فلك هذا القرار دون أن يدري.
"نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ{6} الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ{7}" الهمزة104
هذا التعبير في الآية السابقة يدل على أن النار المطلعة على الأفئدة لا يمكن تفادي الإحساس بعذابها بموجب أي إرادة، لأنها منغرسة في عمق لا يمكن للقلب أن يصل إليه أو يعيه فيتخلص من آثارها، ويعبر الإنسان عن مثل ذلك في الأحزان العميقة فيقول (حزن دفين) بمعنى أن الحزن له أغوار في النفس لا يمكن تفادي آثاره لشدة عمق تلك الأغوار، وهي من غرس الفؤاد.
"رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ{37}" إبراهيم14
والآية السابقة تبين أن الأفئدة -التي أقرت فكرة الركون إلى شيء ما- لا يمكن للقلوب أن تتفادى الدوران في فلك هذا الشيء، فتبدو وكأنها أسيرة لهذا الطلب؛ وكل وظيفتها هي تدبير الأسباب لتنفيذه؛ وكلما استعصى سبب بحثت عن غيره دون كلل.
وأذكر أن أحد المختصين في العلاج بالإيحاء أثناء دراسته بأوروبا كان له مجموعة من الأصدقاء؛ وكانوا يقيمون ببنسيون (فندق)؛ وحدث أن اتفق الأصدقاء في غياب أحدهم أن يقوموا بتنويمه؛ والإيحاء له بشتم صاحبة البنسيون في زمن محدد؛ والتي كانت تربطهم بها علاقات طيبة وخاصة هذا الزميل الغائب؛ لأنه كان طيب الأخلاق ولا يسيء لأحد، ونفذوا خطتهم ثم أفاقوه، ولاحظوا أنه كلما اقترب الوقت المحدد ظهرت علامات القلق الشديد على زميلهم هذا؛ حتى الموعد تماما حدث بالضبط ما برمجوه عليه؛ وتعدى بالسب على صاحبة البنسيون دون أي مبرر، ثم انفجر في البكاء وعندما علم أنهم دبروا له ذلك كان رد فعله أن اتقى أن يثق بهم في مثلها.
وتفسير هذا أن البرمجة الإيحائية هي خطاب مباشر للفؤاد بعد تغييب القلب؛ وأن ما أوحي للفؤاد يستحيل على القلب أن يتفادى أثاره.
والفؤاد يقلق باحثا بشأن نقص مدخلاته التي يحتاج إليها لاستكمال أعماله المنطقية البحتة، فإن لم يستطع أن يتثبت من قضية ما بسبب نقص الأعراض المطروحة عليه فإنه يظل يطالب بالمزيد من المطروحات الواردة إليه، فإن وصله ما يبحث عنه فرغ وثبت.
"وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{9} وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{10}" القصص28
"وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ{120}" هود11
ويمكن أن يُلَقَّنَ الفؤادُ ببيانات كاذبة ليعمل فيها بمنطقه، وهنا تكون النتائج المنطقية له مبنية على هذه البيانات فتكون خاطئة، وهو غير مسئول عن الخديعة التي وقع فيها، والقلب غالبا هو المخادع أو المخدوع (المسحور بتعبير القرآن).
"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ{112} وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ{113}" الأنعام6
وأثناء الوحي يتحول القلب إلى مجرد مراقب لما يتلقاه الفؤاد من وحي، ولا يملك أي تدخل حتى تمام الوحي، وكذلك في بعض الرؤى التي يتلقاها المتلقي وهو يقظ.
"فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ{10} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ{11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ{12}" النجم53
صفات وُصفت بها الأفئدة (يلاحَظ عدم ورود أي إدانة للأفئدة مثل ما أدينت به القلوب):-
الحـواس والأفئدة أدوات العـلم، متثبتة، فارغة، صادقة، ما يصلها وتُقِرُّه لا يمكن الإفلات منه ويدور [القلب] في فلكه، قلقة، مخدوعـة[2].
[1] نقطة الوعي هي محل تركيز القلب على الأفكار أو المؤثرات؛ فإن كانت العين مثلا تحدق في شخص ما والأذن تسمع شخصا آخر أو أكثر فالقلب يستطيع التنقل بنقطة الوعي بين أي من هذه المؤثرات، وفي حالة تركيزه على مؤثر ما تكون باقي المؤثرات خارج نقطة الوعي، ولا يمكن للقلب أن يركز على مؤثرين أو أكثر في وقت واحد ولكن على التتابع السريع أو البطيء حسب قدرات الشخص، ولا يوجد قلبان لدى أي إنسان ليتابعا معا في آن واحد مؤثرين مختلفين. ونقطة الوعي رسول القلب إلى الذاكرات لاستدعاء الأفكار والذكريات.
[2] الصفات السلبية للفؤاد ليست مذمومة لأنها نابعة من طبيعته الفطرية المنطقية وهو ليس مسئولا عن الوعي.