اللغــــــة:
يتفق دارسوا اللغات والإنسانيات على أن التحديد الدقيق لمفهوم اللغة لم يزل محسوم نهائيا0 إنما هناك ما يشبه الإجماع عند ألالسينين على أن اللغة تنظيم معين (System) من الإشارات (Sigma’s)، وان من أحد أهدافه الأساسية تأمين الاتصال Communication 0 ويقول رومان جاكوبسون: " اللغة هي التنظيم الأساسي لاقامة الاتصال به ويشير مارتينه قائلا:" اللغة تنظيم من الإشارات المستخدمة في سبيل تأمين الاتصال (1)0 أنها تنظيم من الإشارات المستخدمة في سبيل تأمين الاتصال 0 أنها تنظيم من الإشارات مع قواعد استخدامها (2)0
وهنا لا بد لنا من الإشارة على أن كل اتصال بواسطة إشارات معينة هو لغة ، واللغة ليست حكرا على الإنسان ، إذ يمكن أن تكون للحيوان لغة، بل لكل كائن حي لغة (3)0
أما " فردينان دوسوسور فيعرف اللغة على أنها تنظيم من الإشارات المفارقة ويرى أن اللغة وجود قائم ضمن مجموعة من الأفراد والجماعات وتأخذ شكل سمات مستقرة في كل عقل تقريبا - أي شكل معجم تتوزع نسخاته المتعادلة بين الأفراد (4) 0 فلكلام عمل فردي إرادي يجسد اللغة واللغة نتاج قائم ينطبع به الفرد (5)0
فاللغة اذن، هي وسيلة اتصال اساسية ، وبدونها لا تتحقق عملية الاتصال الجماهيري بمعناها المعروف ، ومع ان اللغة نسق من الاشارات موجودة في أي مجتمع ، وان كل كلمة تقوم مقام رمز ، فان الكلمات اصلا ليست رموزا اصطلاحية مجردة ، انما هي ، بالتركيب اللغوي تهدف الى نقل المعنى، وان مدلولها الرمزي ، يتغير في سياق الكلام ، في كل مرة تستعمل ففيها ، فتعطي دلالة ونكهة خاصة تختلف عن سابقتها وذلك لان لكل كلمة بعدين بعدا ماديا وبعدا معنويا 0 فاللغة اذا ليست مجرد اداة ، لانها اكثر ذلك واعمق ولان حصرها بهذا الوصف يبعدها عن دلاتها الفكرية والاجتماعية والانسانية الكامنة فيها 0 (6)
فاللغة ليست من الامور التي يصنعها فرد معين او افراد معنيون ، وانما تخلقها طبيعة الاجتماع وتنبعث عن الحياة الجمعية على حد تعبير الدكتور علي عبد الواحد وافي(7) وما تقتضيه هذه الحياة من تعبير عن الخواطر وتبادل الافكار وكل فرد منا ينشأء فيجد بين يديه نظاما لغويا يسيرعليه مجتمعه فيتلقاه عنه تلقائيا بطريق التعلم والتقليد ، كما يتلقى عنه سائرالنظم الاجتماعية الاخرى، ويصب اصواته في قوالبه ويجذيه في تفاهمه وتعبيره (8)0 ويقول " كوتريل : في كتابه عن الجهد والمجتمع ، ان الناس والمجتمعات ، تختلف فيما بينها في قيمة الجهد المبذول 0 ومن ثم فانهم يختلفون في مقدار التعليم الذي يحصلون عليه او في مقدار التغيير الذي يتم على سلوكهم (9)0
يمكن ان نقول، وبصفة عامة، ان التعليم هو احد السمات الرئيسية التي يتميز بها الانسان وهو دائما يرغب في الحصول عليه0 ويعتمد جانب من التعليم على الناحية الفسيولوجية للانسان كما يعتمد ايضا على طاقته وامكانياته0 اما الجانب الاخر من التعليم فيعتمد على الخبرات التياكتسبها الفر من البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها والتي أثرت ، بالتالي على شخصيته0 ويدلسلوك الفرد في معظم الاحوال ، على مدى التعليم الذي حصل عليه 0 وقد يتغير هذا السلوك على مدار حياة الانسان لاسباب متعددة منها ازدياد خبرته في الحياة العملية 0
واللغة من الامور التي يرى كل فرد نفسه مضطرا الى الخضوع لما ترسمه(10) وكل خروج على نظامها ولو كان عن خطأ او جهل يلقى من الرأي العام مقاومة، تكفل رد الامور الى الى نصابها الصحيح وتأخد المخالف ببعض انواع الجزاء 0
فاللغة كغيرها من مظاهر الثقافة تتميز بخاصية التراكم والاستمرار والنمو والقدرة على الانتقال 0 والاكثر من هذا كله فانها هي ذلك الجزء من الثقافة او الحضارة الذي يساعد اكثر من غيره على التعلم وزيادة الخبرة والمشاركة في خبرات الاخرين، سواء الخبرات الماضية او الحالية، أي انها العامل الاساسي في علمية التراكم التي هي عنصر في الحضارة الانسانية(11)0
ونجد علماء الفلسفة والمنطق ينظرون الى اللغة باعتبارها الوسيلة للتعبير عن الافكار0 وينظر علماء المجتمع اليها باعتبار وظيفتها في المجتمع فيعرفها احد العلماء الامريكين بأنها: نظام من رموز ملفوظة بواسطتها يتعاون ويتعامل اعضاء المجموعة الاجتماعية المعنية (12) ولا يمكن ان يقال ان اللغة اداة لنقل الافكار وانما هي وسيلة للتعاون والترابط بين افراد المجتمع ، فاننا نتبين كثيرا من الناس يتكلمون في موضوعات ليس يعنيهم منها نقل افكارهم الى غيرهم وانما يكون القصد من حديثهم الترفيه والتسلية او النظر في امور تخصهم في ادارة شؤونهــم (13)0
فاللغة اذا "بنت المجتمع" كما اعتبرها علماء المجتمع، لانها ولدت فيه وبه0 اللغة بشكل ادق ، هي مادة للتفكير، وبالتالي ، مادة للتعبير ، ومادة للاتصال ، لااداة، وبذلك نعطيها قيمتها الاجتماعية (14)0
وشواهد الماضي وتجارب الحاضر في الشرق والغرب تثبت في وضوح ان اللغة على الاطلاق هي اقوى عوامل الوحدة والتضامن بين اهلها0 فاللغة عنصر ضروري لبقاء وتماسك وحدات المجتمع ، فوحدة الغايات والمبادىء تدعو الى البحث عن دلالة شاملة للاشياء والافعال ، وعناصر الوجود المختلفة تتجسد في صورة لفظ واحد مشترك ، يدل على هذا الشيء او الفعل وبذلك يلعب اللفظ اللغوي دوره كرمز مشترك متفق عليه من كافة افراد مجتمع اللغة الواحدة 0
2- لغة الحديث والاتصال
الكلمة سلاحا فعالا ولها تأثيرها الفعال والقوي في التعبير عن الافكار وبواسطتها يستطيع المتحدث اقناع مستمعه ولهذا فأن اتقان فن الحديث واختيار الكلمات المختارة لايصال الفكرة هي من الشروط المهمة في لغة الحديث والتعبير 0
ان لغة الحديث مرتبطة، بامكانيات المتحدث في التعبير لنقل فكرته لكي يتم استيعابها وفهمها 0 لذلك يجب ان تكون لغة المتحدث بسيطة وواضحة ومختصرة وتعبيرية وعملية في آن واحد0 فمفردات الحديث هي التي بواسطتها ينقل بها المتحدث فكرته باقل ما يمكن من الكلمات واعمق واقوى ما يمكن من التأثير على مستمعيه 0 ان الواقع والتجارب اثبتت كل يوم بانه اذا كانت مفردات المتحدث ضعيفة وسئة فلا يمكنها ان تحقق أي نجاح وتأثير حتى لو انه يعالج فكرة وقضية علمية عميقة وحيوية معا 0 فاختيار الكلمة المناسبة والمؤثرة في معناها ضروري وذو اهمية في معالجة أي موضوع كان0 فقد اشار عالم النفس الانجليزي "بين" الى ان من الضروري لوضوح الكلام واللغة استعمال كل كلمة في معانيها الجيدة وتنتقى وتختار بصورة مناسبة للافكار(15) 0
فلكي تؤثر اللغة والمفردات في عقول وعواطف الفرد او المجموعة يجب ان تكون متصلة بالحياة والجماهير نفسها 0
فكلما كانت اللغة ابسط ومفهومة اكثر كانت افضل واحسن ، فمفردات الحديث المستعملة يجب ان تتمتع بالدقة والسطوع لكي تحرك احاسيس المتستمعين وتجذب انتباههم 0فعدم الدقة في التعبير يعطي صورة سئية ويخرب كل الانطباع والتأثير0
فالمتحدث الماهر يأخذ بعين الاعتبار في حديثه دراسة اختيار المفردات اللغوية لمجموعة المستمعين الموجهة اليهم 0 فمن الضروري معرفة كيفية الاقتراب من الفرد والمجموع ، والتكلم بلغتها وهذا لا يعني النزول الى الحضيض واستعمال التعابير والجمل الجاهزة والدارجة او المبتذلة والتقديرية التي تخرب لغة الحديث وتصفعها ولا تصل بها الى المبتغى المطلوب 0
فيجب على المتحدث صاحب الفكره ان يرى فكرته قبل التحدث عنها فاذا لم يراها في مخيلته وعلى ارض الواقع فلن يستطيع نقلها وقول وايصال ما يريد ان يصل به، لانه سيكون غير مقنع 0 ومن هنا نرى ان قتل الفكرة وعدم مصداقية الحديث ، هو استعمال الجمل الجاهزة والدارجة فيها 0
فيجب على المتحدث صاحب الفكره ان يرى فكرته قبل التحدث عنها فاذا لم يراها في مخيلته وعلى ارض الواقع فلن يستطيع نقلها وقول وايصال ما يريد ان يصل به، لانه سيكون غير مقنع 0 ومن هنا نرى ان قتل الفكرة وعدم مصداقية الحديث ، هو استعمال الجمل الجاهزة والدارجة فيها 0
فتقنية الحديث توجب على المتحدث االذي يريد ان يصل الى ما يصبو اليه ان يتكلم بلغة خاصة وبصورة مفهومة ومؤثرة في شعور واحاسيس وسيكولوجية جماهير المستمعين0 أي " ان الكلام يحقق هدفه عندما تحس من وراء كل كلمة فيه نفس المتكلم وتحس تلك القوى والحالة النفسية التي استدعتها واثارتها واوجدتها" 0
فالحديث الحقيقي لا يتجسد في الافتخار والأبهة بالتعبير عن الافكار الفارغة بكلمات ممزقة وانما تتجسد في التعبير بلباقة عن الافكار المحسوسة العتيدة والحيوية 0
ان الخلل في لغة المفردات في الحديث يؤدي وبدون أية مبالغة خساره جدية وتعقيد فهم الحديث وغموض مضمونه وافكاره وبالتالي تتكون مواقف سلبية تجاهه عند المستمعين 0 فمن الضروري الاهتمام دائما بتطوير لغة الحديث واختيار مفرداتها حسب مقتضيات الحديث وفكرته ونوع الجمهور الموجه اليه 0
3- خصائص لغة الحديث واالاتصال
ان خصائص لغة الحديث الاساسية متعلقة ، قبل كل شيء بوظيفة وجوهر الحديث والمهمة المطلوبة منه حيال الجمهور 0 وهذا يعود لمبدء الفكرة التي يستخدمها المتحدث في سرد حديثه والمغزى المطلوب منها 0 وهنا نحن نتكلم عن السرد اللغوي الذي يعبر عن افكار يتفاعل معها الجمهور وتستجيب لمصالحه0 ويعالج الحديث بفكرته القضايا التي تهم المستمع بمفردات قريبة له ومفهومة وواضحة لدية0 وعلى المتحدث ان يستخدم اسلوب لغوي يتمتع بخصائص مؤثرة وانفعالية وتعبيرية وتصويرية لكي يحرك في المستمعين احاسيسهم الداخلية العميقة 0
ان اختيار الكلمات لا يتعلق بقرار شكلي ابدا، بل يتم اخيتارها على اساس تعريف محدد ودقيق للشيء الذي يناقشه الحديث ويعالجه، وتوضيح فكرته الاساسية0 فقد كتب الفيلسوف الالماني المثالي" ارتور شابينهاور" "من يفكر بوضوح يكتب بوضوح"0 او كما قال الكاتب الفرنسي" فلوبير" قالا : " اذا كنت تعرف بدقة ماذا تريد أن تقول فانك ستقول جيدا" فالحديث المبني على ايصال فكره يبذل صاحبه كل طاقاته في اختيار الوسائل اللغوية للتأثير في عقول وعواطف الجمهور المستمع واقناعهم بفكرته0 وقد كان محق الكاتب الانجليزي "تشتير فيلد " عندما قال : " الهدف النهائي للفصاحة هو اقناع الناس "0 (16)
فخصائص المتحدث اللبق ان يعبر بوضوح وسطوع واشراق واذا اراد ان يفهمه المستمع عليه التعبير بغير الغموض وعدم الوضوح أي انه لايخادع ويلف ويدور 0 فعلاقة المتحدث بمادة التعبير وباللغة والمفردات التي يختارها على اساس انها تعبر عن مادة الحديث تعبير مطابقا ومناسبا0
فقد اشار بحق " نوجين" عندما قال : " الكلمة تؤثر في الجماهير فقط في حالة استعمالها بشكل يطابق معناها تماما وبامكانية ترابطها مع الكلمات الاخرى، فان استعمال المفردة في التعبير في غير مكانها يؤدي الى فهمها بطريقة غير المقررة لها عند الجمهور المتسمع، أي ان المتحدث لا يوصل الى مستمعيه عما يجول بخاطره، فاختيار الكلمات وسيلة تعبيرية عن الافكار لان عدم الفهم العام للمراد ايصاله يؤدي الى فقدان هيبة المتحدث او الخطيب عند جمهوره "0 ( 17 )
ان مهمة اللغة فن الحديث ، ليست ايهار المستمع بالتعابير والجمل والكلمات المزرقة وانما مهمتها التأثير في جمهورها بتعبير واضح ومفهوم ومؤثر، ومن هنا تنبع اهمية معرفة المتحدث بدقة لمستوى الجمهور او الافراد المستمعين اللغوي، وان يختار الكلمات والجمل والتعابير الاكثر تقبلا وتأثيرا 0
ومن مقياس غناء لغة الحديث امكانية استعمال المرادفات التي لا تنوع الكلمات والجمل فقط بل وتساعد على نقل المعاني الدقيقة والمختلفة0 فكلما اختار المتحدث او الخطيب الكلمات وأحسن استعمال المرادفات يكون قد عبر عن الافكار بدقة اكثر 0
4- الايجـــــاز:
ان الايجاز من ايجابيات فن الحديث والخطبة ، فالايجاز هو عبارة عن تنقية الحديث من الحشوات فالمهم هو نقل ما يجب ان نقوله وايصاله0 فقد كتب بهذا الخصوص الكاتب الفرنسي " فرانسوا لاروشفوكو" قائلا: " الفصاحة الحقيقة هي قدرة قول كل شيء ضروري وليس اكثر من ذلك " فالحديث او الخطبة ، يجب ان يحتوي على معنى كبير وعميق بحيث يفهم الجمهور المستمع المضمون ويتقنع بها ويحفظها لوقت طويل في ذاكرته0 ولقد اصاب الفيلسوف والفيزيائي الفرنسي " بليز باسكال " حين قال :" ان اكثر الكلام سطوعا يملل اذا طال وما طل "0*** اذا الحشو لا يعيق الفهم فحسب بل ويضيع الفكرة الاساسية التي يريد المتحدث او الخطيب نقلها وطرحها لجمهوره0 فكثيرا ما يستعمل الحشو كاسلوب مقصود وكوسيلة ديمانموجية تحاول تزييف الحقائق والاحداث عن طريق الكلمات والجمل المزوقة والطويلة "0 (18 )
فلغة الحديث يجب ان تكون جملة مختصرة بعيدة عن الحشو والف والدوران والمماطلة 0 وفي اّن واحد لا يجب ان تكون جمل الحديث على شكل برقية او خبر تلغرافي بل يجب ان يكون معتدلا مفهوما يؤدي الى المغزي الذي يهدف اليه0
فوضوح لغة الحديث متعلق الى حد كبير بمعرفة المتحدث لجماهير المستمعين الموجه اليهم حديثه وبايجايد الشكل المناسب له بحيث يكون فيه اكثر ايضاحا وفهما لدى المستمعين 0 ان الوضوح والبساطة والاقناع تعتبر شروطا مهمة لدخول الكلمات الى قلوب جماهير المستمعين 0
فالمتحدث اللبق المحترف ، يجب ان يعبر عن اعقد الافكار ويحولها من لغة معقدة الى لغة جماهير المستمعين الواسعة ، لكي تكون مفهومة وسهلة وواضحة لديهم0 اما فيما يخص دقة التعبير فهذا مرتبط بالدرجة الاولى بمدى عمق معرفة المتحدث او الخطيب لمادة حديثة0 فأن عدم وضوح التصور ، ولو قليلا، عن مادة الحديث وافكاره ينعكس مباشرة على لغة الحديث وعبارته ومفرداته، أي كلما كانت الافكار دقيقة كان التعبير عنها دقيقا اكثر "فقط المعنى الدقيق يعطي تعبيرا دقيقا"0
فالمتحدث والخطيب الماهر هو الذي يستطيع ايصال جملة من المعارف الى جمهوره0 ويهيء الامكانية للاحساس والشعور بهذه المعارف عند المستمع ولهذا يجب ان تكون كلماته مجازية بلاغية واضحة وبينة0
فالكلمة التي لا تحرك مشاعر جماهير المستمعين ولا تدخل قلوبهم لايمكن اعتبارها انفعالية وجمالية ابدا 0 لان مهمة الكلمة تتجسد في نقل الافكار بسطوع واثارة انطباع عميق في نقوس الجمهور وشرح القضايا والافكار وتفسيرها وتعميمها0 فالمتحدث والخطيب يجب ا ن يستعمل في كلماته التعابير القوية التأثير ، طبعا، ضمن الحدود التي يقتضيها فن التعبير عن فكرة معينة0 وقد يكمن ذلك في التلاعب اللطيف بالعبارة او استعمال عبارات مجازية غير مألوفة وكما يلعب تسلسل الكلمات وترتيبها وبنائها في الجملة مهمة التأثير في عقول وقلوب المستمع
فالمتحدث والخطيب دائما يذهب ويعود الى اللغة0 فهي اهم واصعب شيء بالنسبة له ( لانه بواسطتها يعبر عن افكاره وارائه) ويترجم شعوره واحاسيسه ويبسط مضمون حديثه او خطبته وبواسطتها يؤثر في جماهير مستمعيه ويقنعهم بأعقد الافكار والاراء بصورة واضحة وجليه ومفهومة0
فلغة المتحدث او الخطيب ، لها اساليبها والمتحدث اسلوبه شمولي عام، غير شخصي، بمعنى ان اسلوبه عملي، علمي ، الفاظه ليست مقصودة لذاتها0 فهي بعيدة عن الدلالات المجازية ، ويجب ان تكون مرتبة بمنطق علمي سليم ودقيق وموضوعي 0 وقد اصاب "نهروا" في قوله: " اذا اردت ان تقنع شعبا، فعليك ان تخاطبه ليس فقط بلغة لسانه، ولكن بلغة عقله وفكره " (19)**** ومن هنا تأتي اهمية ترتيب المفردات لدى المتحدث اذا ان على كيفية استخدامها يتوقف نجاح الحديث او اخفاقه0
الاتجاه الى الغرائز في الحديث :
المعروف ان السلوك الغريزي يسبقه مثير باطني خارجي وأن هذا المثير يكون سببا في تكوين دافع ذاتي يحدد الهدف الذي يرمي الفرد الى تحقيقه لاشباع العريزة أي الاستعداد الفطري الذي استثاره المثير الباطني او الخارجي 0 وبذلك تكون هذه الغرائز ذات أهمية قصوى بالنسبة للمتحدث عند خلفه الرغبة لدى الفرد او الجمهور والتي تدفعه للاستماع او الصمت، اذ يمكن أن يوجه الحديث لاثارة الانفعالية او الوجدانية التي ترتبط باي غريزة من هذه الغرائز حسب طبيعة الموضوع وخصائصه والهدف الناتج عنه فيكون الحديث بمثابة المثير الخارجي الذي يعمل على استثارة الميل الفطري الخاص للفرد او المجموعة ويتسبب في تكوين الدافع الذاتي الذي يدفع الفرد الى سلوك معين للتعبير عن الغريزة واشباع الرغبة التي تولدت عنه، ويكون ذلك بالقيام بحمل الفكرة التي وصلته عن طريق الحديث المصاغ جيدا بمفردات استطاعت التأثير به 0
- النزعات الفطرية العامة:
يقصد بالنزعات الفطرية العامة الميول الفطرية الموروثة التي تدفع الافراد لسلوك معين في ظروف خاصة، أي انها لا تكون لدى الانسان نتيجة لسابق تعلم او تجربه، وتختلف عن الغرائز في انه لايصحبها انفعالات وجدانية محدده0( 20)
ويتضح من ذلك مقدار التشابه بين الغريزة والميل الفطري العام اذ أن كلا مهما فطري موروث ، ولا يتوقف على سابق خبرة او تجرية او تعلم، كما أن لكل مهما غرضا حيويا يتوقف على تحقيقه انسجام المجتمع ووحدته وتألف افراده، ولذلك فان كثيرا من علماء النفس يسمون الميول الفطرية ويدخل ضمن الميول الفطرية العامة المشاركة الوجدانية وقابلته الاستهواء (الايحاء) ، والتقليد واللعب ، وحب الثناء وغير ذلك من النزعات الفطرية التي لا ينطبق عليها تعريف " مكدوجل" للغرائز ، لانه لا يصاحب كل منها انفعال محدد0
1- قابلية الايحاء Suggestion
2- المشاركة الوجدانية Sympathy
3- التقليد Limtion
وترجع كلها الى اصل واحد وهو ميل الانسان الى المحاكاة وفي ان في كل منها يتأثر فردا او جماعة بفرد اخر او جماعة اخرى، وينقل عنها بطريقة تكاد تكون الية بلا تدبر او تمحيص - فتأثر الفرد باّخر ومحاكاته لاّرائه هي القابلية للايحاء، واذا كان التأثر والمحاكة بالنسبة للوجدان اطلق على ذلك المشاركة الوجداينة، اما اذا كانت المحاكاة للعمل فهي التقليد0
وتسمى هذه النزعات الاجتماعية اذ يتضح اثرها بصفة خاصة وبصورة اوضح في المجتمعات، كما انها تؤدي الى تقوية الروابط الاجتماعية، والى الانسجام العقلي في الجماعات ، فمن شأن القابلية للايحاء توجيه افراد المجتمع واتحادهم في الرأي ، والمشاركة الوجدانية تؤدي الى تعاطف الافراد ومشاركتهم لغيرهم في افراحهم واحزانهم والعمل على تخفيف الآمهم، كما يدعو التقليد الى تكوين العادات القومية والتقاليد والمحافظة عليها حتى يصبح للمجتمع كيان مميز .
ساحة النقاش