يقول الله تعالى في سورة البقرة: "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون. وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".
نزلت هذه الآيات في المنافقين، والمنافق هو الذي يضمر الكفر في نفسه ويظهر الإسلام أمام المؤمنين لغرض دنيء في نفسه، سواء أكان ماديًا أم معنويًا. والنفاق من أجل المصالح الزائلة دليل الإفلاس في عالم القيم والمبادئ السامية وضياع للغرض الذي وجد الإنسان من أجله، وهو مدعاة لفقدان الثقة وتمهيد لسيطرة الكافرين على المؤمنين إذا لم ينتبهوا ويحتاطوا لهذا السرطان الفتاك في جسم المجتمع، كما احتاط له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمنافق أخبث الكفار، ولذا قال تعالى: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار". وقال رسول الله في حديث: "وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وغاية المسلم هي الله تعالى وليست المصالح المادية الزائلة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرضَ" رواه البخاري. والقطيفة والخميصة نوعان من الثياب الجيدة.
وهؤلاء المنافقون يخادعون لأن في قلوبهم مرض وهو الشك والنفاق والتكذيب والجحود. والشك بالإيمان كفر، فلا بد من اليقين بالعقيدة، فلا يعتبر الشاك مؤمنًا، بل له العذاب عقوبة له.
وهؤلاء المنافقون إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أنكروا وكذبوا، وكان فسادهم أنهم كانوا يداهنون الكفار ويساعدونهم على المسلمين بإفشاء أسرار المسلمين وإغراء الكافرين بحربهم.
وهؤلاء المنافقون وصفهم الله تعالى بأنهم صم عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول، وبكم أي خرس عن الخير فلا يقولونه، وعمي عن طريق الهدى فلا يبصرونه ولا يرونه.
فلقد حذرنا الله تعالى بهذه الآيات العظيمة من المنافقين لكي ننتبه إلى خطرهم، إذ إن خطورتهم تفوق خطورة الكافرين، لأن الكافر واضح العداء، بينما المنافق لا يظهر ما في باطنه من شرور؛ فاحذروا المنافقين.
ساحة النقاش