يقول الله تعالى في سورة الفجر: "الذين طغوا في البلاد . فأكثروا فيها الفساد".
وليس وراء الطغيان إلا الفساد؛ فالطغيان يفسد الطاغية ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان أيضًا، كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة. ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء مع السخط الدفين والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية. والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن وتصبح مرتعًا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة وميدانًا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد.
ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة لأنها خطر على الطغاة والطغيان، فلابد من تزييف للقيم وتزوير في الموازين وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة وتراها مقبولة مستساغة، وهو فساد أي فساد.
فلما أكثروا في الأرض الفساد كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد، "فصب عليهم ربك سوط عذاب"، فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم. فلما كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب، حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية على الطغاة الذين طغوا في البلاد.
ومن قوله تعالى: "إن ربك لبالمرصاد"، تفيض طمأنينة خاصة، فربك راصد لا يفوته شيء، مراقب لا يند عنه شيء. فليطمئن بال المؤمن، ولينم ملء جفونه، فإن ربه بالمرصاد للطغيان والشر والفساد.
ساحة النقاش