محب مصر

كاتب أرجو أن أنفع الناس وأن أرى مصر في طليعة الأمم.

إن المسن الذي يتخطى سن الستين في بلادنا - وهي مرحلة عمرية تحمل معها تغيرات جسدية وذهنية طبيعية - يصبح في حاجة ماسة إلى إعادة تقييم وتغيير نمط حياته.

لم يعد الإيقاع السريع والالتزامات المهنية كما كانت، بل يحل محلها ضرورة الاعتماد بشكل أكبر على كنوز الماضي: صداقاته القديمة التي صقلتها التجارب، وخبراته المتراكمة التي تشكل حكمته الحالية. هذه الدعائم تصبح أساسية لكي يستطيع أن يعيش سنواته المتبقية في الحياة بكرامة وهدوء، مستمتعًا بما أنجزه ومتقبلاً ما هو آتٍ.

ولهذا، يجب أن يتبع نمطًا حياتيًا مختلفًا، يتسم بوتيرة أهدأ وعمق أكبر، عن ذلك الذي كان يتبعه أثناء انطلاقه في معترك العمل وفي غمار الحياة اليومية المليئة بالضغوط والتحديات. فهناك الآن فسحة من الوقت قد تكون أطول وأكثر قيمة للتأمل الهادئ في مسيرة الحياة، وللكتابة التي قد توثق ذكريات أو تنقل خبرات، وللقراءة التي تفتح آفاقًا جديدة أو تعيد إحياء شغف قديم.

إنها فرصة ثمينة لمراجعة أفكاره وقناعاته السابقة، وتقييمها على ضوء ما استجد من معارف وخبرات، والبدء في تكوين قناعات جديدة أو تعميق فهمه لأمور لم يعطها اهتمامًا كافيًا فيما سبق، ربما بسبب انشغالات الحياة أو أولوياتها المختلفة. وبالتالي، فهي فترة قد تكون خصبة بشكل مدهش في الاطلاع المستمر، وفي تحديث الأفكار بما يتناسب مع الحكمة المكتسبة، وفي إعادة استثمار تلك الصداقات القديمة الثمينة، وانتقاء الأصفياء منهم ليكونوا خير رفيق ومعين في هذه المرحلة من الحياة، يشاركونه اهتماماته ويقدمون له الدعم المعنوي اللازم.

نقطة جوهرية أخرى وهي الحياة الأسرية؛ فهذه الحياة الأسرية في مرحلة الشيخوخة ربما تختلف جذريًا عما كانت عليه في السابق. فالأبناء الصغار الذين كانوا محور الرعاية والاهتمام، والذين كانت قراراتهم وتوجهاتهم تُدار بشكل كبير من قبل الوالدين، قد أصبحوا الآن كبارًا ناضجين، يعتمدون على أنفسهم كليًا في إدارة شؤون حياتهم، وفي اتخاذ قراراتهم المصيرية، وربما أصبح لديهم أسرهم الخاصة ومسؤولياتهم. وبالتالي، فلا يجب على الوالدين، مهما بلغت درجة حبهما وحرصهما، أن يستمروا في معاملتهم كأطفال يحتاجون إلى توجيه دائم أو وصاية، فتلك المعاملة قد تولد شعورًا بالضيق أو التقييد لدى الأبناء. ولكن، من جهة أخرى، فإن اختلاف الأجيال، وتغير القيم ووجهات النظر بين جيل الآباء وجيل الأبناء، قد يؤدي حتمًا إلى بعض الصدامات أو سوء الفهم. هذه الاختلافات طبيعية، ولكنها قد تتطور إلى مشكلات إذا لم تُدر بحكمة وصبر من الطرفين. وفي ظل هذه الديناميكيات الأسرية المتغيرة، قد يُؤثر الوالدان المسنان الانزواء النسبي والابتعاد عن المهاترات والخلافات غير الضرورية، ليس فقط تجنبًا للتوتر، بل رغبةً في الحفاظ على طاقتهما النفسية والجسدية، ولكي يحيوا ما تبقى من عمر في جو من الهدوء الداخلي، والسلام النفسي، والسكينة الروحية التي تليق بهذه المرحلة من العمر.

المصدر: مقال شخصي
AshrafQadah

أشرف قدح

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2025 بواسطة AshrafQadah

ساحة النقاش

أشرف قدح

AshrafQadah
كاتب أرجو أن أنفع الناس وأن أرى مصر في طليعة الأمم. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

232,952
Flag Counter