قد تأخذنا الحياة في تيارها وتغرينا بالسير في دروبها والاستمتاع بملذاتها غافلين عن المهمة التي خلقنا الله لها، وهذه الغفلة قد تدوم طوال الحياة، وقد يكون من أسبابها خطأ التربية من الأساس؛ فينشأ الفرد وهو يظن أن هدف حياته هو مجرد العيش للاستمتاع بملذات الحياة ومواجهة آلامها ومصاعبها، فيغيب عن حساباته الغرض الأساسي الذي هو إجابة عن سؤال: لماذا خلقنا الله؟
وبدون التربية الإيمانية تدوم حالة الغفلة فيعيش الإنسان دون أن يدرك جدوى حياته، بل قد يسأم وتصعب عليه الحياة لمرض أصابه أو لعزيز تركه؛ فينهي حياته بيده وينتحر لأنه لم يدرك جدوى هذه الحياة.
وإلى جانب الغفلة قد يسهم نمط الحياة السائد في مجتمع ما إلى تعميق غفلة أفراده بصرفهم عن أهداف الحياة الحقيقية إلى أهداف زائفة، وهذا ما أسميه "الاستغفال"، وهو لا يقل خطورة عن الغفلة الذاتية؛ لأنه يشيع حالة عامة من الغفلة بين أفراد المجتمع، فتصبح سمة لهذا المجتمع.
وقد يكون مبعث هذا الاستغفال دوافع اقتصادية، فنرى شركات تعتمد على الدعاية التي تروج لمنتجاتها فتقرن بين اقتنائك للمنتج وبين جودة الحياة؛ وقد يكون هذا المنتج سيارة أو مسكن في حي راق أو ماركة ملابس معينة. فيوهم الفرد بأن حصوله على منتجهم دون غيره سوف يجعل حياته أفضل.
وهناك استغفال سياسي قد يمارسه حاكم وأجهزته على شعبه؛ بالكذب والتدليس والوعود الزائفة تارة، وبالتخويف والقهر تارة أخرى، حتى يستعبد الشعب فيعمل دون ملل ولا شكوى، ويرضى بحياته دون طموح لتحسينها، تاركًا الحاكم وبطانته ينعمون بالحكم في هدوء.
وللخروج من حالة الغفلة لابد من التربية والوعي والاجتهاد الشخصي لإدراك قيمة الحياة وجدواها والهدف منها، ثم بالعمل على تحقيق الأهداف التي تجعل لحياة الفرد قيمة ومعنى.
وللخروج من حالة الاستغفال يلزم نشر الوعي بخطورة هذه الحالة، والدعوة إلى الاستقلال الفكري والنقد البناء للأفكار لتمحيص ما يرد إلينا من معلومات، حتى لا تنتشر روح الانسياق وراء القطيع في المجتمع.
ويقع عبء هذا الوعي على المثقفين والدعاة والإعلام المستنير والمؤسسات التربوية لمقاومة صور الاستغفال الاقتصادي والسياسي، فهذه مهمة كل مثقف حر واع، وهي أهم ما يمثل حماية للمجتمع من آفة الاستغفال.
ولعل في التصور الإسلامي تلخيصًا رائعًا لحل هذه المشكلة؛ حيث ذكر القرآن الكريم حلا للغفلة بالإيمان بالله تعالى، وجعل حل مشكلة الاستغفال بتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاء هذا الحل في قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" آل عمران: 110.
ساحة النقاش