أنا ابلغ من العمر 26 سنة ، مشكلتي هي في اتخاذ القرار الصحيح للارتباط من ابن خالتي حيث أنه منذ كان صغيراً وهو يحلم أن أكون زوجته.
وها نحن كبرنا سوياً، وجميع الأهل على علم بحبه الكبير وبرغبته وينتظرون هذا الحدث بفارغ صبر وحماس شديد.
عند تفكيري في هذا الموضوع عاطفياً ، أقول إنني سأوافق لإرضاء أمي فهي تظن أن القطار يفوتنا ، أقول إنني سأوافق تحت مقولة ( تزوجي من رجل يحبك ولا تتزوجي من رجل أنتِ تحبينه )، أقول أنني سأوافق لئلا يصاب بصدمة عاطفية ، أقول أنني سأوافق لأنني لن أجد مثله أبداً فيه حبه لي، وفي قرارة نفسي أقول: إن الحب ليس كل شي في الحياة ، وأعرف إنه ملتزم ومن عائلة ملتزمة، أعرف انه طيب القلب، اعرف إنه يشتريني بماء عينيه ولكن وبالنسبة لي لا أريد أن ارتبط بدافع عاطفي كما هو الحال عنده، فعقلي يرفضه لأسباب عديدة:
الأول: أنه ابن خالتي ولست أحب أن تتأثر علاقتي مع أهلي على المدى البعيد لهذا السبب.
السبب الثاني: أن لديه في عائلته مرض وراثي ، والحمد لله انه ليس لأحد من أبناء خالتي أو بناتها هذا المرض.
السبب الثالث: إنني أحب الاستقلالية في حياتي ولا أجد برؤيتي الشخصية أنني سأحصل على هذا.
السبب الرابع: ليس هناك فرق عمري إننا في نفس العمر فهو يكبرني بأقل من سنة .
السبب الخامس: أظن إنني أحتاج إلى من تكون لديه خبرة في الحياة.
السبب السادس: هو إننا نشترك في بعض نقاط الضعف وبعض الأمور السلبية واعتقد انه في مثل هذه الأمور يتطلب أن نكون مختلفين ليكمل أحدنا الآخر.
أعيش في صراع بين العقل والقلب، ولا أعرف أن كانت أسباب رفضي واهية أم لا ، أريد أن اعرف ما هي مقاييس الاختيار السليم لشريك الحياة فنحن من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والدينية متفقان ، كل ما اختلف معه فيه هو الفكرية فقط لأنني أريد شخصاً عاش تجارب كثيرة وتكونت لديه خبرات
أردت استشارتكم لثقتي بكم ، ولأنكم أسرتي ولكن رأيكم سيكون إن شاء الله منصف ولا ينحاز لأحد دون الآخر.
لكم شكري وتقديري على جهودكم ... في انتظار ردكم
*** ****** *** **** *** **** ****** **** **** *** ****
الأخت الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الزواج مشروع حياة يتقوم بعوامل كثيرة أهمها التوافق النفسي والفكري والإجتماعي، وبالتالي لا يمكن أن تتوفر كل عوامل النجاح فيه، وإنما هي نسبية بمعنى أن تكون العوامل بمجموعها المذكور إيجابيته، بأن تكون الشرائط المحفزة أكثر من العوائق وتغلب عليها، بحيث يغض الزوج – أنثى أم ذكر – عن النواقص لأنّ الإيجابيات أكثر منها أهمية، والنواقص بالمقدار أو النوع التي يمكن تحملها أو معالجتها لاحقاً.
إذن، ليس هناك في عالمنا المنظور "كامل الأوصاف"، وليس هناك شيء في حياتنا الدنيا حسن كلياً و Perfect، وإنما الأمور نسبية، ومَن بقي يبحث عن الأفضل سيطول إنتظاره وقد لا يحصل عليه.
ولا نعلم إذا كان كل هذا التوافق بينكما، فما هي موارد الخلاف... أنتِ قوية الشخصية ومتميّزة وتبحثين عن رجل أقوى منك، وهذا لا يحصل دوماً، ومن أين نجده، ثم لا يشترط ذلك فربّما إذا كنتِ كذلك وكان زوجك أكثر ليناً وأخف روحاً منك استطاع الإنسجام مع وضعك أكثر.
وقد تكون بعض هذه الإفتراضات المذكورة وهميّة أو هي نتيجة نضج شخصيتك وعمرك، حيث يبدأ الإنسان يفكر بعقله أكثر من قلبه... ومن الجيِّد إعمال العقل، ولكن القول للقلب أولاً، لا بمعنى أن تحبيه، فالحب وحده لا يكفي وغالباً ما يأتي بعد الزواج، هبة من الله تعالى حيث يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرّوم/ 21)، ولكن إسألي قلبك: هل ترتاحين وتسكنين إليه، أم أنك لا تأنسين به، أو تكرهيه؟ فإذا كنتِ تأنسين به، فهو علامة الرضا والإطمئنان.
أمّا موضوع حب الإستقلالية، فهو إيجابياً، ولكن يمكن التفاهم بشأنه، مع التذكير بأن الزواج مساحة مشتركة وتضحية متقابلة، مع إحترام الشخص الآخر، ولكن مع التحذير بأنّ الفرد قد يألف الوحدة، فلا يتقبل العيش مع الآخر، وكثير من الهواجس والشكوك هي بسبب نمو الإستقلالية وعدم حب الإرتباط بالغير أو الخوف من ذلك.
نعم، مسألة الأمراض الوراثية مهمة ويمكن إستشارة الأطباء بذلك، حيث يمكن تجنبها بواسطة الزوج أحياناً، وأحياناً من الصعب ذلك.
والخلاصة أنّ المعيار الصحيح لإنتخاب شريك الحياة التوافق الفكري والميل النفسي وملائمة الظروف الإجتماعية، ولا يشترط لنجاح الزوج غلبة الزوج في الصفات، فإن ذلك من إفتراضات المجتمعات الذكورية، الشرقية. وإنما يتطلب التفاهم على التعايش المسالم والتوافق العام على الإنسجام، دون إشتراط التوافق في كل شيء، فإن ذلك مستحيلاً حتى بين الأشقاء، فلكل ميوله وإتجاهاته، ولكن يتفاهمان ويأتلفان في الأمور المشتركة. ومن الطبيعي أنّ الذي يتحمل تكاليف شيء له الرأي الأخير فيه، كالتكاليف المادية التي يدفعها الزوج، دون إغفال نظر الزوجة والسعي لإرضائها، وقد ورد في الحديث الشريف: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله".
ونقترح عليك عدم الإستعجال بالرد وإعطاء نفسك فرصة أكثر للتفكير. ومن المناسب أن يكون بينكما لقاءات عامة لغرض مزيد التعارف والتوافق لتكوني على بينة أكثر من أمرك.
ويبقى الرأي الأخير لك، فاجمعي واطرحي، واستعيني بالله، فصلي له ركعتين، وأكثري من الحمد له والصلاة على نبيه وآله، واطلبي منه الهداية بيسر وعافية، من دون شك أو وسوسة، ومن الله التوفيق.
ساحة النقاش