أنا فتاه أبلغ من العمر 21 عاما ، تعرضت لمشاكل كثيرة في الجامعة حتى فقدت صديقاتي وأصبحت لاأثق بنفسي، أصبحت إنسانة انطوائية وأخاف أن أتحدث أمام الآخرين واذا تحدثت لا أحد يفهم ما أقول ، وأتلعثم كثيراً وبشكل ملحوظ بل محزن أيضاً فأشعر بالحرج وأتوقف عن الحديث فيتعرق وجهي ويحمر وأشعر برجفة شديدة بسبب الخوف والإحراج، كما أنني أشعر بالخوف من الإجتماعات ولا أحب الاختلاط بالناس, أشعر برجفة شديدة وخوف قبيل حضور مناسبة إجتماعية أو عند حضور احدى صديقاتي القديمات والاتي كن هن السبب في مشاكلي القديمة معهن ..
كنت اجتماعية ومرحة وأحب الاختلاط بالناس واستمتع بوجودهم ، اما الآن فأنا انساانة أخرى تماماً فقد تغيرت الى الأسوء ..
كيف أعيد ثقتي بنفسي .. وأنسى الماضي الأليم فأنا حساسة للغاية وأتفه الأسباب تقلقني وتؤرقني ،، كيف أغير نفسي ،، أريد أن أبتعد عن الحساسية والقلق من المستقبل وكيف أثق بنفسي .. ساعدوني ،، أريدكم أن تساعدونني وتشجعونني .. فثقتي بنفسي تدمرت ..
**** ***** ***** ****** ***** ***** **
الأخت العزيزة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخجل والإنطواء الإجتماعي أمر شائع ويمر به الإنسان لفترة محدودة أو طويلة من حياته، ولكن كثير من الناس يتجاوزون الأمر وكثير من الخجلين يواصلون حياتهم بنجاح وإن كان الخجل يسبب لهم إحراجاً في مواقع الحضور الإجتماعي.
ونقطة البدء في علاج الحالة تبدأ من إعادة تقدير الذات وإحترامها، فالإنسان أكرم موجود خلقه الله تعالى وسخّر له ما في السماوات والأرض، وعلى الإنسان أن يعتز بإنسانيته وعبوديته لله تعالى وأن يعرف قدر نفسه فلا ينزلها إلاّ عند المكرمات ولا يزيِّنها إلاّ بالفضائل ويجنِّبها كل ما يسيء إليها أو يعرضها للذل والإهانة، قال تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
ويجب التذكر دائماً بأن (قيمة كل أمرئ ما يحسنه)، كما في المأثور عن الإمام علي بن أبي طالب، وبالتالي فإن قيمته ليست بالمظاهر الخادعة، أو جلب أعين الناس وكسبهم، وإنما بما يحسن الإنسان، من علم ومعرفة وإيمان وأخلاق، وعمل صالح ونفع للناس، وشرف وعزة وكرامة، وعفة ونجابة، وضمير ووجدان... إلخ من الصفات الشريفة والكريمة.
كما ينبغي للإنسان أن يتذكّر دوماً نعم الله عليه، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل/ 18)، وأن يشكر الله عليها، كما قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7)، وهذا ما يجعل الإنسان يشعر بالرِّضا عن نفسه وعن الآخرين، وذلك هو سر السعادة، إذ إن "القناعة كنز لا يفنى".
إذن لنأخذ ورقة وقلماً ونكتب ما نملكه من خصائص ومزايا وصفات إيجابية... وسنجد أنّ القائمة لا تنتهي، ولنراجع هذه القائمة يوماً بعد آخر، ونتذكّر المحرومين منها، لنزداد لله شكراً، ولكي نحس بالقناعة والرِّضا والسكوت والإطمئنان يملأ نفوسنا، فتمتلأ ثقة وأملاً بأننا محظوظون وأن أمامنا فرصاً كثيرة للعمل والأمل، والنجاح.
من جهة أخرى، فإن كل يوم وكل صباح، هو فرصة جديدة للتغيير والإنطلاق نحو المستقبل، وقد قال بعض الحكماء بأنّ النجاح يتوقف على أمرين: الأوّل: هو نسيان الماضي، والثاني: هو عدم القلق من المستقبل، فالماضي لا نملك القوة على تغييره، لأن ولّى ومضى، والمستقبل البعيد أيضاً ليس بيدنا ولا نعلم عنه شيئاً فلماذا نقلق ونفكِّر فيه، وعلينا الحاضر الذي بيدنا... لنعش لحظتنا بسلام مع أنفسنا ومع الآخرين ومع الله، ونعمل من أجل سعادتنا وسلامتنا، ورقينا وتقدّمنا، وإكتساب الصالحات فيها... لنملأ وقتنا الحاضر بالبركة والسرور وهذا كفيل بإمحاء جسور الماضي البغيضة وصناعة المستقبل الواعد، قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود/ 114).
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 277).
ومن المهم أن نركز إيماننا بالله تعالى وبقضائه وقدره، وأن نعلم بأنّ الحياة فرصة قصيرة للعمل الصالح وأنّ المهم رضا الله تعالى، لأن رضاه يجلب السعادة والفوز في الدنيا والآخرة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة/ 201).
وأن نعلم كذلك بأنّ الناس يخطأون، لأنّ البشر خطّاء بطبعه، ونحن بشر أيضاً، فلا ينبغي أن نقف عند الخطأ في القول أو التعامل، خصوصاً إذا لم يوقعنا ذلك في دائرة الحرام، فإذا ما أخطأنا في كلمة نصحها من دون تلعثم، ولا نفكر بأنّ الناس يراقبوننا، فلكل همومه ولكل أخطاءه، والكمال المطلق هو لله تعالى وحده، وعلينا أن نتقبل وجود النقص فينا كبشر وناس عاديين.
ولإكتساب المهارات في الحديث والتعامل الإجتماعي دور مهم في تجاوز الخجل ومن هذه المهارات:
- الإهتمام بحُسن المظهر، ضمن المعقول والحدود المتعارف عليها.
- حسن السلام والإقبال ببشر وحيوية في إلقاء التحية على الآخرين.
- حُسن الإستماع والإصغاء إلى حديث الآخرين والتواصل معهم وإشعارهم بالإهتمام، من خلال عبارات متابعة مثل: نعم، طيِّب، صحيح، جيِّد، بحسب الكلام وطرح أسئلة مناسبة للمتابعة مثل: ثمّ ماذا؟ كيف؟ كيف حققت ذلك؟ هل يمكنك أن تشرح الموضوع أو تمنحني المزيد من التفاصيل؟
وعبارات تشعر الطرف الآخر بالثقة، مثل: أنت رائع، أنت بذلت جهداً كبيراً في ذلك، أنت تدرس جيِّداً، أنت تشرح الموضوع بشكل جيِّد، أنت موفق، أنت ناجح في أعمالك.
- تهيئة بعض الأفكار مسبقاً لطرحها على الآخرين بإحترام.
- تقبل النقد وتدريب النفس على سماعه، فالنقد يفيد الإنسان وعلينا التعامل معه بروح رياضية، كأن نقول للشخص الناقد: أشكرك على ملاحظتك.. سأعمل على معالجة الأمر، آسف لوقوع الخطأ أو سوء الفهم.
وإذا كانت الملاحظة خاطئة، فنوضِّح للطرف الآخر، ذلك بهدوء وإطمئنان.
- في الأثر: "إذا هبت أمراً فقع فيه" وهذه قاعدة ذهبية، فعلينا الجرأة والإقدام وعدم التردد والخوف، وإذا ما وردنا في الموقف سيذهب القلق ونجد الأمر عادياً.
- وأخيراً، علينا ترويح النفس وتدليل أنفسنا، بالرياضة والمرح، والتجول في الحدائق والتسوق، والإستراحة والإستجمام، والتنعُّم بوسائل الترفيه السليمة، والأجواء الإجتماعية الفعّالة كالمساجد والنوادي الثقافية.. فإنّ النفس تملّ وتضجر، ولابدّ من الإهتمام بها وإراحتها حتى تستطيع التعامل مع الآخرين وهي مرتاحة وفي عافية.
وأخيراً نقول بأنّ النفس الإنسانية كجسم الإنسان الذي يصح ويمرض، فهي كذلك مع فارق أنّ النفس موجود أكثر رقّة وشفافيّة وحسّاسية من الجسم، لذا كانت أكثر عرضة للتأثر بالظروف والمحيط وهي محل الآلام والآمال.
ومن هذا المنطلق، كان من الطبيعي أن تتعرّض النفس لإقبال وإدبار، وقوة وضعف، وسلامة وسقم، وكان أيضاً طبيعياً، بل لازماً، أن يلجأ الإنسان إلى الحكيم النفسي وطبيب الأعصاب بحثاً عن العلاج والشفاء، وليس في ذلك نقص أو عيب، ويراجع أطباء الصحة النفسية اليوم الكبار والصغار، ومنهم الرؤساء ورجال الأعمال والعلماء والأدباء وغيرهم، بل في ذلك دليل عقل وحكمة، في الرجوع إلى المختص، خصوصاً في عصرنا الحاضر الذي بات القلق أكبر سماته، والإنسان معرض فيه لسائر الضغوط النفسية والإجتماعية.
ولذلك ينبغي للإنسان أن يعالج أوضاعه النفسية، فإذا لم يفلح راجع العيادة النفسية، وهناك اليوم عقاقير تساعد على شفاء الإنسان وسلامته بسرعة، وليست كل العقاقير تسبِّب الإدمان، فالكثير منها يستفاد منه لشهر أو شهرين وينتهي الأمر، وبعضها يساعد كثيراً على نجاح الفعاليات الشخصية للعلاج، خصوصاً وأنّ الطب اليوم أثبت بأنّ كثيراً من الحالات النفسية تنتج عن نقص في المعادن أو الفيتامينات أو بعض الأحماض الأمينية، أو زيادة نشاط الغدة الدرقية وكذلك النقص في إفرازاتها، لذلك فإنّ مراجعة الطبيب تساهم أحياناً في علاج أصل المشكلة والخروج منها بسلام.
ومن الله التوفيق.
ساحة النقاش