إنّ المتأمل في حال (بعض) الأطباء النفسيين والرقاة الشرعيين يجد أنّ بين الفريقين شبه خصام وقطيعة، وقد سمعت بعض الأطباء النفسيين يلمز الرقاة الشرعيين ويقلل من شأنهم وتأثيرهم. كما سمعت بعض الرقاة يلمز الأطباء النفسيين ويقلل من شأنهم وتأثيرهم!! فهم أشبه ما يكونوا بالضرّات!، والواجب أن تكون العلاقة بين الفريقين علاقة تكامل وتعاون، لا علاقة خصام وقطيعة، ولذا فإني أوصي الفريقين بما يلي:
1. أن يكفّ كل فريق عن لمز الآخر وانتقاصه والتقليل من شأنه.
وإذا كان أحد الفريقين يحتجّ بأنّ في الفريق الآخر دخلاء وأدعياء، فإنّ الفريق الآخر يملك الحجّة نفسها.
2. هناك حالات لا يستطيع الطب النفسي معالجتها، كحالات السحر والعين والمسّ والوسواس الناتج عن تسلّط الشيطان، فعلى الأطباء النفسيين أن يكفّوا عن الحديث عن هذه الحالات لاسيما ما يتعلّق بتلبّس الجنّ بالإنس، وقد سمعت بعضهم يشكّك في ذلك، مع ثبوته شرعاً وعقلاً وواقعاً. بل عليهم أن يأخذوا دورة في التعرّف على أعراض هذه الحالات، وإحالة أصحابها إلى الرقاة الشرعيين الموثوقين، أو حث المريض على مباشرة الرقية بنفسه إن كان قادراً على ذلك، وفي ذلك توفير للكثير من الجهد والوقت والمال للأطباء والمرضى..
3. كما أنّ هناك حالات يبدع في علاجها الطب النفسي، كالحالات النفسية الناتجة عن بعض المواقف السلبية والمؤلمة التي يمر بها الإنسان، وبعض حالات الوسواس القهري، فعلى الرقاة الشرعيين أن يأخذوا دورة في مثل هذه الحالات، وإحالة أصحابها إلى الأطباء النفسيين من باب التداوي وفعل الأسباب، مع الاستمرار في الرقية الشرعية، فالقرآن العظيم فيه الشفاء لجميع الأمراض بإذن الله - تعالى -، ولهذا أخبر الله - تعالى -في عدّة مواضع من كتابه أنّه شفاء ولم يقل دواء، والفرق بين الشفاء والدواء، أنّ الدواء قد يحصل به الشفاء وقد لا يحصل، أمّا الشفاء فهو النتيجة النهائية المتيقنّة.
فإن قيل: فهناك من استشفى بالقرآن فلم يشفَ؟! فالجواب: أنّ الله - تعالى -لم يخبر بأنّ القرآن شفاءٌ لكلّ أحد، وإنّما أخبر بأنّه شفاءٌ للمؤمنين، ولهذا قال بعدها: (ولا يزيد الظالمين إلا خساراً)، فهو شفاء للمؤمنين الصادقين الموقنين، أمّا الظالمون لأنفسهم بالشرك أو المعاصي، أو الظالمين لغيرهم بالعدوان؛ فإنّ القرآن لا يكون لهم شفاء، بل لا يزيدهم إلا حسرة وخساراً، إذ كيف يكون القرآن شفاءً لمن هو ملعون فيه، كما قال بعض السلف: "ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، ألم تسمعوا قول الله - تعالى -: (ألا لعنة الله على الظالمين)"، فالظالم ملعون في القرآن ـ أي مطرود من رحمة الله
ـ، فكيف يكون القرآن شفاءً له، إلا أن يتوب؟!.
هذا وقد أطلق الله وصف الشفاء للقرآن، ولم يحدّد داءً بعينه، ممّا يدلّ على العموم، والله - تعالى - أعلم.
4. على كل ّ واحد من الفريقين أن يعرف قدر نفسه، ويحذر من الاغترار لكثرة المتزاحمين على بابه، فربما كان ذلك من باب الفتنة والاستدراج. وقد سمعت مرة أحد كبار الأطباء النفسيين ممن يشار إليهم بالبنان، ويظهر في أكثر القنوات الفضائية، ويتزاحم الناس عند عيادته!، يسفّه رأياً لسيدنا عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - بأسلوب يفتقر إلى الأدب، واللباقة، جازماً بصواب نفسه، حتى إنّ أحد الإخوة الغيورين اتصل عليّ مستنكراً، فقلت له: لعلّها زلّة لسان..
وختاماً فإني أوصي المريض ـ وهو المعني بالأمر ـ أن يتأمّل في حاله، ويتعرف على دائه، حسب ما ذكرته سابقاً، فإن كان داؤه سحراً أو عيناً أو مسّاً أو وسواساً في ذات الله أو في العبادات، فليحرص على رقية نفسه لينال شرف الانتساب إلى السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين لا يسترقون (أي لا يطلبون الرقية من أحد) ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربّهم يتوكّلون، فإن عجز عن رقية نفسه؛ فليحرص على الذهاب إلى راق موثوق معروف بحسن السيرة، وسلامة الديانة، وصحة العقيدة، ولا يتعب نفسه بالذهاب إلى الأطباء النفسيين..
أمّا إن كان داؤه نفسياً بسبب مواقف مؤلمة مرت به في مرحلة من مراحل حياته فلا مانع - مع الرقية الشرعية -أن يستعين بالأطباء النفسيين الموثوقين، المعروفين بالحذق والديانة والعفة.
وعلى النساء خاصة، المترددات على الرقاة أو العيادات النفسية أن يتقين الله - عز وجل - ويحذرن من أن يَفتنّ أو يُفتَنّ، فإنّ الراقي والطبيب النفسي مهما بلغ من الصلاح والديانة لا تؤمن عليه الفتنة، وقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: " ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء ".. ولتحرص المرأة على الحجاب الشرعي الساتر، واصطحاب المحرم، فإنّ ذلك يعصمها ويحميها بإذن الله من الفتنة.
والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
فهرس الدروس
(تقديم) (1) (2) (3) (4) (5) (6) (7)
(8) (9) (10) (11) (12) (13)(14) (15)