المـــــــوقـــع الــرســــــــمى الـخــــــــــــاص بــ "د/ تـــــــامر المــــــــــلاح"

"تكنولوجيا التعليم " الحاسب الألى " الانترنت " علوم المكتبات " العلوم التربوية " الدراسات العليا "

أبو الدرداء
فيلسوف وحكيم الاسلام الأول
رضي الله تعالى عنه




من أراد أن يُعطي العبادة حقها فليقرأ قصة هذا الصحابي الجليل الذي كان عدو الثروات وبغي الحكام .
انه أبو الدرداء رضي الله عنه، صحابيا جليلا من الرعيل الأول الذين تربوا في جامعة العقائد الاسلامية وعميدها حبيب الله ونبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وخير البرية اطلاقا، اللهم صلي وسلم وبارك على من أرسلته رحمة للعالمين.

اسلامه رضي الله عنه
كان رضي الله عنه آخر اهل داره اسلاما، وبقي متعلقا بصنم كان يعبده بالجاهلية على الرغم من أنّ اخيه بالجاهلية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان قد سبقه الى الاسلام, ,اخذ يدعوه الى عبادة الله تعالى الها واحدا لا شريك له ، وعندما لم يذعن لدعوته, قرر رضي الله عنه أن يلقن أبو الدرداء درسا من خلاله قد يهتدي الى نور الله تعالى، حيث كلما عاد أبو الدرداء الى بيته يجد صنمه محطما ’ وعندما يسأل امرأته عمّن حطم له صنمه تقول له: اخوك ابن رواحة فيغضب غضبا شديدا، وعندما تكرر الأمر جلس أبو الدرداء يفكر وهو يحدث نفسه ويقول: لو كان عند هذا الصنم خيرا لدافع عن نفسه، زمن هذا المنطلق منطلق التفكر , ينطلق أبو الدرداء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم برفقة أخيه ابن رواحة رضي الله عنهما ويُعلن اسلامه.

نصيحة غالية
حين يتحدث أبو الدرداء رضي الله عنه عن أمر ما، فهذا يعني أنّ هناك امرا هاما، لذا فان أعناق الناس تشرئب للانصات اليه، فهو رضي الله عنه حكيم تتفجر من جوانبه الحكمة، وكان رضي الله عنه لا يفتأ أبدا بأن يقدم لأصحابه نصائحه الغاليات، فذات يوم يقول رضي الله عنه لصحبه الكرام: ألا أخبركم بخيرأعمالكم وأزكاها عند بارئكم، وأنمأها في درجاتكم، وخير من أن تغزو عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم، وخير من الدراهم والدنانير؟ قالوا: واي شيء هو ذاك يا أبو الدرداء؟ قال رضي الله عنه ووجهه يتألق تحت ضوء الايمان والحكمة نورا: ذكر الله، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

منهجه التفكر والاعتبار
والآن تعالوا بنا ندنو من هذا الذي يتألق حكمة ونرنو الى الضياء والنور الذي يتلألأ حول جبينه رضي الله عنه، واشتموا معي العبير الفواح القادم من ناصيته الشماء، انه ضياء الحكمة، وعبير الايمان.
واذا التقى كل من الايمان والحكمة في حياة رجل، فلنا أن نحكم عليه أنه أوّاب وسعيد، وأي سعادة لذلك الرجل الذي حين سألوا أمه عن أفضل ماكان يحب رضي الله عنه من عمل؟ أجابت: التفكر والاعتبار، ألم يكن التفكر والاعتبار سمتين من سمات المؤمن الصادق؟ أجل! وفيهما يقول الله تبارك وتعالى سورة آل عمران 189: ان في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار
من هذا الآية الكريمة أخذ رضي الله عنه التفكر ، ومن قوله تعالى: فاعتبروا يا أولي الأبصار اخذ الاعتبار.

الرسالة أمانة
ان الرسالة العظيمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لم تنزل ليأخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ولو كان الأمر كذلك لاندثرت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولكنها رسالة أمانة معلقة في رقاب كل من يشهد بأن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وكلنا يجب أن نكون أهلا لحملها ندعو الناس الى عبادة الله تعالى الفرد الصمد على بصيرة، فعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قبل ان يعرض الله عزوجل الأمانة ( الطاعة، الفرائض) على آدم عليه الصلاة والسلام عرضها على السموات والأرض والجبال فلم يطقنها وقال لآدم: اني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب ! وما فيها؟ قال: ان أحسنت جزيت، وان أسأت عوقبت، فأخذها آدم عليه الصلاة و السلام فحملها، وذلك قوله تعالى: وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا
اقرؤوا معي قوله تبارك وتعالى الذي ختم فيه سورة الأحزاب ولنى جميعا من خلالها لماذا المولى سبحانه وتعالى حمّل الانسان هذه الأمانه:
انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأ بين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان، انه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات، وكان الله غفورا رحيما
نعم ليعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركين, ويتوب على أهل التوحيد والايمان, نسألك اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء أن تكبنا جميعا منهم.

لقد جسّد العبودية في أرقى معانيها
ان هذا االانسان الذي أمامنا (أبو الدرداء) كان قد سما في العلياء بعبادته لله الواحد القهار، ذلك أنه لم يرنو الى العبادة على أنها مجرد تكاليف تؤدى ومحظورات تترك، كما يتعامل معها أغلبنا, ولو كان الأمر كذلك لجمع بين تجارته وأعماله، ورغم أنه كان هناك في ذاك العالم الفسيح الأرجاء من تجار صادقين وصالحين على الرغم من أنّ الكثير منهم كان قد جمع بين المجالين (العبادة والتجارة) وبرعوا فيهما وخدموا قضية الاسلام الخالدة وكفوا بأموالهم ذوي الحاجات الا أن منهجهم لم يغمزأبدا منهج أبو الدرداء ولا منهجه رضي الله عنه كان قد غمز منهجم رضي الله عنهم جميعا، فكلّ ميسّر لما خلق له. ولعل الملائكة الساجدين لعظمة الله تبارك وتعالى مذ خلقهم الله عزوجل وهم الى قيام الساعة لم يرفعوا رؤوسهم عن الأرض طرغة عين، ومع ذلك نجدهم يقولون يوم القيامة لرب الملكوت والكبرياء والعزة والجبروت حين يأذن المولى عزوجل لهم برفعها: سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك،
لأجل هذا ترك أبو الدرداء تجارته ليتفرغ لعبادة الله وحده، وما تخصصه في البحث عن الحقيقة بممارسته لأقصى حالات التبتل الا وفق الايمان الذي هداه الله عزوجل اليه ونمّاه فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بنعمة الاسلام، ولنا أن نسمي هذا الرجل ان شئنا بالعّباد والزاهد, وان سميناه الزاهد, فزهده زهد رجل توافرت له فطنة المؤمن الصادق الحق، ومقدرة الفيلسوف الذي ينطق بالموعظة الحسنة، وتجربة المحارب الذي أخلص في جهاده في سبيل الله عزوجل، وفقه الصحابي الذي برع فيه، وما دمنا نتحدث عن الزهد فاني أقول ولا أعمّم بأنّ الوهد يكاد يخلو من هذا الزمان، زمن الماديات والوهن الذي أصاب الأمة في مقتل، زمان الموبايلات والتجول في الأسواق والسهر على لعب الورق والانتقال بين أروقة المواقع الاباحية على شبكات الانترنت واضاعة الصلوات في المساجد خاصة لصلاتي الفجر والعشاء اللتين قال عنهما النبي صلى الله عليه وسلمبرواية الامامين البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : انّ هاتين الصلاتين أثقل صلاة على المنافقين, ولو يعلمون ما بهما من الأجر لأتوهما ولو حبوا.
ما هو الأجر الذي بهما؟ أولا: روي عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث متفرقة أنه: من صلى العشاء في جماعة فكأنه قام نصف الليل.. ومن صلى الفجر في جماعة فكأنه أقام الليل كله... ومن صلى الفجر والعشاء في جماعة أربعين يوما فقد كتب له براءة من النفاق..هذا عدا عن أنّ صلاة الفجر في جماعة تشهده ملائكة الليل والنهار كما في قوله تعالى في سورة الاسراء: وقرآن الفجر, انّ قرآن الفجر كان مشهودا
هيا بنا ننهل من نبع ايمان هذا الرجل الصافي, لندرك معنى العبودية على حقيقتها كيف تكون،ها هو رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه، هذا الرجل الذي دفع الدنيا بكلتا راحتيه وبصدره وبكل ما أوتي من قوة لأجل أن يقهر نفسه ويتغلب عليها حتى اذا صقلها وزكاها غدت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة والصواب والخير ما جعله معلما عظيما وعبقريا يحذونا الأمل والشوق بأن نقترب من حكمته ونغرف من فلسفته تجاه الدنيا السراب وتجاه مباهجها وزخارفها الفانية لنجد كم قول الله تبارك وتعالى: ويل لكل همزة لمزة* الذي جمع مالا وعدده* يحسب أنّ ماله أخلده* كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما ا لحطمة* نار الله الموقدة* التي تطلع على الأفئدة* انها عليهم مؤصدة* في عمد ممدّدة. قد أثر فيه.
سورة عظيمة لخصت مصير كل من يهفو الى الثروة والثروات، كل من يجعل الدنيا أكبر همّه، ومبلغ علمه، ولو أنّ القرآن الكريم لا يحوي الا هذه السورة في حديثه عن شر المال وجمعه, لو الله كفتنا، لأجل ذلك تأثر بها أبو الدرداء رضي الله عنه وعادى كل صاحب ثروة ألهته عن ذكر الله تعالى، حاملا على عاتقه قول النبي صلى الله عليه وسلم: انّ ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فانه من كانت أكبر همّه فرق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همّه،جمع شمله وجعل عيناه في قلبه، وكان الله اليه في كل خير أسرع.
لأجل ذلك كان رضي الله عنه يرثي أولئك الذين وقفوا أسرى طموح الثروة، وتعوّذ بالله العظيم قائلا: اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب، وحين سئل عن شتات القلب، أجاب رضي الله عنه: أن يكون لي في كل واد مال.
انظروا الى هذا الفم الذي ينطق الحكمة بأسمى معانيها, الى الذي يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها في آن واحد، ويعتبر أن الامتلاك الحقيقي للثروة هو استغلالها بما يرضي الله، أما الجري وراء أطماعها التي لا تنتهي فذلك شر ألوان العبودية والرق، لذا كان رضي الله عنه يقول:من لم يكن غنيا عن الدنيا فلا دنيا له.
لماذا قال رضي الله عنه كل هذا؟ لأنّ المال عنده كان وسيلة وليس غاية، وسيلة للعيش القنوع وحياة الكفاف لا غاية لوجوده وتكديسه وجمعه وعدّه، ومن ثم موته وتركه خلفه وبالتالي سؤاله عنه يوم القيامة وحده, ومن ثمّ عذابه به.
لأنه مؤمن بالقناعة على أنها كنز لا يفنى، ومؤمن بقليل يكفيه على كثير يطغيه، قليل يؤدي شكره خيرمن كثير لا يطيقه، وكان كثيرا رضي الله عنه ما يوصي أخلاؤه: لا تأكلوا الا طيّبا، ولا تكسبوا الا طيّبا، ولا تدخلو بيوتكم الا طيّبا.


وكما كانت الدنيا كلها مجرد عارية في يقينه، كذلك كانت جسرا في حياة أروع وأبقى، ويقينه بالله لا يحده حد، وما كان يمليه عليه النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن به دون نقاش، وكيف لأبو الدرداء ألا يؤمن ويقوي يقينه بالله تبارك وتعالى وهو يتلو آيات الله آناء الليل وأطراف النهار: انه لقول رسول كريم* وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون* ولا بقول كاهن، قليلا ما تذكرون* تنزيل من رب العالمين.

ذات يوم جاءه رجل فقال له ان بيتك قد احترق، فقال له رضي الله عنه ثقة المتيقن والواثق بالله تعالى: ما احترق، وجاءه ثان وقال له: ان بيتك يحترق، فأجابه رضي الله عنه بنفس الثقة العالية بالله تعالى: ما احترق، فجاءه ثالث وقال له: انّ النار قد انبعثت حتى اذا انتهت الى دارك انطفأت، فقال رضي الله عنه: ذلك أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات، من يقولهن حين يصبح وحين يمسي لا تصبه مصيبة أبدا فتعلمونهنّ:


اللهم أنت ربي لا اله الا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش الكريم، ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، أعلم أنّ الله على كل شيء قدير وأنّ الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم اني أعوذ بك من شرّ نفسي ومن شرّ كل دابة أنت آخذ بناصيتها انّ ربي على صراط مستقيم.


وكان رضي الله عنه يقول: احذروا امرىء تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، فذروة الايمان الصبرللحكم، والرضا بالقدر، والاخلاص في التوكل، والاستسلام للرب عزوجل


ذات يوم دخل عليه أصحابه عليه رضي الله عنهم يعودونه في مرض قد ألمّ به، فوجدوه نائما على فراش من جلد، فقالوا: لو شئت كان لك فراشا أطيب وأنعم، فأجابهم وهو يشير بسبابته وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:
أن دارنا هناك، لها نجمع واليها نرجع، لها نظعن، ولها نعمل.
لم تكن نظرته رضي الله عنه الى الدنيا بسخافتها وجهة نظر فحسب، بل كانت منهجا وسلوكا.
لقد وهبه الله العمر الطويل رضي الله عنه، وخير بني آدم من طال عمره وحسن عمله.

قصة ابنته الدرداء مع يزيد بن معاوية

لقد عاصر رضي الله عنه حكم العصر الأموي، وعندما تقدّم يزيد بن معاوية خاطبا ابنته الوحيدة الدرداء ردّه ولم يقبل به زوجا لابنته , وعندما تقدّم لها أحد فقراء المسلمين , وبدون تردد وافق عليه, فتعجّب الناس من صنيعه ذاك، ولم ينتظر رضي الله عنه سؤالهم اياه لم فعلت ذلك، بل قال: ما ظنكم بالدرداء اذا قام على رأسها الخدم والخصيان، وبهرها زخرف القصور؟ أين دينها منها يومئذ؟

أجل يا أبا الدرداء! ما تقوله هو الحقية بعينها, أين هي من دينها يومئذ؟ وما قاله رضي الله عنه وربي ينطق بالحكمة والموعظة، وانه لبحق قويم النفس، ذكي الفؤاد، وبتصرفه هذا لا يهرب من السعادة قط، بل انه يمتلكها وبحق، ويفر بها الى سعادة الدارين الدنيا والآخرة معا, ذلك أنهكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال، كلما أدركوا حقيقة الدنيا، فالدنيا ممر، والشرع يأمرنا أن نتزود من الممر للمقر، وخير الزاد تقوى الله تبارك وتعالى.

السعادة الحقيقية
انّ قمة السعادة للعبد الصالح الذي يكون قلبه معلق بالآخرة هو ما ينتهجه أبو الدرداء رضي الله عنه، ومن سار على خطى من رباه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذين باعوا دنياهم بآخرتهم، واشترواآخرتهم بدنياهم.

ولو نظرنا الى حقيقة الدنيا لوجدناها كجسر أو ممر نعبر منه وعليه للآخرة، الى دار القرار دار الخلد، والخلد هو احدى طريقين: اما نار واما جنة، واللبيب من يختار، فقمة السعادة لن تتأتى لا من مال كثير، ولا من ولدان وقصور وعروش، فليس الخير في كثرة المال والولد، وانما الخير كل الخير أن يعظم الحلم، ويكثر العمل، وتتبارى النفس في عبادة الله تبارك وتعالى.

هؤلاء هم المخلصون في العبادة، هؤلاء هم الذين يحبون الله تبارك وتعالى بصدق واخلاص، هؤلاء هم الذين يرنون للآخرة وبشوق، هؤلاء هم الذين طلقوا الدنيا ثلاثا طلاقا بائنا لا رجعة فيه، هؤلاء وليس نحن من يغادر النوم فراشنا الا ونحن نحصي ونعد أرصدتنا في البنوك وكأننا نعيش لدنيا هي بنظرنا دنيا الخلود متجاهلين قوله تبارك وتعالى: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزاناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح

وفي الحديث: ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما ترك على ظهرها من دابة، وفي رواية: ما سقى منها كافر شربة ماء.

من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟

نعود الى فيلسوفنا الأول أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه، ولنرى ماذا صنع أثناء خلافة عثمان رضي الله عنهما، لقد كان معاوية بن أبي سفيان أثناء خلافة عثمان رضي الله عنهم أميرا على الشام، وأبو الدرداء رضي الله عنه كان يتولى القضاء فيها، وهناك وقف أبو الدرداء لمعاوية رضي الله عنهما ولكل الذين أغرتهم مباهج الدنيا بالمرصاد ، وراح يذكّر بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته وزهده وجوعه، وعزوفه صلى الله عليه وسلم عن الدنيا، من باب أن يكون لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وراح يذكر بمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصديقين، والشام يومئذ تموج بالمباهج والنعيم، وكان أهلها قد أحدثوا كثيرا في أمر دينهم ودنياهم ، فجمعهم رضي الله عنه في غوطة دمشق ( 7 أميال عن دمشق) وقام فيهم خطيبا فقال:

يا اهل الشام! أنتم الأخوان في الدين والجيران، في الدار والأنصار على الأعداء، ولكن مالي أراكم لا تستحيون؟ تجمعون مالا تأكلون، وتبنون مالا تسكنون، وترجون مالا تبلغون، وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيوعون، ويبنون فيوثقون، فكان جمعهم بورا، وآمالهم غرورا، وبيوتهم قبورا، أولئك قوم عاد ملئوا ما بين عدن الى عمّان أموالا وأولادا.
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة ساخرة ولوّح بذراعه للجمع من حوله، وصاح في سخرية لافحة:


انك حقا لرجل باهر يا أبا الدرداء! رائع مضيء بحكمتك، مؤمن باحساسك ومشاعرك، ورع بمنطقك السديد ونظرتك الثاقبة الرشيدة، ولكم نحتاج الى أمثالك في هذا الزمن الذي طغت فيه المادة على كل شيء في حياتنا أيها الجبل الأشم، كم نحن بحاجة اليك كي تعلم الطامعين اللاهثين وراء سراب لا يسمن ولا يغني من جوع أنّ الدنيا فانية، انها دار من لادار له، ولها يجمع من لا عقل له، دار ممر مؤقت نعبر منها الى دار مقر خالد أبدي سرمدي، كي تنصح الذين يجمعون المال من حله وحرامه دون مبالاة حتى باتوا لا يفرقون مالهم الحرام من الحلال، كي تعلمهم بأن الدنيا دار لمن لا دار له، ولها يجمع ما لا عقل له, انا نحتاجك كي تعلمنا أنّ العبادة ليست غرورا ولا تأليا، بل هي التماسا للخير، وتعرّض لرحمات الله، وضراعة دائمة تذكر الانسان بضعفه وبفضل ربه وخالقه عليه، وهذا ما أكده أبو الدرداء رضي الله عنه حين قدّم نصائحه لأمته فقال: التمسوا الخير دهركم كله، وتعرّضوا لنفحات رحمة الله، فانّ لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يسترعوراتكم، ويؤمّن روعاتكم، ومثقال ذرة من بر صاحب تقوى ويقين، خير وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغرورين.

مرّ أبو الدرداء رضي الله عنه يوما على رجل قد أصاب ذنبا والناس يسبونه فنهاهم عن ذلك وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة ألم تكونوا مخرجيه؟قالوا: بلى! قال رضي الله عنه: فلا تسبّوه، واحمدوا الله أن عافاكم، قالوا: أنبغضه؟ قال رضي الله عنه: انما ابغضوا عمله، فاذا تركه فهو أخي.


حبه للعلم

كان رضي الله عنه يقدّس العلم تقديسا بعيدا، يقدسه كعابد، ويقدسه كحليم. وكان دائما يقول: الناس ثلاثة: عالم وممتعلم والثالث همج لا خير فيه، واني لأخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق يا عزيمر ماذا علمت؟ فأقول: نعم فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت؟
وكان كثيرا ما يدعو الله قائلا: اللهم اني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء، قيل له: وكيف تلعنك قلوبهم؟ قال رضي الله عنه: تكرهني.

من أقواله وحكمه

معاتبك اخيك خير لك من فقده، أعط أخاك ولن له، وكيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة وما كنت أديت حقه، اني أبغض أن أظلم أحدا، وأبغض أكثر وأكثر أن أظلم من يستعين عليّ الا بالله العلي القدير.


* اني أخاف عليكم شهوة خفيّة في نعمة ملهيّة، وذلك حين تشبعون من الطعام وتجوعون من العلم، انّ خيركم الذي يقول لصاحبه: اذهب بنا نصوم قبل أن نموت، وانّ شراركم الذي يقول لصاحبه: اذهب بنا نأكل ونشرب ونلهو قبل أن نموت، واني لأحب ثلاثة أشياء الناس كلها تكرهها، أحب الفقر والمرض والموت، أما الفقر فهو تواضعا لربي، وأما المرض فهو تكفيرا لخطيئتي، واما الموت فهو اشتياقا الى ربي.


* اثنتين وثلاثة وأربعا وخمسا: من عمل بهن كان ثوابه على الله عزوجل الدرجات العلى، لا تأكل الا طيبا، ولا تكسب الا طيبا، ولا تدخل بيتك الا طيبا، وسل الله عزوجل أن يرزقك يوما بيوم، واذا أصبحت فاعدد نفسك من الأموات أو كأنك لحقت بهم ، وهب عرضك لله عزوجل: فمن سابك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله عزوجل، واذا أسات فاستغفر الله عزوجل.


* يا أخي اجعل بيت الله بيتك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المسجد بيت كل تقي، وقد ضمن الله عزوجل لمن كانت المساجد بيوتهم بالرواح والراحة، فاز بجوازه على الصراط الى رضوان الله عزوجل، ويا أخي: ارحم اليتيم وادنه منك وأطعمه طعامك، فاني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ادن اليتيم منك وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، فان ذلك يليّن قلبك، ويقدرك على حاجتك، واعمل بطاعة الله، فانّ العبد اذا عمل بطاعة الله أحبه، واذا أحبه حبّب عباده فيه، واياك من معصية الله، فانّ العبد اذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، واذا أبغضه بغضه الى خلقه.

نغرق في شبر ماء

هذا هو أبو الدرداء رضي الله عنه الحكيم الزاهد العابد الأوّاب، هذا أبو الدرداء الذي كان يجيب في تواضع وثيق، وكلما أطرته الناس وسألوه الدعاء قال: لا أحسن السباحة وأخشى الغرق.

لله درّك يا أبو الدرداء ! ورضي الله عنك وأرضاك, اذا كنت مع كل ما كل نا تقدّم من سيرتك العطرة وتخشى على نفسك الغرق, اذن فما نحن فاعلون؟ وما نحن صانعون بأنفسنا؟ أنتحمل العوم في شبر ماء؟ على حالنا هذا نقولها لها...ولكنها رحمة الرحمن ولولاها لهلكنا جميعا.


فرضي الله عنك وأرضاك، وصلى الله وسلم وبارك على من ربّاك


ما أصبت به فمن الله عزوجل وحده, وما أخطأت فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان

لا تنسونا من خالص دعاؤكم ولكم مثله ان شاء الله.

المصدر: م/تامر الملاح
tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 557 مشاهدة
نشرت فى 12 مايو 2011 بواسطة tamer2011-com

ساحة النقاش

م/ تامر الملاح

tamer2011-com
باحث فى مجال تكنولوجيا التعليم - والتطور التكنولوجى المعاصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,730,737

بالـعلــم تـحـلـــو الحـــيـاة

للتواصل مع إدارة الموقع عبر الطرق الأتية:

 

 عبر البريد الإلكتروني:

[email protected] (الأساسي)

[email protected]

 عبر الفيس بوك:  

إضغط هنا

(إني أحبكم في الله)


أصبر قليلاً فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.