جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كانَ عامُ 2020 عاماً مُثيراً للاهتمامِ؛ إذ عَطّلت أزمةُ "كورونا" كلَّ شيء، وَشَهِدَ قِطاعُ التّدريبِ وَالتّطويرِ وَالتّعلِيم مجموعةً منَ التّغييراتِ الهائلةِ نتيجةً لذلك.
تُعدُّ العَمليّةُ التّدريبيّةُ الرّكيزةَ الأساسيّةَ لتنميةِ المواردِ البشريّةِ وَهيَ عمليةٌ مُستمرّةٌ وَمُتكاملةٌ، وَالتّدريبُ هوَ أحدُ الوَظائفِ الرّئيسةِ للوحدةِ التّنظيميّةِ المَعنيّةِ برأسِ المالِ البَشريِّ في المُؤسّسةِ، وَهوَ جُهدٌ تَنظيميّ مُخططٌّ يَهدفُ إلى إكسابِ المُوظّفينِ الكفاءاتِ المُرتبطةِ بِوظائفِهم وَإتقانِها، وَالحصولِ عـلى المعارفِ من خلالِ تَجرِبةٍ تَعليميّةٍ هَدفُها الوصولُ إلى أداءٍ أكثرَ فاعليّةٍ.
وَمع دُخولِنا عَصرِ الثّورةِ الصّناعيّةِ الرّابعةِ وَالتّطورِ الكبيرِ في تَخزينِ البياناتِ وَتحليلِها، زاد الاهتمامُ بالذّكاءِ الاصطِنَاعيِّ (AI) وَتحليلِ البياناتِ الضّخمةِ، والذّكاءُ الاصطِنَاعيُّ هو قُدرةُ نظم الكُمبيوترِ على أداءِ المَهامِ الّتي تَتطلّبُ الذّكاءَ البَشريَّ والاستنباطَ والمقارنةَ والإبداعَ والابتكارَ وَالتّمييزَ.
ولقد أحدثَ التّطورُ المُتسارعُ في تُكنولُوجيَا المَعلوماتِ والاتصالِ تَغييراً جَذرياً في بِنيةِ قَواعدِ البَياناتِ وأدائها، لدَرجةٍ تَفوقُ قُدرةَ خوارزمياتِ قواعدِ البياناتِ على تجميعها وَتخزينِها وَإدارتِها. لقد صارت قواعدِ البَياناتِ ذات بِنيةِ مُعقّدة، فصار يطلق عليها بُحيرةُ البيانات التي تشبه المنجمِ، لِمَا تَحتويهِ مِن كُنوزٍ ضَخمةٍ مِن المعلُوماتِ. فعندما ننقبُ في هذهِ المَناجِمِ نحصُلُ على مؤشّراتٍ اقتصَاديّةٍ وَاجتمَاعيّةٍ وَصحيّةٍ وَسياسيّةٍ وَغيرِها، يُمكِنُ أنْ تُستخدَم في تَحسينِ جُودةِ وَنوعيّةِ أداءِ المُوظّفين. فنحن فعلاً أغنياءٌ في البَياناتِ ولكن فُقراءٌ في المَعرفة.
وتستثمرُ أغلّبُ المُؤسّساتِ على الأكثَرِ 10% من كُنوزِ البَيانَاتِ المتاحة لها لأنها تديرها بطريقة تّقليديّةَ، فتعجزُ عن استخرَاجِ المَعرفةِ مِنها، ما يُؤدّي إلى ضعفِ القَراراتِ وَالخُططِ المُستقبليّةِ المُستمدّةِ مِنها لِتطويرِ العمليّةِ التّدريبيّةِ في المُؤسّسةِ. وَمن هُنا يُمكنُ اعتبار بُحيرةِ البَياناتِ المُؤسّسيةِ المَادّةَ الخَامَ لِتحديدِ الاحتيَاجاتِ التّدريبيّةِ للمُوظّفين.
يحتاجُ خُبراءُ التّعلّمِ وَالتّدريبِ وّالتّطويرِ إلى مُواكبَةِ التّكنولوجيَا لتَحسينِ تَجرُبَةِ التّعلُّمِ وَالنّتائجِ، وَتطويرِ استرَاتيجيّاتٍ وَمَنهجيّاتِ تَعلّمٍ جَديدةٍ. فمثلاً يَتوقّعُ تَقريرٌ لشركة "جارتنر" أنّ روبُوتات الذّكاء الاصطِنَاعيّ سَتعملُ على تَشغيلِ 85 في المائة مِن تَفاعلاتِ خِدمةِ المتعاملين بعدَ عام 2020، وَيَذكُرُ تَقريرٌ آخرٌ أنّ 20 في المائة مِن مُحتوى الأعمالِ سَتتمُّ كِتابَتهُ بواسِطةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، كمَا ويَتوقّعُ بنكُ "أوف أمريكا" أن يَقودَ الذّكاء الاصطِنَاعيّ مَا بينَ 14-33 تريليون دُولار سنويّاً منَ النّموِّ الاقتصاديِّ بحلولِ عامِ 2025. وهذا يؤكد أنه سَيكونُ لِلذّكاءِ الاصطنَاعيِّ تَأثيرٌ كَبيرٌ على صِناعَةِ التّعلّمِ وَالتّطويرِ بِسببِ امتلَاكِ المُؤسّساتِ لِكميّات هَائلَةٍ مِنَ البَيانَاتِ، والمعارف المستنبطة منها.
فمن السهولة بمكان تَخصيصُ المُحتوَى لِيُناسِبَ احتيَاجَاتِ المُتعلِّم، وَالتّركِيزِ على نُقاطِ الضّعفِ وَتَقويَةِ نُقاطِ القوّة لَديه، وَكذلك التّوصيَةِ بِالمُحتوَى المُناسبِ، وّالتَّنبُّؤِ بِالاحتياجَاتِ التدريبية لِلمُتعلِّمِ بِناءً على دَورِه الوَظيفيِّ. كما يمكن استحداث المَحتوَى تِلقائيَّاً بِاستخدَامِ خَوارِزميّاتِ ذكية. ولاستخدامِ الذّكَاءِ الاصطِنَاعيِّ، تَحتاجُ المُؤسّساتُ إلى تَسخيرِ كَميّاتٍ هائِلةٍ مِن البَيانَاتِ بِاستخدامِ التّعلُّمِ الآليِّ وَمُحلّلي البَيانَاتِ وَمُبرمِجي الذّكاءِ الاصطِنَاعيِّ، فتُمكِّنَ مُخرجاتُ هَذه البَيانَاتِ أقسامَ التّعلُّمِ وَالتّطويرِ مِن اكتِسابِ رُؤى خفيّةٍ حَولَ رِحلِةِ المُتعلّمِ لتنشيءَ بَرامجَ تَدريبٍ مُتَخصّصةٍ ومُتميّزَةٍ.
طَرحَ كل من "هُولمُز وبياليك وَفاضِل" في كِتابِهم "الذّكاءُ الاصطِنَاعيّ في التّعلِيمِ" تَصنيفَاً أوليّاً حولَ استخدامَاتِ الذّكاءِ الاصطِنَاعيِّ في تَحسينِ التّدريبِ وَبيئةِ التّعلُّمِ، عَلى النّحوِ التّالي:
- عندَ تَنفيذِ نَشاطٍ أو دَورةٍ تَدريبيّةٍ: يُمكِنُ استخدامُ البَياناتِ للمُواءمَةِ بينَ مَسارِ التّعلُّم وَالمُستخدِمِ بِاستِمرار.
- بِيئةُ التّعلُّمِ: يُوجِّهُ الذّكاءُ الاصطِنَاعيُّ المُتعلِّمَ إلى الأشخَاصِ المُناسبِين وَيُوفّرُ الدّعمَ لجَميعِ المَهامِّ غيرِ التّدريبيَّةِ.
- تحسينُ عَمليَّةِ التّعلُّمِ: يُصبحُ الذّكاءُ الاصطِنَاعيُّ هوَ المُدرِّبُ أو مُصمّمِ الدّورةِ. وَيُقدِّمُ تَوصياتٍ مُحَدّدةً لِكُلِّ مُتعلّمٍ وَيُسهِّلُ مُهمّةَ الُمدرّبِ أو مُصمّمِ الدّورةِ.
يَتطوَّرُ الذكاءُ الاصطِناعِيُّ بِخطىً متسارعةٍ، وما لمْ نَقُمْ بتأهيلِ موظفينا وتطويرهم بسرعةٍ موازيةٍ، فإننا نُعرِّضُ قوةَ العملِ البشريةِ لخطرٍ كبيرٍ ربما يتمثلُ في إحلالِ الآلاتِ محلَّ الإنسانِ، وربما يَصلُ حدَّ تحكمِ الآلةِ وسيطرتِها على الإنسانِ. علينا تحفيزُ تِلكَ الاستراتيجياتِ التي تَهدفُ إلى دمجِ تِقنياتِ الذكاءِ الاصطِناعِيِّ في خُططِ التدريبِ والتطويرِ وتَعظيمِ الاستفادةِ منها قَدْرَ الإمكانِ.