تعدت الساعة العاشرة مساءُ ربما كان الوقت هو المبرر فالمكتوب على العربة من الخارج للسيدات فقط حتى الساعة التاسعة مساء , لكن هذه العربة هي العربة ذات الشريط الأخضر , أما العربة ذات الشريط الأحمر فهي المعنية بأنها للسيدات فقط طيلة ال 24 ساعة !
لكن حدث مالم يكن متوقعا حيث صعدت السيدة المنتقبة الى العربة الحمراء وهي تشكو قدماها التي تؤلمها للغاية كانت آملة أن تجد لها مقعدا بالتأكيد غير أنها فوجئت حيث امتلئت العربة وكان أغلب الجالسون من الرجال ! وبعد فهي لاتقوى على رفع صوتها بالاحتجاج على الرجال الذين شغلوا الأماكن , فحياؤها ومظهرها يمنعانها حتى من السعال !
تحاملت على نفسها رغما عنها واستندت برأسها الى جدار العربة ممسكة بأحد الأعمدة أمامها , واهمة أن تريحها هذه الوقفة المؤقتة من الألم !
وكادت تتذمر وهي تكظم غيظا لاحد له خاصة وهؤلاء الرجال الذين لايلتفتون لشيئ سوى راحتهم فقط , غير عابئين بنظام قطار " المترو " واحتلالهم العربة الوحيدة المسموح بها للسيدات , ! إحساس بليد يخيم على كافة الجالسين من الرجال وكأن الأمر لايعنيهم البتة !! ا
تغير الأمر بعد محطتين فقط ومنذ أن صعدت هذه السيدة المنتقبة التي تشكو آلام قدميها ! صعدت سيدة في آخر العقد الثالث من عمرها من محطة السادات ( التحرير ) كأنها أرسلت نيابة اللواتي لايستطعن التحدث أو الاعتراض وقد اكتست بلوحة من القماش كتب عليها ( لاللمحاكمات العسكرية للمدنيين ) أثارها ما رأت من مشهد الرجال المحتلون للعربة فتجرأت بحماس الثورة فيها ودفعها ما كانت عليه منذ لحظات في التحرير من الحماسة والاعتراض وقد وجدت ضالتها في هؤلاء الرجال الجالسون, وواجهتهم كأنهم المعنيون بمحاكمات المدنيين عسكريا !
فقالت بأعلى صوتها : الرجالة اللي قاعدين يقوموا , فلم يتحرك أحد وكأن الكلام ليس موجه اليهم كأن بهم يقولون :
واحدة واخداها الحماسة خليها تعبر عن نفسها !
وبعدما لم تجد حراكــا من أحد أو حتى شعور بالخجل , ألقت بكلمة ثقيلة وقد نفذ صبرها لعلها تكون الحاسمة :
" لو فيكو راجل يقوم ؟؟!! " , فلم يتحرك أحد أيضا !حتى انبرى رجل كهل يقترب من الخمسين أخذته العزة والنخوة بالاثم وانفعل في وجه السيدة وكاد أن يمد يده , هنا تيقظت النسوة الجالسات ومعهن الواقفات يدافعن عن سيدة التحرير الثائرة , وكأن الرجال الجالسون قد أفاقوا من سبات عميق , على صوت الاشتباك و حين وصل المترو الى المحطة التالية فاذا ببعض من رجال أمن المحطة قد تنبهوا لهذا الارتباك الحاصل والجعجعة في عربة السيدات ذات اللون الأحمر حتى أمروا الرجال المتواجدين بالنزول فورا من العربة , فانصروا في برود عجيب !
تلك الحادثة حقيقية حضرها شهود عيان قصصن الواقعة بحذافيرها , فإن دلت على شيئ فانما تدل على احساس بليــد ينتاب البعض منا !!
نعم بليد ربما ينتابنا جميعا في لحظات ما في توقيت ما , يجعلنا ننس عن عمد أننا قدمنا أنفسنا من قبل أشهر قليلة ضحايا لأجل تغيير كنا نعشقه و نرجوه ونتمناه , فما إن ذهب رأس الحية حتى نسينا أن هناك ذيل لازال يلعب ويتحرك , ألا تعتقدون ماذا ؟؟
إنها نفوسنا التي ألفت رأس الحية !! ولم تتعود بعد كيف تقبل على التغيير الحقيقي بنفس القوة والحماس الذي أطاحت به النظام وبالفعل قامت سيدة ومواطنة عادية ولخصت الحدث في عبارة موجزة فقالت :
الثورة شالت حسني مبارك بس !!!
أما آن لنا أن نهب جميعا لنجدة أنفسنا من أنفسنا ونثور على شيئ واحد فقط ألا وهو البـــــــــــلادة ! ونكسب عزيمة صادقة على التغيير
تأمل الصورة وراقب البلادة !
ساحة النقاش