مستشارك النفسى و الأسرى ( د. أحمد شلبى)

موقع للارشاد النفسى للمتميزين وذوي الإعاقة والعاديين

* صمتت أربعة عشر عاماً لتكسر حاجز الصمت :-

حصلت على الليسانس ..

 ثم على دبلومه خاصة في التربية وعلم النفس ..

بعدها واصلت دراستها فحصلت علي ماجستير تربية تخصص صحة نفسية  ..

ثم على دورات متقدمة في رعاية الذين يعانون من إعاقات مزدوجة ( صمم وكف بصر ) ..

حتى أصبحت من الكوادر المتخصصة في هذا المجال ..

ثم لُقبت بأم الرجال  ..

فلماذا هذا الصمت الطويل ؟؟

ولماذا اختارت هذا النوع من الدراسة ؟؟

لماذا التخصص مع إعاقتي العمم والصمم ؟؟

ما الإنجاز الذي حققته وكيف توصلت إليه ؟؟

لماذا استحقت هذا اللقب ؟؟

وغيرها أسئلة كثيرة لا شك أنها تدور في ذهنك وقد دارت في ذهني أنا أيضاً وسوف نجيب عليها ، لكن تعالوا نبدأ  الحكاية من البداية .

 

* بداية المشوار :

الاسم : سهير عبد الحفيظ والمشهورة بأم الرجال

حصلت على ما ذكرنا من شهادات ودبلومات ودورات

(أم ) لخمسة من الأولاد منهم اثنان يعانيان من إعاقة سمعية من النوع الشديد والعميق ومن هنا بدأت الحكاية .

 

* التحدي الصعب :

عندما اكتشفت الأسرة أن هذين الاثنين يعانيان من هذه الإعاقة لم يسيطر عليها السخط أو التضجر أو التمرد وإنما الصبر والعزيمة والتفكير العاقل البصير وقد هداهم هذا التفكير إلى محاولة البحث عن إجابة لعدة تساؤلات طرحت نفسها ومنها :

- ما هي أفضل الطرق المناسبة للتعامل مع هذين الاثنين فضلاً عن بقية الأبناء ؟؟

- ما هو نوع التعليم الذي يتفق مع حالتهما ؟ ؟

- كيف توفر لهما من الوسائل ما يمكنهما من أن يكملا تعليمهما ويعيشا حياتهما كشخصين عاديين ؟؟

- كيف نكتشف ميولهما ونستفيد بقدراتهما المتبقية ونوظفها ونستثمرها ؟؟

لقد كانت هذه التساؤلات وغيرها بمثابة أهداف عظيمة لكنها في ذات الوقت تمثل التحدي الصعب .

 

* صعوبات على الطريق :

لا شك أن هذه الأسرة قد مرت بصعوبات كثيرة حتى تحقق هذه الأهداف وتجعلها تتجسد على أرض الواقع ، من أهم هذه الصعوبات :

- أن البيئة لم تكن مهيئة لتعليم هؤلاء الأبناء

- سخرية بعض زملائهم منهم

- عدم تفهم الكثير من المعلمين لاحتياجاتهم ولأسلوب الحديث معهم .

وأمام هذه الصعاب اضطرت الأسرة إلى تحويل البيت لمدرسة ، كما تقول الأم : ( كنت أنا وأبوهم نقوم بكامل دور المدرسة ووفرنا لهم كل شيء داخل البيت ) .

 

* الإنجاز الضخم :

وتفخر هذه الأم بعد هذه المعاناة وهذا الجهد والعمل الدؤوب أن تجربتها هي وأسرتها قد أصبحت نموذجاً على مستوى الوطن العربي فقد وصل ابنها الكبير أحمد ( الأصم ) إلى سنواته النهائية في الجامعة شعبة الفنون التطبيقية قسم جرافيك وينجح كل عام بتقدير جيد جداً متفوقاً على بعض أقرانه من العاديين .

أما الابن الثاني كريم فاقد السمع أيضاً فهو في السنوات الأولى من حياته الجامعية- عند كتابة هذا المقال -  وقد اجتاز الثانوية العامة بالقسم العلمي شعبة الرياضيات بتفوق ، لقد حققت الأسرة نظرية دمج الأبناء أصحاب الإعاقة ضمن مجتمع الأطفال العاديين التي يُنادى بها الآن ، حققتها منذ قرابة  العشرين عاماً وهو السن الذي بدأت فيه هذه التجربة .

 

* مقومات النجاح وأسبابه :

إننا لو ذهبنا لنستقصي هذه المقومات وتلك الأسباب لوجدنا أن لهذا النجاح وهذا الإنجاز ملامح تميزه ومنها :-

1- أن هذا الإيجاز لم يكن من صنع فرد واحد

- فلا شك أن الأم ساندت وكان لها الدور الأكبر .

- والأب بذل من جهده ووقته لتحقيق هذا الإنجاز

- وكان للأسرة الممتدة ( الجد والجدة والأخوة والأقارب ) دورهم أيضاً

2- العزم والتصميم والإصرار من قبل الابنين وهي دوافع داخلية لابد أن نشجعها لدى أبنائنا لأنه بدونها يكون من الصعب أن يتحقق أي نجاح .

3- الصمت أربعة عشر عاماً من قبل الأم قامت خلالها بعمل دؤوب مع الأبناء : فرغت لهم كل وقتها وجهدها واهتمامها وتفكيرها حتى كبروا قبل أن تقرر الخروج للدراسة والعمل العام .

4- أفادت الأم من كل خبراتها وقامت بالدراسة والبحث في الكتب وعلى الانترنت .

5- تعلموا جميعاً لغة الشفاه والتواصل اللفظي وتعلمها الأبناء حتى ينتقلوا من مجتمع ضيق ينحسر في دائرة الصم إلى المجتمع المتسع حيث يتمكن فيه الأبناء من الاحتكاك بالناس جميعاً .

6- تعويد الأبناء على اتخاذ القرار في الأشياء التي تخصهم وهو أمر هام : لقد خيرتهما الأسرة بين استخدام لغة الإشارة أو لغة الشفاه فأختار الأبناء التعلم بلغة الشفاه فمكنتهما الأسرة من ذلك .

- أيضاً عرضت الأسرة على الاثنين  أخذ دبلوم فني ثم مواصله الطريق بدراسات تكميلية بدلاً من دخول الثانوية العامة فأختار الابنان الثانوية العامة رغم أنهما يعلمان أن ذلك هو الطريق الأصعب بالنسبة لهما .

- لقد أوضحت الأسرة لأبنيها الاختيارات المطروحة وشرحت لهما عيوب ومميزات كل اختيار وتركت لهما الفرصة كاملة لاتخاذ القرار طالما أنهما يقدران على ذلك .

7- الثقافة والتعليم عن طريق الانترنت فقد أتاحت الشبكة العنكبوتية للأسرة معلومات لا محدودة حول الفقد السمعي ووسائل وأساليب التعامل معه .

8- وضوح الهدف وسلامة الرؤيا ولا شك أن ذلك يوفر الوقت والجهد ويختصر خطوات الطريق .

9- روح الفريق وتوزيع الأدوار والحقيقة أن هذه الروح غائبة عن الكثير من الأسر وتحتاج إلى الانتباه لها والتركيز عليها .

10- الاستعانة بالله طوال خطوات المعاناة والتي كُللت بالنجاح والتوفيق فهو الذي يعطي العون ويُلهم الصبر والقوة والثبات والسداد .

 

* من ثمار هذه التجربة :

وبالإضافة إلى وصول الاثنين الأصمين إلى الجامعة ، ومواصلة دراستهما ، فقد شجعت هذه التجربة الأم على مواصلة دراستها العليا بعد أربعة عشر عاماً من الصمت - كما ذكرنا - فحصلت على ماجستير في التربية تخصص صحة نفسية ، ولم تكتف بذلك وإنما حصلت أيضاً على دورات متقدمة في رعاية الصم المكفوفين .

- كذلك قررت الأم العودة إلى كتابة الشعر الذي تركته منذ فترة طويلة فقد كان وسيلة من وسائل تخفيف الضغوط التي كانت تقابلها من ناحية واستخدمته للتعبير  عن قضايا الصم من ناحية أخري .

- كما قررت الكتابة عبر الانترنت في بعض المنتديات التي تهتم بموضوع الفقد السمعي وكانت ردود الأفعال أكبر مما توقعت سواء على النت حيث لُقبت بأم الرجال من خلاله ثم الدعوى لها للمشاركة في أمسيات شعرية في بعض الدول العربية وحضور بعض الندوات والمؤتمرات .

كما أتاحت لها دراستها واحتكاكها تفهم حاجات الصم المكفوفين وأدركت حالتهم الماسة إلى من يشعر بهم ويتواصل معهم ، فلكي يمارسوا حقهم في الحياة الكريمة لابد أن نفهم ما يريدون وماذا يؤلمهم حتى نصل بهم إلى بر الأمان وبخاصة إذا علمنا أن بعض أسرهم لا تستطيع تقديم الخدمات الأساسية لهم ، ليس بسبب بخل أو حاجة لكن بسبب عدم العلم والخبرة الكافية للتواصل معهم ، وإذا كانت بعض أسر الأطفال المكفوفين الصم عاجزة عن فهم احتياجاتهم فضلاً عن تلبيتها فإن بعض الأطفال هم أيضاً عاجزون عن التعبير عنها وإيصالها بشكل صحيح إلى الآخرين ، ولذا فإن الإرشاد الأسري والتربوي والنفسي ضرورة لهذه الأسر ولهؤلاء الأفراد أيضاً ، ولن يتم ذلك إلا على يد مدربين ومرشدين ومستشارين أكفاء يجمعون مع الدراسة النظرية الخبرة العملية في هذه المجالات .

- وإلى جانب ذلك كله فقد اشتركت في بعض الجمعيات الأهلية التي تعاونها وتيسر لها التعامل مع هؤلاء الصم المكفوفين .

 

* نداء على لسان صّماء

ومن شعر هذه الأم قصيدة بعنوان ( على لسان صّماء )

وقالـــــوا أذنهــــــا صمـــم

ولكنـي  تعلمــت تكلمــت

جداري صار مفتوحـــــــاً

وحطمت قيود الصمت

مــن حولــي وحوّلــــت

عيونــــي نبـــع آذانـــي

فيا من تسمع الصــوت

تأمـــل كلمــــة منــــــي

وحقــق بعــض آمالـي

وأحلامــــي كإنســـانِ

 

 

 

إعداد: د.أحمد مصطفى شلبي

mostsharkalnafsi

بقلم د. أحمد مصطفى شلبي [email protected]

ساحة النقاش

د.أحمد مصطفى شلبي

mostsharkalnafsi
• حصل علي الماجستير من قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس في مجال الإرشاد الأسري والنمو الإنساني ثم على دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص صحة نفسية في مجال الإرشاد و التوجيه النفسي و تعديل السلوك . • عمل محاضراً بكلية التربية النوعية و المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

329,351