سؤال قد يثير الدهشة لدى بعض القراء، لكن الواقع الذي يشهد به الكثيرون ممن تعاملوا مع بعض المكفوفين أنهم في أحيان كثيرة لا يشعرون بأنهم مكفوفون بل مع طول العشرة قد ينسون هذه الحقيقة وتحدث العديد من المواقف الطريفة بينهم نتيجة لتناسيهم ذلك، وكأني أسمع بعد العاديين الذين تعاملوا مع المكفوفين يقولون: (نعم قد حدث ذلك معنا بالفعل) بل قد يحكون لك بعض المشاهدات العجيبة في هذا السياق، فما سر ذلك؟
هذا الأمر يرجع _في تقديري_ إلى عدة أسباب، منها:
-
تدريب الكفيف لحواسه المتبقية حتى تعوض الحاسة المفقودة؛ فأنت إذا أعطيت لإنسان عادي ورقة مكتوبة بطريقة برايل (وهي الطريقة التي يقرأ ويكتب بها المكفوفون) فحين يتلمسها الشخص العادي يشعر وكأنها حبات سكر أو أرز مجروش متناثر فوق الورقة ولا يستطيع بأصبعه أن يميز تمييزا دقيقا بين الحروف المكتوبة على الورقة.
-
قيام أعضاء الجسم عند الشخص الكفيف بوظائف قد لا تقوم بها عند الكثير من العاديين ومن ذلك ما هو مشهور في عالم المكفوفين من أن (القدم هي نظارة الكفيف) وصدق الشاعر العربي حين قال: (والأذن تعشق قبل العين أحيانا).
-
ويحدث بمرور الوقت مع الكثير من المكفوفين وبطريقة لا شعورية أن تتحول خلايا اللمس بالجلد المتعرض للهواء إلى حساسات أو أجهزة استشعار فيستطيع مثل تحديد مساحة الفراغ الذي يوجد فيه وسعى الشارع الذي يمر به دون أن يراه وأيضا الارتفاع والانخفاض والميل والدوران وأمثالها لهذا السبب وبمشاركة الإذن في هذه العملية. -
-
ولتدريب الذاكرة لدى الكفيف إسهام كبير في تذكر الأشخاص والأماكن والأحداث، فأعرف بعض المكفوفين هم بمثابة المرجع لأسرهم في تذكر تواريخ الميلاد والوفيات وأرقام الهواتف ونحو ذلك.
-
ويخطئ بعض الناس حين يظن أن الشخص الذي فقد بصره يعيش في ظلام فالحقيقة العلمية أن هذا الشخص يكون صورا بصرية عن أوصاف الأشياء والمعلومات التي تأتي إليه عن طريق الحواس الأخرى فهو حين يتحدث إليك يرسم لك صورة بصرية وحين يدخل إلى مكان فهو يرسم له صورة بصرية أيضا، وهو مثلك تماما حين تجلس مع شخص أو تدخل إلى مكان وتغمض عينيك، ومن هنا تكون تعبيرات (قاهر الظلام) وأغنيات مثل: (يا أمي ما) ليس لها ظل من حقيقة أو واقع لدى الشخص الكفيف، إلا من قبيل الثناء أو التشجيع أو استدرار العطف.
وفي النهاية فإن الحواس ومنها حاسة البصر ما هي إلا وسائط –قد تغني احداها عن الأخرى - في توصيل المدركات والمعلومات إلى الذهن والنفس والقلب وهم الذين يتعاملون معها ويقوم القلب باتخاذ القرار بشأنها ولذلك نرى القرآن الكريم يجسد هذه الحقيقة حين يقول: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (الحج : 46)
ونلحظ في الواقع أن الناس أربعة:
-
أناس يمتلكون كلا النورين: البصيرة والبصر
-
وغيرهم مفتقدون للاثنين نجدهم أحيانا بين البشر
-
وفريق ثالث لا يبصرون وهم يمتلكون حاسة النظر.
-
وآخرون يمتلكون ضياء البصيرة وإن غاب عنهم نور البصر.
فهل اتضحت فكرتي؟ ... مع خالص تحيتي
ساحة النقاش