أولا ، منزلة شهر رجب وبعض فضائله:
<!--شهر رجب هو الشهر السابع في التقويم الهجري ، ويقع بين شهري شعبان وجُمادى الآخر ، وقد سُميّ شهر رجب بعدّة أسماء؛ منها: رجم؛ للقَوْل بأنّ الشياطين كانت تُرجم فيه، كما سُميّ بشهر رجب الأصمّ؛ لعدم وقوع أي قتالٍ فيه، وسُميّ أيضاً بالأصبّ؛ لصبّ الرّحمة فيه صبّاً، وسُميّ بالمُعكعك، والمُعلّى، والمقيم؛ لقيام وثبوت الرّحمة فيه، أمّا الاسم الشرعيّ له فهو: رجب؛ من الترجيب؛ أي التعظيم وكل هذه الأسماء تشير إلى أن هذا الشهر كان له منزلة وتعظيم واهتمام عند العرب ؛ (موضوع .كوم ).
<!--وشهر رجب أحد الشهور الأربعة الحرم التي خصها الله تعالى بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها في قوله عز من قائل: ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) [التوبة:36]
ولكن ما هي هذه الأشهر الحرم؟
وردت الأشهر الحرم في الآية السابقة مبهمة ولم تحدد اسماؤها وجاءت السُنة بذكرها: فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وقال في خطبته: إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ. رواه البخاري رقم هذه (4662)، ورواه مسلم رقم (1679).
وسمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: )إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله) (التوبة ، 37).
وقيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك.
وقد سُميّت الأشهر الحُرُم بهذا الاسم؛ لأنّ العرب كانوا يحرّمون القتال فيها، ويمنعونه قطعاً، كما أنّ ارتكاب الذّنوب والمعاصي فيها أشدّ حُرمةً من وقوعها في غيرها من الأشهر ، وأيضا من المنطقي أن يكون العمل الصالح فيها له ثواب مضاعف.
<!--ومما ورد في فضل رجب من السُنَّة: ما رواه النسائي وغيره من حديث سيدنا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب"
(ص: 12): [فهذا فيه إشعار بأنَّ في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان؛ لذلك كان يصومه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم] والله سبحانه وتعالى أعلم:
(دار الإفتاء :https://www.dar-alifta.org(
<!--وأيضا فإن لشهر رجب منزلة خاصة عند المسلمين حيث حدثت فيه معجزة الإسراء والمعراج يوم السابع والعشرين منه على المشهور: (الأزهر للفتوى)
وحدثت فيه غزوة تبوك، وحرر فيه القائد صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس في (شهر رجب من 583هـ ـ 1187م).
https://islamonline.net
5 الصيام في شهر رجب
وقد وردت العديد من الأحاديت المتعلّقة بصيام شهر رجب؛ إلّا أنّها إمّا ضعيفةٌ لا يُستدلّ بها، أو موضوعةٌ على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ممّا يعني أنّ تخصيص
شهر رجب بالصيام من الأمور المُحدثة في الدِّين، التي ليس لها أيّ أصلٍ،
وقد ذكر مصطفى العدوي في سلسلة تفسيره عدم العلم بنصٍّ صريحٍ ثابتٍ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يتعلّق بخصوصية الصيام في شهر رجب، إلّا ما ورد عموماً
ممّا يدلّ على أنّ شهر رجب من الأشهر الحُرُم،
وقد جاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم منهن في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن رجل من باهلة "أنّهُ أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ انْطَلَقَ فَأتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ، فقال: يَارَسُولَ الله أمَا تَعْرِفُنِي؟ قال: وَمَنْ أنْتَ؟ قال: أنَا الْبَاهِليّ الّذي جِئْتُكَ عَامَ الأوّلِ، قال: فَمَا غَيّرَكَ وَقَدُ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قُلْتُ مَا أكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلاّ بِلَيْلٍ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَ عَذّبْتَ نَفْسَكَ، ثُمّ قال: صُمْ شَهْرَ الصّبْرِ وَيَوْماً مِنْ كُلّ شَهْرٍ، قال: زِدْني فإنّ بِي قُوّةً، قال: صُمْ يَوْمَيْنِ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ، وَقال بِأصَابِعِهِ الثّلاَثَةِ فَضَمّهَا ثُمّ أرْسَلَهَا".
هذا هو كل ما ورد في شهر رجب مما يصلح للاحتجاج به، ورغم عدم صحّة أي دليلٍ متعلّقٍ بتخصيص شهر رجب بصيام ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو عن الصحابة -رضي الله عنهم-؛ إلّا أنّه يُمكن الصيام في شهر رجب على أنه أحد الأشهر الحرم أو بما ورد عموماً في بيان فَضْل الصيام مُطلقاً، دون الاعتقاد بخصوصية شهر رجب بالصيام، لينال بذلك العبد فضيلة الصيام، مع الإشارة إلى عدم صيام شهر رجب كاملاً كشهر رمضان
ويعني ذلك أن شهر رجب ليس له صيام مخصوص أو عُمرةٍ، أو صلاةٍ، فالعبادة فيه كالعبادة في باقي الأشهر:
<!--أمّا فيما يختص بالصيام في الأشهر الحُرم ومنها شهر رجب ؛ فقد سبق الإشارة إلى الحديث الوارد في ذلك ، ويُستحبّ صيامها عند الشافعيّة، والمالكيّة، ويُستحبّ صيام شهر الله المُحرّم عند الحنابلة، باعتباره أفضل الصيام
بعد شهر رمضان؛ لما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)، ويُفضّل يوم عاشوراء من شهر مُحرّم.
أمّا الحنفيّة؛ فقد استحبّوا صيام ثلاثة أيّامٍ من كل شهرٍ مُحرّمٍ؛ وهي: الخميس، والجمعة والسبت.]
<!--كذلك يمكن الصيام في شهر رجب على أنه صيام تطوّع ، ومن صور صيام التطوع:
# صيام يومي الاثنين والخميس: أجمع العلماء؛ من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والظاهريّة؛ على استحباب صيام يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوعٍ،
وقد استدلّوا على ذلك بِما ورد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أنّه قال: (رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصومُ يومَ الاثنينِ والخميسِ فسألتُهُ
فقالَ: إنَّ الأعمالَ تُعرَضُ يومَ الاثنينِ والخميسِ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عملي وأَنا صائمٌ) (إرواء الغليل، بسندحسن).
بالإضافة لِما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل علي).
# صيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ: اتّفق العلماء؛ من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والظاهريّة؛ على استحباب صيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ، واستدلّوا على ذلك بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلَاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وصَلَاةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ علَى وِتْرٍ).
# صيام يومٍ وإفطارٍ يومٍ: يُستحبّ صيام يومٍ وإفطارٍ يومٍ، وذلك أفضل صيام التطوّع، استدلالاً بِما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن عبدالله بن عمرو –رضي الله عنهما-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا).
لعلنا نلحظ من العرض السابق
أن لشهر رجب اهتمام ومنزلة خاصة بما يستحب فيه من الإكثار من الأعمال الصالحة والابتعاد عن اقتراف الذنوب بوصفه أحد الأشهر الحرم، ومن هذه الإعمال الصالحة صيام التطوع فيه (وليس له عبادة أو صيام أو عمرة خاصة به) ،
كما أن لشهر رجب مكانته الخاصة عند المسلمين لما جرى فيه من أحداث هامة كما سبق الإشارة.
نسأل الله أن يوفقنا للاهتمام به وعدم الغفلة عنه بعونه وفضله ... وللحديث بقية.
ساحة النقاش