مونديال كأس العالم و التصورات المتنوعه للأنسان بين النظرات الأحادية والرؤية التكاملية للشخصية يشاهد العالم كل 4 سنوات الماريثون الدولي لكأس العالم في كرة القدم وهو موسم كروي بهيج حيث يجتمع حول شاشات التلفاذ ملايين المشاهدين في العديد من أقطار العالم -على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ليشاهدوا مباريات هذا المنديال ، ويقوم معظم أبناء الإقطار التي تشارك منتخباتهم فيها بتشجيع فرقهم والسعادة لفوزها ، وتشعر بشكل من أشكال الوحدة الإنسانية التي تتخطى حدود الجنس واللون والعرق والمكان والطبقة لتعزف سنفونية قوامها التناسق والتعاون الإنساني البهيج.ولأول مرة (في ماريثون 2022) يقوم بلد عربي بتنظيم هذه البطولة وقد أحسنوا -من وجهة نظري- في اختيار القواسم المشتركة والمظاهر الدالة على الثقافة والحضارة العربية الإسلامية لتكون طابعا مميزا للمناخ الذي يشكل الخلفية التي تقف وراء فاعليات ومباريات هذه الدورة، كذلك جعل اللغة العربية هي اللغة الأولى في التقديم للفاعليات وهو أمر منطقي حين تكون الدورة على أرض عربية في منطقة عربية ، وأيضا أن يجعلوا من أصحاب الإعاقة المدَرَبين المتعلمين من الشركاء الفاعلين فيها.لكن السؤال الذي يطرح نفسه ؛ هل يمكن أن يمتد هذا التنسيق والتعاون الإنساني في مجالات وأنشطة أخرى من الحياة الإنسانية غير المجال الرياضي؟وهل يمكن أن يقبل الإنسان والفرق الإنسانية أيا كان سبب وأفراد تشكيلها أن تتعامل في ملعب الحياة بنفس الروح الرياضية وأن تجعل من الهزيمة خطوة للفوز وتحقيق الهدف كما يحدث في المباريات الرياضية؟ نأمل أن يحدث ذلك وأن يكون قريبا.ومن هذا المنطلق ، وعلى طريق التقارب والتفاهم والحوار الإنساني ، وفي ميدان العلوم الفلسفية والنفسية ، والإنسانية عموما نود أن نضع بين يديك طرفا من نظرات بعض الفلسفات والاتجاهات المختلفة حول تصورها للإنسان لتتكون لدينا رؤية واضحة حول قصتي وقصتك هدفي وهدفك طريقي وطريقك ، من ناحية وليتضح لك الفرق الشاسع بين التصور الشامل لمسيرة الإنسان وبين النظرات الأحادية التي تركز على جانب واحد أو أكثر من جوانب شخصيته ، ولنبدأ أولا باستعراض للخطوط العريضة لتصور الفلسفات الغربية للإنسان ثم نثني بالتذكير بالخطوط العريضة للتصور الإيماني لنشأة الإنسان ولمسيرته ، ولمهمته حيث يتحدد وفقا لها مصيره والتي أشرنا إلى طرف منها في مقالنا (مع قصتي وقصتك وخارطة طريق عبر سورة الإنسان): أولا، الإنسان في الفلسفات الغربية : 1- بدأت النظرة التي تبنتها الفلسفة الغربية زمن أفلاطون وأرسطو، رؤية الإنسان على أنه كائن يتميز بعقله الذي هو مناط التكليف، وأساس المسؤولية والجزاء، أي أنه كائن عاقل، ولكن الفلسفة المعاصرة أحدثت انقلاباً كبيراً في تحديد ماهية الكائن الإنساني، وشمل هذا الانقلاب تقييماً لأبعاده المعرفية وقدراته العقلية، فهي لم تؤكد على التصورات الفلسفية السابقة للإنسان ولم تعطِ الأبعاد العقلية أي اعتبار، بل على العكس قامت بتهميش هذا الجانب واعتباره مجرد قوى لا شعورية أوغريزية.[ويُعتبر نيتشه من أشهر الفلاسفة الذين هتموا بإزالة العقل من موضوع التصوّرات الفلسفية للإنسان، حيث شكّل هذا الموضوع محور دراساته الفلسفيّة، وكان مدخلاً لتحديد وتعريف الإنسان، فقد رأى نيتشه أن العقل هو غريزة كالغرائز الأخرى التي من شأنها أن تُبقي الإنسان على قيد الحياة، وهذه هي وظيفته فقط لا غير، وتم اعتبار الأبعاد الغريزية المكون الأساسي والمركزي للذات الإنسانية، وأن ما حصل في الثقافة الإنسانية من اضطرابات يرجع إلى تبديل وظيفة العقل، وتحميله مسؤولية كبيرة مثل الحقيقة والأخلاق، وهذا ما جاء في كتابه العلم المرح، كما أنه قلل من القيم الأخلاقية التي يتسم بها العقل مثل الرحمة والتسامح، ووصفها في بحثه الذي حمل عنوان (جنيالوجيا الأخلاق) على أنها أخلاق ضعف وعبودية ولا تدل على القوة والسيادة، وبذلك انتهى نيتشه إلى الدعوة بتغير وظيفة العقل وقلبها من معرفية إلى مجرد وسيلة لخدمة الغرائز، وبذلك يكون قد لغى فكرة الأنا هو الذي يفكر. 2- وسارت على هذا النهج الأبحاث الأنثروبولوجية، فظهرت النظرية الداروينية القائلة إن الإنسان أصله حيوان، وقد كان لها حضور كبير في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وخاصة في المجال الثقافي، والصحفي، ومجال الأدب، والروايات.[ونحن نرى أن الفيلسوف نيتشه والنظرية الدارونية يركزان على جانب واحد من جوانب الشخصية الإنسانية وهو جانب الغرائز، ويقللان من قيمة الوظيفة المعرفية والعلمية للعقل وهي التي يتميز بها الإنسان عن سائر الكائنات ويجعلان العقل خادما للغرائز ، كما أنهما يهبطان بالإنسان إلى المستوى الغريزي وينظران إلى التسامي الأخلاقي على أنه عبودية وضعف لكنهما لا يحددان هو ضعف أمام من هل هو أمام الطبيعة التي المفروض أنه سيدا لها وأنه جاء لاكتشافها وتسخيرها ، كما أن هذه النظرة تقلل من دور وسائط التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والإعلام في تثقيف وتهذيب الإنسان والارتقاء به!3- الإنسان في الوجودية: الوجودية هي عبارة عن تيار فكري فلسفي ظهر في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويرجع اسمها إلى طبيعة اهتمام أعضائها بوجود الإنسان أو الوجود البشري، ويستخدم الوجوديون مصطلحات كثيرة يعبرون فيها عن الإنسان مثل ما هنالك، والوجود، والأنا والوجود لذاته، وهناك تعريفات عدة في تيار الوجودية للإنسان فمثلاً يعرفه هايدجر بأنه المخلوق الذي يكون في العالم الذي يحدده الموت، ويجربه القلق، ويعرّفه سارتر بأنه الكائن الذي لا يعرف الراحة أبداً، ويحيا بمعارضة ذاته، وترى الوجودية أن الإنسان شخص قلق، وممزق ولديه شعور عميق بالمسؤولية، وأن الشخص الذي يكذب غير مرتاح الضمير. وتقوم فكرة الإنسان في الوجودية على أنه لا يجوز اعتباره جزءاً من فئة، وأنه لا أحد يحل محله، وأن لكل إنسان موقف وجودي خاص به، ويقوم مبدأ الوجودية على أن الإنسان له وجود قائم بحد ذاته وهو متفرد برأيه وغير موجه من أحد ويتحمل مسؤولية وجوده، وقد أثارت الوجودية انتقاداً كبيراً لأنها دعت إلى التأمُل وعدم إعطاء القيم الإنسانية أي قيمة، ورفضت قبول الإنسان للقيم الجاهزة حتى لو كانت عن طريق الوحي. ومن نظريات الوجودية نظرية سارتر، حيث يرى أن الوجودية إلحادية، وأن بعض الفلاسفة أراد بها تضليل الناس، وهو يدّعي أن الإنسان هو المسؤول عن وضع مقاييس الحق والخير، وبذلك خالف جميع الفلاسفة المؤمنين، فقد أعطى الإنسان ما هو لله، مثل وضع مقاييس الحق، والخير والجمال، بمعنى أنه أنكر الخالق وأسقط مسؤوليته، وأنكر الضمير الذاتي المثالي، ونظر إلى الإنسان على أنه شخص حر ، صانع لنفسه، وخالق لقيمه ومعاييره، وأن العاطفة لا وجود لها في حياته، وبذلك فإن الوجودية تسلب الإنسان جميع المعاني التي يمكن أن يُكرَّم من أجلها.ولعلك تلحظ أن الفلاسفة الوجوديين ينقسمون إلى قسمين كبيرين قسم يتبنى نظرة إلحادية (كسرتر) والعديد منهم يتبنى نظرة إيمانية ترى أن للكون والإنسان خالقا ولكنها نظرة إيمانية سطحية بمعنى أنها لا تنظر للإنسان إلا في حياته الدنيا فقط ولا تتعدى إلى التصور له في حياته البرزخية وفي حياته الآخرة ولا تحدد له منهجا يسير عليه في حياته وإنما تتركه كسفينة وضعت في البحر وهي تسير في مهب الريح -كما يشير بعضهم- ، وأيضا فأن معظم الفلاسفة الوجوديين يتجاهلون العواطف الإنسانية وهو جانب هام من جوانب الشخصية الإنسانية ، كذلك فإنهم ينظرون إلى الإنسان الخام القلق الممزق الذي يكابد ويعاني ، ويتجاهلون الدور الإيجابي له كصانع للحضارات ولتقدم المجتمعات، كذلك يتجاهلون دور وسائط التنشئة الاجتماعية والآليات الإيمانية في التسامي والارتقاء به-كما سبق الإشارة-.4- الإنسان في الفلسفة الواقعية: ظهرت الواقعية عند الأدباء الإغريق، كما ظهرت في البدايات الأولى لعصر التنوير الأوروبي، وذلك بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين، وأصبحت تياراً أساسياً في القرن التاسع عشر، وقد ركزت الواقعية على أهمية الإنسان وتحريره من القيود، وأعادت الاعتبار للعقل البشري، وتُعرَّف الواقعية في الاصطلاح على أنها مذهب فلسفي يرى أن وجود الأشياء الخارجية لا يتوقف على إدراك العقل لها، فهي موجودة سواءً وُجد من يدركها أو لم يوجد، وحسب ما يرى إميل زولا وهو ممثل المدرسة الواقعية في الأدب الفرنسي، أن الإنسان ما هو في جوهره إلا حيوان مفترس يتخذ غرائزه الحيوانية أساساً لأفكاره، وأن الخير يزول بمجرد تقابله مع صراعات الحياة، فتظهر الحقيقة الشريرة للإنسان، كما قام دعاة الواقعية بربط الإنسان الغربي بغرائزه، ووجهوا نظره إلى التراب لا إلى السماء، وعملوا على إفساده وتحريك شهواته، وجعلوا كل شيء مباحا عنده.ولعلك تلحظ أن الفلسفة الواقعية قد أضافت بعدا جديدا في نظرتها وهو إدراك الإنسان للواقع وأن هذا الواقع موجود سواء أدركه الإنسان أم لم يدركه لكنها ما تزال تنظر إلى الإنسان ككائن أناني مفترس شرير تحركه غرائزه وشهواته وكل شيئ مباح له دون اعتبار لقيم أو أخلاقيات أو لحقوق في التعامل مع الآخرين.5- الإنسان من المنظور الشيوعي (الشمولي) : ترجع الشيوعية في تفسيراتها في كل شيء إلى التفسير المادي، ومعنى ذلك أنها ترى أن الإنسان ما هو إلا مادة ، وجميع مجالات الحياة المرتبطة به، مثل الأسرة، والقيم المعنوية والمبادئ الفكرية، وتستند في رأيها هذا إلى أنها تعتبر المادة هي الأصل لكل شيء، وأنها الأساس الذي انبعثت منه الكائنات الحية وغير الحية، والمادة التي هي بنظر الشيوعية الخالق الذي أنشأ الحياة، والإنسان، ومشاعره وأفكاره.والحقيقة أن هذه النظرة تجافي الواقع والمنطق ؛ فكيف تكون المادة هي المخلوق والخالق في ذات الوقت! وكيف تخلق المشاعر والعواطف في نفس الإنسان وهي المادة الصماء (فاقد الشيء لا يعطيه) ولماذا لم تخلقها لدى الجمادات ! وكيف تخلق الإنسان ليكتشفها ويسخرها ويسيطر عليها بل يكون في صراع معها -كما هي نظرتهم- ومن الذي وضع لها هذه القوانين الدقيقة التي تسير عليها الكواكب والنجوم والشمس والقمر ومن جعل لها هذا التناسق بين الرياح والسحاب والمطر والأرض والنبات؟ وإذا كان الإنسان مادة فقط فكيف يموت الشباب وأجهزتهم المادية في أوج قوتها وعنفوانها؟ 6- النظرة للإنسان في الرأسمالية: تقدس الرأسمالية الفرد، وتؤمن بالإنسان إيماناً مطلقاً لا حدود له، وتجعله محور الحياة كلها، وفكرتها عن الإنسان أنه لا يعطي للأفكار الأخلاقية والروحية اعتبارا كبيرا ، أي أنه كائن مادي بحت يهتم بغاياته ومصالحه، ولا يعطي المجتمع أي اعتبارات أو أهمية من رفعة معنوية وسمو أخلاقي، كما أن الدولة الرأسمالية تهتم بحماية الأفراد ومصالحهم الشخصية، وبتلك النظرة يبقى الإنسان في الرأسمالية يشعر بالخوف رغم ما حققه من تقدم مادي ، وأنه في صراع مستمر سلاحه الوحيد فيه هو قوته الخاصة، وتحقيق مصلحته فقط هو هدفه. كما أن النزعة المادية التي قامت عليها الرأسمالية كانت سبباً في تخلي الإنسان فيها عن بعض أخلاقه، وذلك لأن مصلحته الشخصية هي الهدف الأسمى والأعلى الذي يسعى إلى تحقيقه بأي وسيلة وإن كانت غير أخلاقية، وهذه النظرة الأنانية المادية هي إحدى المشكلات الكبرى التي تعاني منها الحضارة المعاصرة ، وهي المسئولة عن انتشار الحروب والاستيلاء على ثروات المجتمعات الصغيرة بغير وجه حق ، وزيادة نسب إصحاب الإعاقة وبعض التغيرات المناخية وعدم احترام الإنسان لحقوق أخيه الإنسان ... وغيرها كثير : (موضوع.كوم (بتصرف). وللحديث بقية .
بقلم د. أحمد مصطفى شلبي [email protected]
نشرت فى 19 ديسمبر 2022
بواسطة mostsharkalnafsi
د.أحمد مصطفى شلبي
• حصل علي الماجستير من قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس في مجال الإرشاد الأسري والنمو الإنساني ثم على دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص صحة نفسية في مجال الإرشاد و التوجيه النفسي و تعديل السلوك . • عمل محاضراً بكلية التربية النوعية و المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
364,152
ساحة النقاش