معاني الكلمات: وَالضُّحَى (1) : - أقسم بوقت ارتفاع الشمس. والنشاط فى العمل.وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) : وبالليل إذا سكن وامتد ظلامه.مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) : ما تركك ربك - يا محمد - وما كرهك.وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) : ولعاقبة أمرك ونهايته خير من بدايته.وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) : وأقسم لسوف يعطيك ربك من خيرى الدنيا والآخرة حتى ترضى.أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) : ألم يجدك يتيماً تحتاج إلى مَن يرعاك، فآواك إلى مَن وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) : ووجدك حائراً لا تقنعك المعتقدات حولك، فهداك إلى منهج الحق؟وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ( : ووجدك فقيراً من المال فأغناك بما أعطاك من رزق؟فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) 10، 11 : إذا كان هذا حالنا معك، فأما اليتيم فلا تذله، وأما السائل فلا ترده بقسوة، وأما بنعمة ربك فحدِّث شكراً لله وإظهاراً للنعمة.المعنى الإجمالي: افتتحت السورة بقسمين معبرين عن وقتي النشاط والسكون ، على أن الله ما ترك رسوله ولا كرهه ، وما يعده له في الآخرة من منازل الرفعة خير مما يكرمه به في الأولى ، ثم أقسم سبحانه على أنه سيعطى حتى يرضى ، والسوابق شواهد على اللواحق : فقد كان يتيما فآواه وضالا فأحسن هداه وفقيرا فأغناه ، ثم دعت الآيات إلى إكرام اليتين وعدم نهر السائل وإلى التحدث بنعمة الله .(المنتخب في تفسير القرآن الكريم ، 1995: 914).من مظاهر الجمال اللغوي: 1 استخدام بعض المؤكدات اللغوية التي تزيد من تطمين قلب النبي(صلى الله عليه وسلم) وتثبيته، مثل: # أسلوب القسم ؛ والضحى ، والليل ...# استخدام لام التوكيد؛ (ولالآخرة ... ولسوف ...# أسلوب الاستفهام الذي يفيد التقرير؛ ألم يجدك يتيما ، ووجدك ... ووجدك...# استخدام الفعل الماضي الذي يفيد الاستقرار والثبات ؛ (ما ودعك ... وما قلى ...)# حروف العطف ؛ وما قلى ، ولسوف ، وأما وغيرها، وحرف الفاء الذي يفيد السرعة وعدم التسويف ؛ فأما اليتيم ...2- مناسبة الألفاظ للسياق والجو النفسي وذلك كما في قوله تعالى : والضحى وهي فترة الشمس المفيدة للجسم وغير المحرقة ، ومن حيث الدلالة النفسية فإن دينك يا محمد سيظهر وينتشر كما تظهر وتنتشر الشمس في وقت الضحى وسيكون مفيدا ونافعا ومضيئا للناس جميعا كما هي الشمس في هذه الفترة.سجا: امتد كالجسد المُسَجَّى وهو ما يناسب الليل وامتداده، ومن حيث الدلالة النفسية فإن فترة انقطاع الوحي هي بمثابة راحة واسترخاء بعد نزول الوحي عليك في البداية واستغرابك واستغراب الناس له ، وأيضا استعداد للمرحلة القادمة من مراحل الدعوة .قلى : استخدام الفعل بغير ضمير حتى لا يكون فيه إيلام لنفس النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا يكون هناك ثقل لفظي أيضا.- استخدام لفظة ربك وإسناد الضمير إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وتكرار ذلك أكثر من مرة ، فيه تطمين لنفس النبي الكريم فالله هو الذي رباك ولن يتخلى عنك .- كما تلحظ أن معظم الألفاظ المستخدمة ذات دلالات نفسية ؛ (ودعك ، قلى ، فترضى ، فهدى ، تنهر، ...) 3- من أشكال البيان والبديع: استخدام التشبيه التمثيلي وأيضا التضاد والمشاكلة اللفظية.4- الجرس أو الموسيقا الداخلية: استخدام الألف اللينة في الآيات الأولى؛ سجى، قلى ، الأولىى ، فترضى ، فآوى ... وغيرها.التقسيم الثنائي داخل كل آية؛ ما ودعك ربك ... وما قلى، وللآخرة خير لك ... من الأولى ، وهكذا.وأيضا التقسيم الثلاثي بين الآيات حيث تلحظ تقسيمها بعد القسم في الآيتين الأوليين إلى 3 مجموعات.بعض الإضاءات النفسية: أولا ، من حيث الجو النفسي المصاحب لنزول السورة: نزلت هذه السورة لتثبت فؤاد النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) وتطمئن نفسه وتدعم موقفه في ظروف وجدانية وواقعية صعبة ؛ فالوحي قد انقطع لفترة وهو لا يزال في بداياته ولم يألفه النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وقد اتخذ مشركو مكة فترة الوحي وانقطاعه أداة للتشكيك في نبوته والهمز على موقفه.ثانيا، وفيما يتعلق بالوحدة العضوية للسورة : فإن آيات السورة الكريمة تجمعها عاطفة شعورية واحدة تهدف إلى التطمين لنفس النبي (صلى الله عليه وسلم) والتدعيم لموقفه بعد فترة انقطاع الوحي ، لوهذا النمط من حيث الشكل لم يكن مألوفا لدى العرب إذ كان البيت يمثل وحدة بناء القصيدة في تجاربهم الشعرية التي تعتمد في الأساس على الرواية الشفهية.3- استخدام التكرار في التذكير بحقائق متعددة ومتنوعة يساعد على تطمين نفس المتلقي وتفريغ الطاقة الانفعالية السلبية لديه تدريجيا بصفة عامة ومن أمثلة ذلك: (ألم يجدك يتيما ... ووجدك ضالا ... ووجدك عائلا...)4- استخدام أسلوب إرشادي يعتمد على الأسس التالية: أ) التذكير بحقائق من الماضي وبنعم الله على الإنسان وفي ذلك تثبيت وتطمين لقلبه.ب) التأكيد على أن الواقع حسن وسيسير إلى الأفضل باستخدام المؤكدات اللغوية السابق الإشارة إليها.ت) التبشير بمستقبل واعد مشرق (وللآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى والطمئنينة والرضا هما قمة ما تصبو لتحقيقه الصحة النفسية. ث) تقليل وتفريغ الضغط لانفعالي بتكرار عرض الحقائق على النفس كما سبق الإشارة .ج) التوجيه للقيام بمهام عملية إيجابية وأخلاقية لتدعيم ما سبق واستمراره أشارت إليها الآيات الثلاثة الأخيرة من السورة ؛ (فأما اليتيم فلا تقهر ، وأما السائل فلا تنهر ، وأما بنعمة ربك فحدث)5 ورغم نزول هذه السورة الكريمة منذ أكثر من 14 قرنا فإن الذي يقرؤها بقلب خاشع وذهن متدببر وهو على الحق يشعر بالطمئنينة والسكينة ، وبوقوف الله القوي القادر معه ، وبالأمل والاستبشار بالمستقبل ، وبتجديد طاقته على العمل والبذل والعطاء : ومن هنا كانت هذه السورة الكريمة نمط فريد في التوجيه والإرشاد والتأثير النفسي. وهذا غيض من فيض من إشراقات هذه السورة ذات الإحدىعشر آية والأربعين كلمة ؛ (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أنتنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) (الكهف ، 109).
بقلم د. أحمد مصطفى شلبي [email protected]
نشرت فى 16 سبتمبر 2024
بواسطة mostsharkalnafsi
د.أحمد مصطفى شلبي
• حصل علي الماجستير من قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس في مجال الإرشاد الأسري والنمو الإنساني ثم على دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص صحة نفسية في مجال الإرشاد و التوجيه النفسي و تعديل السلوك . • عمل محاضراً بكلية التربية النوعية و المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
368,870
ساحة النقاش