أيها البحر الخضم كم مرت بك من حضارات
سطَّرَت فوق أوراق أمواجِك آلاف المُجَلَّدات؟
فمن يَحِلُّ اللُغْزَ وَيَفْتَحُ الكتابَ وَيَقْرَأُ الصفحات؟
مَن يُصْغَي إلى الموج ويفك الشفرات ويرفع البصمات؟
أيها البحر الخِضم : كم حَوَت أَحشاُؤكَ مِن كائنات
لا تحملُ هَمَّ طعامٍ أو شرابٍ أو مشكلات
فمن أَلْهَمَ الأسماكَ السَعيَ على الأرزاق بين هذه الطبقات
مَن عَلَّمَ الخيشوم تنقيةَ الاُكسجين مِن بين الذَرَّات ؟
مَن ظَلَمَ الحيتانَ فجعلها كالإنسانِ تأكلُ حقوقَ الناس؟
مَن أَنْصَفَ الدُلفين فجعلهُ كالصديق في الأَمْنِ والإيناس؟
مَن أَلْهَمَ الخُلولَ أن تحفُرَ الرمالَ بمجرد الإِحساس
بوجودِ صيادٍ يريدُ بها الإمساكَ فتنشُدَ الخلاص؟
أيها البحر وأنتَ الصديقُ ، لِمَ تُغْرِقُ الإنسان؟
لأنه يتعدى؛ لا يتقنُ السباحة ويَبْتَعِدُعن الشطئان
أو يَرْكَبُ ألواحاً أو أجهزةً عَفى عليها الزمان
أو يَتْرُكُ القِيادةَ وينشغلُ عن العبادة فاسأل الرُبَّان
أيها البحر العظيم : مرت بك أَزْمانٌ وَدُهُور، فمَن عَلَّمَ الأمواجَ أن تَخُطَّ السُطُور ؟
مَن ألهمَ الشمسَ أن تُوَقِعَ كل شروقٍ وغروبٍ في كُراسةِ الحضور
وجعلَ الآفاقَ تحتضنُ المياهَ في بِشْرٍ وسرور
مَن عَلَّمَ الأقمارَ أن تنظر في مرآتِكَ في فرحٍ وحُبُور
مَن عَلَّمَ مياهَكَ أن ترسُم الرمالَ كأعوادِ الأركيت
ووجهَ الأمواجَ أن تنسِجَ الشُطآن كسِجادٍ ومُوكيت
مَن عَلَّمَ المياهَ الجَزَرَ والمَدَّ خَجَلًا وإكبارا للفتى الوسيم القادم من عالمِ الأقمار
وسخرَ الفُلْكَ لتجريَ في البحرِ والنَهرِ بِأمرِهِ ، وَنَشَرَ اليُودَ لِيَسْرِيَ ، فَيُنْعِشَ الجوَ بمقدار؟
مَن أَلْهَمَ السفينةَ وأنزل السَكينةَ وسط ألوانِ الظُلُمات
وحَرَّكَ الشراعَ في البحر كالقِلاعِ جوارٍ منشآت
أيها البحرُ العظيمُ : ما هذه الهيبةُ والمكانة!
كَمَلِكٍ مَهِيبٍ يجلسُ فوق عرشِ السيادة!
أو كَقائِدٍ عظيمٍ يُطِلُّ مِن مَقَرِّ القيادة
أو شيخٍ كبيرٍ ينطقُ بالحِكْمةِ والخِبْرةِ والإفادة
كم حوى باطِنُكَ مِن لئالي وكنوز!
وأشارَ ظاهرُكَ إلى عِبَرٍ كثيرةٍ ودروس!
فهل تعي بعضَ أسرارِكَ العقولُ والنفوس
وتسجدُ شكرا لخالِقِكَ الملكِ القُدُوس؟!
ساحة النقاش