بسم الله و الصلاة و السلام علي رسول الله
سنفترض جدلا للحظة صدق أعداء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيما زعموا من أنه ألف القرآن الكريم بنفسه والآن يمكننا أن نتوقع بعض الاستجابة من غير المؤمن .
الآن إسأل المجادل : " هل تشك في أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) كان عربيا ؟ .
وسواء وافقوه أو لم يوافقوه ، فقد أخبرهم في أسمى الأساليب وبكلمات كادت تحترق في قلوب وأفئدة مستمعيه : أن مريم أم عيسى ( عليهما السلام ) التي تنسب الي بني ‘سرائيل ( ) أصطفيت على نساء العالمين .
فلم تكن التي اصطفيت أمه ( أي أم محمد صلى الله عليه وسلم ) أو زوجته ولا ابنته ولا أي امرأة عربية أخرى ، بل كانت امرأة من بني اسرايل !
فهل يمكن لأحد أن يعلل ويفسر هذا الأمر ؟ فبالنسبة لكل أحد تأتي أمه وزوجته وابنته قبل نساء العالمين في المنزلة .
فما الذي يدعو نبي الإسلام أن يكرم امرأة من المعارضين أو المخالفين ؟! وبخاصة من بني اسرائيل ؟! وهي تنتمي إلى جنس طالما ازدرى قومه ( العرب ) لثلاثة آلاف سنة ، تماما كما يزدرون اليوم إخوتهم العرب
سورة مريم :
هناك سورة في القرآن الكريم تسمى سورة مريم وقد سميت بهذا الإسم تكريما لمريم أم عيسى ( عليهما السلام ) . ولم تحفل مريم ( عليها السلام ) بمثل هذا التكريم ( حتى ) في الكتاب المقدس . لا يوجد كتاب واحد يسمى باسم مريم أو ابنها ( عليهما السلام ) . وإنك لتجد كتبا تسمى باسم متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبولس بالإضافة لضعف هذا العدد من الكتب ذات الأسماء الغامضة ، ولكن ليس هناك كتابا واحدا من بينها ينسب إلى عيسى أو مريم ( عليهما السلام ) !
ولو كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) هو مؤلف القرآن الكريم ، ما كان ليعجز عن أن يضمن فيه بجانب اسم مريم أم عيسى ( عليهما السلام ) ، اسم أمه " آمنة " أو زوجته العزيزة " خديجة " أو عائشة أو ابنته الحبيبة " فاطمة " " رضي الله عنهن أجمعين " .
ولكن كلا ! وحاشاه أن يفعل ! إن هذا لا يمكن أبدا أن يكون . فالقرآن الكريم ليس من صنع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( )
الإجابة بسيطة وهي : أنه لم يكن لديه خيار : لم يكن لديه الحق في التعبير عن هواه الخاص . " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " . ( النجم : 4 )
( [1] ) إن مريم ( عليها السلام ) لم تكن يهودية الديانة بل كانت تعبد إله آبائها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وزكريا إلها واحدا مخلصة له الدين . فهي حنيفية مسلمة وما كانت من المشركين . أما من ناحية الجنسية فهي إسرائيلية نسبة إلى إسرائيل وهو نبي الله يعقوب عليه السلام . أما القول بأنها كانت يهودية ( Jew ) نسبة إلى عقيدة وديانة يهود زمانها أو القول بأنها نصرانية فهو قول مجانب للصواب ومناف للحقيقة . أما إذا كان الأستاذ أحمد ديدات يقصد هنا أنها يهودية ( Judean ) نسبة إلى موطنها المسمى بـ " اليهودية " أو يهوذا أو جويا ( Judea ) وأغلب الظن أنه قصد ذلك – فلا بأس وكان من الأفضل لو قال إنها امرأة " إسرائيلية " بدلا من القول بأنها " يهودية " دفعا للشبهة وتحريا للدقة . والله أعلم . ( المترجم )
( [2] ) راجع ( ص 39 – 45 ) من كتاب " المسيح في الإسلام " تأليف أحمد ديدات وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه وصدر عـن دار المختار الإسلامي بالقاهرة ضمـن سلسلة " مكتبة ديدات " . ( المترجم ) .
,
,
من هو محمد صلى الله عليه وسلم ؟
Who is Muhammad (Peace be upon him)
من هو محمد الذي يتبعه أكثر من مليار مسلم
Who is Muhammad that is followed by more than one billion Muslims?
هل هو عالم مبجل ومميز ؟
Is he a venerable scientist?
هل هو أمير دولة محبوب
Is he a popular prince?
هل هو رئيس وزراء دولة مُحَـنَّـك ؟
Is he a sophisticated Prime Minister ?
هل هو ملك عادل ؟
Is he a fair king?
الجواب
The answer is
لا
No
أعظم من كل هؤلاء جميعا
He is greater than all of those
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
He is the Messenger of Allah
محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الشخص الذى جاء منذ أكثر من 1400 سنة
برسالة من الله سبحانه وتعالى
وقال أنه مكلف بنشر هذه الرسالة فى الأرض كلها غير متقيد بزمان أو مكان أو جنس أولون أوشكل
قائلاً أن رسالته هذه آخر رسالات السماء إلى الأرض وأنه خاتم الرسل والأنبياء فلا رسول ولا نبى بعده صلى الله عليه وسلم
Muhammad received the message from Allah 1400 years ago to call all mankind to follow the true path,
no matter where or when; no matter if white or black, his message is for all.
His message is the last and the lasting one, no messenger will come after him, he is the last Messenger.
Who is Muhammad?
أهو ذلك الأرهابي الذى تنتقل صوره في الصحف
أم هو الرجل العسكرى المنظم الذي إنتصر فى معظم حروبه على أعدائه.
أم هو العبقري الذي ألف بين قلوب القبائل المتحاربة؟
Is he a terrorist, as said by the Western media, or is he the brave warrior who won most of his battles against the enemies of Islam, or is he the genius who resolved all cases and troubles between the tribes.
إنه من حفظ حقوق الكل
He is the one who protected our Rights.
حفظ حقوق الرجال وحقوق النساء وحقوق الصغار
He protected men's, women's and children rights
حفظ علاقة الجار بجاره
He protected the relations between neighbors
وأسس علاقة المسلمين مع بعضهم ومع غير المسلمين
He established the relationship between Muslims and Non-Muslims .
و نظم العلاقات الأسرية التي تضمن للأب وللأم حقوق كبيرة وعظيمة على أبنائهم
He organized the relationship between the members of the family showing the duties towards the parents
منع الظلم ودعا للعدل و المحبة والتكاتف والتعاون للخير
He prevented injustice and called for justice, love, togetherness and cooperation for the best.
دعا لمساعدة المحتاج وزيارة المريض و التناصح والمحبة
He called for helping the needy, visiting the patients, love and exchanging advises between people.
منع على المسلمين المعاملات السيئة مثل السرقة والغش والقتل والظلم
He prohibited bad manners such as steeling, lying, and murdering .
إنه من غير حياتنا وطباعنا السيئة إلى حسنة
He is the one who changed our lives and manners to the best .
المسلم .. لا يسرق
A Muslim doesn't steal
المسلم لا يكذب
A Muslim doesn't lie
المسلم لا يشرب الخمر
A Muslim doesn't drink alcohol.
المسلم لا يزنى
A Muslim doesn't commit adultery
المسلم لا يغش
A Muslim doesn't cheat
المسلم لا يقتل الأبرياء
A Muslim doesn't kill innocent people
المسلم لا يؤذي جارة
A Muslim doesn't harm his neighbors
المسلم يبر بوالديه و يخدمهما
A Muslim obeys his parents and helps them
المسلم يعطف على الصغار وعلى النساء وعلى الضعفاء وكبار السن
A Muslim is kind to young and elderly people, to women and to weak people.
المسلم لا يعذب البشر ولا الحيوانات
A Muslim doesn't torture humans or even animals
المسلم يرحم ويحب زوجته ويهتم و يعطف عل أبناءه حتى آخر يوم من عمره
A Muslim loves his wife and takes care of his children and show mercy towards them until the last day of his life.
المسلم لا تنتهي علاقته بأولاده بعد سن الرشد أبدا
A Muslim's relationship towards his children never stops even when they become adults
إنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
He is Muhammad (PBUH)
هل عرفتم لماذا يحب كل المسلمون محمد صلى الله عليه وسلم ؟
Did you know why all Muslims love Muhammad (PBUH)?
هل عرفتم ماذا يعنى محمد صلى الله عليه وسلم للمسلمين ؟
Did you know what does Muhammad mean for Muslims?
كل مسلم يحب محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من كل شئ
Every Muslim loves Muhammad (peace be upon him) more than himself and more than everything in his life.
قبل أن تقول رأيك أدعوك ان تكون محايد فإذا أردت أن تحكم على شخص فعليك :
1-أن تسمع منه هو شخصيا ، أنت تستمع الي أحاديثه ، ان تتبع أعماله .
2-تقارن الأفكار التي يدعو لها مع المنطق الذى يقبله العقل السليم
3- فاذا أقررت منطقه أنظر إلى فعله هل فعله مطابق لكلامه؟
4-ان كان فعله مطابق لكلامه فما عليك إلا تصديقه
وفي النهاية سوف تجيب بنفسك على هذه الأسئلة المحيرة:
Before judging a person be neutral and:
1-Listen to this person, and follow his doings.
2-Compare his ideas and teachings with what is acceptable to the mind and heart.
3-If you think that his thoughts are right, compare them with his doings; is he applying his teachings?
4-If he is applying his teachings and sayings, so he is for sure right and one must believe him.
At the end you will get a clear answer for all confusing questions and you will know for sure :
who Muhammad really is
من هو محمد؟
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم
ولد سنة 570م وتوفي سنة 633م
كل ما سيتم سرده ضمن هذه المقالة تم نقله من كتب، مخطوطات ونصوص معتمدة بالإضافة إلى روايات نقلت عن أشخاص شهدوا الأحداث بالفعل. المراجع التي تم الاعتماد عليها كثيرة جدا لا يتسع لنا ذكرها هنا، حفظت على مر العصور دون أي تحريف من قبل كل من المسلمين وغير المسلمين.
يتساءل الكثيرون في أيامنا هذه عن الرسول (صلي الله عليه وسلم) . من هو بالضبط؟ إلام كان يدعو؟ لما يحبه الكثير من الناس ولا يفعل البعض منهم؟ هل كرس حياته من أجل الدعوة؟هل كان رجلا مقدسا؟هل كان رسولا من عند الله؟ ما هي حقيقة هذا الرجل؟ أحكم بنفسك!
سنسرد ضمن النقاط التالية الحقائق التي رواها الآلاف من الناس، منهم من عاصر الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم) وعرفه شخصيا.
· يعود نسبه إلى سادة مكة وأعرق قبائلها.
· اسمه " محمد " مشتق من المصدر " حَمْدْ " والناس منذ زمانه وحتى هذه اللحظة وإلى أن يرث الله الارض ومن عليها يصلون عليه مرات عديدة في اليوم واليلة – صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم-
· لم يمارس أبدا عادات القبيلة في عبادة الأصنام والأوثان أو الآلهة التي كانوا يصنعونها بأيديهم.
· كان يؤمن بأن الإله المعبود هو إله واحد ويجب أن يعبد لوحده دون أي شريك.
· كان يجل ويوقر اسم الله ولم يتخذه ابدا هزوا أو سخريا ولم يستخدمه لأغراض أو مصالح لا جدوى منها.
· كان يحتقر العبادات الخاطئة وكل ما يترتب عليها من سلوكيات ومعاملات منحطة.
· التزم بتطبيق جميع التعاليم الدينية " تعاليم الله الواحد" كما فعل الانبياء من قبله.
· لم يزن قط . وكان ينصح الآخرين بعدم ارتكاب هذا الفعل المشين.
· كان يحرم الربى كما فعل من قبله المسيح عليه السلام بقرون.
· لم يقامر قط ولم يسمح بهذا الفعل.
· لم يشرب الخمر، مع انها كانت عادة جاهلية منتشرة بين الناس آنذاك.
· لم يغتب أحدا أبدا وكان يعرض عما يسمعه من غيبة ونميمة.
· كان دائم الصوم تقربا من الله تعالى وإعراضا عن الشهوات من حوله.
· قال بأن المسيح عيسى ابن مريم –عليه السلام- هو معجزة الله في خلقه وبأن أمه العذراء من بين أفضل خلق الله تعالى.
· أكد –عليه الصلاة والسلام- حتى ليهود المدينة بان عيسى –عليه السلام- هو المسيح الذي ذكر في التوراة.
· وقال بأن المعجزات التي جاء بها عيسى -عليه السلام- (من إبراء الأكمه والابرص وإحياء الموتى) هي من عند الله.
· كما اعلن بوضوح بأن عيسى –عليه السلام- لم يمت ، بل إن الله رفعه إلى السماء.
· وقد تنبه (صلي الله عليه وسلم ) بوحي من الله، بأن المسيح سيعود آخرالأيام ليقود المؤمنين الى النصر على أعداء الحق ويقتل المسيح الدجال.
· كما أمر (صلي الله عليه وسلم) بدفع الزكاة للفقراء وكان الحامي والمدافع عن الأرامل واليتامى وأبناء السبيل.
· وأمر بلم شمل الاسرة الواحدة وتقديس الروابط الاسرية ، كما أعاد بناء العلاقات ما بين أفراد العائلة.
· حث اتباعه على الارتباط بالنساء عن طريق الزواج الشرعي وحرم الزنى.
· أكد –عليه أفضل الصلاة والسلام- على إعطاء النساء حقوقهن من مهر وإرث وأموال....
· كل سلوكياته النبيلة من صبر وتواضع وغيرهما أدت الى إعتراف الجميع ممن عرفوه بخلقه الحميد والذي لا مثيل له بين البشر.
أ- لم يكذب محمد –صلي الله عليه وسلم – قط ، لم يخن العهود ولم يشهد الزور أبدا. كان معروفا من قبل جميع القبائل في مكة واشتهر بالصادق الأمين.
ب- لم يزن – صلي الله عليه وسلم – أبدا، ولم تكن لديه علاقات خارج إطار الزواج ولم يتقبل تلك الأفعال مع إنها كانت عادات منتشرة في ذلك الوقت.
ت- لم يرتبط بأي إمرأة إلا في إطار الزواج الشرعي وبوجود شهود حسب القانون.
ث- علاقته بالسيدة عائشة – رضي الله عنها – كانت علاقة زواج شرعي عرفنا تفاصيله من الأحاديث التي روتها السيدة عائشة كأسمى علاقة بين رجل وإمرأة مليئة بالحب والاحترام. تعتبر السيدة عائشة إحدى أفضل من روى الأحاديث عن الرسول – صلي الله عليه وسلم – ولم تكن يوما إلا زوجة لرسول الله ، لم تكن على علاقة بأي رجل آخر غير الرسول ولم تقل عنه – صلي الله عليه وسلم – أي موقف سلبي أبدا.
ج- حرم – صلي الله عليه وسلم – القتل حتى يتبين من حكم الله في الموقف. اما تعاليم الله بهذا الخصوص: فقد أحل الله قتل كل من يتعرض للمسلمين وللإسلام بقتال ولكن مع المحافظة على الحدود التي بينها الله تعالى بخصوص هذا الامر.
ح- لقد حرم الإسلام قتل النفس البريئة.
خ- لم تحدث أبدا أية إبادة جماعية لليهود. لقد طلب لهم الرسول الكريم العفو وأمن لهم الحمايه حتى بعد أن نقضوا عهودهم معه – صلي الله عليه وسلم – عدة مرات. ولم يتصد لهم الرسول إلا بعد أن اتضح له بإنهم خانوه وأرادوا أن يوقعوا به وبالمسلمين. والقصاص لم يطبق إلا على الذين ثبتت خيانتهم لله ولرسوله الكريم.
د- اشتهرت القبائل آنذاك بتملك الخدم والعبيد إلى أن جاء الإسلام ليأمر بتحرير الرقاب . وقد قام الرسول بتحرير الكثير من الرقاب وأمر جميع اتباعه القيام بذلك. حتى أنه – صلي الله عليه وسلم- حرر خادمه – والذي كان بمثابة الإبن له – زيد بن حارثة وقام ابو بكر الصديق رضي الله عنه بشراء بلال الحبشي – أول مؤذن في الإسلام – فقط من أجل تحريره.
ذ- أما بالنسبة للذين كانوا يحاولون النيل من الرسول وقتله، ( وأشهر حادثة هي التي حدثت عندما نام سيدنا علي كرم الله وجهه في فراش رسول الله ليلة خروجه إلى المدينة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه ) ،فلم يأمر الرسول أحدا أبدا بمعاقبة المتورطين بمثل هذه الأفعال. وأكبر دليل على ذلك عندما دخل الرسول وأتباعه فاتحين مكة كانت أولى أوامره لأتباعه عدم إيذاء أيا ممن كانوا يؤذونه وصحابته ( صلي الله عليه وسلم ). تلك هي إحدى مشاهد العفو والسماح في حياة رسولنا الكريم ( صلي الله عليه وسلم ).
ر- لم يسمح للمسلمين بالقتال في السنوات الثلاثة عشر الأولى من الدعوة. الأمر لم يكن متعلق بمقدرتهم على القتال لأنهم كانوا متمرسين على ذلك بسبب طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها والنزاعات التي طال أمدها بين القبائل، ولكن الامر الإلهي بالقتال لم يكن قد نزل بعد. اما بعد أن شرع الله تعالى القتال شرع معه الواجبات والحقوق المترتبة على ذلك وبين حدود الله فيه. كانت الاوامر الإلهية بخصوص موضوع القتال واضحة وصريحة بالنسبة لمن سيُقاتل وكيف ومتى وما الحدود الواجب عدم تخطيها.
ز- يمنع الاسلام من تدمير البنية الأساسية منعا باتا إلا إذا أمر الله بذلك وفقا لمواقف معينة.
س-بينما كان اعداء الإسلام يسعون إلى إيذاء الرسول بشتى الوسائل وشتمه، كان (صلي الله عليه وسلم) يدعو لهم بالهداية. وخير دليل على ذلك رحلته ( صلي الله عليه وسلم ) إلى الطائف والتي أُذي فيها رسول الله إيذاءا شديدا ابتداءا من رفض مقابلته من قبل أعيان القبائل وانتهاءا بضربه وقذفه بالحجارة من قبل الأطفال الذين خرجوا خلفه حتى أدمت قدماه الشريفتان صلى الله عليه وسلم. وعندما نزل جبريل عليه السلام لينتقم له من أعداءه وعرض عليه ان يأمر ملك الجبال ليطبقها عليهم، رفض ( صلي الله عليه وسلم ) ذلك ودعا لهم بالهداية وقال " عسى أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله" .كل ما اراده الرسول الكريم هو توصيل الرسالة ولم يهتم بنفسه وبمدى الضرر الذي أصابه.
ش- وقد قال الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) بأن كل مولود يولد على الفطرة ( على الإسلام : والاسلام يعني الخضوع الكامل لله واتباع أوامره ) ولكن تأثره بالمجتمع الذي يعيش فيه والتربية التي يتلقاها تغير ما بداخله من فطرة سليمة.
ص- علم الرسول الكريم صحابته والمسلمين جميعا أن يعبدوا الإله الواحد إله آدم ونوح وإبراهيم ويعقوب وموسى وداوود وسليمان وعيسى عليهم السلام جميعا وأن يؤمنوا بهم جميعا رسل وانبياء وعبيد لله الواحد. كما اكد على احترام وتقديس جميع الانبياء دون التفريق بينهم.
ض- كما قال بان أصول التوراة والزبور والإنجيل هي من نفس المصدر الذي أتى منه القرآن – ألا وهو الله –
ط- تنبأ الرسول – بوحي من الله – بالكثير من الاحداث وتمت بالفعل، كما أخبر عن أحداث ستحصل بالمستقبل وحدثت كذلك.
ظ- لقد جاء في القرآن قصة غرق فرعون عندما لحق بنبي الله موسى عليه السلام وهو خارج من مصر " اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" وجاء العالم الفرنسي موريس بوكاي في كتابه " الإنجيل، القرآن والعلم " ليؤكد هذه الحقيقة التي أذهلت العالم عندما توصل من خلال التحاليل التي اجراها على مومياء "فرعون " بأن عليها آثار ملح باقية بسبب غرقه في البحر، وهذا ما ذكره الله تعالى في القرآن منذ أكثر من 1400 سنة.
ع- ان احداث قصة غرق فرعون كانت قبل بعثة الرسول (صلي الله عليه وسلم) بآلاف السنين وذكرت في القرآن الكريم ولم تظهر هذه الحقيقة للعالم إلا منذ عقود قليلة أي بعد أكثر من 1400 سنة على نزول القرآن...فكيف للرسول أن يعلم هذا لو لم يكن القرآن كلام الله الواحد الأحد.
أخلاق المسلم
القناعة
يحكى أن ثلاثة رجال ساروا في طريق فعثروا على كنز، واتفقوا على تقسيمه بينهم بالتساوي، وقبل أن يقوموا بذلك أحسوا بالجوع الشديد، فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا، وتواصوا بالكتمان، حتى لا يطمع فيه غيرهم، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعام حدثته نفسه بالتخلص من صاحبيه، وينفرد هو بالكنز وحده، فاشترى سمًّا ووضعه في الطعام، وفي الوقت نفسه، اتفق صاحباه على قتله عند عودته؛ ليقتسما الكنز فيما بينهما فقط، ولما عاد الرجل بالطعام المسموم قتله صاحباه، ثم جلسا يأكلان الطعام؛ فماتا من أثر السم.. وهكذا تكون نهاية الطامعين وعاقبة الطمع.
*أُهْدِيَتْ إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- سلالا من عنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما هذا؟ فأجابت الجارية: ادخرتُه لنأكله. فقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أما يكفي عنقود أو عنقودان؟
*ذهب الصحابي الجليل حكيم بن حزام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال، فأعطاه. ثم سأله مرة ثانية، فأعطاه. ثم سأله مرة ثالثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال له مُعلِّمًا: (يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حلو (أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة)، فمن أخذه بسخاوة نفس (بغير سؤال ولا طمع) بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا (التي تعطي) خير من اليد السفلي (التي تأخذ). [متفق عليه].
فعاهد حكيم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يأخذ شيئًا من أحد أبدًا حتى يفارق الدنيا. فكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يطلبه ليعطيه نصيبه من المال، فيرفض أن يقبل منه شيئًا، وعندما تولى عمر -رضي الله عنه- الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم، فقال عمر: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء (الغنيمة)، فيأبى أن يقبله.
وهكذا ظلَّ حكيم قانعًا، لا يتطلع إلى المال بعد نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تعلَّم منها ألا يسأل أحدًا شيئًا؛ حتى إنه كان يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده.
*كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- واليا على إحدى المدن، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعًا، وكان يشتري خوصًا بدرهم، فيصنع به آنية فيبيعها بثلاثة دراهم؛ فيتصدق بدرهم، ويشتري طعامًا لأهله بدرهم، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا.
ما هي القناعة؟
القناعة هي الرضا بما قسم الله، ولو كان قليلا، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، وهي علامة على صدق الإيمان. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
قناعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم يرضى بما عنده، ولا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، فكان صلى الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة
خديجة -رضي الله عنها- فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال، وكانت تُعْرَضُ عليه الأموال التي يغنمها المسلمون في المعارك، فلا يأخذ منها شيئًا، بل كان يوزعها على أصحابه.
وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير، فرآه الصحابة وقد أثر الحصير في جنبه، فأرادوا أن يعدوا له فراشًا لينًا يجلس عليه؛ فقال لهم: (ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها).
[الترمذي وابن ماجه].
لا قناعة في فعل الخير:
المسلم يقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بالدنيا، أما في عمل الخير والأعمال الصالحة فإنه يحرص دائمًا على المزيد من الخيرات، مصداقًا لقوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]. وقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
فضل القناعة:
الإنسان القانع يحبه الله ويحبه الناس، والقناعة تحقق للإنسان خيرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، ومن فضائل القناعة:
القناعة سبب البركة: فهي كنز لا ينفد، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها أفضل الغنى، فقال: (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس) [متفق عليه].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) [الترمذي وابن ماجه]. فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله له يكون غنيا عن الناس، عزيزًا بينهم، لا يذل لأحد منهم.
أما طمع المرء، ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس، فاقدًا لعزته، قال الله صلى الله عليه وسلم: (وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)
[الترمذي وأحمد].
والإنسان الطماع لا يشبع أبدًا، ويلح في سؤال الناس، ولا يشعر ببركة في الرزق، قال الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُلْحِفُوا (تلحوا) في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا فتُخْرِجُ له مسألتُه مِنِّي شيئًا، وأنا له كاره، فيبارَكُ له فيما أعطيتُه) [مسلم والنسائي وأحمد].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعففْ يعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يغْنِهِ الله) [متفق عليه].
القناعة طريق الجنة: بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلم القانع الذي لا يسأل الناس ثوابُه الجنة، فقال: (من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا وأتكفل له بالجنة؟)، فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا. [أبو داود والترمذي وأحمد].
القناعة عزة للنفس: القناعة تجعل صاحبها حرًّا؛ فلا يتسلط عليه الآخرون، أما الطمع فيجعل صاحبه عبدًا للآخرين. وقد قال الإمام علي-رضي الله عنه-: الطمع رق مؤبد (عبودية دائمة).
وقال أحد الحكماء: من أراد أن يعيش حرًّا أيام حياته؛ فلا يسكن قلبَه الطمعُ. وقيل: عز من قنع، وذل من طمع. وقيل: العبيد ثلاثة: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.
القناعة سبيل للراحة النفسية: المسلم القانع يعيش في راحة وأمن واطمئنان دائم، أما الطماع فإنه يعيش مهمومًا، ولا يستقر على حال. وفي الحديث القدسي: (يابن آدم تفرغْ لعبادتي أملأ صدرك غِنًى، وأَسُدَّ فقرك. وإن لم تفعل، ملأتُ صدرك شُغْلا، ولم أسُدَّ فقرك) [ابن ماجه].
وقال أحد الحكماء: سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ، وغمها أن تغتم لما لم ترزق، وصدق القائل:
هـي القنـاعة لا تـرضى بهــا بـدلا
فيهــا النعيـم وفيهــا راحـة البـدنِ
انظـر لمـن ملــك الدنيـا بأجمـعـها
هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـنِ
يزخر التاريخ بأخبار الرجال الذين ادّعوا معرفة الغيب والقدرة على التنبؤ بالمستقبل، والقليل من هؤلاء استطاع أن يصيب في بعض ما قاله دون مراعاةٍ للدقة في التفاصيل، أما أن يوجد في البشرية من يُخبر بعشرات من الأمور المستقبلية بأوصافٍ شاملة ودقّة مذهلة، بحيث يشهد الواقع على صحّة كل ما تنبّأ به دونما أخطاء، فذلك أمرٌ لا سبيل إلى معرفته أو الوصول إليه إلا بوحي من الله عزّ وجل، وهو ما جعل إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم – عن الأحداث والوقائع التي كانت في حياته وبعد مماته وجهاً من وجوه الإعجاز .
فقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن كثيرٍ من الغيوب التي أطلعه الله عليها في مناسباتٍ عديدة، كان أهمّها موقفه حينما قام بالناس خطيباً فأخبرهم بما هو كائن إلى يوم القيامة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مُقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه " رواه البخاري .
وتتنوّع النبوءات التي أخبر بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين البشارة باستشهاد عددٍ من أصحابه، والإخبار بتمكين هذه الأمة وظهورها على أعدائها، والتحذير مما سيحدث في الأمة من الافتراق والبعد عن منهج الله، والتنبّؤ بزوال بعض الممالك والدول من بعده وفتح البعض الآخر، والبيان لأشراط الساعة وما بين يديها من الفتن، وغير ذلك من الأخبار الصحيحة .
أما ما يتعلق باستشهاد عدد من أصحابه، فقد أخبر باستشهاد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان رضي الله عنهما، وقال عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية) رواه البخاري ، وكان يقول عند زيارته أم ورقة : ( انطلقوا بنا نزور الشهيدة ) رواه أحمد ، وأخبر ثابت بن قيس رضي الله عنه باستشهاده فقال : ( يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ) رواه الحاكم ، ويضاف إلى ذلك إخباره عليه الصلاة والسلام عن مقتل قادة المسلمين الثلاثة في معركة مؤتة في اليوم الذي قُتلوا فيه رغم بعد المسافة وعدم وجود وسيلة لإبلاغ الخبر بهذه السرعة .
كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – أن أسرع أزواجه لحوقا به أطولهن يدا، فكانت زينب رضي الله عنها لطول يدها بالصدقة، وأخبر أن ابنته فاطمة رضي الله عنها أول أهله لحوقا به، فتوفيت رضي الله عنها بعد أقل من ستة أشهر من وفاة أبيها.
وفي المقابل، أخبر – صلى الله عليه وسلم – بسوء الخاتمة لبعض من عاصره، كأمثال أمية بن خلف، وأخبر بمقتل أكابر قُريش في معركة بدر مبيناً مواضع قتلهم، فلم يجاوز أحدهم موضعه .
ومن ذلك أيضاً ما حدث في إحدى المعارك النبويّة حينما قاتل أحدهم في صفوف المسلمين بشجاعة نادرة، فأظهر الصحابة إعجابهم بقتاله، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أما إنه من أهل النار ) ، فقام أحد الصحابة بمراقبة هذا الرجل، فوجده مثخناً بالجراح، فلم يصبر على آلامه واستعجل الموت فقتل نفسه، فعاد الصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يخبره بما فعل الرجل، رواه البخاري .
وأما ما يتعلّق بأحداث المستقبل، فقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بالعديد منها، يأتي في مقدمتها الإخبار عن ظهور هذا الدين والتمكين له واتساع رقعته، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري ، وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) رواه مسلم ، ويدخل في ذلك الإخبار عن ثبات الطائفة المنصورة على الحق إلى قيام الساعة، فقد روى الإمام مسلم عن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) .
ومن جملة ما أخبر به – صلى الله عليه وسلم - طاعون عمواس - الذي حدث في الشام وكان سبباً في موت كثير من الصحابة - وكثرة المال واستفاضته كما حدث في زمن الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز .
ومن ذلك أيضا، إخباره بفتح الشام وبيت المقدس، وفتح اليمن ومصر، وركوب أناسٍ من أصحابه البحر غزاةً في سبيل الله، وإخباره – صلى الله عليه وسلم – عن غلبة الروم لأهل فارس خلال بضع سنين كما في سورة الروم.
ومن الأمور الغيبية التي أخبر عنها النبي – صلى الله عليه وسلم – زوال مملكتي فارس والروم، ووعده لسراقة بن مالك رضي الله عنه أن يلبس سواري كسرى، وهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما في سبيل الله، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ) رواه البخاري ، وفي يوم الخندق شكا الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – صخرة لم يستطيعوا كسرها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأخذ الفأس وقال : ( بسم الله ) فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال : ( الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ) ، ثم قال : ( بسم الله ) ، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال : ( الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إنى لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ) ، ثم قال : ( بسم الله ) وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال : ( الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا ) رواه أحمد ، وقد فتح الله تلك الممالك على يد المسلمين في عصور الخلافة، وقام عمر رضي الله عنه بإلباس سراقة رضي الله عنه سواري كسرى .
ومن الأمور التي أخبر بها النبي – صلى الله عليه وسلم – الضعف والهوان الذي سيصيب الأمة من بعده وتكالب أعدائها عليها، فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) ، فقال أحدهم : " ومن قلةٍ نحن يومئذ ؟ "، فقال لهم : ( بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن : حب الدنيا وكراهية الموت ) وواقعنا اليوم خير شاهد على تحقّق ذلك .
وهذا الانحدار الذي حذّر منه النبي – صلى الله عليه وسلم – كان نتيجةً حتميةً لافتراق الأمة واختلافها، والتقليد الأعمى للأمم الكافرة وسلوك سبيلها، وقد بيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك في قوله : ( والذي نفس محمد بيده، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار ) رواه ابن ماجة ، وقوله : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ) رواه البخاري .
ومما أخبر به كذلك، فتنة الخوارج من بعده وما اتصفوا به من شدّة العبادة والجهل في الدين، حتى أنه وصف أحد قادتهم بأن إحدى يديه مثل ثدي المرأة، فوجده الصحابة رضوان الله عليهم يوم النهروان مقتولاً ، وتفاصيل هذا الخبر مذكورة في مسند الإمام أحمد .
ومن المغيبات - غير ما تقدم- إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن وأشراط الساعة، ويشمل ذلك الحديث عن الرّدة التي ستكون بعده، فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ) رواه الترمذي ، والأخبار عن استمرار الخلافة بعده ثلاثين سنة، وذلك في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملكا بعد ذلك ) رواه الترمذي .
ومن جملة ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – غير ما تقدم، تقارب الزمان، وتوالي الفتن، حتى يصبح القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، وظهور النساء الكاسيات العاريات، وتطاول الحفاة الرعاة في البنيان، وتضييع الناس للأمانة، وتعاملهم بالربا، وإتيانهم للفواحش، واستحلالهم للخمر وتسميتها بغير اسمها، وانتشار قطيعة الرحم وسوء معاملة الجار، وتوالي الحروب، وكثرة الزلازل، وزيادة عدد النساء على الرجال، وادعاء ثلاثين رجلا للنبوة، إلى غير ذلك من العلامات التي وقعت .
فهذه العلامات الصغرى التي جاء الواقع ليصدقها شاهد صدقٍ على أشراط الساعة الأخرى التي لم تقع حتى الآن، مع يقيننا بوقعها وتصديقنا بحصولها، كعودة الجزيرة العربية مروجا وأنهاراً كما كانت من قبل، وخروج الدجال، ونزول المسيح عيسى عليه السلام آخر الزمان، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية .
ومن ذلك أيضا قتال اليهود آخر الزمان حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيتكلم بإذن الله ويقول : " يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله "، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وهبوب ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين، فتخلو الأرض منهم، وتقوم الساعة على شرار الخلق، والأخبار في هذا الباب كثيرةٌ، وقد حرص العلماء على جمعها وتوثيقها لتبقى شاهدةً على نبوّته - صلى الله عليه وسلم -، وصدق حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ يقول :
فإن قال في يومٍ مقالة غائب فتصديقها في صحوة اليوم أو في غد
معاذ بن جبل أعلمهم بالحلال والحرام
عندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبابع الأنصار بيعة العقبة الثانية. كان يجلس بين السبعين الذين يتكوّن منهم وفدهم، شاب مشرق الوجه، رائع النظرة، برّاق الثنايا.. يبهر الأبصار بهوئه وسمته. فاذا تحدّث ازدادت الأبصار انبهارا..!!
ذلك كان معاذ بن جبل رضي الله عنه..
هو اذن رجل من الأنصار، بايع يوم العقبة الثانية، فصار من السابقين الأولين.
ورجل له مثل اسبقيته، ومثل ايمانه ويقينه، لا يتخلف عن رسول الله في مشهد ولا في غزاة. وهكذا صنع معاذ..
على أن آلق مزاياه، وأعظم خصائصه، كان فقهه..
بلغ من الفقه والعلم المدى الذي جعله أهلا لقول الرسول عنه:
" أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل"..
وكان شبيه عمر بن الخطاب في استنارة عقله، وشجاعة ذكائه. سألأه الرسول حين وجهه الى اليمن:
" بما تقضي يا معاذ؟"
فأجابه قائلا: " بكتاب الله"..
قال الرسول: " فان لم تجد في كتاب الله"..؟
"أقضي بسنة رسوله"..
قال الرسول: " فان لم تجد في سنة رسوله"..؟
قال معاذ:" أجتهد رأيي، ولا آلوا"..
فتهلل وجه الرسول وقال:
" الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".
فولاء معاذ لكتاب الله، ولسنة رسوله لا يحجب عقله عن متابعة رؤاه، ولا يحجب عن عقله تلك الحقائق الهائلة المتسرّة، التي تنتظر من يكتشفها ويواجهها.
ولعل هذه القدرة على الاجتهاد، والشجاعة في استعمال الذكاء والعقل، هما اللتان مكنتا معاذا من ثرائه الفقهي الذي فاق به أقرانه واخوانه، صار كما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام " أعلم الناس بالحلال والحرام".
وان الروايات التاريخية لتصوره العقل المضيء الحازم الذي يحسن الفصل في الأمور..
فهذا عائذ الله بن عبدالله يحدثنا انه دخل المسجد يوما مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في أول خلافة عمر..قال:
" فجلست مجلسا فيه بضع وثلاثون، كلهم يذكرون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحلقة شاب شديد الأدمة، حلو المنطق، وضيء، وهو أشبّ القوم سنا، فاذا اشتبه عليهم من الحديث شيء ردّوه اليه فأفتاهم، ولا يحدثهم الا حين يسألونه، ولما قضي مجلسهم دنوت منه وسالته: من أنت يا عبد الله؟ قال: أنا معاذ بن جبل".
وهذا أبو مسلم الخولاني يقول:
" دخلت مسجد حمص فاذا جماعة من الكهول يتوسطهم شاب برّاق الثنايا، صامت لا يتكلم.ز فاذا امترى القوم في شيء توجهوا اليه يسألونه.ز فقلت لجليس لي: من هذا..؟ قال: معاذ بن جبل.. فوقع في نفسي حبه".
وهذا شهر بن حوشب يقول:
" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل، نظروا اليه هيبة له"..
ولقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يستثيره كثيرا..
وكان يقول في بض المواطن التي يستعين بها برأي معاذ وفقهه:
" لولا معاذ بن جبل لهلك عمر"..
ويبدو أن معاذ كان يمتلك عقلا أحسن تدريبه، ومنطقا آسرا مقنعا، ينساب في هدوء واحاطة..
فحيثما نلتقي به من خلال الروايات التاريخية عنه، نجده كما أسلفنا واسط العقد..
فهو دائما جالس والناس حوله.. وهو صموت، لا يتحدث الا على شوق الجالسين الى حديثه..
واذا اختلف الجالسون في أمر، أعادوه الى معاذ لبفصل فيه..
فاذا تكلم، كان كما وصفه أحد معاصريه:
" كأنما يخرج من فمه نور ولؤلؤ"..
ولقد بلغ كل هذه المنزلة في علمه، وفي اجلال المسلمين له، أيام الرسول وبعد مماته، وهو شاب.. فلقد مات معاذ في خلافة عمر ولم يجاوز من العمر ثلاثا وثلاثين سنة..!!
وكان معاذ سمح اليد، والنفس، والخلق..
فلا يسأل عن شيء الا أعطاه جزلان مغتبطا..ولقد ذهب جوده وسخاؤه بكل ماله.
ومات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعاذ باليمن منذ وجهه النبي اليها يعلم المسلمين ويفقههم في الدين..
وفي خلافة أبي بكر رجع معاذ من اليمن، وكان عمر قد علم أن معاذا أثرى.. فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله..!
ولم ينتظر عمر، بل نهض مسرعا الى دار معاذ وألقى عليه مقالته..
كان معاذ ظاهر الكف، طاهر الذمة، ولئن كان قد أثري، فانه لم يكتسب اثما، ولم يقترف شبهة، ومن ثم فقد رفض عرض عمر، وناقشه رأيه..
وتركه عمر وانصرف..
وفي الغداة، كان معاذ يطوي الأرض حثيثا شطر دار عمر..
ولا يكاد يلقاه.. حتى يعنقه ودموعه تسبق كلماته وتقول:
" لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حومة ماء، أخشى على نفسي الغرق.. حتى جئت وخلصتني يا عمر"..
وذهبا معا الى أبي بكر.. وطلب اليه معاذ أن يشاطره ماله، فقال أبو بكر:" لا آخذ منك شيئا"..
فنظر عمر الى معاذ وقال:" الآن حلّ وطاب"..
ما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا، لو علم أنه أخذه بغير حق..
وما كان عمر متجنيا على معاذ بتهمة أو ظن..
وانما هو عصر المثل كان يزخر بقوم يتسابقون الى ذرى الكمال الميسور، فمنهم الطائر المحلق، ومنهم المهرول، ومنهم المقتصد.. ولكنهم جميعا في قافلة الخير سائرون.
**
ويهاجر معاذ الى الشام، حيث يعيش بين أهلها والوافدين عليها معلما وفقيها، فاذا مات أميرها أبو عبيدة الذي كان الصديق الحميم لمعاذ، استخلفه أمير المؤمنين عمر على الشام، ولا يمضي عليه في الامارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه مخبتا منيبا..
وكان عمر رضي الله عنه يقول:
" لو استخلفت معاذ بن جبل، فسألني ربي: لماذا استخلفته؟ لقلت: سمعن نبيك يقول: ان العلماء اذا حضروا ربهم عز وجل ، كان معاذ بين أيديهم"..
والاستخلاف الذي يعنيه عمر هنا، هو الاستخلاف على المسلمين جميعا، لا على بلد أو ولاية..
فلقد سئل عمر قبل موته: لو عهدت الينا..؟ أي اختر خليفتك بنفسك وبايعناك عليه..
لإاجاب قائلا:
" لو كان معاذ بن جبل حيا، ووليته ثم قدمت على ربي عز وجل، فسألني: من ولّيت على أمة محمد، لقلت: ولّيت عليهم معاذ بن جبل، بعد أن سمعت النبي يقول: معاذ بن جبل امام العلماء يوم القيامة".
**
قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوما:
" يا معاذ.. والله اني لأحبك فلا تنس أن تقول في عقب كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"..
أجل اللهم أعنّي.. فقد كان الرسول دائب الالحاح بهذا المعنى العظيم الذي يدرك الناس به أنه لا حول لهم ولا قوة، ولا سند ولا عون الا بالله، ومن الله العلي العظيم..
ولقد حذق معاذ لدرس وأجاد تطبيقه..
لقيه الرسول ذات صباح فسأله:
"كيف أصبحت يامعاذ"..؟؟
قال:
" أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله".
قال النبي:
:ان لكل حق حقيقة، فما حقيقة ايمانك"..؟؟
قال معاذ:
" ما أصبحت قط، الا ظننت أني لا أمسي.. ولا أمسيت مساء الا ظننت أني لا أصبح..
ولا خطوت خطوة الا ظننت أني لا أتبعها غيرها..
وكأني أنظر الى كل امة جاثية تدعى الى كتابها..
وكأني أرى أهل الجنة في الجنة ينعمون..
وأهل النار في النار يعذبون.."
فقال له الرسول:
" عرفت فالزم"..
أجل لقد أسلم معاذ كل نفسه وكل مصيره لله، فلم يعد يبصر شيئا سواه..
ولقد أجاد ابن مسعود وصفه حين قال:
"ان معاذا كان أمّة، قانتا لله حنيفا، ولقد كنا نشبّه معاذا بابراهيم عليه السلام"..
**
وكان معاذ دائب الدعوة الى العلم، والى ذكر الله..
وكان يدعو الناس الى التماس العلم الصحيح النافع ويقول:
" احذروا زيغ الحكيم.. وارفوا الحق بالحق، فان الحق نورا"..!!
وكان يرى العبادة قصدا، وعدلا..
قال له يوما أحد المسلمين: علمني.
قال معاذ: وهل أنت مطيعي اذا علمتك..؟
قال الرجل: اني على طاعتك لحريص..
فقال له معاذ:
" صم وافطر..
وصلّ ونم..
واكتسب ولا تأثم.
ولا تموتنّ الا مسلما..
واياك ودعوة المظلوم"..
وكان يرى العلم معرفة، وعملا فيقول:
" تعلموا ما شئتم أن تتعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم جتى تعملوا"..
وكان يرى الايمان بالله وذكره، استحضارا دائما لعظمته، ومراجعة دائمة لسلوك النفس.
يقول الأسود بن هلال:
" كنا نمشي مع معاذ، فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة"..
ولعل سبب صمته الكثير كان راجعا الى عملية التأمل والتفكر التي لا تهدأ ولا تكف داخل نفسه.. هذا الذي كان كما قال للرسول: لا يخطو خطوة، ويظن أنه سيتبعها بأخرى.. وذلك من فرط استغراقه في ذكره ربه، واستغراقه في محاسبته نفسه..
**
وحان أجل معاذ، ودعي للقاء الله...
وفي سكرات الموت تنطلق عن اللاشعور حقيقة كل حي، وتجري على لسانه ،ان استكاع الحديث، كلمات تلخص أمره وحياته..
وفي تلك اللحظات قال معاذ كلمات عظيمة تكشف عن مؤمن عظيم.
فقد كان يحدق في السماء ويقول مناجيا ربه الرحيم:
" الهم اني كنت أخافك، لكنني اليوم أرجوك، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحبّ الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار.. ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ونيل المزيد من العلم والايمان والطاعة"..
وبسط يمينه كأنه يصافح الموت، وراح في غيبوبته يقول:
" مرحبا بالموت..
حبيب جاء على فاقه"..
وسافر معاذ الى الله...
كم هي عجيبة؟ كم هي محيرة؟ كم هي خطيرة؟ تلك النفس البشرية ؛ لما لها من تأثير على حياة الإنسان و مصيره في حياته وآخرته ، فقد اتفق العلماء على أن النفس حاجز بين القلب و بين الوصول إلى الرب، و لا يمكن أن تصل إلى مرضاة الله إلا بعد تهذيبها … كم هي خطيرة تلك النفس لأن نتيجة صلاحها أو فسادها لا يؤثر فقط على حياة الإنسان و مصيره، بل يؤثر على المجتمع عامة.
فالحاجة إلى بناء النفس أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب وذلك لأن النفس بطبيعتها تميل إلى الشهوات والكسل عن أداء الطاعات، لكن علينا أن نعلم أنه في قمع رغبتها عزها و تمكينها مما تشتهى هوانها ، والعيش عيشان ذا صفو و ذا كدر … فلا تيأس على ما فات و لا تفرح بما هو آت و لا تقلق من الدنيا تجدك راضي النفس، مطمئن الفؤاد.
إن بناء وإصلاح النفس هو مصدر أساسي للتفوق والنجاح، و من المهم أن نعطي هذا المصدر الاهتمام البالغ، سواء كان ذلك في تربية النفس، أو تربية الغير، وتربيتها التربية المثالية التي يريدها الله عز وجل منا ، و لو تأملت في سير الناجحين في الحياة لرأيت أن النجاح في حياتهم كان بمقدار ما كانوا يرسمون لحياتهم من أهداف... فالنفس كالطفل إذا تعودت على شيء لزمته.
أما مفترق الطريق بين الجادين و الهازلين في الحياة، أن الهدف عند أهل الجد بمجرد أن يتحدد يتبعه التفكير والإعداد لكيفية تحقيقه، أما أهل التسويف فما أكثر الأهداف الخيالية التي لا يخطون خطوة واحدة في سبيل تحقيقها.
و النفس قابلة للتغيير، والتغيير له شروط منها:
* النية والعزم.
* معرفة عيوب النفس.
* الاستعانة بالله.
* تعامل مع نفسك بالرفق و المداراة و لا تحملها أكثر من طاقاتها.
* الثبات و المداومة على العبادات و ذكر الله.
و يحتاج تهذيب النفس وتصفيتها من الشوائب وتزينها بمكارم الأخلاق ومحاسن الطباع المرور بمرحلتين: المرحلة الأولى هي التخلي التي يترك فيها الإنسان ما علق فيه من خبائث الطباع ورذائل الأخلاق، والمرحلة الثانية مرحلة التحلي و هي عملية إعادة بناء النفس وتطبيعها بالطباع الفاضلة وتزيينها بمكارم الأخلاق.
مفاتيح بناء النفس:
1. التقرب إلى الله و المداومة على العمل الصالح: التقرب إلى الله بما يحب من الأقوال والأعمال الظاهرة و الباطنة، فكلما زاد حبك لله فإنك تُزيد من ذكره و التقرب إليه، أما المداومة على العمل الصالح فهي تثبت النفس و تساعدها على مواجهة أعباء الحياة و تصرف عنها مكايد الشيطان.
2. تدبر كتاب الله: تدبر كتاب الله و الإقبال عليه من تفسير و علم و عمل له أثره العظيم في إصلاح النفوس وتزكيتها.
3. طلب العلم: طلب العلم هو النشاط الذي يقوم به المتعلم مدفوعاً برغبته الذاتية بهدف تنمية استعداداته وإمكاناته وقدراته مستجيباً لميوله واهتماماته بما يحقق تنمية شخصيته وتكاملها ، والتفاعل الناجح مع مجتمعه عن طريق الاعتماد على نفسه والثقة بقدراته في عملية التعليم والتعلم.
4. مجالسة الصحبة الصالحة: فهم زينة الرخاء وعدة البلاء، يذكرونك إن نسيت و يرشدونك إن جهلت، يأخذون بيدك إن ضعفت و يدعون الله من أجلك ... والحوار معهم له أهمية في بناء النفس والعقل.
5.محاسبة النفس: فلا أحد يشك إنا إلى لله راجعون ، محاسبون على الصغير والكبير، ومادمنا نعلم ذلك فمن العقل أن نحاسب أنفسنا وننمى فيها الشعور بالمسئولية ووزن الأعمال والتصرفات بميزان دقيق.
و أخيرا كن جاداً و قوِّم نفسك، و تأمل مستقبلك، و خطط لنفسك، و ابدأ العمل متوكلا على الله.
تحتاج أحيانا أن تلوم الآخرين ... ولدك... زوجتك ... صديقك ...
لكن دع الملوم يحتفظ بماء وجهه ...
ولنر كيف كانت كل مواقف ومعاملات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم تفيض رفقا.
في يوم من الدهر أقبل ثلاثة شباب متحمسين .. إلى المدينة النبوية ..
كانوا يريدون معرفة كيفية عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ...
سألوا أزواج النبي صلى الله عليه و سلم عن عمله في السر ...
فأخبرتهم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصوم أحياناً ويفطر أحياناً .. وينام بعضاً من الليل ويصلي بعضه ..
فقال بعضهم لبعض : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه ..
ثم اتخذ كل واحد منهم قراراً ..!
فقال أحدهم : أنا لن أتزوج .. أي سأبقى عزباً .. متفرغاً للعبادة ..
وقال الآخر : وأنا سأصوم دائماً .. كل يوم ..
وقال الثالث : وأنا لا أنام الليل .. أي سأقوم الليل كله ..
فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم ما قالوه ..
فقام على منبره .. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
ما بال أقوام !! ( هكذا مبهماً ، لم يقل ما بال فلان وفلان ) ..
ما بال أقوام قالوا : كذا وكذا .. لكني أصلي وأنام .. وأصوم وأفطر .. وأتزوج النساء ..
فمن رغب عن سنتي فليس منى (متفق عليه)
وفي يوم آخر .. لاحظ النبي صلى الله عليه و سلم أن رجالاً من المصلين معه .. يرفعون أبصارهم إلى السماء في أثناء صلاتهم ..
وهذا خطأ فالأصل أن ينظر أحدهم إلى موضع سجوده..
فقال صلى الله عليه و سلم : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ..
فلم ينتهوا عن ذلك واستمروا يفعلونه .. فلم يفضحهم أو يسمهم بأسمائهم .. وإنما قال :
لينتهوا عن ذلك .. (رواه البخارى)
ولعلك تتساءل : لماذا يكره الناس الانتقاد ؟
لأنه يشعرهم بالنقص .. فكل الناس يحبون الكمال ..
إنه شعور الإنسان الدائم بالحاجة إلى اعتباره والاهتمام به ..
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يبايعه على الهجرة .. وقال : إني جئت أبايعك على الهجرة .. وتركت أبوي يبكيان ..
فلم يعنفه صلى الله عليه و سلم .. أو يحقر فِعْله .. أو يصغر عقله .. فالرجل جاء بنية صالحة ويرى أنه فعل الأصلح ..
أشعره صلى الله عليه و سلم أن معالجة الخطأ سهلة فقال له بكل بساطة : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ) في المستدرك وصحح إسناده)
وانتهى الأمر ..
كان صلى الله عليه و سلم يتعامل مع الناس بأساليب تربي فيهم الرغبة في الخير وتشعرهم أنهم إلى الخير أقرب .. حتى وإن وقعوا في أخطاء ..
فعندما يخطئ الانسان عالج خطأه بأسلوب يجعله يشعر أن الفكرة فكرته هو .. ولدك يغيب عن الصلاة في المسجد ..
قل له مثلاً : سعد .. ما تريد تدخل الجنة .. بلى .. إذن حافظ على صلاتك ..
في يوم من الأيام .. وفي خيمة أعرابي في الصحراء ..
جعلت امرأة تتأوه تلد .. وزوجها عند رأسها ينتظر خروج المولود ..
اشتد المخاض بالمرأة حتى انتهت شدتها وولدت ..
لكنها ولدت غلاماً أسود !!
نظر الرجل إلى نفسه .. ونظر إلى امرأته فإذا هما أبيضان .. فعجِبَ كيف صار الغلام أسود !!
أوقع الشيطان في نفسه الوساوس ..
لعل هذا الولد من غيرك !!
لعلها زنى بها رجل أسود فحملت منه !!
لعل ..
اضطرب الرجل وذهب إلى المدينة النبوية .. حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعنده أصحابه ..
فقال : يا رسول الله .. إن امرأتي ولدت على فراشي غلاماً أسود !! وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط !!
نظر النبي صلى الله عليه و سلم إليه .. وكان قادراً على أن يسمعه موعظة حول حسن الظن بالآخرين .. وعدم اتهام امرأته ..
لكنه أراد أن يمارس معه في الحل أسلوباً آخر ..
أراد أن يجعل الرجل يحل مشكلته بنفسه .. فبدأ يضرب له مثلاً يقرب له الجواب ..
فما المثل المناسب له ..؟ هل يضرب له مثلاً بالأشجار ؟ أم بالنخل ؟ أم بالفُرْس والروم ؟
نظر إليه صلى الله عليه و سلم فإذا الرجل عليه آثار البادية .. وإذا هو مضطرب تتزاحم الأفكار في رأسه حول امرأته ..
فقال له صلى الله عليه و سلم : هل لك من إبل ؟
قال : نعم ..
قال : فما ألوانها ؟
قال : حمر ..
قال : فهل فيها أسود ؟
قال : لا ..
قال : فيها أورق ؟
قال : نعم ..
قال : فأنى كان ذلك ؟!
يعني : ما دام أنها كلها حمر ذكوراً وإناثاً .. وليس فيها أي لون آخر .. فكيف ولدت الناقة الحمراء ولداً أورق .. يختلف عن لونها ولون الأب ( الفحل ) ..
فكر الرجل قليلاً .. ثم قال : عسى أن يكون نزعه عرق .. يعني قد يكون من أجداده من هو أورق .. فلا زال الشبه باقياً في السلالة .. فظهر في هذا الولد ..
فقال صلى الله عليه و سلم : فلعل ابنك هذا نزعه عرق(رواه مسلم ، وابن ماجة واللفظ له)
و أخيرا المقصود أن يتدارك الناس أخطائهم و ليس شرطا أن يصححوها أمامك ... فكن كالنحلة تقع على الطيب و تتجاوز الخبيث... و لا تجعل طريقتك فى التعامل مع الأخطاء أكبر من الخطأ نفسه.
الصحابة
ابن الإسلام
سلمان الفارسي
إنه الصحابي الجليل سلمان الفارسي، أو سلمان الخير، أو الباحث عن الحقيقة، وكان -رضي الله عنه- إذا سئل مَنْ أنت؟ قال: أنا ابن الإسلام، من بني آدم، وقد اشتهر بكثرة العبادة، وكثرة مجالسته للنبي (، فلم يفارقه إلا لحاجة، وكان النبي ( يحبه حبًّا شديدًا، وسماه أبو هريرة صاحب الكتابين (يعني الإنجيل والفرقان)، وسمَّاه علي بن أبي طالب لقمان الحكيم، وقد آخى النبي ( بينه وبين أبي الدرداء.
يقول سلمان -رضي الله عنه- عن نفسه: (كنت رجلاً من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ، وكان أبي دُهْقانها (رئيسها)، وكنت من أحب عباد الله إليه، وقد اجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار (ملازمها) الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة.
وكان لأبي ضَيْعَة (أرض)، أرسلني إليها يومًا فخرجت فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعتهم يصلُّون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي: هذا خير من ديننا الذي نحن عليه فما برحتهم (تركتهم) حتى غابت الشمس، ولا ذهبت إلى ضيعة أبي، ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري من يبحث عني، وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم وصلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا: في الشام، وقلت لأبي حين عُدت إليه: إني مررت على قوم يُصلّون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فحاورني وحاورته، ثم جعل في رجلي حديدًا وحبسني.
وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم، وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام أن يخبروني قبل عودتهم إليها؛ لأرحل معهم، وقد فعلوا فحطمت الحديد، وخرجت، وانطلقت معهم إلى الشام، وهناك سألت عن عالمهم فقيل لي: هو الأسقف (رئيس من رؤساء النصارى) صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم وأصلي وأتعلم، وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، إذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعها على الفقراء، ولكنه كان يكتنـزها لنفسه.
فلما مات جاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً على دينهم خيرًا منه، ولا أعظم رغبة في الآخرة وزهدًا في الدنيا، ودأبًا على العبادة، فأحببته حبًّا ما علمت أنني أحببت أحدًا مثله قبله، فلما حضره قدره (الموت)، قلت له: إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، فبم تأمرني؟ وإلى مَنْ توصى بي؟ قال: أي بني، ما أعرف من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلاً بالموصل.
فلما توفي أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، فسألته فدلني على عابد في نصيبين، فأتيته وأخبرته خبري، ثم أقمت معه ما شاء الله أن أقيم، فلما حضرته الوفاة سألته، فأمرني أن ألحق برجل في عمورية من بلاد الروم، فرحلت إليه وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات وغنيمات، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدًا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك (أتى عليك) زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفًا، يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين، فإن استطعت أن تخلص (تذهب) إليه فافعل، وإن له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة، ويقبل الهدية، وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته.
ومرَّ بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم فعلمت أنهم من جزيرة العرب، فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟ قالوا: نعم. واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني وباعوني إلى رجل من يهود، وأقمت عنده حتى قدم عليه يومًا رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصِفَتْ لي.
وأقمت معه أعمل له في نخله، وإني لفي رأس نخلة يومًا، وصاحبي جالس تحتها، إذ أقبل رجل من بني عمه فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة (الأوس والخزرج)، إنهم ليقاصفون (يجتمعون) على رجل بقباء قادم من مكة يزعمون أنه نبي، فوالله ما هو إلا أن قالها حتى أخذتني العُرَوَاءُ (ريح باردة)، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي، ثم نزلت سريعًا أقول ما هذا الخبر؟ فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك، فأقبلت على عملي.
ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله ( بقُباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذُكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به، ثم وضعته، فقال الرسول ( لأصحابه: كلوا باسم الله، وأمسك هو فلم يبسط إليه يدًا، فقلت في نفسي: هذه والله واحدة، إنه لا يأكل الصدقة.
ثم رجعت، وعدت إلى الرسول ( في الغداة أحمل طعامًا، وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يده، فقال لأصحابه: كلوا باسم الله، وأكل معهم، قلت لنفسي: هذه والله الثانية، إنه يأكل الهدية، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان (الشملة: كساء من الصوف) مؤتزرًا بواحدة، ومرتديًا الأخرى، فسلّمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله وأبكي.
ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته كما أحدثكم الآن، ثم أسلمت، وحال الرقُّ بيني وبين شهود (حضور) بدر وأحد، وفي ذات يوم قال الرسول (: (كاتب سيدك حتى يعتقك)، فكاتبته، وأمر الرسول ( الصحابة كي يعاونوني وحرر الله رقبتي، وعشت حُرًّا مسلمًا، وشهدت مع رسول الله ( غزوة الخندق والمشاهد كلها. [أحمد والطبراني].
وكان سلمان هو الذي أشار بحفر الخندق حول المدينة عندما أرادت الأحزاب الهجوم على المدينة، وعندما وصل أهل مكة المدينة، ووجدوا الخندق، قال أبو سفيان: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. ووقف الأنصار يومها يقولون: سلمان منا، ووقف المهاجرون يقولون: بل سلمان منا، وعندها ناداهم الرسول ( قائلاً: (سلمان منا آل البيت) [ابن سعد].
ومما يحكى عن زهده أنه كان أميرًا على المدائن في خلافة الفاروق عمر، وكان عطاؤه من بيت المال خمسة آلاف دينار، لا ينال منه درهمًا واحدًا، ويتصدق به على الفقراء والمحتاجين، ويقول: (أشتري خوصًا بدرهم فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهمًا فيه، وأنفق درهمًا على عيالي، وأتصدق بالثالث، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيتُ) [أبو نعيم].
ويروى أنه كان أميرًا على سرية، فمرَّ عليه فتية من الأعداء وهو يركب حمارًا، ورجلاه تتدليان من عليه، وعليه ثياب بسيطة مهلهلة، فسخروا منه، وقالوا للمسلمين في سخرية وازدراء: هذا أميركم؟ فقيل لسلمان: يا أبا عبد الله ألا ترى هؤلاء وما يقولون؟ فقال سلمان: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.
[ابن سعد].
ومما رُوي في تواضعه أنه كان سائرًا في طريق، فناداه رجل قادم من الشام ليحمل عن متاعه، فحمل سلمان متاع الرجل، وفي الطريق قابل جماعة من الناس فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام، وأسرع أحدهم نحوه ليحمل عنه قائلا: عنك أيها الأمير، فعلم الشامي أنه سلمان الفارسي أمير المدائن، فأَسْقَطَ ما كان في يديه، واقترب ينتزع الحمل، ولكن سلمان هزَّ رأسه رافضًا وهو يقول: لا، حتى أبلغك منزلك. [ابن سعد].
ودخل صاحب له بيته، فإذا هو يعجن فسأله: أين الخادم؟ فقال سلمان: لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.
وحين أراد سلمان بناء بيت له سأل البنَّاء: كيف ستبنيه؟ وكان البنَّاء ذكيًّا يعرف زهد سلمان وورعه، فأجابه قائلاً: لا تخف، إنها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، إذا وقفت فيها أصابت رأسك، وإذا اضطجعت (نمت) فيها أصابت رجلك. فقال له سلمان: نعم، هكذا فاصنع. وتوفي -رضي الله عنه- في خلافة عثمان بن عفان سنة (35هـ).
العفة من أخلاق المسلم:
نشأ يوسف -عليه السلام- محاطًا بعطف أبيه يعقوب، فحسده إخوته، وأخذوه وألقوه في بئر عميقة. وجاءت قافلة إلى البئر، فوجدت يوسف، فأخذته وذهبت به إلى مصر، ليبيعوه في سوق العبيد، فاشتراه عزيز مصر (وزيرها الأكبر)؛ لما رأي فيه من كرم الأصل وجمال الوجه ونبل الطبع، وطلب من امرأته أن تكرمه وتحسن إليه. وكبر يوسف، وصار شابًّا قويًّا جميلا، فأُعجبتْ به امرأة العزيز، ووسوس لها الشيطان أن تعصي الله معه، فانتظرت خروج العزيز وقامت بغلق الأبواب جيدًا، واستعدت وهيأت نفسها، ثم دعت يوسف إلى حجرتها، لكن نبي الله يوسف أجابها بكل عفة وطهارة، قائلا: {معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون} [يوسف: 23]. معاذ الله أن أجيبكِ إلى ما تريدين، وأُنَفِّذ ما تطلبين، وإن كنتِ قد أغلقتِ الأبواب، فإن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
*ذهب ثلاثة رجال في سفر. وفي الطريق، دخلوا غارًا في جبل يبيتون فيه، فسقطت منه صخرة كبيرة سدَّت باب الغار، ولم يستطع الثلاثة أن يحركوا تلك الصخرة الكبيرة، وأيقنوا بالهلاك، وأخذ كل واحد منهم يدعو ربه أن ينجيهم ويُفَرِّجَ عنهم ما هم فيه.
وكان أحد هؤلاء الثلاثة له ابنة عم يحبها حبَّا شديدًا، وكان يدعوها إلى معصية الله، لكنها كانت ترفض، حتى مرت بها أزمة مالية، فجاءته تطلب منه المال، فقال لها: لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك. فتركته المرأة وذهبت إلى مكان آخر تطلب منه مالا، فلم تجد من يعطيها، فاضطرت أن تعود إلى ابن عمها، وعندما اقترب منها، قالت له: اتِّقِ الله، وذكَّرتْه بالعفة والطهارة، وخوفتْه من عقاب الله، فعاد الرجل إلى صوابه ورشده، وأعطاها المال، واستغفر ربه.
ودعا هذا الرجل ربه أن يزيل الصخرة من باب الغار؛ لأن عمله هذا كان خالصًا لوجهه الكريم، فاستجاب الله دعاءه، وتحركت الصخرة، وخرج الثلاثة، ونـجَّاهم الله من الموت في الغار، وكانت العفة من الأخلاق الفاضلة التي أنجت الثلاثة. _[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
*ما هي العفة؟
العفة هي البعد عن الحرام وسؤال الناس.
أنواع العفة:
للعفة أنواع كثيرة، منها:
عفة الجوارح: المسلم يعف يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كل مسلم أن يعف نفسه ويحفظ فرجه حتى يتيسر له الزواج، فقال تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 33].
وحث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج طلبًا للعفة، وأرشد من لا يتيسر له الزواج أن يستعين بالصوم والعبادة، حتى يغضَّ بصره ويحصن فرجه، فقال الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة (أداء حقوق الزوجية) فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء (وقاية). [متفق عليه].
عفة الجسد: المسلم يستر جسده، ويبتعد عن إظهار عوراته؛ فعلى المسلم أن يستر ما بين سرته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب، لأن شيمتها العفة والوقار، وقد قال الله -تبارك وتعالى-: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31]، وقال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا} [الأحزاب: 59].
وحرَّم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبية، وأمر الله المسلمين أن يغضوا أبصارهم، فقال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النـور: 30]. وقال تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن أبصارهن ويحفظن فروجهن}
[النور: 31]. وقال سبحانه: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء: 36].
وفي الحديث القدسي: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلتُه إيمانًا يجد حلاوته في قلبه) [الطبراني والحاكم].
وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة (وهي النظرة التي لا يقصدها الإنسان ولا يتعمدها)، فقال الله صلى الله عليه وسلم: (اصرف بصرك) [أبو داود].
العفة عن أموال الغير: المسلم عفيف عن أموال غيره لا يأخذها بغير حق. وقد دخل على الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أحدُ وزرائه ليلا يعرض عليه أمور الدولة. ولما انتهى الوزير من ذلك، أخذ يسامر الخليفة ويتحدث معه في بعض الأمور الخاصة، فطلب منه عمر الانتظار، وقام فأطفأ المصباح، وأوقد مصباحًا غيره، فتعجب الوزير وقال: يا أمير المؤمنين، إن المصباح الذي أطفأتَه ليس به عيب، فلم فعلتَ ذلك؟ فقال عمر: المصباح الذي أطفأتُه يُوقَدُ بزيتٍ من مال المسلمين.. بحثنا أمور الدولة على ضوئه، فلما انتقلنا إلى أمورنا الخاصة أطفأتُه، وأوقدتُ مصباحًا يوقد بزيتٍ من مالي الخاص. وبهذا يضرب لنا عمر بن عبد العزيز المثل الأعلى في التعفف عن أموال الدولة مهما كانت صغيرة.
كما أن المسلم يتعفف عن مال اليتيم إذا كان يرعاه ويقوم على شئونه، فإن كان غنيَّا فلا يأخذ منه شيئًا، بل ينمِّيه ويحسن إليه طلبًا لمرضاة الله -عز وجل-، يقول تعالى: {ومن كان غنيًا فليستعفف} [النساء: 6].
وقد ضرب لنا الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- مثلا رائعًا في العفة عن أموال الغير حينما هاجر إلى المدينة المنورة، وآخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع -رضي الله عنه-، قال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسَمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجْها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك. أين سوقكم؟ فدلُّوه على سوق بني قَيْنُقاع) [البخاري]. وذهب إلى السوق ليتاجر، ويكسب من عمل يديه.
عفة المأكل والمشرب: المسلم يعف نفسه ويمتنع عن وضع اللقمة الحرام في جوفه، لأن من وضع لقمة حرامًا في فمه لا يتقبل الله منه عبادة أربعين يومًا، وكل لحم نبت من حرام فالنار أولي به، يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: 172].
وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل من الحلال، وبيَّن أن أفضل الطعام هو ما كان من عمل الإنسان، فقال الله صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) [البخاري].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من أمسى كالا (متعبًا) من عمل يديه أمسى مغفورًا له) [الطبراني]. وذلك لأن في الكسب الحلال عزة وشرفًا، وفي الحرام الذل والهوان والنار. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يربو (يزيد أو ينمو) لحم نبت من سُحْتٍ (مال حرام) إلا كانت النار أولى به) [الترمذي].
عفة اللسان: المسلم يعف لسانه عن السب والشتم، فلا يقول إلا طيبًا، ولا يتكلم إلا بخير، والله -تعالى- يصف المسلمين بقوله: {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} [الحج: 24]. ويقول عز وجل عن نوع الكلام الذي يقبله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
ويأمرنا الله -سبحانه- أن نقول الخير دائمًا، فيقول تعالى:{وقولوا للناس حسنًا حٍسًنْا} [البقرة: 83]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يكون المؤمن لعَّانًا) [الترمذي]. ويقول: (ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللَّعَّان ولا الفاحش ولا البذيء) [الترمذي].
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الصدق في الحديث، ونهانا عن الكذب، فقال: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكْتَبَ عند الله صديقًا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا) [متفق عليه].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيَقُلْ خيرًا أو لِيَصْمُتْ) [متفق عليه]. والمسلم لا يتحدث فيما لا يُعنيه. قال الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يُعنيه) [الترمذي وابن ماجه].
التعفف عن سؤال الناس: المسلم يعف نفسه عن سؤال الناس إذا احتاج، فلا يتسول ولا يطلب المال بدون عمل، وقد مدح الله أناسًا من الفقراء لا يسألون الناس لكثرة عفتهم، فقال تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى، ومن يستعففْ يُعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله) [متفق عليه].
فضل العفة:
وإذا التزم المسلم بعفته وطهارته فإن له عظيم الأجر ووافر الثواب عند الله، قال الله صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله)
[متفق عليه]. ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه فيقول: (اللهم إني أسألك الْهُدَى والتُّقَى والعفاف والغنى) [مسلم].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدق فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) [متفق عليه].
وقد أثنى الله -تعالى- على عباده المؤمنين بحفظهم لفروجهم وعفتهم عن الحرام، فقال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}
[المؤمنون: 5-7]. وقال الله صلى الله عليه وسلم: (عِفُّوا عن النساء تَعِفَّ نساؤكم) [الطبراني والحاكم].
الستر
يُحكى أن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- كان له كاتب، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر؛ فقال يومًا لعقبة: إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمر، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم، فقال له عقبة: لا تفعل وعِظْهُمْ. فقال الكاتب: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داعٍ لهم الشرطة ليأخذوهم، فهذا أفضل عقاب لهم. فقال له عقبة: ويحك. لا تفعل؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة) [أبو داود].
*يحكى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جلس بين مجموعة من أصحابه، وفيهم جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- وبينما هم جالسون أخرج أحد الحاضرين ريحًا، وأراد عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ، فقال جرير لعمر: يا أمير المؤمنين، أو يتوضأ القوم جميعًا. فسُرَّ عمر بن الخطاب من رأيه وقال له: رحمك الله. نِعْمَ السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام.
*ما هو الستر؟
الستر هو إخفاء ما يظهر من زلات الناس وعيوبهم.
ستر الله لعباده:
الله -سبحانه- سِتِّير يحب الستر، ويستر عباده في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدنو أحدكم من ربه، فيقول: أعملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره، ثم يقول: إني سترتُ عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله -عز وجل- حَيِي ستِّير، يحب الحياء والستر) [أبوداود والنسائي وأحمد].
أنواع الستر:
الستر له أنواع كثيرة، منها:
ستر العورات: المسلم يستر عورته، ولا يكشفها لأحد لا يحل له أن يراها.
قال الله -تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5-6].
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي وما نذر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك).
فقال السائل: يا نبي الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن استطعتَ أن لا يراها أحد، فلا يرينَّها).
قال السائل: إذا كان أحدنا خاليًا؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق أن يستحيا منه من الناس)
[أبوداود والترمذي وابن ماجه].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة) [مسلم].
أما ما تفعله كثير من النساء اليوم من كشفٍ لعوراتهن، وعدم إخفاء زينتهن، وخروج بلا أدب ولا حشمة، بكل سفور وتبرج، فإنما ذلك إثم كبير، وذنب عظيم، والمسلمة الملتزمة أبعد ما تكون عن ذلك؛ لأنها تصون جسدها وتلتزم بحجابها.
الستر عند الاغتسال: يجب على المسلم إذا أراد أن يغتسل أو يستحم أن يستتر؛ حتى لا يطَّلع على عورته أحد لا يحق له الاطلاع عليها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل استتر عن الناس، ثم اغتسل.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) [أبوداود والنسائي وأحمد].
الستر عند قضاء الحاجة: إذا أراد المسلم أن يقضي حاجته من بول أو غائط (براز)، فعليه أن يقضيها في مكان لا يراه فيه أحد من البشر؛ حتى لا يكون عرضة لأنظار الناس.
وليس من الأدب ما يفعله بعض الصبية من التبول في الطريق، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالقبور فسمع صوت اثنين يعذبان في قبريهما، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) [متفق عليه].
ستر أسرار الزوجية: المسلم يستر ما يدور بينه وبين أهله، فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة، أمرنا الدين الحنيف بكتمانها، وعدَّها الرسول صلى الله عليه وسلم أمانة لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها، وإنما عليه أن يسترها.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفْضِي إلى امرأته، وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها) [مسلم وأبوداود].
ستر الصدقة: المسلم لا يبتغي بصدقته إلا وجه الله -سبحانه-، لذا فهو يسترها ويخفيها حتى لا يراها أحد سوى الله -عز وجل-، وقد قال الله -تعالى-: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274].
كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أَحَدَ السبعة الذين يظلُّهم الله في ظله يوم القيامة رجُلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وقال صلى الله عليه وسلم: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) [الطبراني].
ستر الرؤيا السيئة: إذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها، وليعلم أنها من الله، وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين، أما إذا رأى رؤيا سيئة يكرهها فليتفل عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا، ولا يذكرها لأحد، وليعلم أنها من الشيطان، ولا تضره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله) [متفق عليه].
ستر وساوس الشيطان: إذا تحدث المؤمن في نفسه بشَرٍّ، أو نوى أن يقوم بمعصية، لكنه عاد إلى رشده؛ فإن عليه ألا يذكر ما جال بخاطره وما حدثتْه به نفسه من الشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- تجاوز لأمتي عما حدثتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به) [متفق عليه].
شروط الستر:
إذا أراد المسلم أن يستر أخاه، فإن هناك شروطًا لابد أن يراعيها عند ستره؛ حتى يحقق الستر الغرض المقصود منه، وأهم هذه الشروط:
* أن يكون الستر في موعده المحدد له؛ فيستر المسلم أخاه عند فعله للمعصية وبعدها، بألا يتحدث للناس بأن فلانًا يرتكب المعاصي.
* أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره ولا تضر أحدًا سواه، أما إذا وصل الضرر إلى الناس فهنا يجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة ما يحدث من ضرر.
* أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور بأن يرجع عن معصيته ويتوب إلى الله -تعالى-، أما إذا كان المستور ممن يُصِرُّ على الوقوع في المعصية، وممن يفسد في الأرض، فهنا يجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر ضرر يجعل العاصي يتمادى في المعصية.
* ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور واستغلاله وتعييره بذنوبه.
* ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طلبت، {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283].
* الستر مرهون برد المظالم، فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور عليه في ضياع حق الغير.
فضل الستر:
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ستر العورات؛ فقال: (لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة) [ابن ماجه].
فهكذا يكون الستر في الآخرة نتيجة لما يقوم به المسلم من ستر لأخيه في الدنيا، والثواب يكون في الدنيا أيضًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة) [الترمذي].
والستر ثوابه الجنة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه، إلا أدخله الله بها الجنة) [الطبراني].
المجاهَرة بالمعاصي:
المسلم إذا فعل ذنبًا فإنه يبادر بالتوبة والاستغفار والندم على فعله؛ حتى يعافيه الله ويتوب عليه، أما الذين لا يندمون على ذنوبهم بل إنهم يتباهون بالمعصية، فإن هؤلاء لا يعافيهم الله، وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم المجاهرين، فقال: (كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة، أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) [البخاري].
والذين لا يسترون الناس ويشيعون بينهم الفاحشة، فإن لهم العذاب الأليم من الله تعالى حيث يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور: 19].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته) [ابن ماجه].
فالمسلم دائمًا يتصف بالستر للآخرين اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستـر مسلمًا ستره الله يـوم القيامة) [البخاري].
المصدر: موسوعة الأسرة المسلمة.
<!--<!--<!--<!--
أطفالنا.. بين الحياء والاستهتار |
|
الحياء شعبة من شعب الايمان فهل ربيت طفلك على الحياء؟تشتكي بعض الامهات انها لاحظت تصرفات غريبة ومخلة تصرف بها ابناؤهاالذين لم يتعدوا العشر سنوات من العمرحتى ان الام تكون في حالة صدمةفماذا فعلت كل ام منا لتجنيب طفلها هذة التصرفات مع كل المؤثرات الخارجية التى تدعو الي الفساد؟هناك بعض التصرفات غير الحميدة التي تفعلها بعض الامهات بدون قصد ولكنها تؤثر على اطفالنا الاثر الخطيرفهذة الام تدخل ابنها الحمام في النادي وتخرجه وقد بدت عورته و تبدا فى تلبيسه امام الناسوالاخرى ترتدي من ملابس النوم العارى جدا وتجلس به امام اطفالها الذكور والاناثواب يمر امام ولده من الحجرة الى الحمام وهو عارىهل تظنون ان هذة التصرفات لن تؤثر على ابنائنا؟لانقول هم صغار لا ذنب عليهمنعم لا ذنب عليهم لكن سيعتادون عدم الحياء مما سيؤثر عليم وعلي تصرفاتهم عندما يكبرونومن هنا جمعنا بعض العادات الحميدة التى ينبغى علينا تعويد ابناءنا عليها حتى نحقق احدى شعب الايمانفتفضلى معنا اختي هذة التوصيات:1.من الافضل للام ان تحرص على عورة طفلها الوليد فلا تبدل له حفاضته اما الجميع بل تحاول ستره قدر المستطاع2.ان تعود الام طفلها الذي تعود على الحمام ان لا يخرج من الحمام الابعد ان يرتدي ملابسه الداخلية على الاقل3.ان تساعد الام طفلها أن يستحم بمفرده في سن الرابعة او الخامسة من عمره واذا ارادت مساعدته فى الاستحمام فليلبس لباسه الداخلي4.ان تشجع اطفالها على الاستتار عن بعضهم فلا يروا عورة بعضهم5.تخبر الام طفلها انه لايحق لاحد ان يلمس عورته ايا كان هذا الشخص6.ان لا تبدل الام ملابسها امام طفلها الواعى وتطلب منه غض البصرالمصدر: موقع لك |
<!--[endif] -->
مراتب القراءة أربع وقيل خمس هي:
المرتبة الأولى : التحقيق
وهو القراءة بتؤدة وطمأنينة بقصد التعليم مع تدبر المعاني ومراعاة الأحكام .
المرتبة الثانية : الترتيل
وهو القراءة بتؤدة وطمأنينة لا بقصد التعليم مع تدبر المعاني ومراعاة الأحكام .
المرتبة الثالثة : الحدر
وهو القراءة بسرعة مع مراعاة الأحكام .
المرتبة الرابعة : التدوير
وهو القراءة بحالة متوسطة بين التؤدة والإسراع مع مراعاة الأحكام .
وهذه المراتب متفاوتة في الفضل فقد اختلف العلماء في الأفضلية فقال بعضهم : التؤدة والطمأنينة مع قلة القراءة أكثر ثواباً وهذا مذهب ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وذكر هذا القول غيرهم .
وذهب فريق إلى أن كثرة القراءة مع المحافظة على أحكام التلاوة أفضل وهؤلاء من أصحاب الشافعي ، واحتجوا لذلك بحديث ابن مسعود _ رضي الله عنه ـ أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _قال : "ومن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف "ولقد روي عن زيد بن ثابت _رضي الله عنه _أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ قال : "إن الله يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل "أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ، وقد أمر الله تعالى به نبيه _صلى الله عليه وسلم _ فقال _ عز وجل _ {ورتلا القرآن ترتيلاً } (سورة المزمل الآية :4) ، وفي جامع الترمذي وغيره عن يعلى بن مالك أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فإذا هي تصف قراءته أنها قراءة مفسرة حرفاً حرفاً .
المرتبة الخامسة : الزمزمة
وهو ضرب من الحدر قال : الزمزمة القراءة في النفس خاصة ، ولا بد في هذه الأنواع كلها من التجويد .
<!--<!--<!--
حكم الاستعاذة الندب عند الجمهور ، وقيل : الوجوب استدلالاً بقوله تعالى في سورة النحل {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }(سورة النحل الآية :98)
الحالة الأولى : يكون الجهر مستحباً وذلك عندما يكون القارئ يقرأ جهراً وكان هناك من يستمع إليه .
الحالة الثانية : وتكون في حالة التعليم والمدارسة ويكون هو المبتدئ بالقراءة.
والإسرار بها ويكون في أربعة مواطن
الموطن الأول : ويكون في الصلاة سواء كانت سرية أم جهرية .
الموطن الثاني : إذا كان القارئ يقرأ سراً .
الموطن الثالث: إذا كان القارئ يقرأ في جماعة وليس هو المبتدئ .
الموطن الرابع : إذا كان القارئ خالياً.
للاستعاذة مع البسملة عند أول كل سورة عدا سورة براءة أربعة أوجه.
الوجه الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث هكذا : {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم}
فهذه الأوجه الأربع جائزة عند أول كل سورة _عدا أول سورة براءة _ لأنها لا بسملة في أولها .
أكل مال اليتيم
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }[النساء1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أحبتي في الله :
هذا هو لقاءنا السادس مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال:
(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟
قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .
ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الخامسة في هذا الحديث ألا وهي أكل مال اليتيم ..
ويا لها من كبيرة وقع فيها كثير من الناس نسأل الله السلامة والعافية . ونظراً لخطورة هذا الموضوع وطوله فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية :
أولاً : من هو اليتيم .
ثانياً : مكانة اليتيم في القرآن والسنة وفضل كافله .
ثالثاً : عاقبة من يأكل مال اليتيم .
رابعاً : يُتم رغم وجود الوالدين .
وأخيراً : كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك ؟!
فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .
أولاً : من هو اليتيم ؟
جاء في لسان العرب لابن منظور :
أن اليتيم في الناس من فقد أباه وأن اليتيم في الحيوانات ، والطيور من فقد أمه .
وهذه لطيفه لغوية دقيقة لها مغزى قَلَّ من ينتبه إليها .
وأصل اليُتم في اللغة هو الغفلة وبه سمي اليتيم يتيماً لأنه يُتغَافل عن بره بعد موت أبيه .
وأصله أيضاً الانفراد فكل شيء مفرد بغير نظيره فهو يتيم كما يقال درة يتيمة
أي منفردة.
ثانيا : مكانة اليتيم في القرآن والسنة وفضل كافله .
لقد أولى القرآن الكريم عناية كبيرة باليتيم من الناحية النفسية والتربوية ، ومن الناحية المادية على السواء .
مراعاة لظروفه النفسية بعد فقده لأبيه إذ قد يصيبه شيء من الذل والانكسار والوحشة لا سيما إن كان أبوه ممن امتثل قول الله عز وجل وعلا :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6]
ولقد ظهرت هذه العناية الكريمة باليتيم منذ الفترة الأولى لتنزل الوحي على قلب حبيبه الذي ولد يتيما فكان يُتْمُهُ تشريفاً لكل يتيم !!
فهو اليتيم الذي أعاد البسمة والسعادة لليتامى على ظهر الأرض وها هو ربنا جل وعلا يمتنُّ على حبيبه المصطفى بهذه النعمة والمنة فيقول :
{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى{6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى{7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } [الضحى : 6-8]
أي ولدت يتيما فآواك الله .
وأحاطك بعنايته وحفظه وفضله .
وكنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة والرضي ، ثم أفاض عليك الرزق الطيب الحلال ، وكنت تائها تبحث عن الطريق في بيئة جاحدة ونفوس شاردة ، وهاجرة محرقة فهداك الله وطمأن قلبك وشرح صدرك ، ورفع ذكرك ، ووضع وزرك .
ومن ثم بعد كل هذه النعم والمنن ، وبعد كل هذا الفضل والفيض يأتيه التوجيه الرباني الكريم :
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ{9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ{10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
[الضحى : 9-11]
ومن هذا المنطلق الكريم بالاهتمام بأمر اليتيم .
يأمر الله جل وعلا بالمحافظة على أموال اليتامى ، وعدم تبديدها ، أو تبديلها بالخبيث أو المتاجرة بها فيما حرم الله عز وجل ، فإن هذه الأموال أمانة عند ولي اليتامى سيسأل عنها بين يدي الله جل وعلا . فيقول سبحانه :
{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء:2]
ويقول سبحانه : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأنعام:152]ٍ
وأوجب الله على ولي اليتامى أيضا : ألا يُسْرِف في الإنفاق منها وحذره من المبادرة والإسراع إلى أكلها قبل أن يكبر أصحابها من اليتامى ليأخذوها فإن هذا من أعظم الذنوب والآثام .
وأوجب الله تعالى على ولي اليتامى إن كان غنيا أن يستعفف عن الأكل من أموال اليتامى وإن كان فقيرا فله أن يأكل بالمعروف من غير إسراف ، ولا تبذير وفي أضيق الحدود .
وأوجب الله على ولي اليتامى أيضا أن يرد أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا النكاح ، أو مرحلة الرشد والنضج ، وأصبحوا قادرين على تصريف أمورهم وتدبير شئونهم والمحافظة على أموالهم .
وأمره أن يُشْهِدَ عند دفع هذا المال إبراء للذمة ودرأ للشبهة .
ورأى الشافعية والمالكية أن الأمر هنا للوجوب ورأى الحنفية أن الإشهاد مندوب وليس بواجب .
فقال سبحانه : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } [النساء:6]
ومن الآيات القرآنية التي تؤكد وتُرَسَّخ هذه المعاني قول الله عز وجل : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [الإسراء:34]
ويقول عز وجل : {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء:2]
ويقول عز وجل : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } [النساء:6]
ويا لها من خاتمة جليلة { وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } .
فالله هو الرقيب عليكم الشهيد على أعمالكم ، وأقوالكم وأحوالكم يحاسبكم على ما أظهرتم وما أسررتم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .
وصدق الله إذ يقول :
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47]
ومن بين هذه الآيات القرآنية الكريمة هذه الآية التي تكرم اليتامى أعظم تكريم حيث يربط الله جل وعلا أمر الإحسان إليهم بعد الأمر بتوحيده وعبادته عز وجل . فيقول سبحانه :
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [النساء:36]
ومع أن كل هذه الآيات السابقة تشتمل على اليتيم واليتيمة إلا أن الله جل وعلا قد خص اليتيمة أيضا بهاتين الآيتين زيادة في تأكيد حقها وتوضيحه فيقول سبحانه :
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} النساء3
يقول سبحانه :
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً}النساء127
وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن عروة بن الزبير رضي الله عنه سأل عائشة رضي الله عنها عن الآية الأولى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }النساء3
فقالت عائشة رضي الله عنها : يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد ولُّيها أن يتزوجها بغير أن يُقسطَ في صَداقِها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره .
فنُهوا أن ينكوحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سُنَّتهنَّ في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية ، فأنزل الله (1) : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } [النساء:127]
وفي صحيح البخاري ، ومسلم وغيرهما أن عروة بن الزبير سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي
وهذه لطيفه لغوية دقيقة لها مغزى قَلَّ من ينتبه إليها .
وأصل اليُتم في اللغة هو الغفلة وبه سمي اليتيم يتيماً لأنه يُتغَافل عن بره بعد موت أبيه .
وأصله أيضاً الانفراد فكل شيء مفرد بغير نظيره فهو يتيم كما يقال درة يتيمة
أي منفردة.
ثانيا : مكانة اليتيم في القرآن والسنة وفضل كافله .
لقد أولى القرآن الكريم عناية كبيرة باليتيم من الناحية النفسية والتربوية ، ومن الناحية المادية على السواء .
مراعاة لظروفه النفسية بعد فقده لأبيه إذ قد يصيبه شيء من الذل والانكسار والوحشة لا سيما إن كان أبوه ممن امتثل قول الله عز وجل وعلا :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6]
ولقد ظهرت هذه العناية الكريمة باليتيم منذ الفترة الأولى لتنزل الوحي على قلب حبيبه الذي ولد يتيما فكان يُتْمُهُ تشريفاً لكل يتيم !!
فهو اليتيم الذي أعاد البسمة والسعادة لليتامى على ظهر الأرض وها هو ربنا جل وعلا يمتنُّ على حبيبه المصطفى بهذه النعمة والمنة فيقول :
{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى{6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى{7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } [الضحى : 6-8]
أي ولدت يتيما فآواك الله .
وأحاطك بعنايته وحفظه وفضله .
وكنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة والرضي ، ثم أفاض عليك الرزق الطيب الحلال ، وكنت تائها تبحث عن الطريق في بيئة جاحدة ونفوس شاردة ، وهاجرة محرقة فهداك الله وطمأن قلبك وشرح صدرك ، ورفع ذكرك ، ووضع وزرك .
ومن ثم بعد كل هذه النعم والمنن ، وبعد كل هذا الفضل والفيض يأتيه التوجيه الرباني الكريم :
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ{9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ{10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
[الضحى : 9-11]
ومن هذا المنطلق الكريم بالاهتمام بأمر اليتيم .
يأمر الله جل وعلا بالمحافظة على أموال اليتامى ، وعدم تبديدها ، أو تبديلها بالخبيث أو المتاجرة بها فيما حرم الله عز وجل ، فإن هذه الأموال أمانة عند ولي اليتامى سيسأل عنها بين يدي الله جل وعلا . فيقول سبحانه :
{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء:2]
ويقول سبحانه : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأنعام:152]ٍ
وأوجب الله على ولي اليتامى أيضا : ألا يُسْرِف في الإنفاق منها وحذره من المبادرة والإسراع إلى أكلها قبل أن يكبر أصحابها من اليتامى ليأخذوها فإن هذا من أعظم الذنوب والآثام .
وأوجب الله تعالى على ولي اليتامى إن كان غنيا أن يستعفف عن الأكل من أموال اليتامى وإن كان فقيرا فله أن يأكل بالمعروف من غير إسراف ، ولا تبذير وفي أضيق الحدود .
وأوجب الله على ولي اليتامى أيضا أن يرد أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا النكاح ، أو مرحلة الرشد والنضج ، وأصبحوا قادرين على تصريف أمورهم وتدبير شئونهم والمحافظة على أموالهم .
وأمره أن يُشْهِدَ عند دفع هذا المال إبراء للذمة ودرأ للشبهة .
ورأى الشافعية والمالكية أن الأمر هنا للوجوب ورأى الحنفية أن الإشهاد مندوب وليس بواجب .
فقال سبحانه : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } [النساء:6]
ومن الآيات القرآنية التي تؤكد وتُرَسَّخ هذه المعاني قول الله عز وجل : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [الإسراء:34]
ويقول عز وجل : {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء:2]
ويقول عز وجل : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } [النساء:6]
ويا لها من خاتمة جليلة { وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً } .
فالله هو الرقيب عليكم الشهيد على أعمالكم ، وأقوالكم وأحوالكم يحاسبكم على ما أظهرتم وما أسررتم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .
وصدق الله إذ يقول :
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47]
ومن بين هذه الآيات القرآنية الكريمة هذه الآية التي تكرم اليتامى أعظم تكريم حيث يربط الله جل وعلا أمر الإحسان إليهم بعد الأمر بتوحيده وعبادته عز وجل . فيقول سبحانه :
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [النساء:36]
ومع أن كل هذه الآيات السابقة تشتمل على اليتيم واليتيمة إلا أن الله جل وعلا قد خص اليتيمة أيضا بهاتين الآيتين زيادة في تأكيد حقها وتوضيحه فيقول سبحانه :
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} النساء3
يقول سبحانه :
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً}النساء127
وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن عروة بن الزبير رضي الله عنه سأل عائشة رضي الله عنها عن الآية الأولى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }النساء3
فقالت عائشة رضي الله عنها : يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد ولُّيها أن يتزوجها بغير أن يُقسطَ في صَداقِها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره .
فنُهوا أن ينكوحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سُنَّتهنَّ في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية ، فأنزل الله (1) : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } [النساء:127]
وفي صحيح البخاري ، ومسلم وغيرهما أن عروة بن الزبير سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى...."
فقالت يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن ([1]).
قاتلت عائشة فاستفتى الناس رسول الله بعد ذلك فأنزل الله تعالى : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء ... الآية}
فبين الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال ورغبوا في نكاحها ، ولم يُلحقوها بسُنَّها في إكمال الصداق .
وإذا كانت مرغوبا عنها لقلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء .
وقالت عائشة فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق ، ثم تأتي السنة ليقوم صاحبها r الذي كان يتيماً تشريفاً لكل يتيم ، تأتي هي الأخرى لتكرم اليتيم تكريماً هو من الذروة بمكان .
فوالله لو لم يرد في السنة إلا هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي r قال :
(( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى )) ([2])
لو لم يكن فيها إلا هذا الحديث لكفى
وفي لفظ مسلم : ((كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى)) ([1])، أي حتى وإن كان اليتيم أجنبياً عنه ولقد نقل الحافظ ابن حجر قول ابن بطال :
حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي r في الجنة ، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك([2]).
وفي الحديث الذي رواه أبو يعلي وغيره وقال عنه الحافظ ابن حجر في الفتح : إسناده لا بأس به ، من حديث أبي هريرة عن النبي r قال : (( أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أني أرى امرأة تبادرني [ أي تسرع لتدخل معي الجنة] فأقول لها مالك ، ومن أنت ؟! : فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي )). ([3])
وفي الحديث الذي رواه النسائي بسند جيد من حديث شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه أن النبي r قال : (( اللهم إني أخرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) ([4])
ومعنى أحرج أي ألحق الحرج والإثم الشديد على من ضيع حقهما ، وأكل مالهما فإني أحذر من ذلك تحذيرا بليغا ،<
الحقوق المتعلقة بالتركة
الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة حقوق هي :
الحق الأول : أنه إذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه وهذا هو الحق الأول عند الحنابلة أما عند الائمة الثلاثة فيقدم الحقوق المتعلقة بعين التركة .
لما روى خباب بن الأرت قال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه يوم أحد وليس له إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله ، وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي (ص) :" غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الإذخر" ولأن الميراث إنما انتقل من الورثة لأنه استغنى عنه الميت وفضل عن حاجته والكفن ومؤنة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الإرث، ويعتبر ذلك من رأس المال لأنه حق واجب فاعتبر من رأس المال كالدين.
قال ابن القيم في زاد المعاد :-
سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفن في ثوبيه ، ولا بطيب ، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ، ولا وجهه ، وأخبر أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة يلبي .
وفي هذه القصة اثنا عشر حكماً والذي موضوعنا هنا هو الحكم السابع : أن الكفن مقدم على الميراث ، وعلى الدين ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكفن في ثوبيه ، ولم يسأل عن وراثه ، ولا عن دين عليه . ولو اختلف الحال ، لسأل . وكما أن كسوته في الحياة مقدمة على قضاء دينه ، فكذلك بعد الممات ، هذا كلام الجمهور ،وفيه خلاف شاذ لا يعول عليه .
قال في المغني :فصل : ويجب كفن الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله مقدماً على الدين والوصية والميراث لأن حمزة ومصعب بن عمير رضي الله عنهما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب فكفن فيه ، ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت ولا ينتقل إلى الوارث من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية وكذلك مئونة دفنه وتجهيزه وما لا بد للميت منه
وإن لم يترك الميت شيء : فمئونة تجهيزه على من تلزمه نفقته في حياته لأن ذلك يلزمه في حال حياته فكذلك بعد الموت ، فإن لم يوجد من تلزمه النفقة فمئونة تجهيزه على بيت المال إن كان مسلماً وإن لم يكن هناك بيت مال أو وجد بيت المال وتعذر الأخذ منه فمئونة تجهيزه على من علم بحاله من المسلمين .
مئونة تجهيز الزوجة:-
اختلف الأئمة الأربعة رحمهم الله في مئونة تجهيز الزوجة هل تلزم زوجها أولاً على ثلاثة أقوال :-
القول الأول : عند الإمامين مالك وأحمد أنه لا يلزم الزوج كفن امرأته ولا مئونة تجهيزها بل يكون من مالها سواء كان الزوج موسراً أو معسراً وسواء كانت الزوجة غنية أو فقيرة لأن مالها من حقوق على الزوج انقطع بموتها فالنفقة والكسوة وجبت في النكاح للتمكين من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبهت الأجنبية فيكون تجهيزها لو لم يكن لها مال على من تجب عليه نفقتها لو لم تكن زوجة ( تعامل كأنها غير زوجة ) وتعامل كغيرها من المسلمين إن كانت مسلمة إذا لم يوجد من تجب عليه النفقة .
القول الثاني : عند الإمام أبي حنيفة تجب مئونة تجهيز الزوجة على الزوج مطلقاً سواء كان موسراً أو معسراً .
القول الثالث : عند الإمام الشافعي تجب مئونة تجهيز الزوجة على الزوج إن كان موسراً وإن كان معسراً فلا تلزمه فتخرج مئونة تجهيزها من أصل تركتها لا من حصته . والمعسر من لا يلزمه إلا نفقة المعسرين ويحتمل أن يقال من ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس والموسر على العكس .
ووجه هذا القول : أن العلاقة الزوجية باقية لأنها يرثها ويغسلها ونحو ذلك .
قال في المغني : فصل : وكفن المرأة مئونة دفنها من مالها إن كان لها مال وهذا قول الشافعي و أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي ، وقال بعضهم : يجب على الزوج واختلفوا عن مالك فيه واحتجوا بأن كسوتها ونفقتها واجبة عليه فوجب عليه كفنها كسيد العبد والوالد .ولنا أن النفقة والكسوة تجب في النكاح للتمكن من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولأنها بانت منه بالموت فأشبهت الأجنبية وفارقت المملوك فإن نفقته تجب بحق الملك لا بالانقطاع ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والوالد أحق بدفنه وتوليه . إذا تقرر هذا فإنه إن لم يكن لها مال فعلى من تلزمه نفقتها من الأقارب فإن لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها .
الحق الثاني : الحقوق المتعلقة بعين التركة كالدين الذي به رهن والإرش المتعلق برقبة العبد الجاني وهذا الحق كما ذكرنا يقدمه المالكية والشافعية والحنفية على حق مئونة التجهيز
ووجه ذلك أن هذه الحقوق المتعلقة بعين المال قبل أن يصير تركة والأصل أن كل حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة .
عن سعد الأطول أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه فقال: يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليس لها بينة، قال: فأعطها فإنها محقة". رواه أحمد وابن ماجه".
الحق الثالث : الدين المرسل وهو المطلق الذي لم يتعلق بعين التركة وإنما يتعلق بذمة الميت ولذلك سمي بالمرسل ويتعلق بالتركة كلها وإن لم يستغرقها سواء كان الدين لله كالكفارات والزكاة والحج الواجب أو كان لآدمي كالقرض والثمن والأجرة وغير ذلك .
لقوله عز وجل :" من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:12] ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم على الإرث .
وإن كان الدين أكثر من قيمة التركة ولم تف بدين الله ودين الآدمي فأيهم يقدم دين الله أم دين الآدمي ؟
على ثلاثة أقول :
الأول : يتحاصون على نسبة ديونهم كما يتحاصون في مال المفلس في الحياة سواء كانت الديون لله تعالى أو للآدميين أو مختلفة وهذا قول الحنابلة .
الثاني : يقدم دين الآدمي لبنائه على المشاحة ودين الله على المسامحة . وهذا قول الحنفية والمالكية ويقدم الحنفية دين الصحة الذي للآدمي على دين المرض ودين الصحة هو ما كان ثابتاً بالبينة أو بالإقرار في زمن الصحة حقيقة أو في زمان صحته حكماً وهو ما أقر به في مرضه وعلم ثبوته بطريق المعاينة كالذي يجب بدلاً عن مال ملكه أو استهلكه ودين المرض هو الثابت بإقراره أو فيما هو في حكم المرض كإقرار من خرج للمبارزة أو خرج للقتل قصاصاً .
الثالث : يقدم حق الله على حقوق الآدمي على الصحيح وهذا قول الشافعية
لقوله صلى الله عليه وسلم : (أقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) ( البخاري كتاب الإحصار باب الحج والنذور عن الميت )
وإن كان الدين أكثر من قيمة التركة فقال الوارث أنا أفكها بقيمتها وطالب الغرماء ببيعها ففيه وجهان بناء على القولين فيما يفدي به المولى جناية العبد: أحدهما لا يجب بيعها لأن الظاهر أنها لا تشتري بأكثر من قيمتها وقد بذل الوارث قيمتها فوجب أن تقبل، والثاني يجب بيعها لأنه قد يرغب فيها من يزيد على هذه القيمة فوجب بيعها
الدين المؤجل هل يحل بالموت ؟
على قولين :
الأول : أن الدين يحل بالموت وهو قول الجمهور
الثاني : أن الدين لا يحل بالموت إذا وثقه الورثة وهي الرواية الأظهر عند الإمام أحمد
الحق الرابع : ثم تنفذ وصاياه لقوله عز وجل: " من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:] ولأن الثلث بقي على حكم ملكه ليصرفه في حاجاته فقدم على الميراث كالدين . بشرطين 1 - الوصية أن تكون في الثلث فاقل 2- أن لا تكون لوارث انظر الوصية وسبب تقديم الدين على الوصية هنا
الحق الخامس : ثم تقسم التركة بين الورثة وذلك بعد أن يسدد من التركة الحقوق الأربعة السابقة والأسباب التي يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة رحم وولاء ونكاح لأن الشرع ورد بالإرث بها" من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:12]، وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة والإرث فلا يورث بها لأن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ بقوله عز وجل " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله "[الأنفال:75]
قال ناظم الدرة البيضاء في الفرائض ( الأخضري ) :
ترتيب ما يبدا به في المال تدريه من ( تدوم ) في مقالي
فقوله تدوم : كل حرف يرمز لنوع من أنواع الحقوق وبنفس الترتيب على المذهب المالكي :
التاء : تجهيز الميت .
الدال : الدين بنوعيه المرسل والمتعلق بعين التركة للخلاف في ذلك .
الواو : الوصية .
الميم : الميراث
وفي معنى البيت الظاهر هو الدعاء بطول العمر لمن قرأ الكتاب.
المصدر:جامع فقه الوصية والميراث
فكر واشكر
المعنى : أن تذكر نِعم اللهِ عليك فإذا هي تغْمُرُك منْ فوقِك ومن تحتِ قدميْك ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ صِحَّةٌ في بدنٍ ، أمنٌ في وطن ، غذاءٌ وكساءٌ ، وهواءٌ وماءٌ ، لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ، تملكُ الحياةً وأنت لا تعلمُ ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ عندك عينان ، ولسانٌ وشفتانِ ، ويدانِ ورجلانِ ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تمشي على قدميْك ، وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأنْ تعتمِد على ساقيْك ، وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار الألمُ نوم الكثيرِ؟! وأنْ تملأ معدتك من الطعامِ الشهيِّ وأن تكرع من الماءِ الباردِ وهناك من عُكِّر عليه الطعامُ ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم ، وتأملْ في نظرِك وقدْ سلمت من العمى ، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ ، والمحْ عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ .
أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً ؟! أتحبُّ بيع سمعِك وزن ثهلان فضةَّ ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ ، ولكنك لا تدريْ ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً ، وعندك الخبزُ الدافئُ ، والماءُ الباردُ ، والنومُ الهانئُ ، والعافيةُ الوارفةُ ، تتفكرُ في المفقودِ ولا تشكرُ الموجود، تنزعجُ من خسارةٍ ماليَّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة، وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ ، فكّرْ واشكرْ ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ فكّرْ في نفسك ، وأهلِك ، وبيتك ، وعملِك ، وعافيتِك ، وأصدقائِك ، والدنيا من حولِك ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ﴾ .
*****************************************
فكر واشكر
المعنى : أن تذكر نِعم اللهِ عليك فإذا هي تغْمُرُك منْ فوقِك ومن تحتِ قدميْك ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ صِحَّةٌ في بدنٍ ، أمنٌ في وطن ، غذاءٌ وكساءٌ ، وهواءٌ وماءٌ ، لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ، تملكُ الحياةً وأنت لا تعلمُ ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ عندك عينان ، ولسانٌ وشفتانِ ، ويدانِ ورجلانِ ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تمشي على قدميْك ، وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأنْ تعتمِد على ساقيْك ، وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار الألمُ نوم الكثيرِ؟! وأنْ تملأ معدتك من الطعامِ الشهيِّ وأن تكرع من الماءِ الباردِ وهناك من عُكِّر عليه الطعامُ ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم ، وتأملْ في نظرِك وقدْ سلمت من العمى ، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ ، والمحْ عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ .
أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً ؟! أتحبُّ بيع سمعِك وزن ثهلان فضةَّ ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ ، ولكنك لا تدريْ ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً ، وعندك الخبزُ الدافئُ ، والماءُ الباردُ ، والنومُ الهانئُ ، والعافيةُ الوارفةُ ، تتفكرُ في المفقودِ ولا تشكرُ الموجود، تنزعجُ من خسارةٍ ماليَّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة، وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ ، فكّرْ واشكرْ ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ فكّرْ في نفسك ، وأهلِك ، وبيتك ، وعملِك ، وعافيتِك ، وأصدقائِك ، والدنيا من حولِك ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ﴾ .
*****************************************
فكر واشكر
المعنى : أن تذكر نِعم اللهِ عليك فإذا هي تغْمُرُك منْ فوقِك ومن تحتِ قدميْك ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ صِحَّةٌ في بدنٍ ، أمنٌ في وطن ، غذاءٌ وكساءٌ ، وهواءٌ وماءٌ ، لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ، تملكُ الحياةً وأنت لا تعلمُ ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ عندك عينان ، ولسانٌ وشفتانِ ، ويدانِ ورجلانِ ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تمشي على قدميْك ، وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأنْ تعتمِد على ساقيْك ، وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار الألمُ نوم الكثيرِ؟! وأنْ تملأ معدتك من الطعامِ الشهيِّ وأن تكرع من الماءِ الباردِ وهناك من عُكِّر عليه الطعامُ ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم ، وتأملْ في نظرِك وقدْ سلمت من العمى ، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ ، والمحْ عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ .
أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً ؟! أتحبُّ بيع سمعِك وزن ثهلان فضةَّ ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ ، ولكنك لا تدريْ ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً ، وعندك الخبزُ الدافئُ ، والماءُ الباردُ ، والنومُ الهانئُ ، والعافيةُ الوارفةُ ، تتفكرُ في المفقودِ ولا تشكرُ الموجود، تنزعجُ من خسارةٍ ماليَّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة، وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ ، فكّرْ واشكرْ ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ فكّرْ في نفسك ، وأهلِك ، وبيتك ، وعملِك ، وعافيتِك ، وأصدقائِك ، والدنيا من حولِك ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ﴾ .
*****************************************
بوابة معلمى الغالى
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع