الحقوق المتعلقة بالتركة
الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة حقوق هي :
الحق الأول : أنه إذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه وهذا هو الحق الأول عند الحنابلة أما عند الائمة الثلاثة فيقدم الحقوق المتعلقة بعين التركة .
لما روى خباب بن الأرت قال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه يوم أحد وليس له إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله ، وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي (ص) :" غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الإذخر" ولأن الميراث إنما انتقل من الورثة لأنه استغنى عنه الميت وفضل عن حاجته والكفن ومؤنة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الإرث، ويعتبر ذلك من رأس المال لأنه حق واجب فاعتبر من رأس المال كالدين.
قال ابن القيم في زاد المعاد :-
سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفن في ثوبيه ، ولا بطيب ، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ، ولا وجهه ، وأخبر أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة يلبي .
وفي هذه القصة اثنا عشر حكماً والذي موضوعنا هنا هو الحكم السابع : أن الكفن مقدم على الميراث ، وعلى الدين ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكفن في ثوبيه ، ولم يسأل عن وراثه ، ولا عن دين عليه . ولو اختلف الحال ، لسأل . وكما أن كسوته في الحياة مقدمة على قضاء دينه ، فكذلك بعد الممات ، هذا كلام الجمهور ،وفيه خلاف شاذ لا يعول عليه .
قال في المغني :فصل : ويجب كفن الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله مقدماً على الدين والوصية والميراث لأن حمزة ومصعب بن عمير رضي الله عنهما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب فكفن فيه ، ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت ولا ينتقل إلى الوارث من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية وكذلك مئونة دفنه وتجهيزه وما لا بد للميت منه
وإن لم يترك الميت شيء : فمئونة تجهيزه على من تلزمه نفقته في حياته لأن ذلك يلزمه في حال حياته فكذلك بعد الموت ، فإن لم يوجد من تلزمه النفقة فمئونة تجهيزه على بيت المال إن كان مسلماً وإن لم يكن هناك بيت مال أو وجد بيت المال وتعذر الأخذ منه فمئونة تجهيزه على من علم بحاله من المسلمين .
مئونة تجهيز الزوجة:-
اختلف الأئمة الأربعة رحمهم الله في مئونة تجهيز الزوجة هل تلزم زوجها أولاً على ثلاثة أقوال :-
القول الأول : عند الإمامين مالك وأحمد أنه لا يلزم الزوج كفن امرأته ولا مئونة تجهيزها بل يكون من مالها سواء كان الزوج موسراً أو معسراً وسواء كانت الزوجة غنية أو فقيرة لأن مالها من حقوق على الزوج انقطع بموتها فالنفقة والكسوة وجبت في النكاح للتمكين من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبهت الأجنبية فيكون تجهيزها لو لم يكن لها مال على من تجب عليه نفقتها لو لم تكن زوجة ( تعامل كأنها غير زوجة ) وتعامل كغيرها من المسلمين إن كانت مسلمة إذا لم يوجد من تجب عليه النفقة .
القول الثاني : عند الإمام أبي حنيفة تجب مئونة تجهيز الزوجة على الزوج مطلقاً سواء كان موسراً أو معسراً .
القول الثالث : عند الإمام الشافعي تجب مئونة تجهيز الزوجة على الزوج إن كان موسراً وإن كان معسراً فلا تلزمه فتخرج مئونة تجهيزها من أصل تركتها لا من حصته . والمعسر من لا يلزمه إلا نفقة المعسرين ويحتمل أن يقال من ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس والموسر على العكس .
ووجه هذا القول : أن العلاقة الزوجية باقية لأنها يرثها ويغسلها ونحو ذلك .
قال في المغني : فصل : وكفن المرأة مئونة دفنها من مالها إن كان لها مال وهذا قول الشافعي و أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي ، وقال بعضهم : يجب على الزوج واختلفوا عن مالك فيه واحتجوا بأن كسوتها ونفقتها واجبة عليه فوجب عليه كفنها كسيد العبد والوالد .ولنا أن النفقة والكسوة تجب في النكاح للتمكن من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولأنها بانت منه بالموت فأشبهت الأجنبية وفارقت المملوك فإن نفقته تجب بحق الملك لا بالانقطاع ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والوالد أحق بدفنه وتوليه . إذا تقرر هذا فإنه إن لم يكن لها مال فعلى من تلزمه نفقتها من الأقارب فإن لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها .
الحق الثاني : الحقوق المتعلقة بعين التركة كالدين الذي به رهن والإرش المتعلق برقبة العبد الجاني وهذا الحق كما ذكرنا يقدمه المالكية والشافعية والحنفية على حق مئونة التجهيز
ووجه ذلك أن هذه الحقوق المتعلقة بعين المال قبل أن يصير تركة والأصل أن كل حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة .
عن سعد الأطول أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه فقال: يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليس لها بينة، قال: فأعطها فإنها محقة". رواه أحمد وابن ماجه".
الحق الثالث : الدين المرسل وهو المطلق الذي لم يتعلق بعين التركة وإنما يتعلق بذمة الميت ولذلك سمي بالمرسل ويتعلق بالتركة كلها وإن لم يستغرقها سواء كان الدين لله كالكفارات والزكاة والحج الواجب أو كان لآدمي كالقرض والثمن والأجرة وغير ذلك .
لقوله عز وجل :" من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:12] ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم على الإرث .
وإن كان الدين أكثر من قيمة التركة ولم تف بدين الله ودين الآدمي فأيهم يقدم دين الله أم دين الآدمي ؟
على ثلاثة أقول :
الأول : يتحاصون على نسبة ديونهم كما يتحاصون في مال المفلس في الحياة سواء كانت الديون لله تعالى أو للآدميين أو مختلفة وهذا قول الحنابلة .
الثاني : يقدم دين الآدمي لبنائه على المشاحة ودين الله على المسامحة . وهذا قول الحنفية والمالكية ويقدم الحنفية دين الصحة الذي للآدمي على دين المرض ودين الصحة هو ما كان ثابتاً بالبينة أو بالإقرار في زمن الصحة حقيقة أو في زمان صحته حكماً وهو ما أقر به في مرضه وعلم ثبوته بطريق المعاينة كالذي يجب بدلاً عن مال ملكه أو استهلكه ودين المرض هو الثابت بإقراره أو فيما هو في حكم المرض كإقرار من خرج للمبارزة أو خرج للقتل قصاصاً .
الثالث : يقدم حق الله على حقوق الآدمي على الصحيح وهذا قول الشافعية
لقوله صلى الله عليه وسلم : (أقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) ( البخاري كتاب الإحصار باب الحج والنذور عن الميت )
وإن كان الدين أكثر من قيمة التركة فقال الوارث أنا أفكها بقيمتها وطالب الغرماء ببيعها ففيه وجهان بناء على القولين فيما يفدي به المولى جناية العبد: أحدهما لا يجب بيعها لأن الظاهر أنها لا تشتري بأكثر من قيمتها وقد بذل الوارث قيمتها فوجب أن تقبل، والثاني يجب بيعها لأنه قد يرغب فيها من يزيد على هذه القيمة فوجب بيعها
الدين المؤجل هل يحل بالموت ؟
على قولين :
الأول : أن الدين يحل بالموت وهو قول الجمهور
الثاني : أن الدين لا يحل بالموت إذا وثقه الورثة وهي الرواية الأظهر عند الإمام أحمد
الحق الرابع : ثم تنفذ وصاياه لقوله عز وجل: " من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:] ولأن الثلث بقي على حكم ملكه ليصرفه في حاجاته فقدم على الميراث كالدين . بشرطين 1 - الوصية أن تكون في الثلث فاقل 2- أن لا تكون لوارث انظر الوصية وسبب تقديم الدين على الوصية هنا
الحق الخامس : ثم تقسم التركة بين الورثة وذلك بعد أن يسدد من التركة الحقوق الأربعة السابقة والأسباب التي يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة رحم وولاء ونكاح لأن الشرع ورد بالإرث بها" من بعد وصية يوصي بها أو دين "[النساء:12]، وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة والإرث فلا يورث بها لأن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ بقوله عز وجل " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله "[الأنفال:75]
قال ناظم الدرة البيضاء في الفرائض ( الأخضري ) :
ترتيب ما يبدا به في المال تدريه من ( تدوم ) في مقالي
فقوله تدوم : كل حرف يرمز لنوع من أنواع الحقوق وبنفس الترتيب على المذهب المالكي :
التاء : تجهيز الميت .
الدال : الدين بنوعيه المرسل والمتعلق بعين التركة للخلاف في ذلك .
الواو : الوصية .
الميم : الميراث
وفي معنى البيت الظاهر هو الدعاء بطول العمر لمن قرأ الكتاب.
المصدر:جامع فقه الوصية والميراث
ساحة النقاش