قـريب فـقـدنــاه(<!--)
(أبن العم عبدالله بن محمد الخريف رحمه الله)
هادم اللذات يفرق بيننا وبين من نحب اجتماعه، ففي يوم الخميس 15/10/1423هـ صعدت روح طيب القلب إلى باريها، إنه ابن العم عبد الله بن محمد الخريف الذي آلمنا وأحزننا فراقه وغيابه عنا وعن محبيه، بعد ملازمته الفراش سنوات مضت لهجوم جيوش الشيخوخة وآلامها المتعددة عليه.. فقد عاش ما يقارب التسعين حولاً قضى الجزء الأول منها تحت رعاية والده، أما والدته فقد باكرها الرحيل فحزن على فراقها حزناً مكث في خاطره طويلاً، وأخذ يعمل مع والده وأعمامه في الفلاحة مع دراسته بأحد الكتاب بحريملاء في أوقات فراغه حتى أكمل القرآن الكريم مع حفظ بعض أجزائه.. ولقد تربى في بيت علم وكرم، وكان منزلهم آنذاك مأوى للزوّار ولمن يؤمهم من الأضياف الذين يفضلون استضافة أصحاب الفلاحة والزراعة في حريملاء وما ماثلها من البلدان لتوفر الزاد والطعام لديهم، ولوجود أعلاف لمواشيهم ومطاياهم العابرة صوب الرياض في ذلك الزمن القديم. فإكرام الضيف من سمات أهل القرى والأرياف، وكان ابن العم الراحل – أبو محمد- دائماً في استقبال من يفد إليهم فيكرمهم، ويقوم بخدمتهم خير قيام أثناء غياب والده وغياب أعمامه عن المكان رغم صغر سنه في تلك الحقبة البعيدة، وبعد ما كبر أخذ بأسباب طلب المعيشة فرحل إلى الرياض مدة من الزمن، ثم عاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه حريملاء، ولقد اتصف بالورع والزهد، وطيب المعشر، وحسن التعامل مع أسرته وجيرانه وغيرهم، فهو لين الجانب سمح الخلق، وبعد وفاة والده – رحمه الله- الذي كان يعمل عضواً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحريملاء عام 1383هـ أٌختير خلفاً له في عمله لما يتصف به من خلق كريم، واستقامة ولباقة مع الجميع، فظل عضواً نافعاً في مركز هيئة حريملاء مع قيامه بالأذان في أحد المساجد عدة سنوات متصفاً بالرفق والأناة في عمله .
ولقد أجاد الشاعر حيث قـال :
والـنـفس إن دعـيـت بالعــنــف آبــيـــة |
|
وهي ما أمرت بالرفق تأتمر |
واستمر في هذا العمل حتى تقاعد، فلزم المسجد لمضاعفة العبادة وتلاوة القرآن الكريم، وظل لسانه دائماً رطباً بذكر الله حتى قُبيل وفاته، حيث ضعفت قواه وتعطلت بعض جوارحه:
ومــن عـاش فـي الدنـيـا أخـلـقـت الأيـام |
|
جِدته وخانه ثقتاه: السمعُ والبصرُ |
وعندما اجتمع عليه فقد بصره وضعف سمعه تكدر خاطره مع إيمانه القوي والصبر على أقدار الله، ولسان حاله يردد قول الشاعر الخريمي :
لله عــيــنــي التـي فـجــعــت بــــها |
|
لو أن دهراً بها يواتيني |
فأعقب هذا البيت – بهذين البيتين وينسبان لغير الخريمي :
إذا مــا مــات بعـضـك فـأبـكِ بـعـضــاً |
|
فإن البعض من بعض قريب |
يـمنـيـني الــطـبيــب شــفــاء عـيـنــي |
|
وما غير الإله لها طبيب |
فلما يئس من عدم نجاح العمليات بعينه رضي بما قدره المولى وعاش بقية عمره مرتاح البال خالي الهم حتى انتهت أيام حياته – رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فيسح جناته – وألهم ذريته وجميع أسرته ومحبيه الصبر والسلوان .
{ إنا لله وإنا إليه راجـعـون }..
ولكنها الأقدار(<!--)
(الشاب محمد بن عبدالعزيز البدر رحمه الله)
يَؤوب إلى أوطانه كل غائب |
|
ومحمد) في الغياب ليس يؤوبُ |
في ليلة الخميس 5/12/1423هـ فُجعت أسرة آل بدر وآل عباد بل ومحافظة حريملاء بوفاة الشاب الأستاذ الفاضل محمد بن عبد العزيز البدر هو ونجله الأكبر عبد العزيز إثر حادث مؤلم جداً على طريق صلبوخ في ملتقى طريق سدير القصيم القديم ـ كثير الحوادث ـ مع الطريق العام المؤدى إلى محافظة حريملاء الممتد صوب شقراء وغيرها من البلدان.., حيث اصطدم بسيارة نقل كبيرة اعترضت طريقه وهي خالية من الأنوار الجانبية..! مما تسبب في وفاتهما فوراً ومخلفة إصابات بليغة في زوجته وابنته, وذلك بعد عودتهم من الرياض لشراء بعض ملابس الأطفال وحاجات أيام العيد المعتادة, وكأني به وبأم عبد العزيز قُبيل الحادث المروع بدقائق معدودة يتجولان في بعض محلات بيع الملابس الجاهزة ويتشاوران بهدوء في اختيار الألوان, ومقاسات الأحذية والملابس لطفليهما المصاحبين لهما, ولصغيريهما اللذين أودعا هناك عند جدتهما بحريملاء بعد تقبيلهما وتوديعهما على نية العودة لهما في المساء حاملين ما يفرحهم ويدخل البهجة والسرور, ولكنها الأقدار تجرى فلم تمهلهما , ولم يسعدا بفرحة العيد ولياليه, فكان الوداع وداعاً أبدياً ..!, ولقد عم الحزن في محافظة حريملاء وما جاورها من البلدان, وجميع زملائه وتلامذته بمعهد حريملاء العلمي بل جميع من يعرفه, ومعارفه كُثر لما يتصف به من دماثة الخلق ولين الجانب مع الصغير والكبير. كما انه كان على جانب من التقى والعلم والأدب الجمّ الرفيع, بشوش المحيا طلق الجبين, وندى الكف للمساكين والأيتام وغيرهم من ذوي الحاجات.., ولقد أحدث غيابه المفاجئ فجوة واسعة في المعهد العلمي بحريملاء لما يتصف به من تواضع وحسن تعامل مع التلاميذ وأسرة المعهد عموماً. كما كان باراً بوالدته التي توالت على مهجتها الأحزان بفقد والدها, وبشريك حياتها ورفيق دربها, وبابنها البار محمد وابنه الأكبر ـ كان الله في عونها ـ, ومحتضنا لإخوته الذين فقدوا والدهم على اثر حادث مؤلم وهم صغار في دور الطفولة, ومن مصادفات القدر أن موقع الحادث الذي سبق أن حصل لوالده منذ سنوات هو نفس ذلك الموقع أو ما يقارب منه ـ رحمهما الله جميعاً ـ, فسبحان مقدر الأعمار وكاتب الآجال, وكأني بأبي عبد العزيز قبل وفاته حينما يمر بمسرح حادث والده يتذكره دائماً فتخف قدمه تلقائياً عن ضغط محرك سرعة السيارة خوفاً من المصير المحتوم الذي لا محيد عنه !:
فَهُنّ المنايا أي واد سلكتُه |
|
عليها طريقي أو علىّ طريقها |
فربما كان هاجس الرحيل يُساوِرَهُ فيذكر قول الشاعر:
نروح ونغدو كل يوم وليلة |
|
وعما قليل لا نروح ولا نغدُ |
وللأستاذ نشاطات حميدة معروفة داخل المعهد وخارجه أو في مكتب الدعوة والإرشاد, وإصلاح ذات البين, ومما جدد حزن زملائه عند استئناف الدراسة بعد إجازة عيد الأضحى أنهم لَحَظُوا آخر توقيع له يوم الأربعاء 4/12/1423هـ مُحَاذيا لاسمه بخطه الجميل مستحضرين هذا البيت للأبيوردي :
تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث |
|
وخطها في كتاب يُؤْنِس البصرا |
فلم يملكوا سوى إسبال الدموع والعبرات تختنق حناجرهم أسفاً وحزنا على غيابه وبعده عنهم بعداً لا يرجى إيابه, وستظل صورته وخياله ماثلين في مخيلات طلابه وزملائه ورفاقه أزمانا متتابعة لعمق حبهم له مُرددين هذا البيت في خواطرهم:
يُواجهني في كل وقت خياله |
|
كما كنت ألقاه قديماً ويلقاني |
تغمده الله بواسع رحمته والهم ذويه وذريته الصبر والسلوان {إنا لله وإنا إليه راجعون}
حبيب فقدناه(<!--)
(الشيخ عبد الله بن محمد بن الشيخ عبدالله بن عبداللطيف
آل الشيخ رحمه الله)
قال الله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)، ويقول الشاعر داعياً لراحل مضى لسبيله:
يا غائباً في الثرى تبلى محاسنه |
|
الله يوليك غفراناً وإحسانا |
ما أكثر فجائع الأيام وأحزانها المتعاقبة، فكل يوم نودع قريبا أو صديقا إلى دار البقاء، فذلك كله من سنن الحياة وتقدير الآجال، فقد كتب الموت على جميع الخلائق ويبقى وجه ربنا ذو الجلال والإكرام. ففي غرة ربيع الثاني 1424هـ رحل زميلنا الكريم، زميل الدراسة بدار التوحيد، الشيخ عبدالله بن محمد بن الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ الذي تخرج منها عام 1371هـ بعد حياة حافلة بالسمعة الحسنة وبالأعمال الجليلة المشرفة، والواقع أن رحيله وغيابه عنا محزن وموجع جداً يدق هضاب القلوب، ويهز أركان النفوس، ولكن الله وعد الصابرين بالأجر والثواب والعزاء في ذلك كله انه نشأ في طاعة الله محباً للخير وأهله، ومخلصاً في الأعمال العديدة التي قد أسندت إليه حتى انتهت مهمته الوظيفية بها.
وأحسن الحالات حال امرئ |
|
تطيب بعد الموت أخباره |
يفنى ويبقى ذكره بعده |
|
إذا خلت من شخصه داره |
ولقد كان لي معه ذكريات جميلة لا تبرح خاطري أثناء دراستنا بالطائف، وما يتخلل تلك الأيام المشرقة من رحلات طلابية معه، ومع نخبة من الزملاء أمثال صديقنا وزميله الخاص الذي يقضي جل أوقاته معه الأستاذ حسن بن عبد الله آل الشيخ ـ أبو عبد الرحمن ـ الذي رحل إلى دار المقام في آخر أيام اختباره بكلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1375هـ، وقد حزن الجميع على فراقه ورحيله ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ كما يتخلل تلك الرحلات الجميلة مسامرات أدبية ومساجلات شعرية وفي النهار مزاولة القنص فالشيخ عبدالله من هواة الصيد، صيد الطيور وخاصة طير الحبارى التي نجدها بكثرة في الجانب الشرقي الجنوبي من شعيب عشيرة آنذاك، وكنا نجد في ذلك متعا لذيذة لا يساويها شيء من متع الحياة، وكان طيب المعشر لين العريكة بشوش المحيا، حبيب إلى الزوار غشيان بيته، يدعونا إلى منزله لتناول القهوة والطعام بين حين وآخر، فرحمك الله يا أبا صالح، ولقد أجاد العلامة عبد الرحمن بن إسماعيل الخولاني في رثاء شيخه حيث يقول:
حجبت عنا وما الدنيا بمظهرة |
|
شخصاً وان جل إلا عاد محجوباً |
كذلك الموت لايبقي على احد |
|
ـ مدى الليالي ـ من الأحباب محبوباً |
وقد خلف وراءه ذرية صالحة تدعوا له وتجدد ذكره بالإعمال الخيرية وإسداء الجميل لمستحقيه، وهم الآن يعملون بإخلاص في ميادين الحياة خدمة للوطن وأهله، تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وجميع أسرته ومحبيه الصبر والسلوان . (إنا لله وإنا إليه راجعون).
مـع الأبـرار يا خـادم القـران (<!--)
(الشيخ عبدالرحمن بن عبد الله الفريان رحمه الله)
وكـل مقــيـم فــي الحـيــاة وعـيشـــها |
|
فلاشك يوماً أنه سوف يشخصُ |
في صباح يوم الخميس 7/7/1424هـ هاتفني بعض محبي فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبد الله الفريان قائلاً: الشيخ التقي قد لبى داعي المولى إلى دار البقاء، فلم أملك سوى الدعاء له من قلبي بأن يتغمده الباري بواسع رحمته جزاء ما قدم طيلة عمره المديد الحافل بالعلم النافع، والنصح والإرشاد لسائر المسلمين وتذكيرهم بأيام الله، ولقد وهب نفسه ووقته خدمة لدين الله ونشر فضائل العلم والتوجيهات عبر المنابر والمحافل في كثير من المدن والأرياف والهجر في معظم جوانب المملكة المترامية الأطراف ابتغاء مرضاة الله، وباهتمامه بتربية النشء تربية إسلامية سمحة لا غلو فيها ولا تفريط، فقد تبنى الإشراف والرئاسة لمدارس تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الوسطى، وبدعم كبير من حكومتنا الرشيدة السخية لعلمهم أن القرآن الكريم حينما يسكن صدور الناشئة (بنين وبنات) يُضيئها ويمنحها الخشية والطمأنينة والبعد عن العنف، وعن الإساءة للغير، فحامل القرآن تلمح على محياه البشر والبشاشة، ولين الجانب، والإعراض عما يشين سمعته وسمعة بلاده، والاتصاف بهذه السمات الحميدة، شجّع الكثير من أولياء الأمور على إلحاق بنيهم بتلك المدارس والجمعيات المباركة التي خرجت مئات الأفواج من المقرئين ومن حفظة كتاب الله العزيز، الذي أصبح الكثير منهم أئمة للمساجد سواء أبناء الوطن أو أبناء الوافدين من سائر الأقطار الإسلامية، فالمستفيد من أولئك حينما يعود إلى بلاده يعود بأجمل الذكريات وأحلاها عن هذا الوطن وأهله الذي احتضنهم وغذاهم برحيق القرآن الكريم، وبصافي العقيدة السمحة والسنة المطهرة ذاكرين توجيهات ونصح من رعاهم وشجعهم على النهل من رضاب العلم الخالص (شيخنا عبد الرحمن رحمه الله) مما جعلهم مميزين على سواهم بالصفات الحميدة والسكينة:
فـعــاجــوا فأثـنــوا بـالـذي أنـــت أهــلـه |
|
ولو سكتوا أثنت عليك (الملامحُ)..! |
نعم رحل الشيخ عنا وعن تلك البراعم التي كان يرعاها ويدفعها ـ مشجعاً ـ إلى بر الأمان وميادين السعادة والفلاح. ولقد خيّم الحزن على أجوائهم وآلمهم فراقه ورحيله الطويل الأبدي.. كما ظهر الألم على الجميع عند الصلاة عليه بالجامع الذي غصّ بالمصلين وبساحاته الفسيحة وتدافعهم عند حمله على الأكتاف صوب مثواه بين الراحلين:
مُـجــاور قـــوم لا تـــزاور بــيـنــهـم |
|
ومن زارهم في دارهم زار همدا |
كان ـ رحمه الله ـ أباً للصغير، وأخاً للكبير عطوفاً على الفقراء والأيتام، والعزاء في ذلك كله أن خلفه ابنه البار الشيخ عبد الله ممسكاً بالراية التي كان يحملها والده الراحل ـ راية القرآن الحكيم، والسنة المحمدية ـ فهو خير خلف لخير سلف.
كما عُرِف عنه رحمه الله التفاني في مساعدة المحتاجين أو من لهم ظروف تحتاج إلى شفاعة لدى ولاة الأمور ومحبي بذل الخير من المحسنين، مستحضراً قول الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} [النساء: الآية 85]، فشفاعته لا ترد أبداً. ومن كانت هذه صفته أحبه الناس، وانطبق عليه وعلى أمثاله من العلماء الأفاضل قول الشاعر العربي:
جــمـال ذي الأرض كــانـوا في الحـيـاة وهـم |
|
بعد الممات جمال الكتب والسير |
وكان لي شرف التعرف عليه عندما قدمت من حريملاء لتلقي مبادئ العلم على يد سماحة مفتي الديار السعودية – آنذاك- الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمهما الله جميعاً ـ عامي 1369-1370هـ في مسجده بدخنة وفي منزله المجاور للمسجد.. قبل ذهابي إلى دار التوحيد بالطائف.. فعرفت فيه حب اقتناص العلم مع لين الجانب، وملازمته حضور الدروس في المواد المتوالية.. راجين له المغفرة والدرجة العالية، وطيب الإقامة في جدثه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مردداً هذا البيت:
خـتـمـتُ عــلى ودادك فـــي ضـمـيــري |
|
وليس يزال مختوماً هناكا |
كما أرجو المولى أن يلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان..
{ إنا لله وإنا إليه راجعـون }.
رحمـك الله أبا سـلطان(<!--)
(الشيخ محمد بن صالح بن سلطان رحمه الله)
مضــى غيـــر مــذمـــوم وأصـبح ذكــره |
|
حلي القوافي بين راث ومادح |
فجعت محافظة حريملاء والوطن بوفاة ابن بار وعلم بارز من أفذاذ الرجال، إنه الشيخ الفاضل محمد بن صالح بن سلطان الذي تزامن غيابه عن الدنيا مع غروب شمس يوم الجمعة الموافق 15/7/1424هـ فهما كوكبان فضائي يعاود إضاءة هذا الكون العريض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكوكب أرضي أفل ولن يعود أبداً، وكان ينفح من حوله كرماً وعطاءً.
ولقد طبع الشيخ منذ فجر حياته على البذل السخي في أوجه البر والإحسان وصلة الرحم، وبعدما أفأ الله عليه من المال الوفير زاد بذلاً ملتمساً أسنى الطرق وأجداها نفعاً له، ففي عام 1382هـ عندما علم بحاجة أهالي حريملاء إلى مد شبكة مياه للشرب ولعلمه بجزيل أجر ذلك المشروع، اشترى ملكاً عالي الثمن وحفر به بئراً ومد الشبكة لكل منزل واستمر ذلك العطاء أكثر من خمسة وثلاثين عاماً بدون انقطاع رجاء المثوبة من المولى، وبعد اتساع المدينة وترامي أطرافها بالحي الجديد قام بحفر بئر أخرى وتشييد خزان لسقيا الحي الجديد، ثم تولت البلدية مدة شبكة جديدة شملت جميع أرجاء حريملاء.
وفي عام 1400-1401هـ نمى في نفسه حب التزود من أعمال الخير والبذل فلم ير أفضل من خدمة كتاب الله العزيز وتنوير صدور الناشئة من أضوائه، وسقايتهم من رحيقه المختوم حيث شيّد مبنى ضخماً أسماه (المدرسة الصالحية لتحفيظ القرآن الكريم بحريملاء)، وفي عام 1408هـ فتح مدرسة للبنات تتكون من طابقين وصالات واسعة مع تأمين حافلات لنقل الطلاب والطالبات، وخصص مكافآت شهرية لكلا الجنسين ترغيباً لهم في حفظ كلام الله.
وأعد لذلك ميزانية ضخمة تقدر بالملايين سنوياً (تتراوح ما بين ستة إلى سبعة مليون ريال) فأتت ثمارها وخرجت عشرات الأفواج من حفظة القرآن الكريم حتى إن عدداً منهم أصبح يدرس مادة القرآن في هذين الصرحين وفي المدارس الأخرى التابعة لوزارة التربية والتعليم، وفي أواخر كل عام يعد حفلاً كبيراً لتكريم المتفوقين والحافظين، فالحافظ لكامل القرآن يمنح مكافأة قدرها ستة آلاف ريال مع جوائز أخرى لهم ولأولياء أمورهم، وتتفاوت جوائز بقية المتفوقين حسب عدد حفظ الأجزاء ، يسلم أبو سلطان بيده الندية لكل متفوق نصيبه مع شكره ودعائه لهم بالصلاح، ولك أن تتصور فرحة تلك البراعم وهم يتدافعون فرحاً على تلك المنصة ليتسلموا تلك الجوائز على مشهد من زملائهم والحضور وذهابهم إلى أهليهم فرحين مسرورين وداعين الله لأبي سلطان بأن يمد في عمره ويضاعف له الأجر عند ملاقاته.
وللبنات مثل هذا الحفل والتكريم يقام على شرف حرمه أم سلطان، وإدارة ابنته جواهر المشرفة على المدارس بحريملاء والرياض معاً، وتقدر جوائز البنات بمليون ريال سنوياً فهن أكثر تفوقاً على البنين دائماً، وضماناً لاستمرار هذا العطاء يقول أبو سلطان قبل وفاته بعامين أنه قد أوقف من خالص ماله عدداً كبيراً من العقارات والفلل يصرف ريعها على المدارس الصالحية والمدارس الأخرى خارج مدينة حريملاء ليطمئن على استمرارها حينما يرحل بعيداً عنها تحت الثرى، ولسان حال جميع من أسدى إليهم شيئاً من الحسنات يردد هذا البيت قائلاً:
ســتـلـقى الـذي قــدمـــت للـنـفس حـاضــراً |
|
فأنت بما تأتي من الخير أسعد |
كما أنه كان لا يفوته يوم فيه شرف حيث يبادر في الاشتراك في تأسيس الجمعيات الخيرية ورعاية الأيتام التي يرأسها أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، ويدعمها دعماً قوياً باستمرار، كما تبرع بقطع كبيرة جداً من الأراضي تقدر بعشرات الألوف من الأمتار لتقام عليها مشروعات خيرية.
فأفضاله كثيرة لا تحصى، كما أنه يدعم مشروعات حريملاء الخيرية والأهلية بمال كثر يصعب حصره، ويسدد قيمة فواتير الكهرباء لكثير من المحتاجين هناك كما قام بتوسعة الجامع القديم وبنائه على حسابه الخاص إلى جانب مصلى العيد بالحي القديم، ولقد عاش منذ صغره محترماً ومحبوباً لدى مجتمعه الكبير ولدى ولاة الأمور فهو محل الثقة والإكبار فلقد تقلب في عدد من الوظائف مبكراً وتسنم المناصب العالية، منها عمله وكيلاً لوزارة الدفاع والطيران وقت الأمير الراحل منصور بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ واستمر طويلاً مع صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد العزيز، وكان على جانب كبير من الثقافة والدراية والحنكة له أسلوب مميز يتسم بحسن السبك مع السهولة والترسل وانتقاؤه العبارات الجزلة أثناء الحديث والارتجال فوق المنصات والمنابر، ويحب حضور المنتديات الأدبية والشعرية، أذكر أنه كان لا يفوته حضور نادينا الأدبي بدار التوحيد عامي 1371-1372هـ هو وأمير الطائف الراحل عبدالعزيز بن فهد المعمر ومساعده ناصر المعمر ـ رحمهم الله جميعاً ـ كما أن الشيخ قد ترأس المجلس البلدي بالرياض عدة سنوات وترأس عدداً من الشركات والمؤسسات والجمعيات الأخرى فهو عضو بارز في جميع المحافل والمنتديات:
ولــيـس عــلــى الله بـمــســتنــكــر |
|
أن يجــمـــــع العـالم فــي واحــــد |
وقد نال وسام الملك عبد العزيز (طيّب الله ثراه) من الدرجة الأولى وفي أثناء إعداد حفل تكريمه في محافظة حريملاء عاجله المرض فأدخل المستشفى ونرجو أن يكون تكريمه عند المولى جزاء ما قدمه ولئن بعد شخصه عنا وعن محبيه فإن ذكره العطر سيمكث في خواطرنا مدى الأيام، والعزاء في ذلك كله أنه خلف ذرية صالحة بنين وبنات على درجة كبيرة من الوعي وإدراك الأمور جديرة بأن تحرص على تنفيذ ما أومأ إليه والدهم من تواصل العطاء في أوجه الخير وإكرام قاصدهم لئلا يقال : (ولابد يوماً أن يهجر الباب حاجبه).
رحمك الله أبـا سـلطان وأسـكنـك عالي جناته، وألهم ذويـك وذريتك ومحبيك الصبر والسلوان ..
{ إنا لله وإنا إليه راجعـون } ...
وغاب طيب المعشر(<!--)
(محمد بن عمر بن عبدالرزاق رحمه الله)
يا راقد الليل مَسروراً بأوله |
|
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا |
بعد الإفطار من صيام يوم عرفة لهذا العام 1424هـ اجتمعت أسرة آل عبد الرزاق بنين وبنات في منزل والدهم الأخ الكريم/ محمد بن عمر بن عبد الرزاق في جو عائلي تحفه أجنحة الفرح والمسرات بحلول عيد الأضحى المبارك، وقد جرى بينهم في تلك الليلة تبادل أطراف الأحاديث الودََّية، وتَذَكُّرِ أُمسيات أعياد السنين المواضي وما يجري فيها من تبادل الزيارات بين الأسر والجيران..، والتخطيط لقضاء بعض أيام العيد في ربوع حريملاء، وفي شعيبها الرحب الحافل بكثير من الغابات وبالمساحات الخضراء الشاسعة التي تغطي جُزءًا كبيرا من الأراضي والأودية، وسفوح الجبال والآكام، واستمرت تلك الجلسة العائلية إلى قبيل منتصف الليل، ثم انصرف كل من الأبناء والبنات إلى مضاجعهم غير والدتهم زوجته الوفية أم عمر فإنها ظلت بجانبه تداعبه وتحاول إدخال السرور عليه حيث لمحت على محياه آثار الشحوب والإعياء فظلت تسليه علّه يخلد إلى النوم رغم ما تعانيه هي من بعض الأمراض المزمنة مؤثرةً إياه على نفسها، وهو لا يقل شفقة عنها فهو يبادلها بما يؤنسها ويفرحها، ولم يعلما ما تضمره الأيام والأقدار وأن هذه الليلة هي آخر لقاء ودٍ بينهما ثم تفرقً إلى الأبد بعد اجتماع وطول زمان ساده الود والاحترام. وما هي إلا سويعات قلائل حتى لاحت بوادر وعلامات قدوم شعوب مفرق الأحباب و الجماعات فاتصل هو بالهلال الأحمر على عجل علّه يجد سببا يدفع عنه ما تراءى له..، فحضر الطبيب إليه ولكن القدر المحتوم عاجله.. قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) فقد وقع هذا الخبر المفاجئ المحزن في نفوس أبنائه ومحبيه كالصاعقة القوية المدوية في حنايا الضلوع، فكانت تلك ليلة أولها سرور وآخرها حزن طويل وبمثابة التوديع النهائي له، فخيم الحزن على ذلك البيت الحبيب إلى الزوار غشيانه، ثم توالت جموع المعزين والمواسين فيه بعد الصلاة عليه و دفنه بمقابر محافظة حريملاء بجانب صديقه الوفي عبد الله بن سعد الجوهر الذي سبقه منذ ستة أيام إلى مضاجع الراحلين، وقد سبق أن عزانا في هذا الصديق، ولم يدر بخلده أن شعوبا سيرقده محاذيا لجدثه (رحمهما الله جمعاً)، والواقع أن أبا عمر يُعد من الرجال الأوفياء المخلصين المحافظين على توطيد عُرى المحبة والتواصل بين الأسر والأصدقاء والمعارف، فهو كثير الاتصال بأصدقائه وزملائه بين الحين والآخر على فترات متقاربة. ولا ينس التهاني في مواسم الأعياد، والمواسات لمن تمر بهم فجائع الأيام والليالي، ولا تزال ترنُّ في أُذني كلماته الختامية لكل محادثاته الحبيبة إلى قلبي بقوله " فيه عازة فيه حاجة " وهو مشهور بالكرم والسخاء، وإقراض ذوي الحاجات..، فلا أملك في تلك اللحظات سوى شكره والدعاء له بأن يصلح الله عقبه ويسعده في كلا الدارين، ولقد اكتسب كثيرا من أسباب الحنكة والصفات الحميدة من بيئته الاجتماعية، والإقليمية، وملازمته أفذاذ الرجال كأمثال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن العدوان ـ رحمه الله ـ الذي كان يعمل ممثلاً للحكومة لدى شركة أرامكو بالمنطقة الشرقية. ومسئولا عن الأشياء المالية والجمارك هناك..، وقد تربى كاتباً خاصا في مدرسة بن عدوان وتحت إشرافه، وبجانب الشيخ الراحل حمد بن على المبارك الموصوف بدماثة الخلق والأدب الجم الرفيع فكل هذه العوامل أكسبت الأخ محمد بن عمر أشياء كثيرة من المعرفة وتقدير بني الإنسان، كما أنه قد انتقل مع معالي الشيخ عبد الله حينما عين وزيراً للمالية بالرياض واستمر في عمله حتى عام 1405هـ حيث طلب الإحالة على التقاعد مبكرا ليتفرغ وليكن بجانب والدته أثناء مرضها لأكثر من ثمانية شهور حتى أنزلها في جدثها آسفا على فراقها. وكان في أثناء عمله يساعد الغير ويسهل أمورهم فيما يقدر عليه طِيلَةَ مكثه في الأعمال الحكومية سواء بالمنطقة الشرقية أو الوسطى . ولذا كان محل تقدير ومحبة لرؤسائه وزملائه ومعارفه، وجميع من أسدى إليه معروفا..، فحياته كلها حياة عز وسعادة ومحبة..، وكان لسان حال كل من أسدى إليه معروفا أو حفاوة ودٍ يُردد هذا البيت قائلا:
هذا ثنائي بما أوليتَ من حسن نشرت فى 30 سبتمبر 2013
بواسطة mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »
أقسام الموقعابحثتسجيل الدخولعدد زيارات الموقع
30,356
|