الشيخ الجاسر إلى رحمه الله(<!--)
(الشيخ عبدالرحمن بن عثمان الجاسر رحمه الله)
قال تعالى : {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعـون} [سورة البقرة : الآية 156].
في يوم الاثنين 8 من شعبان 1423هـ ودعت مدينة الدلم علماً من علمائها الأفاضل هو الشيخ عبد الرحمن بن عثمان الجاسر إمام الجامع الكبير بالدلم ومدير المعهد العلمي بالدلم ـ سابقا ـ بعد معاناة مع المرض فقد ظل وقتاً طويلاً متنقلاً بين مستشفى القوات المسلحة وبيته، وكنت أثناء مرضه أتصل به عبر الهاتف وأزوره أحياناً على فترات متباعدة للاطمئنان على صحته، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
فــإن كــانـت الأجســـام مــنــا تبــاعـدت |
|
فإن المدى بين القلوب قريب |
وحينما نسأله عن حاله يُبدي تجلده ورضاه بما قدّره الخالق محتسباً الأجر والمثوبة عند الله غير متضجّر، ولا متسخِّط راجياً اللطف به وحسن الختام، وعندما اتصلت بأحد الأصدقاء المجاورين له بالدلم للسؤال عنه، أفاد والحزن بادٍ عليه بأن الشيخ عبد الرحمن قد رحل إلى الدار الباقية مأسوفاً على فراقه وغيابه، وقد ضاق المسجد الجامع الكبير الذي كان يؤمه وساحاته بالمصلين الذين توافدوا من جميع أنحاء منطقة الخرج والمحافظات الأخرى.. ومن مدينة الرياض وفدت جموع غفيرة من تلاميذه ومحبيه، وقد ضجّوا جميعاً بالدعاء والمغفرة له ونور الجدث، فخيم الحزن على أجواء تلك المنطقة رجالاً ونساءً لما له من مكانة عالية في نفوسهم، وكنت قد سعدت بالتعرف عليه وبصداقته منذ بداية عام 1373هـ بعد عودتي من دار التوحيد بالطائف لمواصلة الدراسة الثانوية بالمعهد العلمي بالرياض ثم بكلية اللغة العربية.. حيث ضمنا أحد القصور بمحلة (جبرة) جنوب دخنة بالرياض التي أمر جلالة الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ بتهيئتها لطلاب العلم المغتربين عن أهلهم مع تخصيص مكافآت سخية لهم، وقد خُصص لكل ثلاثة أو أربعة من الطلاب غرفة ليسكنوا فيها، وكان ـ رحمه الله ـ خير معين لنا بإبداء النصح والإرشاد والمحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها وحسن التعامل مع الغير، واستغلال سـاعات الفـراغ في استذكار الدروس والعلوم النافعة، ممّا أضفى على ذلك المسكن جواً من التآلف والتحابّ فيما بيننا كأسرة واحدة، والتخفيف من وحشة الغربة وفراق الأهل، .. ولنا معه ذكريات جميلة باقية في نفوسنا مدى العمر لا يتسع المجال لذكرها ولا لعدِّ محاسنه في هذه العجالة. ومما يدل على عمق محبته وصدق وده أنه حينما علم بالوعكة الصحية التي ألمت بي وتمثلت في التهاب الأذن الداخلية في أثناء عام 1420هـ ، أن بعث بأبيات شعرية ضمّنها بالدعاء لنا بالشفاء العاجل نختار منها ما يـلي :
لا بــأس نــوراً وطـهــوراً زال ذا الأثـــر |
|
قد ساءني ما جرى إذ منكم الخبر |
نــرجـو لك الأجــر عـنـد الله عــاقــبــة |
|
وصحة لكم ما شابها كدر |
فـاســلمْ وُقـيت مـــن الآفــــات قـاطـبـة |
|
لا يشتكي منكم سمع ولا بصر |
ثم نظم الشيخ ناصر ابن الأخ محمد الخريف بعض الأبيات معارضة لتلكم القصيدة المعبّرة عن الوفاء والودّ الصادق
– نيابة عني – نختار منها الأبيات التالية :
أهــلاً بـكــم يــا أخـاً فــي الله أرقــــه |
|
منا التوجُّع لا سخْطٌ ولا غيرُ |
مــن رام أجــراً بـغــيــر الصــبر جـانبـه |
|
صوابه وابتدى في دينه الغيرُ |
عــش يا أخــي ســالمـاً مـن كـل داهــيــة |
|
فللوفا أنتـم رمزٌ ومعتبرُ |
كنت أزوره كلما سنحت لي الفرصة تكريماً وحباً خالصاً له، كما أتذكر حضوره إلى حريملاء رئيساً للجنة اختبار طلاب المعهد العلمي، وقد شرفنا بمنزلنا فاغتبطنا به كثيراً وسيبقى صدى تلك الزيارة في طوايا نفسي مقيماً.. ولقد أمضى زهرة عمره مديراً ناجحاً بمعهد الدلم ومربياً لأجيال وأفواج عدّة حتى بلغ سن التقاعد تاركاً أثراً طيباً وذكرى عطرة في نفوس زملائه وطلابه، واستمر عطاؤه العلمي والأدبي حتى أضعفه المرض قُبيل وفاته، ومن توجيهاته السديدة التي تنفعهم في قابل حياتهم، ومن كانت هذه صفاته استـعـذب الناس ذكره دائماً ـ غفر الله له ـ وينطبق عليه وعلى أمثاله من العلماء الأفاضل قول الشاعر العربي :
جــمــال ذي الأرض كـانــوا فــي الحـياة وهم |
|
بعد الممات جمال الكتب والسير |
والعزاء أنه نشأ في عبادة الله منذ فجر حياته الحافلة بالعلم الغزير، وبتربية النشء وبالتسامح والعطاء في مجالات رحبة وقد ترك وراءه ذرية صالحة تدعو له. تغمده الله بواسع رحمته وأنزل عليه شآبيب رحمته، وتالياً هذا البيت :
يـا غـائبـاً فـي الثــرى تـبــلى محــاسـنه |
|
الله يوليك غفراناً وإحسانا |
عظّم الله أجر جميع أسرته وألهمهم الصبر والسلوان ..
{ إنا لله وإنا إليه راجعون}
المـوسى إلى دار المقــام (<!--)
(الشيخ سليمان بن حمد الموسى رحمه الله)
شاءت إرادة الله وقدرته أن تكون ليلة الاثنين الموافق 6/9/1423هـ آخر نصيب الشيخ الفاضل سليمان بن حمد الموسى من ليالي الدنيا حيث غاب عنها عن عمر يناهز 75 عاماً بعد رحلة طويلة حافلة بالعطاء وكرم الضيافة، والخدمة الإنسانية للضعفاء والمساكين معطرة بالثناء الجميل والذكر الحسن، فقد نشأ في طاعة الله منذ فجر حياته مُحباً للخير وصنائع المعروف:
فـأرفــع لـنـفســك قــبل مــوتـك ذكــرها |
|
فالذكر للإنسان عمر ثانِ |
وقد صُلِّي عليه في جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض بعد صلاة العشاء وضاق بجماعات المصلين وبالذين قدموا من خارج مدينة الرياض.. ثم تبعه خلق كثير إلى بلدة القرينة التابعة لمحافظة حريملاء ليوارى جثمانه الثرى بالمقابر هناك.. وعند وصوله إلى تلك البلدة حملوه إلى المقبرة على الأكتاف مشياً على الأقدام رغم بُعد المسافة تكريماً وحباً له، وطمعاً في الأجر والمثوبة من المولى، وقد لهج المشيعون بالدعاء له بالمغفرة وطيب الإقامة في جدثه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (وهو خير الوارثين)، ولأن أضمرت الحفر جثمانه فإن ذكره العاطر ستردده أجيال محيطه ومحبيه مدى الأيام.. ولقد اشتهر بتفانيه في خدمة الأرامل والمساكين، وقضاء حوائجهم وإن كثرت.. يقوم بتسديد فواتير الهواتف والكهرباء وغير ذلك من احتياجاتهم، وجلب ماء الشرب لهم بسيارته، وكل عمله هذا بدون مقابل من بني البشر وإنما يرجو ادخاره عند وضع الموازين يوم القيامة، كذلك يقوم بزيارة المرضى في منازلهم، وفي بعض المصحات للاطمئنان على صحتهم وإدخال السرور في نفوسهم، والنفث عليهم تطوعاً، بالدعاء لهم بما تيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والأدعية الشرعية مما يؤنس المريض ويفرحه، ويبعد عنه الوسواس والأوهام:
وعــلـلـوهم بــآمـــال مــفــرحـــة |
|
فطالما سرت الآمال محزونا |
لولا الأمــانــي فــاضـت روحـهم جــزعـاً |
|
من الهموم وأمسى عيشهم هونا |
فهو يشبه إلى حد ما بعض السلف الصالح في قيامه على خدمة الضعفة والأرامل، فالمشاهد لتلك الجموع الهائلة أثناء تشييعه وتوديعه يدل على عمق محبة الناس له على اختلاف فئاتهم، والعزاء في ذلك أنه ترك ذرية صالحة وذكراً حسناً:
وأحـسـن الحـــالات حـــــال امـــرئ |
|
تطيب بعـد الموت أخباره |
يـفــنــى ويـبــقـى ذكــره بــعـــده |
|
إذا خلت من شخصه داره |
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أبناءه وذويه الصبر والســلوان ...
{ إنا لله وإنا إليه راجـعـون }
رجعت يدي من تربه غبراء(<!--)
(عبدالعزيز بن ابراهيم الحرقان رحمه الله)
قال الله تعالى {.. وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}الآية 156ـ من سورة البقرة ـ ومع إيماننا الجازم الذي لا ريب فيه أن الموت حق, وهو نهاية كل حيّ, إلا أنه ما أقسى لحظات فراق الأحبة وأمرها.
وكيف تلذّ طعم العيش نفس |
|
غدت أترابها تحت الثرى |
فقد هاتفني بعض الإخوة فجر يوم الأحد 1/8/1423هـ معزيا و قائلاً إن الأخ الحبيب عبد العزيز بن إبراهيم الحرقان قد انتهت أيام حياته ولياليه مُنْتقلاً إلى الدار الباقية ـ رحمه الله ـ، و كان لهذا النبأ المفاجئ وقع مؤلم في نفسي، كيف لا وهو صديق ود حميم، و قد عشنا معه سويا منذ صغرنا متآلفين، و متخطين مراحل العمر في أجواء تحفها أجنحة الود والاحترام، وما يتخللها عند اللقاءات من تبادل الطرائف والفكاهات استذكاراً لبعض الذكريات الجميلة، والمواقف الطريفة التي تمر بنا في تلك الأيام والعقود التي مضت ولن تعود أبدا. فهو طيب المعشر حلو الحديث لا يتفوه إلا بلطيف العبارة, محب للبذل في أوجه الخير والإحسان، والبر في أسرته ومع أخوته, ومقدر لأصدقاء والديه.ولاغرو فقد نشأ في بيت علم، وتربى بين أحضان والديه، فوالده من طلاب العلم الأفاضل علّم القرآن الكريم في الكتّاب, في أول حياته بحريملاء قبل انتقاله إلى الرياض..، ووالدة عبدالعزيز الفاضلة من معلمات الكتّاب، ومن حفظة القرآن الكريم وقد تخرج على يدها عدد من الفتيات في حفظ القرآن الكريم، ثم زاولت مهنة التدريس النظامي عندما تأسست رئاسة تعليم البنات فترة من الزمن ـ رحمهما الله جميعاً ـ وقد حضرت من حريملاء إلى منزل الراحل بالرياض بحكم القرابة التي تربطني به وبالصداقة المتينة لمساعدة أبنائه في تجهيزه حيث عرضوا علي الذهاب معهم إلى مغسلة الأموات المجاورة لجامع الراجحي فسرنا على بركة الله والحزن مخيم على نفوسنا، وعندما جرد من حلل الدنيا وأُلبس حلّة القبر في مغسلة الموتى دخلنا عليه مع بعض فلذات كبده لنقله إلى المسجد, و قد أدرج في الأكفان ولم يبق سوى محياه الذي يبدو عليه النور والطّراوة نرجو أن يكون علامة خير له عند ملاقاة ربه، ولقد أجاد أبو يعقوب الخريمي في وصف مثله حيث قال:
تخال بقايا الروح فيه لقربه |
|
بعهد الحياة و هو ميت مُقنّع |
فألقيت عليه نظرة وداع أبدية وتحسُّرٍ وقُبلة أخيرة مُمطرة بالدموع، ولك أن تتصور حالي وحال بنيه في تلك اللحظة المحزنة، ولئن رحل عنا أبو مازن وأرغل في بعده.. فستظل تلك الصورة المؤثرة ماثلة في خاطري مدى عمري..، و لسان حال بنيه يرددون قول الأستاذ محمد بن سلمان الشبل:
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي |
|
إلا الأسى في حنايا القلب يستعر |
ومما ضاعف حزني وحزن دافنيه ما شاهدوه أثناء حثو التراب على قبره من بعض أبنائه ومحبيه من بكاء مُرٍّ، وزفرات محزنةً جداً رقَّت لها القلوب وذرفت من أجلها العيون. ولسان حالهم يرددون قول الشاعر:
كم راحل و ليت عنه ومّيت |
|
رجعت يدي من تربه غبراء |
والعزاء في ذلك كله أنه خلف ذرية صالحة من بنين وبنات، نرجو لهم دوام التآلف وجمع الشمل، واحترام صغيرهم لكبيرهم، وعطف كبيرهم على صغيرهم كي تسود المحبة بينهم دائماً على ما رباهم عليه والدهم ـ رحمه الله ـ، واستمرار الدعاء لوالدهم والنية الصادقة في إشراكه في أجر ما يبذلون من مال أو جاه وغير ذلك من أوجه البر و الإحسان. تغمده الله بواسع رحمته و الهم أهله و ذويه الصبر و السلوان. {إنا لله و إنا إليه راجعون}
أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب(<!--)
(الشيخ حمد بن علي المبارك رحمه الله)
حـبيــب عــن الأحــبـاب شــطـت بـه النـوى |
|
وأي حبيب ما أتى دونه البعد |
في يوم الاثنين 26/10/1423هـ ودعت المنطقة الشرقية علماً بارزاً من رجالات هذا الوطن المخلصين، كما خيّم الحزن على أجواء محافظة حريملاء لفقدها إياه إنه الشيخ الفاضل والابن البار حمد بن علي المبارك الذي غادر الحياة الدنيا إلى الدار الباقية مأسوفاً على فراقه، وقد غابت رفاته تحت أطباق ثرى الأرض بعد أن كان يسير فوق متنها ملء السمع والبصر تسير به أقدامه ومراكبه حيث شاء، فهذه سنة الله في خلقه: حياة فموت ثم بعث ونشور، وقد اكتظ جامع الإمام فيصل بن تركي الواقع بحي الجلوية في الدمام بأعداد غفيرة من المصلين عليه من المنطقة الشرقية وممن قدموا من الرياض وحريملاء وملهم، والقرينة وسدوس وغير ذلك من البلدان الأخرى محبة له والتماساً للأجر والمثوبة من المولى.. وبعد الصلاة عليه تبعه خلق كثير إلى مضجعه بين القبور والحزن باد عليهم داعين الله أن يحسن وفادته، ويؤنس وحشته في جدثه. ولقد ولد في حريملاء وترعرع في أكنافها، وعندما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده في إحدى مدارس الكتاب لتحفيظ القرآن الكريم وتعلم الخط لدى المقرئ (المطوع) المشهور: محمد بن عبد الله الحرقان – رحمهما الله جميعاً- بعد ذلك عين الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه- والده علي بن عبد الله أميراً في مدينة الوجه، فرحل معه، وبعد وفاة والده انتقل مع إخوته ووالدته إلى مكة المكرمة فمكث فيها فترة من الزمن، وتشرف بالسلام على الملك عبد العزيز بمكة بأعجب به وبذكائه وأراد تعيينه مكان والده الراحل في مدينة الوجه، ولكنه اعتذر لصغر سنة.. ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية لدى خاله الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن العدوان مدير المالية وممثل الحكومة لدى شركة أرامكو آنذاك، وظل يزاول بعض الأعمال فلما أنس فيه النباهة والحذق، وتحمل المسؤولية عينه رئيساً لمكتبه الخاص، وبعد ما انتقل الشيخ عبد الله بن عدوان إلى الرياض حل محله الشيخ سعود بن عبد العزيز الدغيثر واستمر الأستاذ حمد المبارك في عمله رافع الرأس مُنصتاً للتوجيهات ومنتجاً في عمله، وقد استفاد من حنكتهما وتجاربهما في الحياة مما صقل مواهبه وأهله إلى تسلم المناصب العالية حيث عُين خلفاً للشيخ سعود رئيساً للمالية وأميناً عاماً للجمارك هناك، وقد صدق الشاعر حيث يقول :
عليك بــأربـــاب الصــدور فــمــن غــدا |
|
مضافاً لأرباب الصدور تصدرا |
ولا غرابة في ذلك فقد ترعرع وتربى في مدرسة الشيخين الفاضلين عبد الله بن عدوان وسعود الدغيثر، واستمر في ذلك العمل مع رئاسة مجلس إدارة دار اليوم للصحافة والنشر وغير ذلك من اللجان المتعددة، فقد عاش محترماً ومحبوباً لدى قيادتنا الرشيدة، وفي مجتمعه الأسري، والاجتماعي بصفة عامة. كما كانت أياديه بيضاء منذ تعيينه وحضوره المبكر هناك في المنطقة الشرقية، فهو بمنزلة الأب والأخ الكريم لمن يؤم المنطقة من مدن المملكة لطلب المعيشة والعمل لدى شركة أرامكو السعودية أو القطاع الحكومي آنذاك، فهو يساعدهم ويسهل أمورهم بل ويقرض البعض منهم، مع نصحه الأبوي لأجل صيانة غربتهم بالتحلي بالأخلاق الفاضلة وبالأمانة، والجد في الأعمال التي تسند إليهم، كما يقوم بدعوتهم إلى تناول طعام الغداء أو العشاء بين حين وآخر، ويؤكد عليهم جميعاً الحضور في مناسبات الأعياد وخاصة القادمين من حريملاء وما جاورها من البلدان، ويخلط الحديث معهم بشيء من المداعبة ولإيناسهم وإبعاد الهيبة والخجل، وتشجيعهم على مواصلة زياراته، كما يقوم بمتابعة سلوكيات بعض حديثي السن بزياراته المفاجئة لهم في مساكنهم للاطمئنان على استقامتهم فهو بحق يعتبر بمنزلة الوالد للشباب المغتربين لديهم، ويمتد هذا الإكرام لمن يفد إلى المنطقة من المدرسين حالياً بالبحث عنهم ودعوته إياهم بالاستمرار في زيارته في قصره العامر ملتقى أحبته ومن يؤمه من الزوّار حتى قُبيل وفاته – تغمده الله بواسع رحمته ـ
حــبيــب إلــى الــزوار غـشيــان بيــتـه |
|
جميل المحيا شبّ وهو كريم |
فلقد طوّق أعناق الرجال بأفضاله وبكرمه وبجاهه المبذول لكل محتاج فشفاعته لدى المسؤولين لا ترد أبداً، ومن كانت هذه صفاته استعذب الناس ذكره ولم يغب عن بالهم أبداً، فأعماله الجليلة لا تحصى، فقد توج إحسانه بتبرعه السخي بتأمين مناظير متطورة لمستشفى حريملاء العام مسقط رأسه بقيمة تقدر بنصف مليون ريال، وبناء مقر للهلال الأحمر مع تأثيثاً حديثاً بتكلفة سبعمائة ألف ريال، وكأني بأبي خالد ـ وإن كان مطبوعاً على حب فعل الخيرـ قد سمع همس الشريف الرضي في أذن ممدوحه قائلاً:
خــذ مــن تــراثــك مـا استـطعــت فـإنـما |
|
شركاؤك الأيام والوراث |
وفي الآونة الأخيرة حدا به الشوق والحنين إلى حريملاء قادماً من الدمام بعد عودته من مكة المكرمة ومن المدينة المشرفة رغم ما يعانيه من أمراض متعددة ليلتقي ببعض المواطنين ومحبيه فهو يأنس بهم وبالتحدث معهم في منازلهم، وفي مزرعته.. مع تفقد أحوال بعض المحتاجين لينفحهم مما أفاء الله عليه من النعم سراً، كما أن معظم إنتاج نخيله يهديه على بعض أصدقائه ومعارفه، وعلى بعض الأسر المحتاجة.. ولما أدركه شهر رمضان المبارك وهو في حريملاء، وهمّ بالرجوع إلى مقر إقامته هناك بالدمام وكأنه قد أحس بقرب دنو أجله وأفوله عن الدنيا فحاول أن يملأ عينيه بالنظر من مراتع صباه ومدارج طفولته قبل أن تغمضا فأمر قائد سيارته بأن يتجول به على مهل في الحارات والمحلات القديمة التي قد امتدت إليها يد البلى فتهدم معظمها فقد قضى أيامه الأولى بها ومشى بأزقتها ودرج في ساحاتها مع أترابه ولداته فأخذ يسرح طرفه الحزين ويطيل النظر في بعض الأماكن التي كان يلهو بها وكأنه يستجمع شيئاً من ذاكرته نظرات وداع وتحسر، وبداخله ما به من لوعة الفراق، ومما زاد أوار الحزن في نفسي أنه عندما حاذى أسوار نخله متجهاً صوب الدمام أدار لحظه نحوه والدموع تملأ محاجر عينيه ولسان حاله في تلك اللحظة الحرجة يقول وداعاً وداعاً أبدياً لا أراك بعد اليوم، ثم ذرفت عيناه فأطرق برأسه. فرحمك الله يا أبا خالد وألهم ذويك ومحبيك وأسرتك الصبر والسلوان فلقد أبكيتنا كثيراً، وتركت أثراً طيباً وذكراً عاطراً في النفوس، وخلفت ذرية صالحة تدعو لك وتخلفك في مكانك مع الاستمرار في عمل الخير والإحسان وإكرام العاني والقاصد، ولقد أجاد القاضي التنوخي وكأنه يعنيك بقوله:
كــأنــك مــن كــل النــفـوس مــركـب |
|
فأنت إلى كل الأنام حبيب |
فالحمد لله على قضائه وقدره.. { إنا لله وإنا إليه راجعون }.
<!--[if !supportFootnotes]--><!--[endif]-->
(<!--) نشرت في صحيفة الرياض، الاثنين 6 رمضان1423هـ، الموافق 11 نوفمبر 2002م.
( <!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الاثنين 27 رمضان1423هـ،الموافق 2 نوفمبر 2002م.
(<!--) نشرت في صحيفة الرياض، يوم الجمعة 16 شوال 1423هـ.، الموافق 20 ديسمبر 2002م.
( <!--) نشرت في صحيفة الرياض، الجمعة 30/10/1423هـ.، الموافق 3 يناير 2003م.