عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

ذكرياتي مع صديق ودٍ(<!--)

(الشيخ عبدالله بن محمد الزاحم رحمه الله)

 

    إنه الزميل الحبيب الراحل الشيخ عبد الله بن محمد الزاحم الذي لاقى وجه ربه في 3/11/1423هـ بالمدينة المنورة، وقد أحزنني فراقه وغيابه غياباً أبدياً بعد صحبة وطول عشرة، وقد ارتوى من مناهل العلم على أيدي علمائنا الأفاضل..، وعلى نخبة من فطاحل علماء الأزهر..، وقد تخرج من كلية الشريعة بالرياض عام 1378هـ، ثم عين قاضيا في مدينة حائل عام 1379 هـ مع تكليفه بالقيام بعمل موجه قضائي في بعض المناطق، لما يتمتع به من حنكة ودراية..، ثم انتقل إلى المدينة المنورة قاضيا ثم رئيساً للمحاكم الشرعية بها وإماماً للمسجد النبوي حتى أقعده المرض..، ولي معه ذكريات جميلة:  ففي غرة عام 1373هـ سعدت بالتعرف على مجموعة خيرةً من الزملاء طلاب المعهد العلمي بالرياض بعد انتقالي إليه من دار التوحيد الثانوية بالطائف، وكان من ضمن تلك النخبة الكريمة فضيلة الشيخ عبد الله الذي عرف بالرزانة ورجاحة العقل وبعد النظر، فأخذ كل منا يقترب من الآخر شيئاً فشيئاً حتى نمت تلك الصداقة وقويت أواصر المحبة بيننا، فبدأنا في استذكار الدروس معاً في المساجد بحي الوسيطا ومحلة جبرة الواقعة في جنوبي شرقي دخنة بالرياض نقضي بها الليالي والسويعات الطوال في استذكار دروسنا في جو تحفه أجنحة الِبشر والمسرات، والتنافس في التحصيل العلمي..، وقد اخترنا المذاكرة في تلك المساجد المتاخمة لمساكننا لوجود إضاءة الكهرباء بها ولعدم توفرها في كل المنازل آنذاك، ثم واصلنا الدراسة العليا، فاتجه الشيخ لكلية الشريعة وأنا صوب كلية اللغة العربية حتى عام 1378هـ وحمدنا الله على تخطي تلك المراحل الدراسية بكل جد ونشاط..، وكان من حرصنا على حفظ الوقت واستثماره وخاصة قرب الاختبارات ننام مبكرين ونستيقظ قبل الفجر بساعتين تقريباً، فأمر على الشيخ عبدالله وعلى الشيخ عبد الله بن فنتوخ في البيت المعد لسكن الطلاب المغتربين الذي أمر به جلالة الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – ضمن عدد كبير من البيوت لطلاب العلم..، وقد هيأنا الشاي والزنجبيل لتنشيطنا، ثم نذهب سوياً إلى المسجد لاستذكار الدرس حتى بعد صلاة الفجر، وهكذا أمضينا تلك السويعات والأيام السعيدة بترتيب ونشاط مستمر، ولم يبق منها الآن سوى رنين الذكريات في خواطرنا..!. وكان – رحمه الله – شغوفاً بحب القراءة و الإطلاع على الكتب المفيدة معتبراً إياها رافداً قوياً للمناهج الدراسية، وتوسعةً لأفاق المعرفة والثقافة العامة..، وأذكر أنه كان يستعير مني بعض الكتب النفيسة مثل سلسلة كتاب "الحديقة1-13"، (جمع وترتيب محب الدين الخطيب) ثم يعيدها مغلفة حرصا منه على سلامتها..، ولا زالت تلك الأغلفة رغم تقادم عهدها مُحيطة بجوانب الكتب النادرة المنتقاة من مصادر عدة..، وكان حريصاً على الاستفادة من وقته فهو أحيانا يبقى داخل الفصل في الفسح الطويلة يطيل التأمل في الشرح السابق للحصص، ويحاول رصد بعض العبارات المفيدة التي تفوه المعلم بها خارج إطار الكتاب المقرر ليثري بها حصيلته العلمية، وليستفيد منها في قابل أيامه..، وقد وعى قول أبن هبيرة حيث يقول:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

 

وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
<!--

متناسيا قول المتنبي الذي يحث على إرخاء العنان للنفس لتأخذ حظها من المرح ومن مآربها المباحة حيث يقول:

ذَرِ النفس تأخذ وسعها قبل بينها
<!--

 

فمفترق جاران داراهما العمر!
<!--

كان طابعه – رحمه الله – الجد والغيرة على الدين، ومن سماته قلة الحديث وإطالة السكوت وإعراضه عن فضول الكلام إلا ما يراه مفيداً ومناسباً لمقتضى الحال، وكان بيننا وبينه زيارات متبادلة على فترات متباعدة..، وتواصلاً عبر الهاتف بين حين وآخر قبل رحيله، وسيظل التواصل والترابط بيننا وبين أبنائه البررة مستمراً مدى العمر:

نبادله الصداقة ما حيينا

 

وأن متنا سنورثها البنينا
<!--

ولئن غاب أبو محمد وأخفته التُرب فإن ذكره العطر سيبقى ماثلاً في خاطري مدى الحياة، ولله قول البهاء زهير حيث يقول:

يواجهني في كل وقت خياله

 

كما كانت ألقاه قديماً ويلقاني
<!--

رحمه الله رحمة واسعة و ألهم ذويه الصبر و السلوان و أسبغ عليه شأبيب رحمته ( إنا لله وإنا إليه راجعون)

 


خاطـــــرة من وهــــــج المحـــــبة(<!--)

(الأستاذ محمد العبدالسلام رحمه الله)

 

قال الله تعالى )وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير( سورة لقمان: آية 34.

لقد مات الزميل الحبيب الأستاذ محمد بن إبراهيم العبدالسلام الملحق الثقافي بالمغرب ـ سابقاً ـ يوم السبت 20/3/1423هـ في مدينة المغرب حيث قضى شطراً كبيراً من أيام حياته بين الجزائر والمغرب مغترباً عن وطنه وأهله وأحبته، بل وعن أحب الناس إلى قلبه: والدته الحنون وبعض أولاده...، وكان كثيراً ما يسوف ويعلل نفسه بالعودة إلى أرض الوطن بعدما أنهى الخدمة الوظيفية هناك...فإذا به يفاجئه مقصر الآمال ومفرق الجماعات ،هادم اللذات:

يُعلل والأيام ينقصن عمره

 

كما تنقص النيرات من طرف الزِنْد
<!--

وعندما غادرت روحه جسده حضر جثمانه فقط!! فماذا يغني ، وقد كان بإمكانه أن يقضي بقية عمره بين أبنائه وأخوته ومحبيه، ويكون على مقربة من والدته قبل رحيلها إلى دار المقام، وقد رحلت وهو نائي المحل بعيداً عنها ..! و لك أن تتصور ما بداخله من ندم وتحسر ظل يعتمل ويجول في خاطره حتى لحق بها، ولكنها الأقدار ـ رحمهما الله جميعاً.

    وقد حصل على الشهادة العالية بكلية اللغة العربية بالرياض عام 1377هـ ويعتبر من الدفعة الأولى على مستوى المملكة، وكان على جانب من الخلق الرفيع وسعة الأفق في الأدب والبلاغة قضى جل وقته في التحصيل العلمي وتسريح النظر في بطون أمهات الكتب الأدبية والثقافية مثل كتاب: العقد الفريد لأبن عبد ربه، والبيان والتبيين للجاحظ، والكامل للمبرد، والنوادر لأبي علي القالي..، وغير ذلك من الكتب الدسمة التي أثرت حصيلته العلمية والأدبية معاً، مما جعل أسلوبه يعذب ويشد السامع طراوة وسهولة..، فمخزونه الأدبي عميق يفيض حِكماً وطرافة تؤنس الحضور ..، ولقد شغل عدداً من المناصب في كثير من المواقع منها: إدارة المعهد العلمي بعنيزة قبل التخرج لكفاءته ولعلو مكانته لدى الرئيس العام للمعاهد وكليتي الشريعة واللغة العربية، سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وأخيه الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، وبعد التخرج عين مديراً للمتوسطة الثانية، ثم بإدارة تعليم الرياض فترة وجيزة، بعد ذلك انتقل إلى جهاز الوزارة ثم عين عضواً مع هيئة التدريس بالجزائر مع تكليفه رئيساً للبعثة.. وأخيراً عين ملحقاً تعليمياً بالمغرب حتى استوفى حقه من الزمن الوظيفي..

   ولنا معه ومع بعض الزملاء ذكريات جميلة لا تبرح خاطري تخللها كثير من الرحلات في ربوع الخرج..، وفي كثير من البساتين والأودية المتاخمة لمدينة الرياض غرباً..، وفي الخلوات البرية، ولاسيما في مواسم الربيع التي نحييها في مسامرات أدبية ومساجلات شعرية، وطرائف ترويحية تجدد نشاطنا الدراسي .. فما أجمل تلك الليالي وسويعات الآصال التي نستمع فيها معاً، لقد مضت ولن تعود أبداً:

ويا ظل الشباب وكنت تندى

 

على أفياء سرحتك السلام
<!--

وعندما يحضر إلى الرياض في بعض فترات إجازاته يتلقاه الزملاء والمعارف بكل حفاوة وتكريم، فيفيض عليهم بأحاديثه الشيقة واصفاً انطباعاته الجميلة عن تلك الديار والأقطار، وعن عادات أهلها، واحترامهم لأعضاء البعثة التعليمية، مع شكرهم المتواصل لمقام حكومتنا الجليلة على ما تولية من اهتمامات ومشاركات في دفع عجلة التقدم العلمي والثقافي لتلك الشعوب والأقطار الشقيقة، وبترسيخ العقيدة السمحة وتوحيد الإله في نفوس تلك البراعم الصاعدة بواسطة النخبة المختارة من المعلمين السعوديين.

ولقد أعطاني ـ مشكوراً ـ أخوه وشقيقه عبد الله ـ أبو عصام ـ بعض المعلومات عن تدرجه في السلم الوظيفي الذي أشرنا إليه آنفاً..، كما أشار الأخ عبد الله إلى أن أخاه محمد ـ أبو خالد ـ قد حرص على إلحاقه بالمعهد العلمي ـ بالقسم التمهيدي ـ لعلمه  بمتانة مناهج المعاهد العلمية التي تركز على العلوم الدينية واللغة العربية وفروعها، وليخدم وطنه بعد التخرج بكل أمانة وإخلاص، فقد قُبل ـ رغم صغر سنه ـ بعد إلحاح مع الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم رحمهما الله جميعاً.

و لئن غاب شخص أبي خالد عن ناظري وعن محبيه فإن ذكره الحسن باق في مخيلتي أبد العمر، والعزاء في ذلك أنه خلف ذرية صالحة تخدم الوطن وأهله..، وتدعو له بأن يفسح له في قبره، ويتغمده الله بواسع رحمته.

 " إنا لله و إنا إليه راجعون "

 

 

وغـاب حـمــيـد المـكـارم (<!--)

(الشيخ عبدالله بن ناصر بن عمار رحمه الله)

 

وما النـــاس إلا راحـــل بعــد راحــــل

 

إلى العالم الباقي من العالم الفاني
<!--

   في صباح يوم الثلاثاء 20/5/1423هـ توقفت نبضات ودقات قلب حميد السجايا معالي الأخ الفاضل عبد الله بن ناصر بن عمار معلنة أن ساعات ودقائق عمره قد انتهت تماماً، وأن على الأطباء المرافقين له الانصراف لشأنهم مودعين له وداعين المولى بأن يغفر له، ويحسن وفادته، والواقع أن رحيل هذا الشيخ الكريم وبُعده عنا مؤسف للغاية، بل إن غيابه أحدث فجوة واسعة من الحزن العميق في نفوس محبيه وعارفيه، فقد كان سمحاً في تعامله سخياً وجزلاً في عطاياه، وبحكم طبيعة عمله واختياره رئيساً للشؤون الخاصة لما يتمتع به من حنكة، وأمانة وخلق رفيع ظل منصتاً ومنفذاً لتوجهات وإيماءات ولاة أمور الدولة لتحقيق مطالب وحوائج الضعفاء التي تقدم لهم عبر مكتبه وغيرهم من ذوي الحاجات وسائر المراجعين، ومن لا تمكنهم ظروفهم الوصول إلى أبواب ومجالس الملوك، فهو محل ثقتهم لإخلاصه وأمانته يفرحون كل الفرح بتحقيق مطالب من يؤمهم من أبناء الشعب وغيرهم.. سواء المطالب الفردية أو الجماعية، إنه قليل الكلام مفيد للأنام، يعمل بصمت وحكمة، محب لصنع المعروف لعلمه أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأن خير الناس أنفعهم للناس، وشفاعته لا ترد لدى المسؤولين.. ولقد ولد وترعرع بين أحضان والديه في (بوتقة) العلماء والرجال المخلصين بمحافظة حريملاء، وبعد بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى مدارس تحفيظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة والخط لدى المقرئ المطوع محمد بن عبد الله الحرقان ـ رحمه الله ـ فتوسم فيه الذكاء والنجابة لسرعة حفظه وفطنته، ومواظبته رغم صغر سنه حتى أكمل القرآن الكريم في وفترة وجيزة، ولم تخطئ فراسة المطوع فيه، وهو يذكرنا بقول المتنبي ـ على سبيل التقرب والتوسع ـ حينما قُدم له صبي في المهد لأحد الولاة ليقول فيه شعراً فقال متفائلاً:

بـمــولـودهــم صـمــت اللســان كـغيــره

 

ولكن في أعطافه منطق الفضل
<!--

   فالشاعر الحاذق سريع البديهة لا يقف محرجاً بل يجد له مخرجاً حيث انتزع صفة طيبة ميّز بها ممدوحه. وعندما بلغ أبو ناصر سن الرشد غادر العش الذي احتضنه ودرج منه للأخذ بأسباب المعيشة والحياة الكريمة، وإن كان بيت والده بيت عز وثراء إلا أن قول الشاعر ألزمه بالاعتماد على الله ثم على نفسه حيث قال:

وإنــمـا رجـــل الدنــيـــا وواحـــــدها

 

من لا يعول في الدنيا على أحد
<!--

    وظل ردحاً من الزمن يسير في مناكب الأرض معتمداً على الله في طلب الرزق، وكأني بوالده بعد ذلك يحبب إليه العمل الوظيفي الحكومي، لما لمح وتوسم فيه الاستعداد الفطري لتحمل المسؤوليات، وبشخصه الجذب وحسن خطه.. فنصحه باعتلاء المواقع الرفيعة لسهولة التربع عليها لكفاءته وندرة المؤهلين آنذاك.. وملازمته الرجال ذوي العقول والآداب، وقد فعل أبو ناصر – رحمه الله- وصدق الشاعر حيث يقول:

عــلـيـك بـأربــاب الصــدور فـمـن غــدا

 

مضافاً لأرباب الصدور تصدرا
<!--

   فلم ير بداً من الاتجاه إلى العمل الوظيفي في بلدية الرياض حيث عين مساعداً لرئيسها ثم رئيساً لها فترة وجيزة.. بعدها انتقل إلى الديوان الملكي في عهد الملك عبد العزيز والملك سعود ـ رحمهما الله ـ ثم عمل في إدارة العمل والشؤون الاجتماعية بمكتب الوزير عبد الرحمن أبا الخيل، بعد ذلك عمل مديراً للشؤون الخاصة في عهد الملك خالد ـ طيب الله ثراه ـ واستمر رئيساً للشؤون الخاصة في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حتى رحل مأسوفاً عليه إلى الدار الباقية، وكان رحمه الله لا يفوته يوم فيه شرف الإستمتاع بالبذل السخي في أوجه الخير والعطف على الأرامل والمساكين، ومساعدة الغير، والدعم القوي المادي والمعنوي لتطوير المرافق العامة والخاصة في مسقط رأسه (حريملاء) محتسباً الأجر والمثوبة من الله سبحانه غير منصت للثناء ولا المديح فله أيادٍ بيضاء لا يغفلها التاريخ ولا ينساها أبداً، منها بناء عدد كبير من المساجد بناءً فخماً مع تأمين مساكن للأئمة والمؤذنين، وسقاية أجزاء كبيرة من مزارع ونخيل محافظة حريملاء، وكذلك تأمين المياه لمنازل المواطنين والمقيمين وقت شح مياه الأمطار وندرة وجود المياه الجوفية كما هو الحال الآن.. راجين من المولى أن يرفعه بها للدرجات العلا تالين هذا البيت:

ســتـلقـى الـذي قــدمــت لنـفسك محـضـراً

 

فأنت بما تأتي من الخير أسعد
<!--

  وجدير بأبنائه الكرام أن يستفيدوا من سيرته العطرة ببذل الخير ومساعدة الغير والترحيب بمن يؤمهم من ذوي الحاجات وغيرهم من معارف والدهم، ولئلا يقال: (ولابد يوماً أن يهجر الباب حاجبه.. ). وأن لا ينسوا مساقط رؤوس آبائهم وأجدادهم، والاستمرار في الدعم المالي والمعنوي لها وفاءً بحق من هم الآن تحت أطباق الثرى، ورجاء المثوبة والذكر الحـسن:

وحــبب أوطـــان الـرجـــال إليـــهــم

 

مآرب قضاها الشباب هنالك
<!--

    ولي معه بعض المواقف الطريفة وذكريات بعيدة الزمن التي تدل على حلمه ولطافته ورحابة صدره، منذ فجر حياته، أذكر واحدة منها واحتفظ بالأخرى لنفسي لأن الإفصاح بها ليس في صالحي..! كنت من هواة الصيد منذ صغري والأداة التي أملكها آنذاك (نباطة) جئت مرة إلى نخل والده – رحمه الله- المجاور لنخل أخوالي آل عمران الواقع شمال شرق حريملاء المشهور بكثافة النخيل والفسائل، وأشجار السدر فأخذت أنبط ثمار السدرة كي تساقط عليّ حبات النبق مع محاولتي اصطياد بعض الطيور الصغيرة، فلحظته يُطل عليّ من نافذة المنزل والابتسامة تعلو محياه الوضاء الذي لم يعرف العبوس في حياته ، فبدأ عليّ الخوف والخجل فقال لي: أملأ مخباتك يا ولد الشيخ عبد الرحمن، فلو كان غيره لنالني بعض العقاب وصُودر ما معي، واستمر تقديره لي بعدما كبرت، ولازلت محتفظاً ببعض رسائله لي في  المناسبات وخاصة رسالته المتضمنة تعزيتي بوفاة والدي بخطه الجميل في مستهل العام 1383هـ ( رحمهما الله جميعاً).

   وكان من المحبين لوالدي الشيخ عبد الرحمن يمر عليه في منزله كلما مرّ على حريملاء ضمن عدد من محبيه للسلام عليه والاستفادة من توجيهاته وإيماءاته النافعة العلمية والاجتماعية. وفي الآونة الأخيرة زرته في مستشفى الملك فيصل التخصصي قبل وفاته بقليل وهو في حالة إعياء ومكابدة لأنواع المرض، وهو مغمض عينيه فقلت مسلماً عليه وداعياً له بالصحة والعافية: أنا محبكم عبد العزيز ابن الشيخ عبد الرحمن الخريف فلما سمع ذكر والدي رحمه الله استيقظت ذاكرته ونسي ما به من متاعب جمة فرد عليّ السلام وهو يتمتم بكلمات فهمت منها أنه يتذكر والدنا ويترحم عليه لما له من مكانة عالية في نفسه، وعندما نهضت مودعاً له سألني: هل أتى حريملاء سيل؟ فأجبته: قريباً بحول الله، وهذا يدل دلالة واضحة على حب الخير وتعلقه بحريملاء وبأملاكه بها رغم ما يعانيه من آلام ومن غيبوبة تعتريه أحياناً، فرحمك الله يا أبا ناصر وأسكنك فسيح جناته، وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان:

ومــا المـــال والأهــــلـون إلا ودائــــع

 

ولابد يوماً أن تُـرد الودائع
<!--

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة ، يوم الأثنين 22 صفر 1423هـ ، الموافق 12 ابريل 2004م.

(<!--) كتبت يوم الثلاثاء 23 ربيع الأول 1423هـ، الموافق 4 يونيه 2003م.

( <!--) نشرت في صحيفة الرياض، يوم الجمعة 23 جماد الأولى1423هـ، الموافق 2أغسطس2002م. 

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 229 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,356