عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

فقد الأخيار مُحزن(<!--)

(عبدالله بن سعد الجوهر رحمه الله)

 

تعزّ فلا إلفين بالعيش متعا
<!--

 

ولكن لوراد المنون تتابعا..!
<!--

في صباح يوم الاثنين 4/12/1424هـ هاتفني أحد الإخوة قائلا إن الأخ الكريم/عبدالله بن سعد الجوهر ـ أبو سامي ـ قد رحل إلى الدار الباقية على أثر عملية جراحية، فوقع هذا الخبر المفاجئ موقعاً محزناً دوّى في شعاب النفس لما له من مكانة عالية في قلوب محبيه ومعارفه، فقد نشأ في طاعة الله محبا لعمل الخير ومساعدة الغير ولا سيما مُدّة عمله في ديوان الخدمة المدنية، وكان محل التقدير والاحترام لدى مرؤسيه وزملائه، ثم انتقل إلى تعليم البنات، واستفيد من خبرته التنظيمية والإدارية، وزاول عمله فيها سنوات طويلة انتهت بتسنمه منصب مدير عام شئون الموظفين بها، ثم ألقى عصا التسيار عن العمل حميدة أيامه، وقد اكتظ الجامع الكبير بمحافظة حريملاء عصر يوم الاثنين 4/12/1424هـ للصلاة عليه، حيث صلى عليه جموع غفيرة من أهل حريملاء ومن البلدان المجاورة وعدد كثير من أصدقائه وزملائه من الرياض..، وتبعه خلق كثير حتى واروه في ثرى مقبرة (صُفَيّة) داعين المولى بأن يفسح له في جدثه وينور له فيه.

وكم طوق أعناق الرجال وشقائقهم بكثير من المساعدات وتسهيل أمورهم ولو لم يعرفهم، فهو من الرجال المثاليين المنصفين والمخلصين في أعمالهم بكل أمانة وإنجاز مُحاولاً أن لا يؤخر عمل يومه إلى غدٍ ـ وغد غيوب وأخبار..ـ ومقدراً ظروف من يأتي خارج مدينة الرياض فهو يحرص كل الحرص على إنجاز مهامهم وقضاء حوائجهم، وكأني به قد وعى تماما قول بن دُرَيد:

لا تلحقنّك ضَجْرةٌ من سائل
<!--

 

فدوام حظك أن تُرى مسئولا
<!--

وقول طرفة بن العبد:

لعمرك ما الأيام إلا مُعارة
<!--

 

فما اسطعت من معروفها فتزودِ
<!--

فدماثة خلقه واتصافه بالسجايا الحميدة، وطيب المعشر جعل القلوب تميل إليه، والأسماع تستعذب ذكره، والألسن تلهج بمآثره وبكرمه، وكان منزله ملتقى لكثير من أقاربه، وأصدقائه، ومعارفه، وجميع محبيه، ولا سيما في المناسبات والإجازات الأسبوعية، والعيدين معا.. لما يتصف به من كرم ورحابة صدر ولين جانب، ولي معه بعض الذكريات العابرة.. أيام كان يدرس في المعهد العلمي بالرياض في أوائل الثمانينات حيث يحضر إلى حريملاء رغم صعوبة المواصلات آنذاك ليشارك طلابنا بمعهد المعلمين والمدرسة الابتدائية في نشاطهم الأدبي الأسبوعي الذي يقام في قاعة المدرسة كل ليلة جمعة ـ غالب الأسابيع ـ ويحضره كثير من الأهالي ورؤساء الدوائر الحكومية هناك. وكان لي شرف افتتاح ذلك المعهد في 6/5/1379هـ الذي خرج نخبة طيبة من المعلمين في تلك الحقبة، مع إشرافي على المدرسة الابتدائية، والمكتبة العامة.(حتى انتهى تدريجيا في عام 1387هـ ، وحلت محله المرحلة المتوسطة ثم إلحاق الثانوية بجانبها عام 1401 هـ ) حتى تقاعدت عام 1418هـ، وكنا نشجع أبا سامي ـ رحمه الله ـ ونغتنم حماسه ونشاطه الأدبي بإلقاء كلماته باستمرار.. فهو قدوة حسنة في أخلاقه وتعامله وسجاياه الحسنة منذ فجر حياته، كما أنه راوية لبعض الأشعار الفصيح والنبطي معاً والمساجلات الشعرية في النادي وفي الرحلات البرية المحببة إليه والتي يقضي فيها جلّ وقت فراغه..، وقد حزن الجميع على فراقه وبعده عنهم والعزاء في ذلك كله أنه قد ترك أثارا طيبة في النفوس، وخلف ذرية صالحة تجدد ذكره الحسن.

   وفي صباح هذا اليوم الخامس من شهر ذي الحجة عام 1424هـ اختار هادم اللذات ومفرق الجماعات زميلاً سابقا له هو الأخ الكريم / عواد بن عبد الرحمن العواد اثر نوبة قلبية أسرعت برحيله إلى دار المقام، وهو من موظفي وزارة الشئون الإسلامية، وكان قبلها يعمل بكل إخلاص في تعليم البنات محل ثناء وتقدير بها..، وقد عرف عنه الاستقامة وغيرته الدينية وكرمه الحاتمي، مع التحلي بالصفات الحميدة بين أقرانه وأترابه. وقد خلف ذكراً حسناً وذرية صالحة تدعوا له ولئن غابا عن أنظار محبيهما وذويهما وأوغلا في البعد فإن ذكرهما باق في خواطرهم مدى الأيام.

وإنما المرء حديث بعدهُ
<!--

 

فكن حديثا حسناً لمن وعى
<!--

رحم الله الجميع رحمة واسعة وألهم ذريتهما ومحبيهما الصبر والسلوان (إنا لله وإنا إليه راجعون)


ورحل رفيق دربـي .. ! (<!--)

(الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله الخراشي رحمه الله)

 

الدهــر لاءم بــــيـــن إلـــفــتــنــــا
<!--

 

وكذلك فرق بيننا الدهر
<!--

   في صباح يوم الجمعة 25/3/1425هـ فجعت أسرة الخراشي برحيل زميلي ورفيق عمري الأستاذ الحبيب عبد العزيز بن عبدالله الخراشي إلى الدار الباقية بعد طول معاناة مع أمراض عدة.. ولقد اتصف باستقامته والإخلاص في العمل، ونقاء السريرة، وطيب القلب، وكان لنبأ وفاته وفراقه وقع مؤلم جداً هزّ كيان نفسي، وجعلني أحس بأن الأرض تكاد تدور بي من شدة وطأة الخبر برحيله وبعده عنا بعداً لا تلاقيا بعده..! وذلك لعلو مكانته في قلبي، وتغلغل وده في شعاب نفسي، كيف لا وقد قضينا معاً زهرة شبابنا وذروة نشاطنا متآلفين ومتحابين في جو يسوده الصفاء والألفة في اقتناص العلوم، وفي استذكار دروسنا منذ تلقي العلم على يد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وعلى أخيه الشيخ عبد اللطيف قبيل افتتاح المعاهد العلمية ـ رحمهما الله جميعاً ـ واستمررنا على ذلك المنوال بعد افتتاح المعهد عام 1371هـ حتى نلنا الشهادة العالية من كلية اللغة العربية عام 1378هـ ـ الدفعة الثانية، وكنا نقضي الساعات الطوال ما بين الجامع الكبير جامع الإمام تركي، وبين مسجد بشارع العطايف في المذاكرة والنقاش فيما يصعب علينا فهمه.. وكان رحمه الله خير معين لي، فإذا سئمنا ذهبنا معاً إلى منزله لتناول القهوة والشاي، وما تيسير من طعام (تصبيرة الليل) .. ثم نعاود الكرة مرة ثانية، وخاصة أيام العطل والاختبارات، وفي كل صباح ـ تلك الفترة ـ يمر عليّ ونذهب سوياً إلى أقرب مسجد للتدارس في سائر المواد الدراسية، ويتخلل تلك السويعات التي لا تنسى تبادل بعض النكات والطرائف لتجديد نشاطنا ولدفع الملل والسآمة عنا، وهكذا نقضي سحابة يومنا ومسائه بكل جد ونشاط مستمر، والطريف في الأمر أن ترتيبنا في الشهادة النهاية جاء متوافقاً..! وكنت أثناء الحصص داخل الفصل وبعد خروج المدرس أقفل الباب وأحاول أن أداعب الزملاء ببعض الحركات الخفيفة للاستئناس وإظهار المرح تنشيطاً للأذهان قائلاً: هل من مبارز؟ هل من مصارع؟ وإذا لحظته ـ رحمه الله ـ يحاول النهوض نحوي لقمع حركاتي قلت: باستثناء الخراشي فيهدأ الفصل..! وبعد تخرجه عُيِن مفتشاً في المرحلة المتوسطة والابتدائية في وزارة المعارف.. مع تكليفه سنوياً برئاسة لجنة المراقبة (الكنترول) ولجان الاختبارات بمعاهد المعلمين ـ آنذاك ـ وكان جاداً في عمله لا يسأم طول مكثه فيه مع ما يتحلى به من خلق كريم ورحابة صدر.. كما لا ينسى التاريخ ولا طلاب أول مدرسة ليلية بالرياض تفانيه وتطوعه بالعمل بها قبل تخرجه، ومشاركته في تأسيسها (بغرب محلة دخنة) مقر المدرسة المحمدية النهارية هو ونخبة طيبة من المتطوعين بالتدريس وهم مازالوا طلاباً أمثال الزملاء محمد بن علي بن خميس، ومحمد بن سعد بن حسين البصير الذي لا يبصر، ومحمد بن سعود بن دغيثر ـ رحمه الله ـ وعبد الرحمن بن عبد الله الخراشي، وعبدالمحسن العباد، وحمود البدر، وعبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف كاتب هذه الأسطر، ومحمد بن عبد الله بن حميد، وعلي بن حمد الفريح، وغيرهم من الزملاء الأفاضل، وقد نورت تلك المدارس الليلية المباركة مئات الأشخاص على اختلاف مستوياتهم وتفاوت أعمارهم، وخاصة أصحاب محلات البيع والشراء في وسط مدينة الرياض وما حولها من المحلات حتى إن كثيراً منهم قد نال مناصب عالية في الدولة، كما أصبح منهم رجال أعمال برزوا في الحياة التجارية بسبب تأسيسهم وتهيئتهم لمواصلة الدراسة النهائية أو الانتساب، وكل عمل هؤلاء كان عملاً تطوعياً بدون مكافآت رجاء المثوبة من المولى، وكسب الثناء والذكر الحسـن :

دقـــات قــلـب المــرء قــائــلة لـــه
<!--

 

إن الحياة دقائق وثوان
<!--

فــاحفــظ لـنـفســك قــبل مــوتك ذكــرها
<!--

 

فالذكر للإنسان عمر ثان
<!--

    وعلى أي حال فإن فراق أبي سعود محزن جداً وستبقى ذكرياتي معه باقية في طوايا نفسي مدى العمر:

فــلا جــزع إن فــــرق الدهــر بـيـنـــنا 
<!--

 

فكل امرئ يوماً به الدهر فاجع
<!--

    ومما زاد حزني وآلم نفسي عند زيارتي له الأخيرة بالمستشفى الجامعي وهو في حالة حرجة، وقد حاولت إدخال السرور عليه مداعباً مداعبة خفيفة مذكراً بليالينا وأيامنا الجميلة التي مضت ولن تؤوب أبداً، وما كان يتخللها من مسامرات ورحلات ممتعة تقادم عهدها، فلحظني بعينيه وهو يومئ برأسه وعيناه مغرورقتان بالدموع، وبداخله ما به من تحسر وتألم، وكأنه يقول ليس لديّ الآن متسع من الوقت في استذكار ذلك ولسان حاله يردد هذا البيت المحـزن :

لــك الله لا تــوقـــظ الــذكــــريـــات
<!--

 

وخلّ الأسى في الحنايا دفينا!
<!--

   ولك أن تتصور حالي في تلك اللحظات المشحونة بالحزن عند دنو رحيله من الدنيا وفراقه الأبـدي :

يــوم الـــوداع وهــل أبــقــيـــت فـي خـلدي
<!--

 

إلا الأسـى في حنايا القلب يستعر
<!--

 

     والعزاء في ذلك كله أنه ترك أثراً طيباً وذرية صالحة بنين وبنات تدعو له وتجدد ذكره الحسن.. غفر الله لك أبا سعود وأسكنك فسيح جناته، وألهم أبناءك وإخوتك وأم سعود، ومحبيك الصبر والسلوان..

      { إنا لله وإنا إليه راجعـون }

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة ، يوم االخميس 6 محرم 1425هـ، الموافق 26 فبراير 2004م.

( <!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 9 ربيع الآخر1425هـ ، الموافق 28 مايو2004م . 

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 224 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,356