حمد بن سلمان خلت من شخصه داره(<!--)
أظلمت بعده الديار وقد كا |
|
ن سراجاً بها وبدراً منيراً |
كان اليوم 15 من جمادى الأول عام 1399هـ يوم حزن وتفجع، لا كالأيام لدى أسرة ومحبي الأخ الكريم حمد بن عبد العزيز السلمان حيث أعلن أطباء المستشفى المركزي بالرياض أن جسمه الطاهر قد تعذر عن قبول الترياق الذي كان يمده ويغذيه عله يكون سبباً ومحاولة في مد حبل عمره، ولكن الحيل أعيتهم في إنقاذ حياته!! ، وما لبثوا أن قدموا التعزية والمواساة لأبنائه الذين فجعوا بوفاته وغيابه الأبدي(تغمده الله بواسع رحمته). قال الله في محكم كتابه العزيز: (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) سورة النحل 61 .. ويقول الشاعر:
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كل (وسيلة) لا تنفع |
وكان لنبأ وفاته وقع مؤلم ومحزن جداً لدى أسرته وعارفيه، ولقد بكاه الصغار قبل الكبار، وخيم الحزن على أجواء مساكنهم، وأسفت لفقده الأرامل والأيتام حيث كان بمنزلة الأب لهم، يطالب الجهات الحكومية المختصة بتحقيق ما يلزمهم من حوائج الدنيا كالضمان الاجتماعي وعوائد المناخ السنوية، بل وبما تحتاجه البلاد من مشاريع عامة، ولقد حزن الجميع على فراقه وغيابه عن ذاك المنزل العالي الذي ألفه الكثير ممن مر عليه أثناء حياته من ضيوف وعابري سبيل، وكأني بمن يزور تلك الواحات بعد رحيل (أبو عبد الله) يدير لحظ عينيه نحو ذاك البيت المتواضع مومياً بمقدمة رأسه متحسراً ومتأسفاً، وكأنه يستجمع شيئاً من ذكرياته مع صاحبه الذي رحل عنه، وقد خلف بعده عمراً ثانياً وذكراً حسناً تردده الأجيال على تعاقب الليالي والأيام:
دقات قلب المرء قائلة له |
|
إن الحياة دقائق وثوان |
فأحفظ لنفسك قبل موتك ذكرها |
|
فالذكر للإنسان عمر ثاني |
ومن الأشياء الجميلة المعهودة عن ـ أبوعبد الله ـ التفاني في حب بلده (الصفرات) مهوى رأسه ورؤوس آبائه وأجداده، فهو الكل في البلد بالمطالبات بإيجاد المشاريع والمصالح الحكومية، والتعريف بمن يحتاج إليه ليعمل في السلك الوظيفي الحكومي غير مكتفي بذلك بل يزور المسؤلين في مكاتبهم ملحاً في تحقيق وساطته المحمودة التي تنفع ولا تحرم أحداً من حقه، ومن الطريف الذي يؤثر عنه أنه كتب تعريفاً وتزكية مع شخص يرغب بتعيينه سائقاً بتعليم البنات إلى الشيخ ناصر بن حمد الراشد الرئيس العام لتعليم البنات المعروف عنه الحرص على التمسك بالنظام وستر الفتيات ..، فأعتذر في بادئ الأمر ولم يقبل شفاعة الأخ حمد بن سلمان بحجة أن المتقدم للوظيفة فاقد لأحدى عينيه، فما كان من حمد (أبو عبد الله) إلا أن شخص من بلده صوب الرئاسة لمقابلة الرئيس شخصياً بمكتبه قائلاً: وهو مبتسماً لو تمنينا مثل هذا الرجل ما وجدناه: أعور العين ليس له إلا عين واحده وأنف كبير عالي مستطيل يحجب رؤية العين السليمة عن البنات، فلم يتمالك الشيخ ناصر الابتسامة العريضة بعد سماع هذا الوصف اللطيف فوافق على تعيينه فوراً، فأبو عبدالله ماهر في دغدغة عواطف المسئولين حينما يصمم ويجد في طلب تحقيق ما يشفع فيه شفاعة حسنه لا تضر بالآخرين ـ رحمه الله ـ فهو بأسلوبه هذا يفتح الصدور لتلبية مطالبه الكثيرة سواء الفردية أو العمومية كالمطالبة بتذليل العقبات وتسهيل الطرق الجبلية للوصول إلى بلده وللقرى المجاورة بيسر وسهوله، والسعي في جلب الماء لأماكن التجمع السكاني لديهم .. ، والإلحاح في تحسن أوضاع المحتاجين والتخفيف من معاناتهم ، فهوـ رحمه الله ـ كمجموعة رجال في النفع وإن كان واحدا.
فليس على الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
ولقد أجاد الشاعر ابن دريد حيث يقول:
والناس ألف منهمُ كواحد |
|
وواحد كالألف إن أمر عنى |
وكان من هواياته في صغره الولع بتربية الأغنام والعمل على تناميها وتكاثرها، وعندما كبر تحول حبه إلى إبادتها وذبح صغارها وكبارها لتقديمها للضيوف ولمن يؤمهم في ديارهم، وقد اشتهر بذلك يرحمه الله، ومن الذكريات الجميلة معه أنه قد مر علينا الأستاذ / راشد بن عبدالله المبارك في جولة تفتيشية توجيهيه في مادة التربية الإسلامية واللغة العربية من قبل وزارة المعارف، فاقترح علي أن أصحبه وأرشده إلى المدرسة الابتدائية ببلد الصفرات، فما كان مني إلا أن قلت: توكلنا على الله، وحينما وصلنا إلى المدرسة قابلنا الأستاذ المدير بالترحيب وبجانبه الأخ الفاضل/ حمد (أبو عبدالله) أحد الموظفين بالمدرسة وهو ساعد المدير الأيمن وتكاد سمعته أن تغطي سمعة مدير المدرسة لما يتمتع به من هيبة وحنكة وقوة شخصية، فهو يقوم دائما بعمل المدير وبالمراسلة والمطالبة في تسديد عجز المدرسين ونواقص المقررات المدرسية، وجميع ما ينهض بالمدرسة ويكسب البلد السمعة المثلى، وفي لحظتها أشار أبو عبدالله إلى أحد المستخدمين إشارة خاصة ولم ندرك كنهها في تلك اللحظة ...، وعندما أنهى الأستاذ راشد ـ المفتش ـ مهمته استأذن ثم هممنا بركوب السيارة للاتجاه إلى مدينة حريملاء لتناول طعام الغداء بمنزلنا، فبادرنا الأخ حمد ابن سلمان قائلا تفضلوا فنجانا من القهوة، فلما دخلنا مكانه فاجأنا بمد سفرة الغداء وعليها ذبيحة غضة صغيرة متربعة على ذاك الصحن الذي ينوء بأحماله من الطعام الشهي، وهذا شأنه رحمه الله في التحايل على من يمر بديارهم. ويقال أنه قد مر عليهم أحد مديري التعليم بالرياض في جولة خاطفة على مدارس المنطقة التابعة للرياض، فما كان منه إلى أن أمر بذبح خروف سمين جزل قدم شقا منه على غداء سعادة المدير ورفاقه، والشق الأخر سلمه لهم عندما تناولوا طعام الغداء الذي تم بقوة الحيلة منه ليكون عشاء لهم، حيث يكون مبيتهم خارج الرياض وذلك لصعوبة التردد ووعورة الطرق، وكان من تحايله على من يظفر به من الزوار أن يأتي بهم إلى منزله مع طريق رملي يصعب على السيارة تجاوزه إلا بكل صعوبة ومعاناة .! ، وهذا هو ما يتمناه في اصطيادهم، وبعد تناولهم طعام الغداء أو العشاء يساعدهم على إخراج سيارتهم من الكثبان الرملية المحاذية لبيته، فكله طيب وكرم وتلذذا بما يبذله من مال وجاه، ولي مع (أبو عبدالله) ذكريات جميلة لا تغيب عن خاطري مدى الأيام، ولا يتسع المجال لذكرها، ولله در القائل:
ثناء الفتى يبقاء ويفنى ثراؤه |
|
فلا تكتسب بالمال شيئا سوى الذكر |
فقد أبلت الأيام كعبا وحاتما |
|
وذكرهما غض جديد إلى الحشر |
رحم الله أبا عبدالله رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبنائه وبناته وزوجته ـ أم عبدالله ـ ومحبيه الصبر والسلوان "إنا لله وإنا إليه لراجعون".
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
(<!--) كتبت بتاريخ 18 جمادى الآولى1399هـ، الموافق 15 ابريل 1979م.