جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الانفعال في رواية
"أثلام ملغومة بالورد"
"صابرين فرعون
ليس من السهل التحرر من ثقل الواقع، خاصة إذا كان هذا الثقل يأتي من اشخاص تربطنا بهم علاقة القربى، وإذا ما أخذنا عمر الكتاب/ة بعين الحسبان ستكون عمليه التحرر أصعب، وإذا علمنا ان الكاتب هو أنثى يتأكد لنا حجم الثقل الذي تعانيه، فالمرأة التي تتميز بمشاعرها المرهفة والناعمة، عندما تتعرض للقهر والضرب الوحشي والمعاملة القاسية، وتعاني من الظلم ومن قسوة أبيها أو أقربائها، الأخ، الخال، العم، الجدة، زوجة الأب، وعندما يكون النظام العام فاسد ويسهم في إلحاق الأذية بها وبمن تحبهم، سيكون وقعه عليها كبيرا وواضحا، من هنا يمكننا أن نبرر ـ من ناحية إنسانية ـ للساردة هذا الانفعال، فنحن نتفهم مشاعرها الإنسانية.
ولكن، كلنا يعلم أن الانفعال في الأدب مضر ولا يخدم الجمالية فيه، خاصة في الشعر، وفي الرواية يكون مضره أكبر، لأن كتابة الراوية تحتاج إلى وقت أطول من القصيدة/الديوان، ومن المفترض ان يتحرر السارد من أثر الحدث والحمة التي يتركها عليه، من هنا أعتقد أن الانفعال الواضح في هذه الرواية ـ وهو السمة الغالبة ـ قد اضر بجماليتها، لهذا نجد الساردة تهيمن على سرد الأحداث بشكل مطلق، ولم تترك لأي شخصية حرية التحدث بصوتها الخاص، أو أن تحدثنا بنفسها ودون تدخلها والاشراف على ما تقوله، فكانت الساردة هي التي تنطلق الشخوص، وتقدمهم لنا من منظورها الشخصي، وهذا أحد المآخذ على السرد في رواية "أثلام ملغومة بالورد".
الأب "فؤاد"
يمكننا الدخول إلى نفسية الساردة من خلال تناولها لشخصية الأب، فهي تقدمه لنا ـ كما هو الحال عند غالبية الروائيين ـ بصور سلبية، من مشاهد القسوة الأب: "...لكمها والدي فواد عدة لكمات بأنفها وفمها، ثم ضربها بالحزام وصبغ جسدها حتى أغمى عليها" ص19، مشهد سيتكرر في مواقف أخرى وسيكون أكثر الأب "فؤاد" أكثر وحشية وبطشا،.
الموقف السابق متعلق بالأم، فكيف يعامل أولاده؟، تجبنا الساردة: " منعنا أبي من اللعب مع باقي أطفال الحي، وأن تأخر أخواي بعد المدرسة للعب الكرة، يقيم الدنيا ويقعدها، ويسمع الحي صراخه وعقابه الجماعي لنا، يشبحهما على الحائط طوال الليل، يرفعان رجليهما اليمنى ويديهما ويبدلان الرجل واليد عند التعب ووجهاهما إلى الحائط، أمي يرميها في الخارج، وأنا يهددني بالحزام إن ناولتهما كأس ماء أو طعام، ...يسألني بجدول الضرب، وإن تأتأت، يشبحني معهما أو يرميني في الحمام ويطفئ النور ويجعلني أعيش فلم رعب، "رح تطلعلك الحية أن راسين توكلك"" ص29. مثل هذه القسوة تركت اثرها على الساردة وجعلتنا نرى الأحداث والشخصيات من منظورها فقط، ولم تتح لنا أن نعرف نفسية "فؤاد" أو التعرف على طريقة تفكيره، فكان أقرب إلى الصورة الفوتوغرافية المجردة.
تقدم لنا الساردة "فؤاد" بحالة المريض بالسادية لهذا نجده في كافة المشاهد يمارس الضرب والشتم والتكسير: "كان يغلق الغرفة بالمفتاح حتى عودته، ... دخل مثل المجنون للمطبخ ثم الحمام، ثم إلى غرفة إخوتي،، كان ينفث غضبا من منخريه ووجهه يفيض حمرة واشتعالا. رمى الحاسوب عن الطاولة فاتظم بالأرض وكسر، ثم أخذ الشاكوش وأجهز عليه وحطمه لقطع صغيرة، سحب عن والدتنا الغطاء وأخذ يضربها بالحزام في كل مكان" ص35.
العقل الباطن
لهذا نجدها في الكثير من الحالات تطلق عليه: "فؤاد" وليس "أبي"، "أمي التي تصغر فؤاد بسبع سنوات" ص14، "مرأة احتملت من فؤاد ما لا يحتمله عقل" ص15، "قام الرجال بحماية فؤاد" ص24، "يضرب فؤاد أمي" ص27، "زوجة فؤاد الثانية" ص33، "بينما ركب فؤاد معنا" ص57، "أستمتع فؤاد وهند" ص68، "ضربني فؤاد بعصا" ص 73، "حاولت التحدث مع فؤاد أنا وثابت" ص78، "اشترينا كرامتنا واعتقنا انفسنا من الذل الذي وضعنا فيه فؤاد" ص95، كان لا بد من تقديم هذه الشواهد لنتأكد أن هناك حالة انفعال عند السادرة، بحيث انعكست على طريقة تقديمه لنا، فالفظ "فؤاد" تجعله غريب عنها، ولا يمت لها بصلة.
الخال والعم والأخ
مشاهد العنف والقسوة لم تأتي من "فؤاد "فحسب" بل نجدها تصدر من خالها أيضا: "حتى هواتفنا المحمولة، كان خالي منهد يتحكم بها، ..لم يكتفي بتأنيبي، بل يلعنني ويشتمني/ ولا يسمح لأمي بالتدخل إن ركلني أو صفعني" ص38، اعتقد أن جعل غالبية المحيطين بالساردة يمارسون العنف والقسوة تجاهها، يجعلنا نميل إلى نسبه إلى حالة العنف التي تعرضت لها من "فؤاد"، فجعلها ترى/تقدم كافة المحيطين بهذه بصورة متماثلة أو قريبة من "فواد" فالخال الذي يعرف حالتها وحالة أمها الصعبة وما لاقته من "فؤاد"، كان من المفترض أن يتعاطف معها، لكن يبدو أن هناك ما يجعل الساردة أسير لمشاهد القسوة والعنف.
ونجد العم أيضا عنيف وقاس: "التقت الخالة ختام بجارة من الحي، فسلمت عليها، لكثرة الضربات التي تلقتها بعصا الكنس من عمي، لن أنسى جسدها الذي غرق بالدم وتحول معه الأيام التالية من البياض لزر الباذنجان" ص17، مشاهد القسوة تتكرر من الذكور تجاه الإناث، فالسادرة قدمتهم لنا بغالبيتهم قساة يمارسون العنف، حتى أن شقيقها "محمود" الذي تعرض معها للظلم والبطش من "فؤاد والخال مهند" نجده يمارس دور الذكور، بعد أن كبر وأصبح شابا: "... يغضب ويصرخ حتى أنه يشتمنا، وكان يضربني إن شتمتها بيني وبينه" ص77، من هنا يمكننا أن ننسب هذه التحول والنظر السوداء لشخصيات الذكور، إلى حالة العنف التي تعرضت لها الساردة من "فؤاد"، فنعكس ذلك على بقية الشخصيات فكانوا بهذه الصورة السوداء.
وإذا ما اضفنا إلى ما سبق الفساد الاجتماعي الذي يمارسه العديد من الموظفين بصرف النظر عن مهنتهم، يتبين لنا دوافع ومصادر القسوة التي جاءت في الرواية: "سمعت بالفساد الوظيفي، لكني رأيته بعيني في تقرير الطبيب الشرعي" ص59،إذن هناك سواد طاغي ومهيمن على الأحداث بحيث نكاد لا نجد أي بياض في الأحداث أو الشخصيات.
قسوة الذكور
هذا التراكم جعلت الساردة تقدم لنا المجتمع بمجمله ضمن هذه النظر السوداء، فهناك عدد كبير من الشخصيات السوداء تقدمهم بشكل متتابع ومتواصل، وهذا ما يجعلنا نتأكد على أن هناك تأثير كبير تركه "فؤاد" عليها، بحيث لم يتح لها أن ترى أي بقعة ضوء في الأفق، من هنا نجدها ترفض الاقتران بأي رجل، وتجدهم وحوش بصور بشر: "هل نسيتي المرأة التي جاءت تطلبني لابنها وادعت أنه طلق زوجته، ... أنه سكير حقير لم يطلق زوجته وكان يعذبها بشفرة الحلاقة ويترك علامات على رحمها ويتركها تنزف من بين فخذيها.
أم نسيت ذلك المتعلم الذي أعجبكم حسن خلقه واشترط علي لبس النقاب ثم تنازل قليلا وقال جلباب فضفاض ولن يسمح بارتداء عباءة لأنها ليست من الشرع؟ أم نسيت طبيب الجراحة الذي منذ تكلمت والدته وهي تخبرك أني أعجب ابنها لكنه يرى حوضي كبير ومع الأنجاب سيصير شكلي كالبطيخة ويريدني أن أنحف؟" ص93.
الأثر النفسي
يظهر لنا الأثر النفسي السلبي على الساردة في أكثر من موضع، منها: "وافقت على الجلباب بحنق، وأضمرت بيني وبين نفسي أن أتحرر منه وأخلعه عندما أصير في لجامعة، ولم أفعل بعدها خوفا من ألسنة الناس والتعرض لغضب فؤاد" ص32، وكأن الضحية التي تعرضت لكم كبير من القمع والقسوة، ترك فيها أثرا سلبيا على التحول أو التجديد، لهذا نجدها أسيرة لما خضعت له في السابق، ولم تستطع ان تتحرر منه، رغم تقديم التبريرات والتعليلات لهذا الخضوع.
وتؤكد لنا أن مواقفها السلبية من الرجال ناتجة عن حالتها النفسية من خلال هذه الفقرة: "سيسيء بعضكم فهمي حين أقول: لم يكن للرجل مكان في حياتي، عايشته وحشا بشريا يضرب ويهين ويؤذي لفظيا ويرمي بحمله على المرأة، فألغيت فكرة أن أضع رأسي في فراش قرب رجل أنفاسه بمواجهة أنفاسي، يشاركني التفاصيل الحميمة ويفرض سطوته علي في ملبسي أو عملي ولا يتيح لي اختيار ما أريده أو يحدد علاقاتي بأهله وأهلي ويمنعني من القراءة والكتابة والاستقلالية بكينونتي" ص96و97، قبل التوقف عند تفاصيل الفقرة السابقة، نوضح أنه تم نقل الفقرة السابقة كما جاءت تماما، ولم يجري أن تغيير من أضافة أو نقصان عيها، الملاحظة الأولى: أن الفكرة التي تحملها، تؤكد النظر السبية والسلبية جدا تجاه الذكور/الرجال، والملاحظة الثانية: أن الساردة لم تضع أي فواصل أو نقاط يتوقف عندها المتلقي إلا فاصلين، رغم طول الفقرة، وهذا يشير ويؤكد على حالة الانفعال والانحياز لمشاعرها ولعاطفتها أكثر منه إلى مكانتها كساردة لنص أدبي روائي، من المفترض أن تكون محايدة فيما تقدمه للقارئ، والملاحظة الثالثة: أنها بدأت الفقر بمحاطب القارئ مباشرة: "سيسيء بعضكم فهمي حين أقول" فمثل هذه الفاتحة لا بد أن تحمل شيء من المكنون الداخلي للساردة، فعندما اشارت إلى "سوء الفهم" كانت تقصد الفهم وليس عدم الفهم، أو إساءة الفهم، وكأنها تقول للقارئ: "أنتبه غلى ما أعاني من ألم" وهذا ما يجعل القارئ يتعاطف معها ويميل إليها، بمعنى أنها تستجده وتطلبه ليتقدم منها.
والملاحظة الرابعة: نجدها عندما تحدثت عن العلاقة الجسدية قالت: "فألغيت فكرة أن أضع رأسي في فراش قرب رجل أنفاسه بمواجهة أنفاسي، يشاركني التفاصيل الحميمة" قبل هذا المقطع نجدها تضع فاصلة، وبعد كلمة "أنفاسي" وضعت فاصلة ثانية، وهما الفاصلتين الوحيدتين في الفقرة السابقة فقط، وهذا يشير إلى أن الساردة أخذت راحلة نفسيا من خلال الفاصلة، وكأنها تقدم على فعل خطير وصعب، وتريد أن تحدثنا به أوعنه، وفعلا هو فعل وحدث غير متناسب والظروف التي تعرضت لها من قبل الذكر، لهذا نجدها تأخذ راحة قبل أن تخبرا بما فيها من مشاعر، وأخيرا نجد بعد الفاصلة عبارة "يشاركني التفاصيل الحميمة" وهي عبارة بيضاء تؤكد على أن هناك ميل عند الساردة تجاه القيام بمثل هذا اللقاء، وإلا ما استخدمت تعبير "الحميمة"، كل هذا يجعلنا نقول أن الساردة تعاني من ألم القهر الذي مارسه "فؤاد"، فانعكس على نظرتها على بقية الرجال، بحيث تجدهم متوحشين كما كان "فؤاد" لكن الفقرة السابقة تؤكد لنا رغباتها ـ في الا شعور ـ بالرجال وبإقامة علاقة جسدية كحال أي امرأة.
ملاحظات على الرواية
هناك بعض الملاحظات في السرد وتبدو من وجه ونظري غير ضرورية كما هو الحال عندما تحدث في الصفحة 22 عن المزروعات التي كانت جدتها "عزيزة" تزرعها، فتبدو لنا مبالغ فيها وكان الاجدر ان تختصر، لأنها طويلة جدا وتبدو وكأن الساردة طالبة عليها أن تجيب المعلمة عن سؤال متعلق بأنواع المزروعات.
ونجدها وبسرعة ودون مقدمات تقدم لنا "فؤاد" رجل ثري ولا يهتم بالمال: "عرض فؤاد على الموظفين المتضررين "10000" دينار أردني لإسقاط حقهما" ص71، وهذا يعد قفز على ما قدم عن شخصية "فؤاد"
الرواية من منشورات فضاءات للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2018
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية