دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

أنا مؤدّب. أجل، و بدرجة عالية. أصغي بجشع إلى الصمت. أرنو إلى السّكون..ها هي أزرار قميص الغيمة تتفتّق عن فتحاتها.. للغيمة أكمام من فوق قميص أبيض.. أزرار الأشياء ترقصُ وهي تتفتّق.. للأزرار إيقاع نورانيّ.. للأزرار ضوء إيقاعيّ الانسياب.. الضوء تحوّل زرّا.. والإيقاع كذلك أزرار تتناتر في كلّ اتّجاه.. نسمات هواء ذو برودة رخيّة تستجمع نعومةَ مطر قادم.. نسمات هواء تهبّ بثراء بحمولة محمومة من نغَـم.. ثمّة مغامرة خصيبة في الرّوح.. هي مغامرة للرّوح، معبرها الجسد العابر إلى أفقٍ من لهاث بنفسجيّ و بخارٍ بكلّ التّلاوين .. ألوان شهوانيّة تخدّر اليقظة..
كان ثمّة روح ثمِلة تنهض لثمْلةٍ أخرى.. أشياء في الروح تكسر أكفانها.. و ما أكفان الرّوح؟: روح لا تستجيب استيقاظا لجسد يجتهد أن يكون لنفسه بنفسه لا غير.. جسد مغرور ببراعاته التي لا توقظ الرّوح.. و من الأكفان أنْ لا تزامنَ في تناغم حالات جنون الجسد و جنون الرّوح..
ماذا في طيّات الغيمة البيضاء المكنونة بسواد خاطف؟ اللحظة الأبعد هي تلك التي تتكسّر أبدا ولا تنكسر مطلقا.. نخالها كانت فإذا هي زيْـغ و انفلات يتواتر في اطّراد.. 
- اششت.. اممم..
- أعشق هذا الصّمتَ.. أشتقّ من أصوات اششتْ فِـعْــلا: أشَشْتُ. و أقوله: أشَشْتُ..
الغيمة التي تتأهّب للنّحيب البطيء تتلألأ بالدّمع.. الغيمة الصّامتة المزدحمة بمطر الأنين، باللّهاث البنفسجيّ المشتّت، بعطشها المنسكب على يبس العالم، تؤرّخ لبخار الأرض الصاعد.. تؤرّخ لسيادة النّار تُطفئها فلا تخبو.. أنا صمتٌ لهِـــبٌ.. أنا لهَبٌ صَموتٌ.. 
تحدّق الغيمة في التّراب و هي تنزل فيه.. يحدّق التّراب في الغيمة و هو يصعدها.. وجهها يأكل وجهَه. وجهه يكلأ وجهها.. و لا يستقرّ المتناظران على التّناظر.. تضحك الغيمة خجلا من صرامة الشهوة في وجه التّراب.. تضحك.. يشرب التّرابُ الضّحك. يكون لضحكها في روح التّراب فعل منسكبٌ.. الانسكابُ صوتٌ . الصوت ماء.. كيف توصَف البرهة الخاطفة ! يخطف الصّوتُ الرّوحَ من مسافاتها الفارغة.. يملؤها بنكهة خلاّبة، لها بَرْقة الحلم الصّافي، لها من طُعوم الغلمة مساغ. لها رائحةُ جذلٍ فريد، لها مرأى مكتمل الوضَح من خلال حُجُب الغموض.. تهمس الغيمة :"اشششت".. و لهِجتْ بضحِكٍ حريريّ ..
يئنّ التّراب: 
مزيدا من لهاث اللّهفة كي أمتثل لصمت العطش.. أطلب الأنْفاسَ لا شيء غيرها يمطرني.
لا شيء غير الأنفاس و الضّحك و اللّهاث، ورائحة البخار السّخن الوارد من سماء بعيدة.. هذا ما يمنح الكائنَ أقساطَ اللّهفة المرتجاة المتصاعدة.. كلّ ما تجاوز العطاءَ الصّامت المحكوم ب"اششت"، فهو مزوّر مشبوه، هو لا يمْنحْـَـنّك مسافة اللهفة التي يطلبها الكمال، و لا احتمالَ تشكيل المتعة التي ينسجها الخيال.. هو مُتعة صادمة، سرعان ما تنطفئ.. 
تعالي أيّتها الغيمة.. أغدقي عليّ السحرَ الكتيم.. هات وجهكِ اللّهفان.. و أمطري..
ليس الجنسُ مجرّد لقاءٍ لجسديْن موسوم بلحظته السّخنة المباشرة.. ليسهُ مباشرةَ البشرةِ للبشرة. احتكاكا.. ليست الشّهوة برْقا.. هي برْقٌ طويل، خُلّبٌ خلاّبٌ و طويل(يجدر بها أن تكون) .. ليست الشهوة سوى اتصال متقطّع. ليست سوى انقطاع متّصل.. إنِ الحبّ إلاّ مصاحباتُ الحبّ.. مصاحبات الجسد إبّان تجسّده هو أن نقوى على استحضار كلّ المجرّدات المحلّقة في لحظة التجسّد.. ما سُمّي الجسد جسدا إلاّ لأنّه يتجسّد، موكول له هذه السّمة.. و ما سُمّيت الرّوح روحا إلاّ لأنّها تغدو و تروح.. تتفشّى في الكون،ذرّاته و التّفاصيل القصيّة..
الروح التي ترتديها تلك الغيمة رخيمة.. أسمع و أنا فيها، خريرا،. و نقراتٍ من ضوء.. 
مصاحبات الجسد هو أن تجعل المجرّدات بما في ذلك الرّوح، تحطّ من شواهقها، لتراقبَ الجسدَ عن كثب، تأمره،أن يتوهّج بإتقان، تعضده في خذلانه إن تخاذل، تلومه على أداء مشوّه منقوص.... ليس الحبّ سوى أشواط تترى من الخيال الحافّ بالحقيقة لديمومة ملحوظة.. على تلك الدّيمومة أن تكون ملحوظة مغذّية و عذبة ..
- أيّتها الغيمة، حرّضي بالخيال يُبْسي على أن ينفتح لاستقبال مصاحبات جسدك.. هذا هو الأمر البارع..
___________ 
سيف الدّين العلوي
مقطع من رواية قادمة

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 4 يناير 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

580,790