أنا عادة لا أثرثر كثيرا عن كيف أكتب رواياتي..؟ لكن ولادة رواية كمون تنفع تكون رواية في حد ذاتها!!
نشرت فى 30 يناير 2018
بواسطة magaltastar
أنا مؤدّب. أجل، و بدرجة عالية. أصغي بجشع إلى الصمت. أرنو إلى السّكون..ها هي أزرار قميص الغيمة تتفتّق عن فتحاتها.. للغيمة أكمام من فوق قميص أبيض.. أزرار الأشياء ترقصُ وهي تتفتّق.. للأزرار إيقاع نورانيّ.. للأزرار ضوء إيقاعيّ الانسياب.. الضوء تحوّل زرّا.. والإيقاع كذلك أزرار تتناتر في كلّ اتّجاه.. نسمات هواء ذو برودة رخيّة تستجمع نعومةَ مطر قادم.. نسمات هواء تهبّ بثراء بحمولة محمومة من نغَـم.. ثمّة مغامرة خصيبة في الرّوح.. هي مغامرة للرّوح، معبرها الجسد العابر إلى أفقٍ من لهاث بنفسجيّ و بخارٍ بكلّ التّلاوين .. ألوان شهوانيّة تخدّر اليقظة..
كان ثمّة روح ثمِلة تنهض لثمْلةٍ أخرى.. أشياء في الروح تكسر أكفانها.. و ما أكفان الرّوح؟: روح لا تستجيب استيقاظا لجسد يجتهد أن يكون لنفسه بنفسه لا غير.. جسد مغرور ببراعاته التي لا توقظ الرّوح.. و من الأكفان أنْ لا تزامنَ في تناغم حالات جنون الجسد و جنون الرّوح..
ماذا في طيّات الغيمة البيضاء المكنونة بسواد خاطف؟ اللحظة الأبعد هي تلك التي تتكسّر أبدا ولا تنكسر مطلقا.. نخالها كانت فإذا هي زيْـغ و انفلات يتواتر في اطّراد..
- اششت.. اممم..
- أعشق هذا الصّمتَ.. أشتقّ من أصوات اششتْ فِـعْــلا: أشَشْتُ. و أقوله: أشَشْتُ..
الغيمة التي تتأهّب للنّحيب البطيء تتلألأ بالدّمع.. الغيمة الصّامتة المزدحمة بمطر الأنين، باللّهاث البنفسجيّ المشتّت، بعطشها المنسكب على يبس العالم، تؤرّخ لبخار الأرض الصاعد.. تؤرّخ لسيادة النّار تُطفئها فلا تخبو.. أنا صمتٌ لهِـــبٌ.. أنا لهَبٌ صَموتٌ..
تحدّق الغيمة في التّراب و هي تنزل فيه.. يحدّق التّراب في الغيمة و هو يصعدها.. وجهها يأكل وجهَه. وجهه يكلأ وجهها.. و لا يستقرّ المتناظران على التّناظر.. تضحك الغيمة خجلا من صرامة الشهوة في وجه التّراب.. تضحك.. يشرب التّرابُ الضّحك. يكون لضحكها في روح التّراب فعل منسكبٌ.. الانسكابُ صوتٌ . الصوت ماء.. كيف توصَف البرهة الخاطفة ! يخطف الصّوتُ الرّوحَ من مسافاتها الفارغة.. يملؤها بنكهة خلاّبة، لها بَرْقة الحلم الصّافي، لها من طُعوم الغلمة مساغ. لها رائحةُ جذلٍ فريد، لها مرأى مكتمل الوضَح من خلال حُجُب الغموض.. تهمس الغيمة :"اشششت".. و لهِجتْ بضحِكٍ حريريّ ..
يئنّ التّراب:
مزيدا من لهاث اللّهفة كي أمتثل لصمت العطش.. أطلب الأنْفاسَ لا شيء غيرها يمطرني.
لا شيء غير الأنفاس و الضّحك و اللّهاث، ورائحة البخار السّخن الوارد من سماء بعيدة.. هذا ما يمنح الكائنَ أقساطَ اللّهفة المرتجاة المتصاعدة.. كلّ ما تجاوز العطاءَ الصّامت المحكوم ب"اششت"، فهو مزوّر مشبوه، هو لا يمْنحْـَـنّك مسافة اللهفة التي يطلبها الكمال، و لا احتمالَ تشكيل المتعة التي ينسجها الخيال.. هو مُتعة صادمة، سرعان ما تنطفئ..
تعالي أيّتها الغيمة.. أغدقي عليّ السحرَ الكتيم.. هات وجهكِ اللّهفان.. و أمطري..
ليس الجنسُ مجرّد لقاءٍ لجسديْن موسوم بلحظته السّخنة المباشرة.. ليسهُ مباشرةَ البشرةِ للبشرة. احتكاكا.. ليست الشّهوة برْقا.. هي برْقٌ طويل، خُلّبٌ خلاّبٌ و طويل(يجدر بها أن تكون) .. ليست الشهوة سوى اتصال متقطّع. ليست سوى انقطاع متّصل.. إنِ الحبّ إلاّ مصاحباتُ الحبّ.. مصاحبات الجسد إبّان تجسّده هو أن نقوى على استحضار كلّ المجرّدات المحلّقة في لحظة التجسّد.. ما سُمّي الجسد جسدا إلاّ لأنّه يتجسّد، موكول له هذه السّمة.. و ما سُمّيت الرّوح روحا إلاّ لأنّها تغدو و تروح.. تتفشّى في الكون،ذرّاته و التّفاصيل القصيّة..
الروح التي ترتديها تلك الغيمة رخيمة.. أسمع و أنا فيها، خريرا،. و نقراتٍ من ضوء..
مصاحبات الجسد هو أن تجعل المجرّدات بما في ذلك الرّوح، تحطّ من شواهقها، لتراقبَ الجسدَ عن كثب، تأمره،أن يتوهّج بإتقان، تعضده في خذلانه إن تخاذل، تلومه على أداء مشوّه منقوص.... ليس الحبّ سوى أشواط تترى من الخيال الحافّ بالحقيقة لديمومة ملحوظة.. على تلك الدّيمومة أن تكون ملحوظة مغذّية و عذبة ..
- أيّتها الغيمة، حرّضي بالخيال يُبْسي على أن ينفتح لاستقبال مصاحبات جسدك.. هذا هو الأمر البارع..
___________
سيف الدّين العلوي
مقطع من رواية قادمة
نشرت فى 4 يناير 2018
بواسطة magaltastar
" حياة لا لغو فيها و لا تأثيم"
كثر اللغو، منذ الصباح: العصافير تزقزق على نحو جنوني التواتر. كانت تحتفل بالفجر... الشمس تلغو هي الأخرى بالنور.. ثمة زبد من شعاع يندلق على رطوبة العالم و يحدث- و هو يفعل- وشوشة من ضوء. كنت في الفراش أستعيد أنين الحلم.. ألمملم شتيت دندناتِه المضمحلّة. كنت أرغب في أن يذكّرني الأنين ببعض التفاصيل الهاربة المنفلتة عن نسيج التذكّر.. كنت في الفراش أصغي إلى تنهيدات جريحة كأنها لوحة ترتسم عليها حقائق المتنهد الكتيمة.
كان لونُ الأنين المسترجَعُ داكنا.. و لونُ الأنينِ جريح التنهّد، أحمر مشربًا بدكنة ...إنّ الأشياء تثرثر. ليس ذلك مجرد ضرب من هوس المجاز. إنه حقيقة ما ... إنّ العصافير و الشعاع وحفيف الرّيح الخفيف خارج المنزل، و صوت البرّاد حين يمتلئ في غرفة المطبخ بالكهرباء الشاحن، وكذلك حين يغرغر قبل لحظة الفراغ من الشبع ... كلها تثرثر كما يثرثر الأنين الفصيحُ و الأنينُ الصَّموتُ، و الألم الصادق و الوجع المفتعل...
هكذا الأشياءُ تعشق اللغوَ!
إن القِـدْر التي تضعها زوجتي على النار لتنكحها بلطف فتبدأ في الغليان و النشيش، و لا تكفّ و هي تنشْـنـش، عن الثرثرة.. إنّ زوجتي و هي تدلق في القِدْرِ الماء ليصمتَ، تُحدثُ لغْـو سَكْبِ الماء.. إنّ الحنفيـّة إذْ تنزفُ ماءها، يسيل منها خرير قبيح ثرثار.. إنّ صوت مروحة الحاسوب و هي تصهل على المحرّك لتـقـِيَه من الحرارة و العطب، تثرثر بدرجة تثير الأعصاب و تشوّش التركيز وتـُرْدي الصمت طعينا...
إنّني، و أنا أسترجع تفاصيل صوت والدي و نافذيّـتـَه الجهْـورية الخارقة أشعر بعنفوان العالم و باكتمال لهَبِ الرجولة (قبل أن أهتدي إلى تعديل المفاهيم) لكنني أتذوّق طعمَ الضوضاء المالحَ.. إنني الآن أكره المدينة لأنها الضجيجُ المثرثرُ (سيارة إسعاف أو سيارة الحماية المدنية لإطفاء حريق ما مندلع أو حريق ما جاهز للإندلاع، لا تنقطع صفاراتها.. مكبحُ سائقي السياراتِ، و هم يُقـِضّونَ صمتَ الإسفلت بطرائقِ الكبْحِ المذعورة و حَـكِّ العجلات على الطرقات... صوت الدراجات النارية حيث نـشاهد استعراضًا شبابيًّأ في غير مضمار .. يذكّرني هذا برياضة دريفت التي حدّثني عنها ولدي ذات ولع... الأغاني التي تُبــَثّ في محلات الأكشاك التي تنتهك عفة الشارع وتشوّش صفاء الذهن المُشوَّشِ بغير غِناء، أشياء أخرى كَــثيرة من مصادر الضجيج والصخب و اللغو و الثرثرة، كلّ ذلك يدفعني (للمقارنة لا غير) إلى استحضار مشهد المدينة في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي مثلا، حيثُ لا يسودُ الضجيجُ والطّمثُ.. أو، تصحيحا، حيث كانت الحياة تتأهّب لأن تُفتضّ على نحو تدريجيّ مسالم وصاف..
أفرّ إلى الريف..
----------
سيف الدّين العلوي
من رواية قادمة
هكذا الأشياءُ تعشق اللغوَ!
إن القِـدْر التي تضعها زوجتي على النار لتنكحها بلطف فتبدأ في الغليان و النشيش، و لا تكفّ و هي تنشْـنـش، عن الثرثرة.. إنّ زوجتي و هي تدلق في القِدْرِ الماء ليصمتَ، تُحدثُ لغْـو سَكْبِ الماء.. إنّ الحنفيـّة إذْ تنزفُ ماءها، يسيل منها خرير قبيح ثرثار.. إنّ صوت مروحة الحاسوب و هي تصهل على المحرّك لتـقـِيَه من الحرارة و العطب، تثرثر بدرجة تثير الأعصاب و تشوّش التركيز وتـُرْدي الصمت طعينا...
إنّني، و أنا أسترجع تفاصيل صوت والدي و نافذيّـتـَه الجهْـورية الخارقة أشعر بعنفوان العالم و باكتمال لهَبِ الرجولة (قبل أن أهتدي إلى تعديل المفاهيم) لكنني أتذوّق طعمَ الضوضاء المالحَ.. إنني الآن أكره المدينة لأنها الضجيجُ المثرثرُ (سيارة إسعاف أو سيارة الحماية المدنية لإطفاء حريق ما مندلع أو حريق ما جاهز للإندلاع، لا تنقطع صفاراتها.. مكبحُ سائقي السياراتِ، و هم يُقـِضّونَ صمتَ الإسفلت بطرائقِ الكبْحِ المذعورة و حَـكِّ العجلات على الطرقات... صوت الدراجات النارية حيث نـشاهد استعراضًا شبابيًّأ في غير مضمار .. يذكّرني هذا برياضة دريفت التي حدّثني عنها ولدي ذات ولع... الأغاني التي تُبــَثّ في محلات الأكشاك التي تنتهك عفة الشارع وتشوّش صفاء الذهن المُشوَّشِ بغير غِناء، أشياء أخرى كَــثيرة من مصادر الضجيج والصخب و اللغو و الثرثرة، كلّ ذلك يدفعني (للمقارنة لا غير) إلى استحضار مشهد المدينة في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي مثلا، حيثُ لا يسودُ الضجيجُ والطّمثُ.. أو، تصحيحا، حيث كانت الحياة تتأهّب لأن تُفتضّ على نحو تدريجيّ مسالم وصاف..
أفرّ إلى الريف..
----------
سيف الدّين العلوي
من رواية قادمة
نشرت فى 29 يوليو 2017
بواسطة magaltastar
اذا تفقد الأشياء بريقَها بسرعة فائقة؟
تلك المرأة فقدتْ لمعةَ بريقها الأوّل، لم تعدْ ذات لمعان كما دشنتُها أوّل مرّة.. كان عليها أن تظلّ جميلة. كان عليها أنْ تزداد حُسْنا كلّما تقدّمنا في السنّ.. الجمالُ بديلٌ بصريّ لمرحلةِ خراب الكائن الجسديّ المُعوّل على اللمس و الشمّ و الذّوق و السمع.. البصرُ حظّ الشيخوخة - هيهات - من المتعة.. لا شكّ أنّتلك المرأة جميلة (أوَ هكذا أصفُها، هل أتغزّلُ بمفاتن قديمة أم بمرحلة نضج جماليّ متبدّل؟. و إلاّ، دعونا من الوصف.. أنا رجلٌ غيّورٌ، على درجة عالية من الأنانيّة، حبِّ امتلاك الأنثى.. وقد أسمحُ لنفسي بما لا أشرّعُ إتاحتَه لأيّ كان).. و لكنها لم تَعُدْ كذلك، بمقياس أنّها لم تعد فاتنة فاتكة.. يمكنُ أن نُحيل على ارتخاء ذلك التماسك الجسديّ، ذلك التّـشادّ، تلك الطراوة المتيبّسة. البشرةُ على غرار ذلك تذوي و مضاتُها.. اسمحوا لي بما يلي:
فيما مضى كانتْ، إذا قرّرنا الانتماء الحميميّ إلى يختنا الليليّ، تلمعُ .. هكذا إذن، مع تقدّم العمرِ تتراخي القدراتُ. تلك الطّاقة الجنسيّة و ذلك الانفعال الحيّ، ينطفئان.. و لكن تبقى متعة تلمّظ الجمال بالبصرِ أفضل المُتَعِ على الإطلاق. لماذا نُحْرَمُ منها؟ أنا أيضا صرتُ قبيحا. يعني صرتُ أقبحَ ممّا كنتُ. ها نحن نتشابهُ مرّة أخرى في مستحيلاتٍ فيزيولوجيّة خاضعة لفعلِ عربة أو اثنتيْن،مرّتا علينا،من عرباتِ الزمن السّاحق.. و نحن كذلك نلتقي في مرحلة من مراحل هستيريا الليل الظّامئ، فوق تختنا الزوجيّ: " في الأحقاب التي يتدفّقُ فيها التاريخ بمثل هذا التهوّر، تنبثقُ الحياةُ اليوميّة عاجلا أم آجلا من الظلِّ، و يظهرُ السريرُ الزوجيّ في تفاهته الهائلة و استمراريّتِه المذهلة" ألم يقل أحدهم(لا أذكر من يكون) هذا الكلام الخطير؟. ( إذن، يجوز لي أن أستنتج: التخت الزوجيّ كون سرّيّ، التخت الزوجيّ سرّ كونيّ..).
فيما مضى كانتْ، إذا قرّرنا الانتماء الحميميّ إلى يختنا الليليّ، تلمعُ .. هكذا إذن، مع تقدّم العمرِ تتراخي القدراتُ. تلك الطّاقة الجنسيّة و ذلك الانفعال الحيّ، ينطفئان.. و لكن تبقى متعة تلمّظ الجمال بالبصرِ أفضل المُتَعِ على الإطلاق. لماذا نُحْرَمُ منها؟ أنا أيضا صرتُ قبيحا. يعني صرتُ أقبحَ ممّا كنتُ. ها نحن نتشابهُ مرّة أخرى في مستحيلاتٍ فيزيولوجيّة خاضعة لفعلِ عربة أو اثنتيْن،مرّتا علينا،من عرباتِ الزمن السّاحق.. و نحن كذلك نلتقي في مرحلة من مراحل هستيريا الليل الظّامئ، فوق تختنا الزوجيّ: " في الأحقاب التي يتدفّقُ فيها التاريخ بمثل هذا التهوّر، تنبثقُ الحياةُ اليوميّة عاجلا أم آجلا من الظلِّ، و يظهرُ السريرُ الزوجيّ في تفاهته الهائلة و استمراريّتِه المذهلة" ألم يقل أحدهم(لا أذكر من يكون) هذا الكلام الخطير؟. ( إذن، يجوز لي أن أستنتج: التخت الزوجيّ كون سرّيّ، التخت الزوجيّ سرّ كونيّ..).
------------
سيف الدّين العلوي
مقطع سرديّ من رواية بصدد المراجعة
نشرت فى 28 يوليو 2017
بواسطة magaltastar
القِصرُ و الطّولُ، بهما يُقاسُ العلوُّ و الانخفاضُ. و تتحدّدُ من خلالهما المسافة، أيّ مسافة.. و يتقابلُ تَبعًا لهما الأعلى و الأسفلُ – الذّرى و السّفوح – الطّوْلُ (بِفَتْح الطّاء وتسكين الواو) و القُصورُ – القريبُ والبعيد – الفسيحُ والضيّق..
لنتأمّلْ مثلاً هذا التّجانسَ الصوتيّ بين زوجيْ الطُّولِ و القِصَرِ/ الطَّوْلِ و القُصور.. إنّ جزءًا من حكايتي مقتصِرٌ على هذيْن الزّوجيْن.. أحسُّ أنّني بلغتُ في هذا الطّورِ من حياتي البهيجة مرحلة الإحساسِ بالقِصَـرِ (وما سيليه من قُصورٍ سيكونُ بديهيّا). إنّ الأشياءَ، جُـلّ متعلّقاتي في هذا التـوِّ، تتوقّفُ عن وظائفِها، تتقلّصُ، و تدخلُ طور الثبوت.. لا بدّ أنّ هذه التجلياتِ هي إحدى مَحَطّاتِ النّكوصِ الأكبر..
أنا أبصِرُ، أتمتّعُ منذ انزلاقي إلى الطين (طين ينزلقُ في الطّين انزلاقيْن مُتتاليَيْن؟) بنعمةِ عطاءٍ إلهيٍّ قد لا يتمتّعُ بها غيري- حاسّة البصر الكاملة (حتّى إشعارٍ آخر).. ذلك فضلٌ إلهيّ.. نتاجًا لهذا الفضْلِ، أنا أتمتّعُ (ينبغي بالضّرورة) بملَكَةِ بلوغِ الأشياءِ البعيدة.. إنّ بلوغ الأشياءِ البعيدة يعني قدرةٌ على أن أطولَ ببصري النّائياتِ (لستُ مع ذلك أدّعي الانتسابَ إلى نسلِ زرقاءِ اليمامة). وأنْ أبلُغَ بتلك الحاسّةِ المنعومِ بها عليّ، ارتفاعًا عموديًّا بصَريًّا مُحترَمًا، و امتدادًا أفُقيًّا مَسْحِيًّا يُحْكَمُ له بنسبةٍ من الكفاءةِ المائزة.. و الحديثُ يتعلّقُ طبْعًا بالرؤية، أيْ بالتمكّنِ البَصَريِّ.. لقد أتاحَ لي هذا التمكّنُ البصَريّ مِن الإحاطةِ البصَرَيّةِ بالمرئيّاتِ قريبِها و نائيها (نسْبيًّا، فأنا لا أدّعي في ذلك الإطلاقَ)..
لقد أتاحتْ لي عينايَ أنْ أتذوّقَ مُسَخّراتِ الطّبيعة و البشرِ (أهمّ مُسَخّرات كونيّة في اعتقادي):
ها تتراءى أمامي طرقاتٌ جميلة و شوارع شيّـقةُ الضّوضاءِ ..
ها تنبثقُ كائناتٌ جميلة (كثيرٌ منها دميمٌ) في الطّرقاتِ.. تتلخّصُ الكائناتُ والأشياءُ الجميلة كلّها عندي في امرأة جميلةٍ (لا بُدّ منْ تحديد مقاييس الجمالِ التي إليها أشيرُ.. و لكنّي لا أستطيعُ تحديدها رغم اطّلاعي على فلسفةِ الأنوثة، إذ اكتشفتُ أنّه لا يُمكنُ أنْ يُنَظّرَ لها أو أنْ تُخْتزَلَ أو تُدرَجَ ضمنَ مقولاتٍ مفهوميّة.. استنتجتُ إذنْ أنّ الأنوثةَ فلسفةٌ غير خاضعة للتصنيف... و مع ذلك تختزلُ نشيدَ العالم.. )..
ها تتراءى فوقي سماءٌ أنثى، مُطرّزةٌ بالزرقةِ حيناً، موشومةٌ بالغيْمِ آخرَ. وتارةً عاوية طعينةُ بَرْقٍ فحْلٍ صريعة رعْدٍ طاحن، و طوراً، متوّجة بزينةٍ الكواكبِ، و محروسة بالشّهُبِ الثّـواقب..
ها تتراءى حواليّ صحراءٌ جديرة بالإحساس بالهولِ .. ثمّة أمام عينيّ كثبان.. طينٌ، تراب.. خواء قاحل ( ليس في الخواء القاحل ما يعنُّ لكمْ مِن الوحشة الفاحشة، و لا من القبحِ الضّاري. ثمّة جمالٌ مُتوارٍ، قِفْ تجدْه في الدّاخل.. ).
أنا أبصِرُ، أتمتّعُ منذ انزلاقي إلى الطين (طين ينزلقُ في الطّين انزلاقيْن مُتتاليَيْن؟) بنعمةِ عطاءٍ إلهيٍّ قد لا يتمتّعُ بها غيري- حاسّة البصر الكاملة (حتّى إشعارٍ آخر).. ذلك فضلٌ إلهيّ.. نتاجًا لهذا الفضْلِ، أنا أتمتّعُ (ينبغي بالضّرورة) بملَكَةِ بلوغِ الأشياءِ البعيدة.. إنّ بلوغ الأشياءِ البعيدة يعني قدرةٌ على أن أطولَ ببصري النّائياتِ (لستُ مع ذلك أدّعي الانتسابَ إلى نسلِ زرقاءِ اليمامة). وأنْ أبلُغَ بتلك الحاسّةِ المنعومِ بها عليّ، ارتفاعًا عموديًّا بصَريًّا مُحترَمًا، و امتدادًا أفُقيًّا مَسْحِيًّا يُحْكَمُ له بنسبةٍ من الكفاءةِ المائزة.. و الحديثُ يتعلّقُ طبْعًا بالرؤية، أيْ بالتمكّنِ البَصَريِّ.. لقد أتاحَ لي هذا التمكّنُ البصَريّ مِن الإحاطةِ البصَرَيّةِ بالمرئيّاتِ قريبِها و نائيها (نسْبيًّا، فأنا لا أدّعي في ذلك الإطلاقَ)..
لقد أتاحتْ لي عينايَ أنْ أتذوّقَ مُسَخّراتِ الطّبيعة و البشرِ (أهمّ مُسَخّرات كونيّة في اعتقادي):
ها تتراءى أمامي طرقاتٌ جميلة و شوارع شيّـقةُ الضّوضاءِ ..
ها تنبثقُ كائناتٌ جميلة (كثيرٌ منها دميمٌ) في الطّرقاتِ.. تتلخّصُ الكائناتُ والأشياءُ الجميلة كلّها عندي في امرأة جميلةٍ (لا بُدّ منْ تحديد مقاييس الجمالِ التي إليها أشيرُ.. و لكنّي لا أستطيعُ تحديدها رغم اطّلاعي على فلسفةِ الأنوثة، إذ اكتشفتُ أنّه لا يُمكنُ أنْ يُنَظّرَ لها أو أنْ تُخْتزَلَ أو تُدرَجَ ضمنَ مقولاتٍ مفهوميّة.. استنتجتُ إذنْ أنّ الأنوثةَ فلسفةٌ غير خاضعة للتصنيف... و مع ذلك تختزلُ نشيدَ العالم.. )..
ها تتراءى فوقي سماءٌ أنثى، مُطرّزةٌ بالزرقةِ حيناً، موشومةٌ بالغيْمِ آخرَ. وتارةً عاوية طعينةُ بَرْقٍ فحْلٍ صريعة رعْدٍ طاحن، و طوراً، متوّجة بزينةٍ الكواكبِ، و محروسة بالشّهُبِ الثّـواقب..
ها تتراءى حواليّ صحراءٌ جديرة بالإحساس بالهولِ .. ثمّة أمام عينيّ كثبان.. طينٌ، تراب.. خواء قاحل ( ليس في الخواء القاحل ما يعنُّ لكمْ مِن الوحشة الفاحشة، و لا من القبحِ الضّاري. ثمّة جمالٌ مُتوارٍ، قِفْ تجدْه في الدّاخل.. ).
---------------
سيف الدّين العلوي من رواية قادمة
نشرت فى 28 يوليو 2017
بواسطة magaltastar
مجلة عشتار الإلكترونية
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
580,727