دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

" حياة لا لغو فيها و لا تأثيم"
كثر اللغو، منذ الصباح: العصافير تزقزق على نحو جنوني التواتر. كانت تحتفل بالفجر... الشمس تلغو هي الأخرى بالنور.. ثمة زبد من شعاع يندلق على رطوبة العالم و يحدث- و هو يفعل- وشوشة من ضوء. كنت في الفراش أستعيد أنين الحلم.. ألمملم شتيت دندناتِه المضمحلّة. كنت أرغب في أن يذكّرني الأنين ببعض التفاصيل الهاربة المنفلتة عن نسيج التذكّر.. كنت في الفراش أصغي إلى تنهيدات جريحة كأنها لوحة ترتسم عليها حقائق المتنهد الكتيمة.
كان لونُ الأنين المسترجَعُ داكنا.. و لونُ الأنينِ جريح التنهّد، أحمر مشربًا بدكنة ...إنّ الأشياء تثرثر. ليس ذلك مجرد ضرب من هوس المجاز. إنه حقيقة ما ... إنّ العصافير و الشعاع وحفيف الرّيح الخفيف خارج المنزل، و صوت البرّاد حين يمتلئ في غرفة المطبخ بالكهرباء الشاحن، وكذلك حين يغرغر قبل لحظة الفراغ من الشبع ... كلها تثرثر كما يثرثر الأنين الفصيحُ و الأنينُ الصَّموتُ، و الألم الصادق و الوجع المفتعل...
هكذا الأشياءُ تعشق اللغوَ!
إن القِـدْر التي تضعها زوجتي على النار لتنكحها بلطف فتبدأ في الغليان و النشيش، و لا تكفّ و هي تنشْـنـش، عن الثرثرة.. إنّ زوجتي و هي تدلق في القِدْرِ الماء ليصمتَ، تُحدثُ لغْـو سَكْبِ الماء.. إنّ الحنفيـّة إذْ تنزفُ ماءها، يسيل منها خرير قبيح ثرثار.. إنّ صوت مروحة الحاسوب و هي تصهل على المحرّك لتـقـِيَه من الحرارة و العطب، تثرثر بدرجة تثير الأعصاب و تشوّش التركيز وتـُرْدي الصمت طعينا...
إنّني، و أنا أسترجع تفاصيل صوت والدي و نافذيّـتـَه الجهْـورية الخارقة أشعر بعنفوان العالم و باكتمال لهَبِ الرجولة (قبل أن أهتدي إلى تعديل المفاهيم) لكنني أتذوّق طعمَ الضوضاء المالحَ.. إنني الآن أكره المدينة لأنها الضجيجُ المثرثرُ (سيارة إسعاف أو سيارة الحماية المدنية لإطفاء حريق ما مندلع أو حريق ما جاهز للإندلاع، لا تنقطع صفاراتها.. مكبحُ سائقي السياراتِ، و هم يُقـِضّونَ صمتَ الإسفلت بطرائقِ الكبْحِ المذعورة و حَـكِّ العجلات على الطرقات... صوت الدراجات النارية حيث نـشاهد استعراضًا شبابيًّأ في غير مضمار .. يذكّرني هذا برياضة دريفت التي حدّثني عنها ولدي ذات ولع... الأغاني التي تُبــَثّ في محلات الأكشاك التي تنتهك عفة الشارع وتشوّش صفاء الذهن المُشوَّشِ بغير غِناء، أشياء أخرى كَــثيرة من مصادر الضجيج والصخب و اللغو و الثرثرة، كلّ ذلك يدفعني (للمقارنة لا غير) إلى استحضار مشهد المدينة في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي مثلا، حيثُ لا يسودُ الضجيجُ والطّمثُ.. أو، تصحيحا، حيث كانت الحياة تتأهّب لأن تُفتضّ على نحو تدريجيّ مسالم وصاف.. 
أفرّ إلى الريف..
---------- 
سيف الدّين العلوي
من رواية قادمة
هكذا الأشياءُ تعشق اللغوَ!
إن القِـدْر التي تضعها زوجتي على النار لتنكحها بلطف فتبدأ في الغليان و النشيش، و لا تكفّ و هي تنشْـنـش، عن الثرثرة.. إنّ زوجتي و هي تدلق في القِدْرِ الماء ليصمتَ، تُحدثُ لغْـو سَكْبِ الماء.. إنّ الحنفيـّة إذْ تنزفُ ماءها، يسيل منها خرير قبيح ثرثار.. إنّ صوت مروحة الحاسوب و هي تصهل على المحرّك لتـقـِيَه من الحرارة و العطب، تثرثر بدرجة تثير الأعصاب و تشوّش التركيز وتـُرْدي الصمت طعينا...
إنّني، و أنا أسترجع تفاصيل صوت والدي و نافذيّـتـَه الجهْـورية الخارقة أشعر بعنفوان العالم و باكتمال لهَبِ الرجولة (قبل أن أهتدي إلى تعديل المفاهيم) لكنني أتذوّق طعمَ الضوضاء المالحَ.. إنني الآن أكره المدينة لأنها الضجيجُ المثرثرُ (سيارة إسعاف أو سيارة الحماية المدنية لإطفاء حريق ما مندلع أو حريق ما جاهز للإندلاع، لا تنقطع صفاراتها.. مكبحُ سائقي السياراتِ، و هم يُقـِضّونَ صمتَ الإسفلت بطرائقِ الكبْحِ المذعورة و حَـكِّ العجلات على الطرقات... صوت الدراجات النارية حيث نـشاهد استعراضًا شبابيًّأ في غير مضمار .. يذكّرني هذا برياضة دريفت التي حدّثني عنها ولدي ذات ولع... الأغاني التي تُبــَثّ في محلات الأكشاك التي تنتهك عفة الشارع وتشوّش صفاء الذهن المُشوَّشِ بغير غِناء، أشياء أخرى كَــثيرة من مصادر الضجيج والصخب و اللغو و الثرثرة، كلّ ذلك يدفعني (للمقارنة لا غير) إلى استحضار مشهد المدينة في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي مثلا، حيثُ لا يسودُ الضجيجُ والطّمثُ.. أو، تصحيحا، حيث كانت الحياة تتأهّب لأن تُفتضّ على نحو تدريجيّ مسالم وصاف.. 
أفرّ إلى الريف..
---------- 
سيف الدّين العلوي
من رواية قادمة

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 57 مشاهدة
نشرت فى 29 يوليو 2017 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

559,405