دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

موسوعة شعراء العربية
المجلد السابع \شعراء الفترة الراكدة
بقلم د فالح الكيــــلاني 
.
(الشاعر شـــــــمــس الدين الكــــــوفي )
هو أبو المناقب شمس الدين محمد بن أحمد بن عبيد الله بن داود بن محمد بن علي الهاشمي الحارثي الكوفي الشهير.
ولد في بغداد سنة \623هـجرية -1226ميلادية في أسرة كريمة، واحب منذ نعومة اظفاره وطفولته وصباه الدرس والتحصيل العلمي حتى بلغ مرتبة التدريس وكان يكنى الواعظ .
مارس شمس الدين الكوفي مهنة التدريس في المدرسة (التتشية ) ببغداد وتولى الخطابة في جامع السلطان وخصص ساعات في الأسبوع للوعظ والارشا د الديني في ( باب بدر ) وكان حريصاً على حرمة الإسلام والمسلمين وافاد الناس في تدريسه كثيرا ، وحثهم في خطبه ومواعظه على التمسك بوشائج االدين الاسلامي والتعاون والتعاضد، وأخذ الحيطة والحذر من الغادرين والطامعين. وكان من أبرز علماء بغداد وأكثرهم غنى ومنزلة و مناقبه كثيرة ومن أبرزها قيامه بشراء الأطفال الأسرى من المغول (ا لتتر ) بعد سقوط بغداد بايديهم واخذهم الاطفال اسرى وذلك عام \656 هجرية وما بعدها وفي ذلك يقول :
أسائل الدمع عن بغداد أخبار 
فما وقوفك والأحباب قد سـاروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا 
فما بذاك الحمى والدار ديـــــــــــار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت
به المعالــــــم قد عفــــــاه إقفار
أضحى لعطف البلى في ربعه أثر 
وللدموع على الآثـــــــــــــار آثار
وكانت بغداد حاضرة العالم و منارة العلم و العلماء ومرتع طلاب العلم والثقافة والادب وأرض العز والجهاد فهي مدينة المنصور والرشيد الا انها سقطت بيد هولاكو الظالم سفاك دماء البشرية . فقد كان آنذاك الخليفة العباسي (المستعصم بالله ) وكان لديه من الوزراء والمساعدين ثلاثة وهم:
1- مؤيد الدين بن العلقمي 
2- مجاهد الدين أيبك الدواتدور الصغير 
3- أبو بكر بن المستعصم بالله
وقيل في اسباب سقوط بغداد بيد المغول انه وصلت لوالي الموصل( بدر الدين لؤلؤ ) رسالتين في سنة \ 654 هجرية ، الأولى من هولاكو قائد المغول يطلب منه المدد والمساعدة للقضاء على الطائفة الاسماعيلية فأمده بمنجنيقات وآلات للحصار وقد كان بدر الدين قلبه ممتلأا خوفا ورعبا من المغول فقد اثاروا الرعب والخوف في البلاد واخافوه ايضا . والرسالة الثانية كانت من الخليفة العباسي المستعصم بالله و فيها يطلب منه أن يرسل إليه جماعة ممن يجيدون الطرب والغنا ء ، فما كان من بدر الدين لؤلؤ الا ان نظر في الطلبين ثم قال لمن حوله من حاشيته : 
- انظروا إلى المطلبين وابكوا على الاسلام وأهله .
في هذه الاثناء تواطأ الوزير ابن العلقمي مع هولاكو للقضاء الخلافة العباسية والاستيلاء على بغداد وتواصل على معه على ذلك كما ذكر ذلك المؤرخ ( نور الله الششتري ) من مؤرخي الدولة الصفوية وغيره من مؤرخي تلك الفترة . ومن العجيب ان يتآمر الوزير ابن العلقمي على خليفته وعلى بلده ووطنه وعلى دينه الاسلامي ويقف موقف العداء لأمته وعروبته ولوطنه واسلامه بجانب المعتدي الغاشم المغولي غيرالمسلم .
ولما اقترب هولاكو وجنده من بغداد لم يتوقع الخليفة العباسي المستعصم بالله أنه لا يتلقى دعما اومساندة من ولاة الأمصار مثل الايوبيين في الشام والمماليك في مصر لانهم يخافون من سطوة هولاكو وتدميربلدانهم . وقد كانت دارت بين الخليفة بين هولاكو رسائل يتهدد كل منهما الآخر ولم تكن للخليفة العباسي تلك القوة الكافية للتصدي للجيش المغولي الجرار ودارت معركة بين الطرفين انتهت بانتصار هولاكو وجنده واحتلاله بغداد والقضاء على الخلافة الاسلامية العباسية قضاءا مبرما . ويصف احد من حضر تلك المعركة فيقول :
( كنت في عسكر الدويدار الصغير لما خرج إلى لقاء التتر( المغول ) بالحانب الغربي من (مدينة السلام) في واقعتها العظمى سنة ست وخمسن وستمائة ، فالتقينا بقرب نهر بشير من أعمال الدجيل ، فكان الفارس منا يخرج إلى المبارزة ، وتحته فرس عربي ، و عليه سلاح تام كأنه وفرسه الجبل العظيم ، ثم يخرج إليه من المغول فارس تحته فرس كأنها حمار ، وفي يده رمح كأنه المغزل ، وليس عليه كسوة ولا سلاح ، فيضحك منه كل من رآه ، ثم وما ان تم النهار حتى كانت لهم الكرة ، فكسرونا كسرة عظيمة فكانت مفتاح الشر ، ثم كان من الأمر ما كان) .
فاضطر الخليفة العباسي للاستسلام ودخل هولاكو قصر الخلافة الاسلامية في (الرصافة) ببغداد منتصرا وجلس على الميمنة وأحضر الخليفة العباسي المستعصم منكسرا متقهقرا فقال له :
- أنت المضيف ونحن الضيوف ، فيجب أن تقوم بواجب الضيافة.
فارتعدت فرائص الخليفة خوفا و هلعا حتى أنه نسي أين وضع مفاتيح الخزائن فأمر الجند بكسر الأقفال و أخرج كل ما يملك من أموال وخزائن و سلمها لهولاكو فضحك هولاكو وقال له :
- هذا الذي فوق الأرض سنعطيه غنيمة لجنودنا فأخرج لنا ما كنزته تحت الأرض نأخذه لنا .
فحاول الخليفة المستعصم بالله التهرب منه لكنه لم يستطع الصمود فأخبر هولاكو بأن الكنوز في مدفونة في مكان بوسط القصر ،فامر هولاكو جنوده بالحفر وفعلا لما حفر الجند وجدوا من الكنوز الشيء الكثير منها قطعا ومجهرات، وتقدر كل قطعة ذهب أخرجوها من تحت الأرض المائة مثقال ، ثم أمر هولاكو الخليفة بأن يجمع أهله وإمائه و جواريه فكان عددهم سبعمائة نفس ، أخذ منهم مئة و قتل الباقي مع الخليفة ، ثم امر هولاكو جنده باستباحة بغداد فاستباح جند المغول بغداد و دمروها وأفسدوها و قتلوا أهلها فصارت خرابا.
وقيل تعددت الآراء في كيفية قتل هولاكو القائد المغولي المنتصر لاخر خليفة للمسلمين في بغداد وهو (المستعصم بالله) والروايات كثيرة اهمها هي التي تقول بأنهم كانوا يخشون أن يريقوا دم الخليفة لخرافات كانوا يعتقدون بها ترهبهم فكانت طريقتهم في قتل الخليفة االعباسي أن وضعوه في (سجادة) ودرجوها ورفسوه بارجلهم حتي مات .
وفي يوم الأحد الرابع من شهر صفر سنة\ 656 هجرية الموافق العاشر من شباط (فبراير)سنة \ 1258 ميلادية ( يوم سقوط بغداد ) المشؤوم تم تولية الوزير ( مؤيد الدين ابن العلقمي ) حاكما على بغداد من قبل المغول وبعدها خرج هولاكومن بغداد ليستكمل غزواته على البلاد العربية الاخرى واتجه نحو الغرب الى الشام ومصر .
الا ان الجيش المغولي الغازي الذي كان بقيادة( كتبغا ابن هولاكو) انكسر وانهزم شر هزيمة أمام الجيش العربي الاسلامي بقيادة القائدين ( سيف الدين قطز) و ( الظاهر بيبرس) في معركة (عين جالوت) العظيمة بعد عامين من سقوط بغداد أي في عام 658 هجرية – 1260 ميلادية .
وعندما داهم هولاكو بجيوشه الجرارة العراق، وضرب العاصمة بغداد واستباح الدور والمدارس والمساجد، ونهب الأموال، وانتهك الأعراض، وقتل الناس بلا رحمة ولا شفقة تألم شاعرنا شمس الدين الكوفي أشد الألم وقد عبر عن مشاعره تجاه هذه الحادثة الموجعة بقصائد كثيرة بكى فيها دولة بني العباس وبغداد المدينة المنكوبة، ووصف الفضائح التي ارتكبها هذا الطاغية وجنده بحيث يحق لنا ان نطلق على شاعرنا الكوفي بانه شاعر مأساة بغداد . فقد رثى الشاعر الأهل وندب الأحبة والأصحاب في قصائد تفيض حزنا والماً واسى ولا يوجد شاعر رثى بغداد في شعره فاجاد مثلما اجاد الشاعر شمس الدين الكوفي في بكاء بغداد وما حل بها حتى قيل تقطع فؤاده عليهم ونورد هنا قصيدة له، سلك فيها مسلك المتيمين الذين أضناهم فراق الاحبة الأعزاء، وقرح جفونهم كثرة النحيب والبكاء وهذه قصيدته :
عـــنــدي لأجـــــل فــراقــكـم آلام 
فــــــإلام أعــــــذل فــيــكـم وألام
مــن كــان مـثلي لـلحبيب مـفارقاً 
لا تــعــذلــوه فــالــكــلام كِــــــلام
ويـذيب روحـي نـوح كـل حمامة 
فـكـأنـمـا نــــوح الـحـمـام حــمـام
إن كــنـت مـثـلـي لـلأحـبة فـاقـداً 
أو فـــي فـــؤادك لــوعـة وغـــرام
قــف فـي ديـار الـظاعنين ونـادها 
يـــا دار مـــا صـنـعت بــك الأيــام
يـا دار أيـن الـساكنون وأيـن ذياك 
الـــبــهــاء وذلـــــــك الإعــــظـــام
يــا دار أيــن زمــان ربـعـك مـونقاً 
وشــعــارك الإجــــلال والإكــــرام
يــا دار مــذ أفـلـت نـجومك عـمنا 
والله مـــن بــعـد الـضـيـاء ظــلام
يـــا سـادتـي أمــا الـفـؤاد فـشـيق 
قــلــق وأمــــا أدمــعـي فـسـجـام
والدار مذ عدمت جمال وجوهكم 
لــم يـبـق فــي ذاك الـمـقام مـقـام
وحـيـاتكم إنـي عـلى عـهد الـهوى 
بـــاقٍ ولـــم يـخـفـر لـــدي ذمـــام
فـدمـي حــلال إن أردت سـواكـم 
والـعـيـش بـعـدكـم عــلـي حـــرام
يــا غـائبين وفـي الـفؤاد لـبعدهم 
نـــار لــهـا بــيـن الـضـلوع ضــرام
لا كـتـبـكـم تــأتــي ولا أخــبـاركـم 
تـــــروى ولا تــدنـيـكـم الأحــــلام
نـغـصـتـم الــدنـيـا عــلــي وكـلـمـا 
جــد الـنـوى لـعـبت بــي الأسـقـام
ولـقيت من صرف الزمان وجوره 
مــــا لـــم تـخـيـله لـــي الأوهـــام
يـا لـيت شـعري كيف حال أحبتي 
وبــــأي أرض خــيـمـوا وأقــامــوا
مــالـي أنــيـس غــيـر بـيـت قـالـه 
صــب رمـتـه مــن الـفـراق سـهـام
والله مــا اخـتـرت الـفـراق وإنـمـا 
حــكـمـت عــلــي بــذلــك الأيـــام
وقال الشاعر الكوفي في شعر الغزل الكثير ومن غزله هذه الابيات :
شهود غرامي في هواك عدول 
ســـــهاد ودمع ســـــائل ونحول
وشوقي الى لقياك شوق مبرح 
ولي شرح حال في الغرام يطول
ترى هل لنا بعد الفراق تآلف؟ 
وهل لي الى طيب الوصال وصول؟
لأشكو إليه ما لقيت وما الذي 
جرى لي ودمعي شــــــاهد ودليل
فوالله ما يشفي المشوقَ رسالةٌ 
ولا يشتكي شكوى المحب رسول
ومنه ايضا قوله :
ليت العذول يرى من فيه يعذلنا 
لعله إذ يرى عينـــــاً يراعينا
الى متى نحمل البلوى وعاذلنا 
بغير ما هــو يعنينــا يعنينـــــا
فصار يرحمنا من كان يأملنا 
وعاد يبعدنا من كان يدنينــــــــا
وبات يخذلنا من كان ينصرنا 
وصار يرخصنا من كان يغلينا
ويقول ايضا :
أســــــكنته ربع الغرام فيا له 
من ســــاكن لا يستطيع حراكا
ضرب الغرام على النفوس سرادفاً 
والحــسن مد على العقول شباكا
كيف الخلاص من الحمى وبربعه الـ 
غزلان تنصب للأســـــود شراكا
وقد وصفه ابن شاكر الكتبي فقال:
(كان أديباً فاضلاً عالماً شاعراً ظريفاً كيساً دمث الأخلاق).
ومن شعره في الرثاء قال يرثي النقيب محي الدين محمد بن حيدر من اعيان الموصل وقد غرق في نهر دجلة:
ألقاه في الماء الجـــــــواد كأنه
بدر هوى في جــــدل متمـــوّر
أمواج دجلة أغرقته إذ طغت
وكذا الطغاة على الأكارم تحتري
ولقد تكدّر صفوها من بعده
ومتى صفت لهم ولم تتكـــــدّر
بالله هل أغرقته شــــــغفاً به
يا ماء أو حسد لمــــــاء الكوثر
هلا رحمت شــــبابه وتركته
من أجــــــل ولهى فيه ذات تحيّر
أو ما علمت بأنه رحب الفِنا
والصدر عذب اللفظ حلو المنظر
غاصوا عليه واخرجوه معظماً
ومكرمـــــــاً وكذا نفيس الجوهر
والله ما نزعت ملابس جســــــمه
حتى تبختر في الحريـــــر الأخضر
فالشــــــوق يظمئني اليه وكلما
حاولتُ شـــــــرب الماء زاد تكدري
يا نفـــــس ذوبي حســـــرة وكآبة
وتأسّــــــفي وتلهّفي وتحسّـــــري
ماذا يكون أغير ما هو كائــــــن
نزل القضــــاء صبرتِ أو لم تصبر
وقد نظم الموشحات واجاد فيها ايضا وفي مطلع لموشحة له يقول فيه:
قد صفا الوقت وقد رق النسيم قم بنا نربح
قد خلا السمت ومن نهوى نديم حقنا نفرح
في طوى قد شمت جنات النعيم أبداً نفتح
فاختلص من صرف دهر ورقيب ساعة الأمكان
فالتوالي بعد أن يدنو الحبيب غاية الخسران
يا عذولي ليس ذا وقت العتاب فأنا مشغول
أنا أبغي الآن من كشف الحجاب أبلغ المأمول
إن تقل أنت قتيل فالجواب رضي المقتول
خلني يا عاذل الصب الكئيب كان ما قد كان
فحبيبي نصب عيني لا يغيب من ضميري دان
توفي شمس الدين محمد بن عبيد الله الهاشمي الكوفي الواعظ سنة \675هجرية – 1276 ميلادية ببغداد. وقيل في رواية اخرى\ 676 وكان عمره اثنتين وخمسين سنة ودفن في مقبرة الخيزران في مدينة الاعظمية ببغداد .
يمتاز شعر شمس الدين الكوفي بالسلاسة والجمالية وانسيابيته الى القلب بيسر . وشعره على سهولة ألفاظه وبساطة تراكيبه لا يخلو من الصنعة والتكلف، واستخدام البيان البلاغي وزخارف البديع، ونماذج الجناس الجميل’ ففي شعره نفثات اضطربت فيها العواطف، وجاش بها الغزل فغلبه فوران عواطفه . فما يستطيع اكتمانها فيرسلها ترانيم تتجلى بصفاء الروح، وسمو العاطفة؛ فعز له معاصروه هتافه للجمال، وإشادته بصبوات نفسه، ولوعات هواه . وقد عاصرشاعرنا أحلك فترة مرت بها بغداد، بل العراق باكمله وقد عبر عنها في شعره أصدق تعبير. ويمكن أن نعد شعره اشبه بوثيقة هامة من الوثائق التاريخية.
واختم موضوعي بهذه الابيات من شعره :
حنّت النفس إلى أوطانهــــــــــــا
وإلى مَن بان من خُلانهـــــــا
بديار حيّهــــــا من منــــــــــــزل
سلم الله على سُــــــــــكّانها
تلك دار كان فيها منشــــــــأي
من غَريّيها الى كوفانهـــــــا
وبها نوقُ الصبى أرسلتُها
هَمَلا تمرح في أرســـــانها
فلكم حـــــــــاورتُ فيها أحوراً
ولكم غازلتُ من غزلانهــــــــا
لا يُلام الصبّ في ذكر رُباً
بان من غير رضيً عن بانها
ولكم قضّيتُ فيهـــــا أرباً
آه واشــــــواقا إلى كثبانها
ليس بي شوقاً إلى أطلالها
انما شـــــــوقي الى جيرانها
كلما رمتُ سلّواً عنهم
لا تديمُ النفس عن أشجانها
شقيت نفسي بالحزن فمن
يُسعد النفس على أحزانها
.
امير البيـــــــــــــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيــــلاني
العراق- ديالى - بلـــــــــد روز
**********************************

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1334 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

577,998