جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
"يو توبيا الدولة الإسلامية"
سعادة أبو عراق
نحن في أمس الحاجة إلى كتب فكرية، تحرك العقل الراكد وتحفزه على الانتقال إلى حالة جديدة متقدمة، تتجاوز الإرث البائد الذي أثقل ويثقل أي عملية تحرر للفكر أو العقل، ورغم أنه يوجد العديد من الكتب التي أنجزت حول موضوع التحرر الفكري وتحرير العقل العربي من مخلفات (السلف الصالح)، إلا أنها في غالبيتها كانت للنخب المثقفة وليست للعامة، ورغم أهميتها وعمق التحليل فيها إلا أن المواطن العادي لم يستطع الوصول إلى ما فيها، هنا تكمن أهمية كتاب "سعادة أبو عراق" "يوتوبيا الدولة الإسلامية" فهو يقدم مادة فكرية تحليلية بأسلوب بسيط وسهل ومقنع، ويمكن لأي قارئ أن يصل إلى الغاية منه، فحجم الغباش وكثرة الغبار وتغيير الألوان كلها حالت دون أن يكون هناك تقدم باتجاه التفكير العلمي التحليلي، مما أبقى المواطن في المنطقة العربية ـ عبر عقود ـ أسير لما يقدم له عبر الأعلام من مواد جاهزة، فالفضائيات والنت حاليا لهما الدور الأكبر في استمرار حالة الخمول والجمود الفكري ، فالمواطن مكتفيا بهما وبما يقدمانه من مواد متنوعة دون أن يقدمها للبحث أو التحليل أو التحقق من صحتها.
الكاتب يقسم الكتاب إلى فصول والفصول إلى أجزاء، والجزء يقدم فكرة محددة عن موضوع بعينه، ما يجعل المادة المقدمة سهلة الفهم وترسخ في الذهن، وهذا الاسلوب بحد ذاته وجدناه عن "سعادة أبو عراق" في كتبة العلمية التي قدمها للفتيان، كما هو الحال في كتب "مخترعون صغار، ومدرسة المبتكرين" كل هذا اعطاه مقدرة على الخطاب السهل والعميق في ذات الوقت، فلا نجد عنده الصوت العالي أو الحماس بقدر الاهتمام بالتحليل والعقل، لنكون قادرين على التحرر من هيمنة أي شخص أو أفكار مسبقة.
في هذا الكتاب يتقدم الكاتب من المقدس بخطى قوية، محدثا خللا في العديد من المسلمات التي أخذت عن طريق السمع أو المشاهدة، فمن خلال التحليل العلمي والمنطقي يقنعا بأننا لم نكن نسير بالطريق الصحيح، وما أدل على ذلك من حالنا وما آلت إليه أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية، فكل الامم تتقدم إلا أمتنا في حالة تقهقر وتراجع على كلفة المستويات والاصعدة.
أول ما يطرق الكاتب يطرق باب العلم والتقدم العلمي والذي هو احد الأسس التي تعتمد عليها الامم في تقدمها ورفعتها، منوّها إلى أن الثقافة السائد تعتمد على الغيبيات وعلى تناول الماضي والاهتمام به، على حساب الحاضر والمستقبل، فيحلل لنا فكرتنا عن معركة مؤتة وعدد الجنود الذين شاركوا فيها، موضحا أن مكان المعركة لا يحتمل المائة ألف او المئتين التي ذكرها المؤرخون، كما يحلل الطريقة والصورة التي قدموها لاستشهاد "جعفر بن أبي طالب" والتي تخالف المنطق والعقل.
والكاتب لا يكتفي بهذا بل نجده يتناول حالة المرض في العقل العربي الذي يعتمد على الفروع ويتجاهل الأصل، والمقصود هنا أخذ أصحاب المذاهب الأربعة وكأنهم مقدسين "لا يأتيهم الباطل" مما جلعنا أكثر خمولا وجمودا وعقما، بحيث لم نستطع أن نتجاوزهم أو نخرج من الدائرة التي أوجدوها، علما بأنهم أفراد مجتهدين يمكن أن يصيبوا أو يخطئوا، لكن حالة القدسية جعلت العقل العربي يبقى في سبات يجتر ما انتجه هؤلاء الأربعة، متجاهلين أن هناك فلاسفة ومفكرين اتهموا بالزندقة والتكفير كالمعتزلة لأنهم خرجوا على ما هو سائد.
من هنا يؤكد "سعادة أبو عراق" على ضرورة التعدد والتنوع الفكري والمذهبي في المجتمع، موضحا أن الديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية في بلادنا استمرتا دون ضرورة لوجود دولة دينية، بمعنى أن المجتمع بطبيعته يتكون ويتشكل من مجموعة أفكار/عقائد وليس من فكرة/عقيدو واحدة كما يريد البعض، ويؤكد على هذا الأمر من خلال استمرار وجود طوائف كالأيزيدية والدروز والمندائية، والعلوية منذ أمد بعيد/ وجميعنا نعيش في حالة اجتماعية منسجمة.
في الفصل الثاني يتحدث الكاتب عن فكرة الدولة الدينية، دولة الخلافة، وهل هي ضرورة للحفاظ على الدين"، أم أن مهمة الدولة غير هذا الأمر؟ من هنا نجده يتحدث عن الدولة ودورها الذي هو بالتأكيد ليس ديني، منوها إلى مفهوم فضفضت الدولة الإسلامية، يجعله مفهوم عام غير قابل للتحقيق على أرض الواقع، وهي وأن قامت وأرادت أن تخدم دين بعينه سيكون أثرها سلبي على بقية أفراد المجتمع، لأنه يوجد في مجتمعاتنا العربية ديانات وطوائف متعددة، بحيث لا يمكن بأي حال أن نعاملهم كأجانب، أو كعناصر غريبة، لأنها جزء أصيل ووجدها أقدم وأعمق من وجود الإسلام. من هنا علينا الانتهاء من مفهوم الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة الإسلامية، والتقدم نحو الدولة المدنية المتعددة والمتنوعة.
وهنا يضع مجموعة من الأسئلة التي تفتح آفاقا أمام القارئ ليبحث في حقيقتها:
1 ـ لدولة مرتبطة بكينونة خاصة بالمكان والزمن.
3 ـ الدولة لا يصنعها فكر أو دين او عقيدة وإنما الواقع والظروف المحيطة.
4ـ الدين الإسلامي بما هو ديانة لم يكن يوما هو العامل الأساس لقيام دولة عربية إسلامية.
5 ـ وحينما بدأت الرؤى المختلفة تتعمق وتتسع بفروق عميقة، مثل السنة والشيعة والخوارج والرافضة وغيرهم، وانشقاقات داخلية في هذه الفرق أصبحت الدولة الإسلامية تتشظى وتتفتت، بينما الدين بقى ثابتا، لكنه لم يحفظ وحدة المسلمين.
6ـ إذن فالدين قديما لم يكن عاملا أساسيا في بناء الدولة، فكيف بهذا العصر الذي ما عاد يهتم بالعقائد بل بالتكنولوجيا.
8ـ وأعلموا أيضا أن الدولة لا يمكنها أن تفرض على الناس دينا أو فكرا أو توجيها أو عقيدة أو تنزعه منهم." ص48و49.
اعتقد أن هذا البنود ترد بشكل حاسم وقاطع على من يطالب بدولة دينية، والتي ستكون ـ إذا ما قامت ـ كارثة على المجتمع ونسيجة المتنوع والمتعدد.
وفي هذا الفصل يتحدث عن الفرق بين الدين والقومية، فهما يلتقيان في مسائل ويختلفان في أخرى، ففي بداية الفتحات الإسلامية كانت كلمة مسلم تعني العربي والمسلم، لكن بعدها أصبح هناك الفارسي والتركي، من هنا يريدنا "سعادة أبو عراق" أن لا نقع في (اللخبطة) التي يطرحها البعض متعمدا: أن الدين الإسلامي يلغي ويغني عن القومية، فهناك قوميات لدول إسلامية وحدث بينها خلافات وتباينات وحتى الحروب.
من هنا علينا إزالة الغمامة عن مقولة أن الإسلام صالح وشامل وكامل لكل الدول والأمم ولكل العصور والأزمان، موضحا إلى الجريمة التي اقترفها الاخوان المسلمون عندما أرسلوا شبابنا إلى أفغانستان، والتي تكمن في:
2 ـ أصبح الجهاد يستقطب الشباب في أفغانستان والشيشان والبوسنة وغريها، ومثل هذا العمل قد جر على شعوبهم ويلات هم في غنى عنها" ص59، ولمن يريد أن يتأكد أن ما حدث في أفغانستان هو خراب لها وليس جهاد، فعلية قراءة رواية خالد الحسيني "ورددت الجبال الصدى" ليتأكد أن المجتمع الأفغاني قبل قدوم هؤلاء (المجاهدين) كان ينعم بالأمان ووجود دولة كأي مجتمع آخر، ولمن يريد أن يعرف حقيقة ما وراء إرسال (المجاهدين) إلى أفغانستان عليه أن يتوقف عند ما نتج/فرخ/أوجد/خلق عن (المجاهدين)"القاعدة وداعش والنصرة" والذين حرقوا وخربوا وشردوا وقتلوا أربع دول بشعوبها "العراق، سورية، ليبيا، اليمن".
القسم الثالث يعطي نماذج من التاريخ القديم والمعاصر على تعدد فكرة الدولة، فهناك فرق كبير بين بداية فكرة الخلافة التي بدأت بأبي بكر الصديق وبين فكرة الخلافة عند معاوية بن أبي سفيان، وبين فكرة الخلافة عند أبو جعفر المنصور، فلا يمكننا أن نتعامل مع هذه (الخلافات) بمنظور واحد، فلكل دولة كان لها ظرفها وطبيعتها وأسسها التي تتناقض مع من سبقتها، من هنا كانت الصراعات والحروب هي التي أوجدت تعدد في الخلافات، ومن ثم التجزئة والتقسيم، بحيث لم تعد هناك دولة (خلافة واحد) بل مجموعة دول ومجموعة خلافات، وهنا نستذكر أنه بعد أن تم قتل "علي بن أبي طالب" كانت هناك أربعة ألوية، وكل لواء يمثل دولة خلافة، تذهب إلى الحج في مكة، وهم "لواء الحسن بن علي، لواء معاوية بن ابي سفيان، لواء طلحة بن الزبير، لواء عبد الرحمن بن عوف، وكل طرف كان يدعي أنه خليفة وأخذ البيعة.
من هنا يدعونا الكاتب لننظر إلى الدولة على أنها المؤسسة التي تحافظ على مصالح المجتمع وتنظمه وتقدمه إلى الأمام، لا أن ننظر إليها على أنها (دينية) تسعى للحفاظ على الدين ومحاربة غير التابعين لدينها.
القسم الرباع يتحدث عن الإسلام والسياسة، وعلى ضرورة أن ننظر إلى كلا منها على أنه عالم مستقل عن الآخر، فلا يمكن أن نجمع الدين مع السياسي لتنافر وتباعد الموضعين/الفكرتين، ولا يكتفي "سعادة أبو عراق" بهذا الأمر، بل يقدم لنا أن الفكرة الواحدة للدولة أو للدين لها أكثر من منظور، من هنا تم التعامل في المجتمع العربي الإسلامي مع أربعة مذاهب، ولكل مذهب حججه وتفسيراته، وبالنسبة للخلافة فهناك مجموعة أسئلة تكشف هشاشة فكرة الخلافة/ وهي: فهل حدد الإسلام أسلوب انتخاب الخليفة؟ وكيفية تداول السلطة؟ وموجبات عزل الخليفة؟ وإذا تنازع اثنان على الخلافة هل يحق لنا أن نقتل أحدهما أو كلاهما؟ وماذا لو كانوا أربعة؟ من يحق له القتل؟ وهل الخليفة معصوم. إذ لا يحق لنا أن نخرج عليه ولو جار؟ وما هي شروط البيعة؟ وما الفرق بين البيعة والانتخاب؟ هل البيعة بتزكية الأسرة الحاكمة، لماذا الأسرة الحاكمة لا ترشح اثنين أو ثلاثة، تعطي لنا حرية الاختيار؟ وما نسبة المبايعين التي نعتبرها كافية؟ ومن يضمن عدل الخليفة وعدم تغوله على المسلمين" ص76، اعقد أن هذه الأسئلة إذا ما توقف عندها القارئ بالتأكيد سيصدم وسيتأكد أن الشعار الفضفاض (الخلافة الإسلامية) ما هو إلا وهم/سراب، لا يستند إلى أية فكرة واضحة، بل فكرة هلامية عامة خادعة.
ويعيدنا الكاتب إلى بداية فكرة الإسلامي السياسي عندما استخدم معاوية المصاحف مستشهدا بموقف "علي بن أبي طالب" وتنبهه لهذه الخدعة بقوله: "أن القرآن كلمات على ورق ونحن الذين نفهمها ونستخرج المعاني" ص78، وكأن الكاتب بهذا القول أن يؤكد أنه منذ بادية التاريخ الإسلام وهناك من يستخدم شعار الدين والإسلام والقرآن لغايات سياسية شخصية، تبدو للنظار العادي أنها محقة وتخدم الإسلام والمسلمين، وفي باطنها تكمن المصلحة الشخصية، وهذا يمثل ردا على من يرفع شعار "الإسلام هو الحل".
ويقدم لنا حقائق تؤكد على أن الدولة/الخلافة ليست ضرورية للحفاظ على الإسلام:
"1ـ لا يوجد نص قرآني صريح بإقامة الخلافة أو أي نظام سياسي.
2ـ أن رسول الله "ص" لم يكن حاكما، ولا ينبغي له أن يكون، فرسالته تسمو به فوق السلطة السياسية.
3ـ إن نظام الخلافة مهما كانت شريعته، لم يكن في يوم من الأيام سمنا وعسلا، بل هو حكم يقوم على الاستبداد." ص 83.
الفصل الخامس يتحدث عن الافكار والتيارات الإسلامية السياسية المعاصرة، الاخوان المسلمين وحزب التحرير، موضحا أن الطرحين لإقامة الدول الإسلامية يؤكد على تنوع وتعدد أنظمة الحكم، ولا يوجد نظام بعينة يمكن أن نشمله ونسقطه لوحده على مفهوم الإسلام.
وينقل لنا ما طرحه "سيد قطب" من افكار حول الحكم الإسلامي والذي يستند إلى
1ـ الحاكمة، والتي تعني "أن كل الأحكام غير الشرعية أو غير المستقاة من أحكام الله الواردة في القرآن فهي باطلة، لذلك يجب إزالة كل نظام سياسي أو اجتماعي له هذه الخاصية" ص92، وهنا بداية التنافر بين فكر الاخوان المجتمع.
2ـ الجاهلية: والتي تعني "حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج من عبودية الله، ورفض ألوهية الله، "ص 93، نلاحظ أن هناك تباعد متصاعد بين ما يطرحه "سيد قطب والمجتمع المصري.
3ـ التكفير، والذي يلخصه "سيد قطب بقوله: "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي" ص 94، وهنا القطيعة مع المجتمع المصري ، وقطيعة مع كل المجتمعات على وجه الأرض.
4 هنا كان سيد قطب قطب قد وضع اصبعه على الخلل ، فلماذا لم يبحث عن الحل ويستحدث لنا شريعة مستمدة من القران نتبعها بدلا من ان نستورد النظم والقوانين من الغرب، ولماذا لم يحاول ان يناقش افكار المعتزلة الذين قالوا بعدم جواز الوراثة في الحكم ، وان الدولة لا تقوم على الدين بل تقوم على الاقتصاد، وان البيعة يجب ان تكون حقيقية وليس شكلية ، اليس فكر المعتزلة من الفكر الإسلامي
وهنا تكمن خطورة الفكر الديني السياسي، فإذا كان يكفر المسلمين ، فما بالنا بمن هم غير مسلمين؟، من هذا التكفير يمكننا ان نفهم ما فعلته القاعد وداعش والنصر من قتل وعبودية واسترقاق لأهلنا في العراق وسورية، وأن نفهم الخراب والقتل والتهجير والتشريد والدمار الذي أحدثوه في بلداننا بحجة (إقامة شرع الله) ونحن هنا نقول إذا كان (شرع الله) يؤدي إلى ما نحن فيه، فلا نريده.
الكتاب من منشورات دار زحمة كتاب ونشر، مصر.
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية