جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
رائد الحواري
الآن ·
الأم والبياض في قصيدة
"أمي"
محمد العصافرة
طبيعة الإنسان تميل إلى الألوان الهادئة، الأبيض والأخضر، وهذا الأمر ينعكس على الأدب، فغالبية البشر تميل إلى الألفاظ الناعمة والسلسة والجميلة، وتعزف عن تلك الصاخبة والقاسية والمؤلمة، المرأة بشكل عام لها تأثير على الكاتب بحيث تحرره من وقع الأحداث وتجعله هادئا، لكن للأم تأثير ومكانه غير مكانة المرأة/الحبيبة، "محمد عصافرة" في قصيدة "أمي" يحدثنا عن هذا الكائن الوحيد والفريد بالنسبة له، يفتتح القصيدة:
"لَأْنتِ حِكَايَةُ التَّاريخِ مَنْ يُنْكِرْ ؟
وَقَدْ سَطَّرْتِ فِيْ صَفَحاتِ مَاضِيْةِ
وَبَيْنَ سُطُورِ أَمْجَاٍد "
الجمع بين التاريخ والأم يشير إلى البعد الزمني الذي يربط الشاعر بأمه، أيضا يشير إلى العلاقة الإنسانية التي تجمعهما، وبما أن الشاعر يرى في أمه حالة تجسد العطاء، فقد انعكس ذلك على رؤيته للتاريخ من خلال "أمجاد".
إذا كان الأم تمثل المجد، الذي يعطيه دعمنا معنويا، لينظر إلى الحياة بإيجابية وبأمل، فأنه بحاجة إلى ألوان وطبيعية لتقدمه أكثر من الحياة:
" بآمَالٍ بأَحْلامٍ بآلامٍ
رَبيْعَ العُمْرِ قَدْ أَزْهَرْ
وَبَيْنَ جِنَانُكِ الرَّيْحَانُ
والرُّمانُ وَالعَنْبَرْ "
فالبياض كامل ومطلق، وتوحد مع الطبيعة، وأي طبيعة، تلك التي تتألق في الربيع، فتحديد الزمن "الربيع" يعطي دلالة إلى المكانة رفيعة للأم.
هذا عن أثر الأم على الشاعر، فكيف تعمل الأم؟ وما هي انجازاتها على أرض الواقع؟، يجيبنا الشاعر:
" زَرَعْتِ الفَخْرَ في حَقْلٍ
عَلى وَرْدَاتِ آمالٍ
وَفَوْقَ جَبينِ غَيْماتٍ
وَقَدْ حَطَّتْ عَلى سَهْلٍ
فَصَارَ السَّهْلُ ذا أَخْضَرْ
وَأَشْرَقَ وَجْهُكِ الحَانِيْ
بِبَسْماتٍ بِضِحْكاتٍ
وَقَدْ عَلَّمْتِ أَجْيَالاً
فَأَضْحَى الجِيْلُ لا يُنْكِرْ
فَمَنْ ينُكِرْ .؟"
إذن هي تزرع وينجح زرعها ويثمر، ونجد الإختضار في زرعها من خلال "وردات، آمال، غيمات، سهل، أخضر، وأشرقت، الحاني، ببسمات، بضحكات" وهذا الأخضر لم يكن ليحصل دون بركة الأم، دون عملها، فهي التي أحدثت كل هذا الجمال في الطبيعة وفي الشاعر، فجعلته ينظر إلى الحياة من خلالها ومن خلالها أثر عملها المثمر.
بعد كل هذا البياض نجد الشاعر يتجه إلى شيء من الصراع، فيدافع عنها مزيلا أية غباش يمكن أن يصيبها، فيقول:
"وَمَنْ خَانَتْهُ ذَاكِرَةٌ
فَهذا الأُفْقُ ذا يَشْهَدْ
وَمَنْ أَعْشَى بِنَاِظِرهِ
أَو الأَقْلُامُ قَدْ أَمْسَتْ
تُعانِدُهُ
فَلمْ يَقْرأْ وَلَمْ يَكْتُبْ "
وكأن الشاعر يؤكد على نقاء الأم وصفائها وكاملها، بحيث لا يترك مجالا لأحد أن يشكك أو يقلل من مكانتها.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية