دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

authentication required

الأصالة في كتاب
"سيرة الأرجوان والحبر الثوري"
حنا مقبل 
هناك فجوة بيني وبين الكتب السياسية، فقليلا ما أقرأها أو اقتنيها، ويعود ذلك لمجموعة أسباب، منها العقم الذي أوصلنا إليه الساسة في المنطقة العربية، وضياع حركة التحرر العربية في أتون الأحداث، بحيث لم نسمع صوتها ولم نرى فعلها على أرض الواقع، فعلها وصوتها المعارض والرافض لما يجري في منطقتنا من مؤامرات واحتلالات، بل على العكس من ذلك، وجدنا بعضها يشارك القوات المحتلة والرجعية في هجومها على أوطاننا، والحزب الشيوعي العراقي وحركة الاخوان المسلمين جاءوا على (بوز) الدبابة الأمريكية ليجعلوا العراق (ديمقراطيا)!!، وكان كان.
وإذا ما تناولنا احوالنا في فلسطين فهي أيضا لا تصر إلا العدو، فقد تحولت تنظيماتنا الثورية إلى شركات ومؤسسات تبحث عن الدعم من مؤسسات المجتمع المدني الأوروبي، بحيث لم يعد من الشعارات التي طرحت أي كلمة، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت الفلسطينيين يتقهقرون في مواقفهم وفي سلوكهم، أما في سورية الصامدة واليمن الجريح وليبيا الممزقة ومصر التي تعاني الفقر، والتونس التي لا تجد من يغطي مصاريفها، ودول الخليج التي انكشفت عورتها على العامة قبل الخاصة، كل هذا يجعلنا نتبعد عن الكتب السياسية والمناقشات.
لكن صديقي "جمعة الرفاعي" قدم لنا هذا الكتاب بطريقة عادية، ولم أكن أريد أن حتى فتحه، لكن لا أدري كيف جاءتني قوة/طاقة تحفزني على التقرب من الكتاب، وما أن قرأت مقدمة "رشاد أبو شاور" حتى وجدتني أتقدم من الكتاب بشهية غير عادية، وبعد أن بدأت في قراءة مقالات "حنا مقبل" وجدت نفسي أمام تاريخ نقي وبهي للثورة الفلسطينية، تاريخ نحن في أمس الحاجة إليه الآن، لنتقدم من جديد من عالنا الحقيقي، عالم العطاء والتضحية ونكران الذات، وليس عالم الأخذ والمكاسب الشخصية، كما أن أسلوب "حنا مقبل" اسلوب يجذب المتلقي ويجعله يتماهى مع المقال، والعجيب في الكتاب أنه مجرد مقالات سياسية كتبت قبل ما يقارب الأربعين عاما، وهي بحكم الواقع مقالات ميتة، لأنها سياسية أولا، ولأن عمرها الزمني انتهى ثانيا، ولأن احداثها وشخصياتها رحلت ثالثا، وهذا ما يجعل كتاب "سيرة الأرجوان والحبر الثوري" مميز، مقالات سياسية، وقديمة، ومع هذا تجعلنا نتوقف عندها، فما السر في ذلك؟ وما هي القدرات التي يمتلكها "حنا مقبل" لتكون مقالاته السياسية تأخذ مكانة كما هو الحال في الأعمال الأدبية تماما وحتى أكثر؟، من هنا تكمن أهمية الكتاب والكاتب.
كمال ناصر
هناك علاقة وطيدة بين "كمال ناصر وحنا مقبل"، فالأول كان المعلم والقائد، والثاني خطى خطاه، لهذا نجدهما يتماثلان في العطاء، وفي الإخلاص والوفاء والأبداع، يخبرنا التلميذ عن معلمه فيقول: "لم يكن عضوا في تنظيم، ولكنه كان يسمح لنفسه أن يتدخل في شؤن كل التنظيمات من منطلق المحبة والحرص على الوحدة" ص308.
"...كان شعاره الإعلام للثورة لا لأي فصيل ولا لأي شخص" ص309.
"وقلائل هم الذين يعرفون أن كمال عندما استشهد خلف وراءه ديونا كثيرة
وقلائل هم الذين يعرفون أن كمال لم يستطع أن يشتري سيارة إلا عندما قررت اللجنة التنفيذية التبرع له بسيارة، قدمتها إحدى التنظيمات..
وقلائل هم الذين يعرفون أن كمال ناصر كان لا يستطيع أن يدفع أجرة شقته لولا خمسمئة ليرة لبنانية شهريا كان يتقاضاها من تنظيم معين" ص310.
ومن أقواله: "علينا أن ندرك أن الثورة بدون فكر هي مجموعة من العصابات" ص344.
وعندما تم بحث اسم المجلة الناطقة باسم الثورة الفلسطينية قال: "طرح اسم المجلة للبحث وتعددت الاقتراحات .. وكنها في معظمها كانت حول كلمة فلسطين ... وسكت كمال طويلا .. ثم قال وجدت الاسم: فلسطين الثورة" ص344، وهو اسم المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبخوص تعامله مع الزملاء في هيئة التحرير: "...وإذا رأيتم إدخال أي تعديل لا تتحرجوا .. أفعلوا ذلك ولكن أخبروني عنه...إننا نعمل أسرة واحدة" ص346. 
وبخوص إنسانية هذا القائد: " مرتان رأيت فيها كمال ناصر يبكي..
المرأة الأولى: عندما استشهد غسان كنفاني
... وبدأ يقرأ:
لو تجدي الكلمات لاستنهضتك من لحدك
كان يرتجف وهو يقرأ..
والمرة الثانية:
كانت عندما جاءت أمه من بيرزيت ..
اصطحبها معه إلى مكتبه في دائرة الاعلام ..دعا كل جهاز مكتبه ليجلسوا معها.. عرفهم عليها واحدا واحدا..
...يسألها عن حواكير بيرزيت، عن شوارعها، عن زيتونها، عن الأهل والخلان.. كان يسأل عن كل شيء ... ويتلذذ بسماع كل شيء.
قال: لقد سافرت .. أتعرف، عندما ودعتها شعرت أنه الوداع الأخير .. لقد كبرت أمي.. وبكى يومها كمال" ص349و350.
هذا الوفاء من التلميذ للمعلم، يشير إلى أن العمل الوطني الفلسطيني كان عملا طاهرا كطهارة الأرض والأنبياء، وواهما كل من يعتقد أننا كنا مجرد ناس عاديين، بل كنا عمالقة، عمالقة بإنسانيتنا وعطاءنا ومواقفنا وفعلنا، لهذا علينا التقدم من جديد إلى تلك الجذور النقية والصافية، فبدونها لن نستطيع التقدم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح.
الاردن وأيلول 
من يقرأ كتاب " سيرة الأرجوان والحبر الثوري" يعلم حجم الضربة التي تلقاها الشعب الفلسطيني في أيلول، والأثر السلبي على الثورة الفلسطينية، فنجد العيد من المقالات تذكر ما حدث في أيلول وبحسرة، وكأن تلك الأحداث هي التي قسمت ظهر الفلسطيني وثورته، فما هو السبب وراء هذه الحسرة والألم؟ يجيبنا "حنا مقبل: "كانت دائما في مخيلته جريدة ن فتح، المتواضعة شكلا وطباعة وإخراجا، والتي وصل رقم مبيعاتها أكثر من مئة ألف نسخية يوميا.. .
نكرر، كانت تبيع مئة ألف نسخة..
فماذا لو كانت توزع مجانا..؟!" ص99، إذن المد الثوري في الأردن كان في ذروته، حيث أن هناك أكبر تجمع للفلسطينيين في الأردن، كما يوجد اطول حدود مواجهة مع فلسطين المحتلة، كل هذا جعل من احداث أيلول غصة لم تفارق وجدان أي فلسطيني، وهذا ما جعل "كمال ناصر" يقول: "أنا ضد الإرهاب..
الشاعر لا يمكن أن يكون مع الإرهاب.. ولكني لا استطيع إلا أن افهم ظاهرة أيلول الأسود" ص347و348. 
وعندما كانت أوضاع الفلسطينيين في لبنان تسوء، لم يجدوها أسوء مما حدث في أيلول، رغم أنها في لبنان كانت أطول بكثير من مأساتهم في الأردن، في الأردن خلعوا من أقرب مكان يُوصلهم إلى فلسطين الوطن، ويربطهم بشعبهم، يقول "حنا مقبل": "أمام الفلسطيني تجربة غنية .. تعلم منها جيدا.. ولن تتكرر مأساة الأردن..
لن تتكرر أبدا" ص117
ونجد الموقف السلبي المطلق من النظام الأردني من خلال ما فعله بالمناضلين الفلسطينيين والعرب: "..اعتقال ثلاثة من الفدائيين بعد أن طاردتهم بالسلاح لتمنعهم من دخول الأرض المحتلة.
... ففي سجون الأردن مئات منهم...
...من قمع ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق والتآمر على وحدة مصر وسوريا وانتهاء بدوره التخاذلي في حرب تشرين .. مرورا ببحور الدم عبر حرب الإبادة في أيلول ومجازر جرش!" ص166و167 .
أما عن الأحوال التي عاشها الفلسطيني في ظل النظام الأردني فيقول عنها: "وكان وقتها يكفي أن تسمع لإذاعة صوت العرب، طيب الله ثراها، حتى تكون زنديقا شيوعيا خائنا تستحق السجن .. وانت وصاحب الراديو وصاحب المحل الذي باع الراديو.. وصانع الراديو أيضا إذا استطاعوا الوصول إليه!!" ص175.لهذا نجد الموقف المتناقض بين النظام الرسمي العربي والثورة الفلسطينية، فهناك تناقض في الاتجاه والسلوك والفعل والتفكير، وما يحسب للثورة الفلسطينية أنها رفضت الهزيمة أو الاستسلام في حرب 67: "وعندما صمت كل الرصاص في حزيران، وحده الرصاص الفلسطيني ظل يقاتل..
وإذاعة دمشق التي كانت تذيع بيانات الموافقة على وقف إطلاق النار.. كانت تذيع أيضا بلاغات الثوار الفلسطينيين" ص153. 
احتلال القدس
القدس، عاصمة الفلسطيني، التي خذلها النظام الرسمي العربي، تعد من الضربات الموجعة التي وجهة للفلسطيني ولفلسطين، فعندما واجه الفلسطيني بسلاحه المتواضع الجيش الذي لا يقهر في الكرامة، وأوقع به شر هزيمة، تأكد أكثر، لو كانت هناك جيوش تقاوم في القدس لما تم احتلالها، يحدثنا "حنا مقبل" عن الظروف التي سبقت احتلال القدس: "... قال الملك: لا تخافوا، هناك فرقة كاملة من الجيش الأردني مهمتها الدفاع عن القدس!!
قيل للملك: ولكن لماذا لا يجري تسليح جماهير القدس لتدافع عن مدينتها إذا ما تعرضت للعدوان؟!
أجاب: اطمئنوا لن يدخل اليهود القدس إلا على جثتي!
... ذهب وفد منهم إلى نحافظ القدس يطلب السلاح.. وذهبت وفود أخرى تدق أبواب المسؤولين "أعطونا ما نحارب به.."
... وكان الجواب سنتصل بعمان ... سنرتب كل الأمور ..! 
قد تندلع الحرب في أية لحظة..
في الخامس من حزيران بدأ توزيع بضع بنادق!
ولكن الفرصة كانت قد ضاعت..
والفرقة المفروض أنها تدافع عن القدس.. لم تكن أكثر من كتيبة ألقت السلاح وراح جنودها يبحثون عن لباس مدني ليهربوا باتجاه النهر.. وازدهرت يومها ثياب النساء!! وكان من الطبيعي أن تسقط القدس بدون مقاومة تذكر .. فشبابها كان دائما في السجون.. وكان وجود طلقة واحدة في أي بيت كفيلا بهدم حياة البيت كله.
لم يدافع النظام الأردني عن القدس.. ولم يبذل أي جهد لحمايتها بل أكثر من ذلك افقدها قدرتها الدفاعية، وقدراتها الحياتية، أيضا، فعمل على نقل ما فيها من مصانع إلى عمان.. وكان يرفض إقامة أي مشروع حيوي فيها، مصرا على أن تكون عمان مقر كل المشاريع" ص134و135، لهذا كان هناك موقف حاسم من النظام الرسمي العربي، فهو من ساهم ومهد لاحتلال المدينة، إن كان قبل الحرب أو أثناء الحرب.
من هنا نقول أننا أمام كتاب مهم مجدا، لمعرفة حال وواقع الثورة الفلسطينية، وحال النظام الرسمي العربي تجاه قضايانا المصيرية.
الاخوان المسلمين
رغم أن الكتاب يتجاوز خمسمئة صفحة إلا أن الكاتب لا يتطرق إلى الاخوان المسلمين إلا في مواقف واحد، وهذا الأمر يشير إلى أنهم لم يكن لهم أية فاعلية على أرض الواقع، على أرض الثورة الفلسطينية، فلم تكن تهميهم قضية فلسطين، لا من ناحية وطنية ولا من ناحية دينية، فهم كانوا في سبات (أهل الكهف) يتقلبون في كهفهم ذات اليمن وذات الشمال، يرجون أن يأتي الله بأمره، فيتكلم الحجر والشجر ويقولان: "يا مسلم تعال، خلفي يهودي، تعال فقتله".
إلا أن هذه العزلة لم تكن كاملة في الكهف، بل كانوا أحيانا يخرجون فيتكلمون بكلام يعبر عن حرصهم وتعلقهم بالدين القويم، فبماذا تكلموا؟ وبماذا تحدثوا؟:
"وعندما كتبت إحدى المجلات الكويتية افتتاحية ضد قيادة الثورة لأنها تسلم إعلامها لكمال ناصر ـ المسيحي ـ غضب كمال، لكنه أيضا تصرف بحكمة المسؤول، قال أنا أعرف كاتب المقال وأعرف أنه موظف عند أحد قادة الاخوان المسلمين الذين تسللوا في غفلة من الزمن إلى موقع "نضالي"" ص308. 
الكتاب من منشورات التحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، الطبعة الأولى 2017.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,268