جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
للزملاء وعامة القراء الذين يحبون المحاورات الثقافية ................... إليكم :
حوار الدكتورة عزيزة شراد (جامعة الجزائر) مع الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقديم : ارتأينا من خلال هذا الحوار الوقوف مع البرفيسور بومدين جلالي (أستاذ الأدب المقارن بجامعة الدكتور مولاي الطاهر / سعيدة ) للحديث حول الصلات التي تربط الأدب بالفنّ عموما، وانفتاح المتن الأدبي على المتون الفنية الأخرى، خصوصا البصرية (اللوحة التشكيلية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د . عزيزة شراد - س1 : -
لا شك أن الصلات التي تربط الفنون بعضها ببعض عرفت منذ القدم ، و المؤكد أن النقاد لم يغفلوا هذا الموضوع ، فمن من هؤلاء تحدث عن علاقة الفنون وصلاتها؟
أ . د . بومدين جلالي - ج 1 : -
"" الشعر ضرب من التصوير "" هذا ما قال الجاحظ قديما، ويمكن أن نقول اليوم "" التصوير ضرب من الشعر "" بعكس المقولة بناء على أسبقية فن التصوير على فن الأدب ... فالقصيدة صورة والصورة قصيدة في مشهدية حيّة داخل تعانُق الألوان أو تلامُسِ الكلمات... ولعل ذلك هو ما قاربه بلوتارك / Plutarque قبل ذلك بقرون حين قال "" الشعر تصوير ناطق والتصوير شعر صامت "" ... وهو أيضا ما اشتغل عليه لاحقا شارل- أنتوان كويبال / Charles-Antoine Coypel في القرن الثامن عشر حين استوحى لوحاته من المسرح ...
وهكذا نرى أن العلاقة بين الفنون لها من قاربها عند الإغريق مع بلوتارك وعند العرب مع الجاحظ وعند الفرنسيبن مع كويبال، وتبقى القائمة مفتوحة ... مع التنبيه إلى أن هذا المنحى لم يكن عاما لأن هناك من رأى أن الفنون متوازيات ...
د . عزيزة شراد - س2 : -
إنّ مجال البحث عن علاقات انفتاح النص الأدبي على الفنون من ضمن ما ندد به الاتجاه الجمالي الفني الذي ثار على الاتجاه التاريخاني ، فكيف استطاع الأدب المقارن احتواء هذا المجال الفني وجمعه بالأدب؟
أ . د . بومدين جلالي - ج 2 : -
الاتجاه التاريخي الوضعي أسس مقارباته النقدية المقارنية على مقارنة الأدبي بالأدبي فقط كما نظّر لذلك جوزيف تكست، وفرنان بالدينسبرغر، وبول هازارد ، وبول فان تيغم ، وماريوس فرنسوا غويار ، وغيرهم ... وربط ذلك بالصلات التاريخية الثابتة بين اللغات والثقافات والحضارت كالترجمة ومعرفة اللغات الأجنبية والجوار وما يجري هذا المجرى بمشروطية التلقي الإيجابي وما ينجر عنه من تأثير وتأثر بما بينهما من هجرة للأفكار والجماليات ومختلف التقنيات الإبداعية، وكان الهدف من ذلك هو تصحيح كتابة التاريخ الأدبي وإيجاد مساحات للتحاور بغية التعارف والتعايش بين الأنا والآخر إلا أن الإغراق في الدوغمائية حوّل الأدب المقارن من أدبيته التأسيسية إلى مجرد تاريخ للعلاقات الأدبية الأبدية بين الدول والحضارات ... وهذا ما جعل الاتجاه الجمالي الفني - النقد الجديد - يبرز معرضا مقوضا للتاريخية الوضعية مع رونيه ويلك وأوستين وارن وهنري ريماك وأوين أولريدج وغيرهم بعودته إلى أدبية الأدب الموجودة في البنيات الجمالية للنصوص ودفع الأمر كثيرا إلى الأمام باشتغال مقارنيته على جمع الأدبي باللاأدبي كالرسم والنحت والسينما وما إلى ذلك، لكن هذا الدفع المتوسع بغير حدود جعل الأدب المقارن يخرج مرّة ثانية من أدبيته ويختلط بما يجاوره من فنون وعلوم إنسانية، وكانت الإشارات الأولى إلى ذلك مع ستيفن توتوسي في تأليفه المنظّرة للتحول الذي حدث مع أواخر القرن العشرين من النقد الأدبي المقارن إلى النقد الثقافي المقارن ...
د . عزيزة شراد- س 3 : -
يعتبر التلاقح بين النصوص أمرا طبيعيا عرف منذ القدم مع النقاد القدامى بما يعرف بالسرقات الأدبية ، وعند الغرب بالنص الجامع و الحوارية و التناص ، ولكن عند الخروج من حيز التعالقات النصية (أدبيا) والتحري عنها من خلال فنين من طبيعتين مختلفتين تماما ، هل يصح أن يطلق عن ذلك تناصا؟
أ . د . بومدين جلالي - ج 3 : -
التبادل والتفاعل - بين المبدعين في إبداعاتهم - الواردان بمسميات متعددة في نص السؤال أصبحا حاليا تحصيل حاصل ومن أكثر الأمور طبيعية في كل الثقافات البشرية بما فيها من إبداع أدبي... وإذا ما خرجنا من الأدب إلى غيره من مختلف الفنون فالإشكال القائم ليس هو استعارة مصطلح التناص من عدمه ... فالتبادل التفاعلي موجود بين الفنون كلها، فكما تهاجر النصوص من لغة إلى لغة تهاجر أيضا دلالاتها وجمالياتها من فن إلى فن، ولنا الأسوة الكاملة في ألف ليلة وليلة العربية، ففنتازيتها الأسلوبية وسحريتها الإيحائية نشأتا عربتين بتأثيرات الديانات والثقافات الشرقية المتعددة المتنوعة ثمّ خرجتا تدريجيا إلى معظم اللغات والثقافات البشرية ونشأ عن ذلك - بداية - تيار أدبي ألف ليلاوي في الكتابات العالمية ثم خرج ذلك التيار من الأدبي الخالص ودخل إلى اللاأدبي بتنوعاته الواسعة كمسرح خيال الظل والرسم الفني / الزخرفة والنحت / العمارة والموسيقى وغيرذلك، وانتهى خلال العصر الحديث في الفن السابع / السينما، وأخص بالذكر في هذا المجال الأفلام الكرتونية مع والت ديزني ومن حذا حذوه ... ويمكن أن ندرج هذا في محاكاة المحاكاة مع المحافظة على الخصوصية الذاتية لكل فن قائم ذاته ... وآخر مقارن عربي تحدث عن موضوع السينما هذا وعلاقته بالأدب، بمنهجية دقيقة ومعرفة راسخة، هو سعيد علوش في مقاربته لجدل النصي بالسينمائي ... ومن الدراسات الجيدة التي اشتغلت على الأدبي واللاأدبي مؤلف عثمان بلميلود الموسوم بـ "" صورة الصحراء الجزائرية بين إتيان دينيه (رسام) وإيزابيل إبرهارت (كاتبة) "" ... وقد تحدثت مطولا عن هذه الدراسة في الفصل الثاني من الباب الثالث في كتابي "" النقد الأدبي المقارن في الوطن العربي "" الذي صدر في 2012 .
د . عزيزة شراد - س4 : -
من بين النظريات التي أكدت وحدة الفنون الجميلة ما جاء به إتيان سوريو الذي يشدد على العلاقة التآلفية بين الفنون ، ما هي قراءتكم لذلك ؟
أ . د . بومدين جلالي - ج 4 : -
إتيان سوريو لم يطرح نظرية بمفهوم النظرية الدقيقة وإنما قدّم فلسفة جمالية استنتاجا من مقارنته بين الفنون الجميلة كما فعل مثلا في كتبه "مستقبل علم الجمال" و" الكون السينمائي" و"الشعر الفرنسي والرسم" وغيرها... وهو في مجمل مقارباته يعرض مختلف علاقات التآلف بين الفنون ... ويكمن فضل منجزه في كونه أخرج هذا التآلف الموجود بين مختلف أشكال التعبير الفني من دائرة التجزيء الذي لا يرى الأمور في شموليتها والانطباع السريع الذي لا يقف على التفاصيل من إطار الإرهاصات العامة التي تمّ تناولها في الإجابة عن السؤال الأول إلى إطار الطرح الفلسفي المحدد لمفاهيمه ... وهذا أمر جيد من منظور ثلاثة مستويات، أولها مستوى المبدع الأديب أو الرسام أو النحات أو الموسيقي أو غير ذلك الذي انفتح الأفق أمامه ولم يبق حبيس فنه، وثانيها مستوى الناقد الذي أصبح بإمكانه مقاربة فن معين بأدوات فن أو فنون أخرى من غير حرج، وثالثها مستوى المتلقي المثقف ثقافة عامة الذي أتيحت له فرصة الاستمتاع بالقطعة التي تحرك تلافيفه وفق رؤى متعددة مختلفة متكاملة ، مثلا لقد أصبح بإمكان المتلقي أن يتذوق تحفة من التحف الفنية بالأحاسيس التي تصلح للأدب والموسيقى والنحت والرسم وغير ذلك كما يحدث حين مشاهدة فيلم سينمائيّ عظيم تلتقي فيه وتتآلف بعبقرية جماليات الفنون كلها أو جلها ...
د . عزيزة شراد - س5 : -
قال الشاعر : الشعر كالرسم إلهام وإبداع والرسم كالشعر إشراق وإشعاع وهنا نقف عند حوارية بين خطابين أحدهما مقروء و الآخر مرئي تجعلنا نسلم بالعلاقة بين فن مادي وفن آخر مجرد يصفها الفنان التشكيلي محمد بوكرش بالعلاقة التي تصل حد الوحدة والتكامل ، إن كان كذلك فكيف يتم التعامل مع هذا النوع من المقارنات من منظور الأدب المقارن؟
أ . د . بومدين جلالي - ج 5 : -
الفنان محمد بوكرش رسّام نحّات من صنف الكبار، وله مني أنيق الإعجاب وعميق التقدير ... وفيما يخص ما ذهب إليه من أنّ العلاقة بين الفنون "" تصل حد الوحدة والتكامل "" كما نصّ على ذلك سؤالك، فأنا أختلف معه اختلافا جذريا في الجزء الأول من العبارة وأتفق معه اتفاقا تاما في جزئها الثاني ... فالفنون يمكنها أن تتضاهي أو تتحاكى أو تتقارب أو تتشارك في استثمار تيمة معينة ولكنها لا يمكن أبدا أن تصل إلى الوحدة التي أشار إليها الفنان في الجزء الأول من عبارته لأن موادها الأولية مختلفة ( الكلمة للأدب، النغم للموسيقى، المادة الصلبة للنحت، اللون للرسم، الحركة للرقص، إلخ )، وتقنيات تشكيلها فنيا مختلفة، وطرق إنجازها مختلفة، وقيمتها الجمالية مختلفة، ومساراتها الوجودية مختلفة، وتأثيراتها في المتلقي مختلفة، وغاياتها القريبة والبعيدة مختلفة، ولا يمكن أن تتحول هذه الاختلافات المتعددة بينها وحتى على مستوى الفن الواحد منها إلى "" وحدة "" في نهاية المطاف، اللهم إلا إذا كانت هذه "" الوحدة "" ذات دلالة لم ترد ضمن معنى من معاني القواميس الجامعة للغة المنطوقة والمفسرة لإحالاتها في الحياة ... و"" التكامل"" الوارد في الجزء الثاني من العبارة أمر صحيح واقع وذلك بحكم أن الفنون - إجمالا وتفصيلا، من قديم الزمان إلى راهنه إلى مستقبله - لها أهداف ذات طابع تطهيري ترقوي إمتاعي إستئناسي مرتبط بإنسانية الإنسان، وهذا ما لا يستطيع تحقيقه فن واحد، إن على مستوى البشرية قاطبة أو حتى على مستوى الفرد الواحد منها في مراحل وجودية مختلفة، ومن التكامل بين الفنون يمكن للإنسان المتحضّر أن يتطهر ويترقى ويستمتع ويستأنس طوال دوام الدوام .
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية